وضع داكن
18-04-2024
Logo
الدرس : 074 - قال تعالى - قال تعالى (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ )
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد، وعلى آله وأصحابه الطيّبين الطاهرين، أمناء دعوته، وقادة ألوِيَتِه، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وُحول الشهوات إلى جنّات القربات.

من يتبع هواه وفق هدى الله لا شيء عليه :

 أيها الأخوة الكرام؛ الإنسان أودع الله فيه الشهوات، وحركته من خلال شهوته تصل إلى مئة وثمانين درجة، لكن الشرع العظيم سمح له بمئة درجة، والحركة في هذه الثمانين محرمة، أودع فيه حبّ المرأة، نشاطه بالزواج فقط، أودع فيه حبّ المال، نشاطه في المال الحلال، ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل قناة نظيفة تسري خلالها، ليس في الإسلام حرمان، ولكن يوجد تنظيم، ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل قناة نظيفة تسري خلالها، والدليل:

﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ﴾

[ سورة القصص : 50 ]

 المعنى المخالف عند علماء الأصول: الذي يتبع هواه وفق هدى الله لا شيء عليه، وضعه طبيعي جداً، فلذلك شيء طبيعي جداً أن يكون الصبر أحد مرتكزات الإيمان، لذلك ورد في الحديث الشريف:

(( الإيمان نصفان نصفٌ صبرٌ ونصفٌ شكرٌ ))

[البيهقي في شعب الإيمان عن أنس]

 لذلك ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم:

(( عَجَبا لأمر المؤمن! إنَّ أمْرَه كُلَّه له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابتْهُ سَرَّاءُ شكر، فكان خيراً له، وإن أصابتْهُ ضرَّاءُ صَبَر، فكان خيراً له ))

[ مسلم عن صهيب الرومي ]

 بكل أحواله هو في نعمة، لأن الله عز وجل:

﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾

[ سورة لقمان : 20 ]

المصائب ضرورية لسلامة الإنسان و سعادته :

 من أجمل تعريفات النعم الباطنة المصائب، الطعام والشراب والصحة والمكانة والغنى نعم ظاهرة، والمصائب معالجات إلهية، لذلك هناك مثل دقيق؛ السيارة علة وجودها السير، صممت لتسير، ومع ذلك فيها مكبح، والمكبح إيديولوجياً يتناقض مع علة سيرها، المكبح يوقفها، لكن المكبح ضروري جداً جداً لسلامتها، دور المكبح أخطر من دور المحرك، المحرك اندفاعي، المكبح إيقاف، فإذا اندفع المحرك نحو دهس امرئ، سجن الشخص و طولب بدفع دية بمبلغ فلكي، المكبح مهمته الإيقاف، فكما أن الإنسان خلق للسعادة، فالمصائب تتناقض إيديولوجيا مع السعادة لكنها ضرورية جداً لسلامته، لذلك:

(( الإيمان نصفان نصفٌ صبرٌ ونصفٌ شكرٌ ))

[البيهقي في شعب الإيمان عن أنس]

 لا يوجد إنسان إلا مبتلى، قال تعالى:

﴿ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾

[ سورة المؤمنون: 30]

 الإمام الشافعي رحمه الله تعالى سئل: أندعو الله بالتمكين أم بالابتلاء؟ قال: لن تمكن قبل أن تبتلى. اعتقد يقيناً لا يمكن لواحد منا أن يشم رائحة الجنة من دون ابتلاء، والابتلاء أنواع، من هنا قال النبي صلى الله عليه وسلم:

(( إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء....))

[ كنز العمال عن ابن عمر ]

 عنده أولاد لكنه لا يملك المال، يملك المال لا يوجد عنده أولاد، الأولاد صالحون الزوجة سيئة، الزوجة ممتازة الأولاد ليسوا كما تتمنى، الزوجة والأولاد جيدون مكان عملك متعب، عندك مدير دائرة متعب جداً، أي لا بد للمؤمن من زلة أو قلة أو علة، هذه الأشياء الثلاثة تحفزه للدار الآخرة، لو أن الدنيا كما نتمنى لكرهنا الموت، ولحكمة بالغة بالغة بالغة الإنسان يصل إلى درجة يرى الموت من نعم الله الكبرى، الموت أحياناً، كان مثلاً الإنسان يتمتع بملكاته وحواسه وأعضائه تمتعاً كاملاً، كيف؟ هذه الطاولة لماذا وضعت هنا؟ من أجل كومبيوتر ومصاحف وساعة وهاتف ولاقط، أوزان هذه الحاجات واحد من ألف على مقاومتها، تحتمل ثمانية أشخاص لو وقفوا عليها، وكل واحد مئة كيلو، تتحمل ثمانمئة كيلو، وزن ما عليها يقدر بخمسة وعشرين كيلو، عندها قوة تحمل ألف ضعف عن استعمالها، لو كان القلب الرئتان الكليتان المعدة فيهم هذه الصفة ألف ضعف عن استعمالها لما كان هناك مرض، إلا أن الإنسان بالتعبير العلمي الدقيق: سريع العطب، أي نقطة دم لا ترى بالعين تتجمد في بعض أوعية الدماغ شلل، على الكرسي مستلق على ظهره، أعرف شخصاً بقي ثلاثين سنة مشلولاً، الإنسان أحياناً يموت بثانية، إمام مسجد في الشام صلى الظهر ومع أذان العصر صلوا عليه في المسجد نفسه، الظهر صلى بالناس إماماً وعند العصر صلي عليه.

 

العاقل من يعد ليوم الحساب عدته :

 مرة كنت في المغرب محل بسيط جداً واضع لوحة صغيرة وراء البلور، اللوحة تقول: صلّ قبل أن يصلى عليك، الإنسان يدخل إلى المسجد طوال حياته قائماً ويرجع قائماً إلا مرة واحدة يدخل أفقياً، كل بطولتك وذكائك وعقلك وكياستك وتوفيقك وتفوقك أن تعد لهذه الساعة التي لا بد منها.

(( الإيمان نصفان نصفٌ صبرٌ...))

[البيهقي في شعب الإيمان عن أنس]

 الجانب المحرم من الشهوات، هذه امرأة لا تحل لك ممنوع أن تملأ عينك من محاسنها، يقول لك: الحمد لله أنا مستقيم لكنه لا يغض بصره، سهرة الكنائن كلهم موجودون مع بعضهم، هذا يشاهد امرأة أخيه وامرأة أخيه الثاني، كل واحدة لها شكل، وكل وحدة عندها ميزات، لم يتكلم شيئاً، شخص محترم جداً، لكنه ملأ عينيه من محاسن كل هذه النساء الأجنبيات، قال النبي صلى الله عليه وسلم:

((... الْحَمْوُ الْمَوْتُ))

[متفق عليه عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ ]

 تستطيع أن تتكلم معها، تستطيع أن تبتسم، تذكر طرفة تضحك، هذه بعض المخالفات في الدروس كلها، زوجة الأخ أجنبية، بل الموت، لأنك تستطيع أن تتكلم معها وتجلس معها جلسة طويلة، وممكن أن تأتي بغياب أخيك.

 

الصّبر أحد جوانب الإيمان :

 لذلك أيها الأخوة الكرام؛ من تعريفات الصبر ترك الشكوى من ألم البلوى، وهو حبس النفس عن الجذع، واللسان عن الشكوى، الصبر أحد جوانب إيماننا.

(( الإيمان نصفان نصفٌ صبرٌ ونصفٌ شكرٌ ))

[البيهقي في شعب الإيمان عن أنس]

 هناك مثل دقيق جداً؛ أحياناً يذهب الأب بابنه إلى طبيب الأسنان، هذا الطفل يجلس من الألم يصرخ ويمسك يد طبيب الأسنان، وقد يصيح، تجد إنساناً كبيراً راشداً عاقلاً، يقول له الطبيب: سنك لا يتحمل المخدر، بعد السبعين لا يوجد مخدر، المخدر له مشكلة، وله أفعال سلبية على القلب، لكنك ستشعر بألم، أريد أن أقلع الضرس وعند سحب الضرس ينقطع العصب، وعند قطع العصب هناك ألم شديد جداً، يجب أن تتحمل، يتحمل، الطفل لا يوجد عنده إمكانية أن يفهم فيصيح، بقدر علمك تصبر، بقدر معرفتك بالله تصبر، لا يمكن أن يكون فعل الله إلا فعلاً خيراً في النهاية، في نهاية المطاف.

الصّبر مؤشر على معرفة الله عز وجل :

 لذلك قال تعالى:

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾

[ سورة الشعراء:88-89]

 من أدق تعريفات القلب هو القلب الذي لا يشتهي شهوة لا ترضي الله، و لا يصدق خبراً يتناقض مع وحي الله، ولا يعبد غير الله.
 إذاً الصبر أحد أركان حياتنا:

(( الإيمان نصفان نصفٌ صبرٌ ونصفٌ شكرٌ ))

[البيهقي في شعب الإيمان عن أنس]

 لذلك ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم:

(( عَجَبا لأمر المؤمن! إنَّ أمْرَه كُلَّه له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابتْهُ سَرَّاءُ شكر، فكان خيراً له، وإن أصابتْهُ ضرَّاءُ صَبَر، فكان خيراً له ))

[ مسلم عن صهيب الرومي ]

 وطن نفسك لا بد من الابتلاء لئلا تفاجأ، لا تصدق مرة ولا تصدق ألف مرة أن تحصل على حياة ناعمة، وزوجة تروق لك، وأولاد أبرار، وبنات صالحات، وأصهار كأنهم أولادك، ودخل كبير، وصحة طيبة، وولائم، وسهرات، ونزهات، ولقاءات، وعزائم، ثم إلى الجنة رأساً، هذه لا نشمها كلنا، قال تعالى:

﴿ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾

[ سورة المؤمنون: 30]

 سيد الخلق وحبيب الحق وسيد ولد آدم قال النبي صلى الله عليه وسلم:

(( لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد، ولقد أخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أتت عليّ ثلاث من بين يوم وليلة ومالي طعام إلا ما واراه إبط بلال))

[ الترمذي عن أنس بن مالك]

 أي رغيف خبز، وهو سيد الخلق وحبيب الحق وسيد ولد آدم، لذلك الصبر مؤشر على معرفة الله، المؤمن يصبر والكافر عند المصيبة يكفر، معظم الناس غير المؤمنين لأول شيء مزعج يسب الدين رأساً، هذا سبّ الدين ردة، شيء خطير جداً أن تسب الإله لشيء بسيط جداً، البعيد عن الله عز وجل والعياذ بالله يفعل هذا، مرة أحدهم أوقف سيارته بشكل صعود خفيف، يبدو أن المكبح لم يكن مضبوطاً فرجعت سيارته للخلف قليلاً فأصاب طرف السيارة التي خلفه، صاحب السيارة سبّ الدين، وسبّ الإله، بعد ذلك الذي كان السبب بسيارته، قال له: لو كلفت مليوناً عليّ، اذهب إلى المصلح، هذا الصاج أخذ شكلاً فله طريقة معينة دفعها قليلاً رجعت كما كانت، الصاج دخل قليلاً إلى الداخل بدفعة بسيطة رجع باعتباره منحن أخذ وضعه، لا تحتاج إلى بخ ولا إلى شيء، لكنه سبّ الدين خمسين مرة، قال له: والله لو شاهدت سيارتي دمرت كلها أقول: الحمد لله، هناك فرق بين المؤمن وغيره كبير جداً.

 

الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين :

 هناك صبر و إيمان بالله، تعرف أن الله حكيم، كل شيء وقع أراده الله، هذا الإيمان، مرة قال لنا دكتور في الجامعة، أستاذ علم النفس قال: لا تصدقون أن نسب الأمراض النفسية في العالم الغربي بالمئة مئة وسبعة وخمسون، ما معنى هذا الكلام؟ قال: مئة معهم مرض وسبعة وخمسون مصابون بمرضين نفسيين، قال: هذه الظاهرة السلبية في المجتمعات الغربية ليست موجودة في الشرق الأوسط بفضل الإيمان.
 ما جاءه أولاد هكذا إرادة الله، هو راض، لأنه في جنة، هذه الجنة فيها ترميم، ترمم كل شيء، لم يحظ بزوجة كما يتمنى هناك جنة، كان فقيراً هناك جنة، لذلك اسمعوا هذه الكلمة الدقيقة: الحظوظ؛ المال حظ، الصحة حظ، الوسامة حظ، المكانة حظ، الحظوظ في الدنيا موزعة توزيع ابتلاء، أنت غني، ابتلاك الله بالغنى، مادة امتحانك الغنى، أنت فقير، ابتلاك الله بالفقر، مادة امتحانك في الفقر، أنت صحيح، مادة امتحانك الصحة، لا سمح الله سقيم، مادة امتحانك المرض، وضعك الحالي بإيجابياته وسلبياته مواد امتحانك، مثل حاد: إنسان غني لم ينجح في امتحان الغنى، تكبر وبخل واستعلى فرسب، وآخر فقير نجح في امتحان الفقر، صبر وتعفف، فالذي نجح في امتحان الفقر له جنة إلى أبد الآبدين، والذي تمتع بالمال عشر سنوات سيعاني من عقاب إلى أبد الآبدين، فالبطولة في الآخرة وليس في الدنيا، فإذا جاء الشيك بخلاف ما تتمنى وصبرت، قالوا: الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين، علامة يقينك أن ترضى بمكروه القضاء، ما جاءك أولاد الحمد لله، قال تعالى:

﴿ وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيم ﴾

[ سورة الشورى: 50]

 لا يوجد مشكلة، دخلك محدود، حولك أقارب كلهم دخلهم غير محدود، خير إن شاء الله، صابر:

(( مَنْ أصبَحَ منكم آمِنا في سِرْبه، مُعافى في جَسَدِهِ، عندهُ قوتُ يومِه، فكأنَّما حِيزَتْ له الدنيا بحذافيرها ))

[ الترمذي عن عبيد الله بن المحصن ]

 أي التمتع بالصحة لا يعدلها نعمة، استيقظت صباحاً بوضع جيد، حواسك الخمس، قوتك، تحركت، صليت، توضأت، دخلت المسجد، هذه مليون نعمة، هناك شخص طريح الفراش، والله زرنا مريضاً بحمص شيء عجيب والله على الفراش من سبعة وثلاثين سنة، إلا أن مهمتنا أن نرفع معنوياته فرفع هو لنا معنوياتنا، ما هذا الرضا عن الله عز وجل؟ إنها نعمة لا تقدر بثمن، أن ترضى عنه، شخص يطوف حول الكعبة، قال: يا رب هل أنت راضٍ عني؟ كان وراءه الإمام الشافعي، قال له: يا هذا هل أنت راضٍ عن الله حتى يرضى عنك؟ قال له: سبحان الله! قال له: كيف أرضى عن الله وأنا أتمنى رضاه؟ هذا الكلام ما فهمه، قال له: إذا كان سرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله.
 بطولتك إن سمعت خبراً سيئاً تقول: الحمد لله، الحمد لله مئة بالمئة، معمل فيه مشكلة، محل احترق يا رب لك الحمد، بطولة المؤمن أن يقول: الحمد لله عند الخبر السيئ، لذلك قالوا: الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين.
 أيها الأخوة الكرام؛ التقوى مع الصبر طريق النصر، المعصية مع الصبر ما بعدها إلا القبر، أما الطاعة مع الصبر فما بعدها إلا النصر.
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور