وضع داكن
29-03-2024
Logo
ندوات مختلفة - السعودية : المحاضرة 03 - محاضرة في مدينة جدة - ضاحية المسرة - جامع السيدة عائشة: أهمية العلم وقواعد الدعوة إلى الله .
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارض عنا وعنهم يا رب العالمين. اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

حرص الإنسان على سلامته و سعادته واستمرار وجوده :

 أيها الأخوة الكرام؛ بداية تعليمنا جميعاً أن هذا الكون فيه جماد و نبات و حيوان و إنسان، الجماد شيء مادي له ثلاثة أبعاد؛ طول عرض و ارتفاع، وله وزن، وله حجم، ويشغل حيزاً في الفراغ، بماذا يزيد عليه النبات؟ شيء يشغل حيزاً، وله ثلاثة أبعاد، وله وزن لكنه ينمو، الحيوان شيء مادي يشغل حيزاً، وله ثلاثة أبعاد، وله وزن وينمو كالنبات لكنه يتحرك، أما الإنسان المخلوق الأول والمكرم والمكلف، شيء يشغل حيزاً، وله ثلاثة أبعاد، وله وزن وينمو كالنبات ويتحرك لكنه يفكر، إذاً أودع الله في الإنسان قوةً إدراكية، هذه القوة الإدراكية يتميز بها الإنسان على سائر مخلوقاته، فما لم تلبّ بطلب العلم هبط هذا الإنسان عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به، أما المستوى الذي لا يليق به فقد قال تعالى:

﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾

[سورة النحل: 21]

﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾

[ سورة الفرقان : 44]

﴿ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ ﴾

[ سورة المدثر : 50]

﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾

[ سورة المنافقون: 4 ]

﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ﴾

[ سورة الجمعة : 5 ]

 بين أن يكون خشباً مسندة وأنعاماً وكالدابة وبين أن يكون إنساناً، الفرق طلب العلم، لو استمعنا إلى أقوال أهل النار في النار، قال تعالى:

﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾

[ سورة الملك : 10]

 ما أزمة أهل النار بالضبط؟ أزمة علم، لماذا؟ لأن على وجه الأرض سبعة مليارات ومئتي مليون إنسان ما منهم واحد على الإطلاق يتمنى أن يكون فقيراً، أو مريضاً، أو شقياً، إذاً البشر جميعاً حريصون على سلامتهم، وعلى سعادتهم، وعلى استمرارهم، هذا الكلام ينطبق على سبعة مليارت إنسان، حريص على السلامة لا أحد يحب المرض، ولا الفقر، ولا القهر، حريص على السعادة، زوجة صالحة، بيت واسع، أولاد أبرار، مكانة اجتماعية، حريص على الاستمرار يعيش فوق المئة، أتكلم حتى الآن عن أشياء تخص البشر جميعاً من دون استثناء.

 

البحث عن الحقيقة هو الغاية من قراءة البحث والإيمان :

 لذلك أول كلمة في أول آية في أول سورة نزلت قال تعالى:

﴿ اقْرَأْ ﴾

[ سورة العلق : 1]

 لأن الإنسان يملك قوة إدراكية، جاء الأمر الإلهي، الوحي الإلهي بكلمة اقرأ، أي ابحث عن الحقيقة.
 أيها الأخوة الكرام؛ لكن القراءة من أجل أن تؤمن، قال تعالى:

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾

[ سورة العلق : 1]

 هذه القراءة سماها المفسرون قراءة البحث والإيمان، هذه أول قراءة، لكن الله عز وجل منحنا جميعاً نعمة الإيجاد، قال تعالى:

﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ﴾

[ سورة الإنسان : 1]

 كل إنسان لو قلب صفحات كتاب سطرت حروفه قبل الولادة أثناء تنضيد الحروف هل كان هذا الإنسان شيئاً مذكوراً؟ قال تعالى:

﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ﴾

[ سورة الإنسان : 1]

 إذاً تفضل الله علينا بنعمة الإيجاد، وتفضل علينا بنعمة الإمداد، أمدك بالهواء والطعام والشراب، بالأم بالأب، بالذكر، بالاختصاص، بالعلم، وتفضل الله علينا بعد نعمة الإيجاد والإمداد بنعمة الهدى والرشاد.

 

خيار الإنسان مع الإيمان خيار وقت فقط :

 لذلك أيها الأخوة الكرام؛ ما لم يبحث أحدنا عن الحقيقة، عن سرّ وجوده، عن غاية وجوده، عن حقيقة الحياة الدنيا، عن حقيقة الموت، عن حقيقة ما بعد الموت، عن حقيقة الجنة والنار هبط عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به، فخيارنا مع الإيمان خيار وقت، لماذا؟ لأن أكفر كفار الأرض فرعون، قال تعالى:

﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾

[ سورة القصص : 38 ]

 ثم قال:

﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾

[ سورة النازعات : 24]

 ماذا قال حينما أدركه الغرق؟

﴿ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ ﴾

[ سورة يونس : 90 ]

 معنى ذلك أن خيار الإيمان خيار وقت فقط لا خيار رفض، أنت كإنسان تملك مليون خيار رفض، هذا البيت لم يعجبك رفضت شراءه، هذا الصديق لم يكن لبقاً رفضت صحبته، هذه المرأة التي خطبتها لم تكن كما تتمنى رفضتها، أنت تملك مليون خيار رفض، إلا مع الإيمان تملك خيار وقت، فإما أن تؤمن بالوقت المناسب، أو أن إيمانك بعد الوقت المناسب لا قيمة له، ولا وزن له، قال تعالى:

﴿ لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً ﴾

[ سورة الأنعام : 158 ]

مرض الغفلة أخطر مرض يصاب به الإنسان :

 يا أيها الأخوة الكرام؛ لذلك ما قرئ تعريف جامع مانع قاطع رائع للإنسان كتعريف سيد التابعين الإمام الحسن البصري قال: الإنسان بضعة أيام ، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه. أنت زمن، بضعة أيام، لذلك قال تعالى:

﴿ وَالْعَصْرِ ﴾

[ سورة العصر: 1]

 العصر مطلق الزمن، قال تعالى:

﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾

[ سورة العصر: 1-2]

 جواب القسم إنك أيها الإنسان خاسر، لماذا؟ قال: لأن مضي الزمن يستهلكك، إذاً أنت وقت، دقق وقت كيف يمكن أن تنفقه؟ إما أن ينفق استهلاكاً كشأن معظم الناس، أو أن ينفق استثماراً، أنت إذا أكلت وشربت ونمت ثم استيقظت فأكلت وعملت وشربت ونمت، إلى أن تشعر بشيء طارئ في الصحة قد يؤدي هذا لمغادرة الدنيا، هذا الإنسان غفل عن سرّ وجوده، وعن غاية وجوده، وأخطر مرض يصاب به الإنسان مرض الغفلة، أنت المخلوق الأول السبب؟ الله عز وجل في عالم الأزل حينما عرض الأمانة على السموات والأرض والجبال، قال تعالى:

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ﴾

[ سورة الأحزاب : 72 ]

 لأن الإنسان في عالم الأزل في عالم الذر قبِل وحده مع الجن حمل الأمانة، كان الإنسان عند الله المخلوق الأول.

 

العبادة ثمن الجنة :

 أخي الكريم؛ لأنك من بني البشر أنت عند الله المخلوق الأول رتبة، ولأنك المخلوق الأول أنت موعود بجنة عرضها السموات والأرض:

(( فيها ما لا عين رأتْ، ولا أذن سمعتْ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ ))

[البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة]

 الآن لما قبلت حمل الأمانة الله عز وجل كلفك بعبادته، والدليل:

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

[ سورة الذاريات: 56]

 ما العبادة؟ هي طاعة، خضوع لمنهج، أنت أعقد آلة في الكون، لهذه الآلة صانع عظيم، ولهذا الصانع العظيم تعليمات التشغيل والصيانة، فأنت أيها الإنسان خلقت لعبادة الله، والعبادة ثمن الجنة، قال تعالى:

﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾

[ سورة الليل : 1-4 ]

الناس عند الله لا يزيدون عن نموذجين :

 يوجد سبعة مليارات ومئتا مليون إنسان وكل إنسان برأسه هدف يسعى إليه، لكن الله عز وجل لحكمة ما بعدها حكمة جمع كل هذه الخيارات على كثرتها في حقلين اثنين، قال تعالى:

﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى* فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾

[ سورة الليل : 1-6 ]

 صدَّق أنه مخلوق للجنة، بعد هذا التصديق اتقى أن يعصي الله، وبنى حياته على العطاء، صدق استقام أعطى، والذي رفض قبول الجنة بخل واستغنى وكذب بالحسنى، لأنه كذب بالحسنى - الحسنى هي الجنة- استغنى عن طاعة الله، وبنى حياته على الأخذ، الأول لأنه صدق بالحسنى خاف أن يعصي الله، اتقى أن يعصي الله، بنى حياته على العطاء.
 إذاً يقع على رأس الهرم البشري زمرتان كبيرتان هم الأقوياء والأنبياء، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا، الأقوياء ملكوا الرقاب، والأنبياء ملكوا القلوب، الأقوياء عاش الناس لهم، الأنبياء عاشوا للناس، ما من واحد من أهل الأرض إلا تابع لقوي أو نبي، فهنيئاً لمن كان من أتباع الأنبياء.

العاقل من عرف الله و عرف سرّ و غاية وجوده :

 أي إنسان مؤمن يفكر لدقائق، لساعات، قيل: ما كل ذكي بعاقل، الذكاء متعلق بالتفاصيل، قد تحمل دكتوراه بالفيزياء النووية ذكي لكن العاقل من عرف الله، العاقل من عرف سرّ وجوده، وعرف غاية وجوده، إذاً بالبداية لا بد أن نؤمن أننا مخلوقون للجنة، فما هي أصول الدعوة إلى الله؟ أن تعرف الناس بمكانة الإنسان عند الله، هو المخلوق الأول، قال تعالى:

﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾

[ سورة الرحمن : 1-4]

 الله عز وجل علم القرآن خلق الإنسان، ولا يعقل أن يعلم الإنسان القرآن قبل أن يخلق، لكن العلماء قالوا: هذا الترتيب ترتيب رتبي وليس ترتيباً زمنياً، بمعنى أن وجود الإنسان لا معنى له من دون منهج يسير عليه، الحاجة إلى المنهج كالحاجة لوجودك، لذلك أنت ليس لك خيار في الدين إما أن تكون ديناً تعرف الحقيقة، تأتمر بما أمر، تنهى عما عنه نهى وزجر، وإما أن الإنسان خرج عن سبب مجيئه للدنيا:

(( ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء ))

[ تفسير ابن كثير]

قواعد الدعوة إلى الله :

1 ـ القدوة قبل الدعوة :

 أنت كإنسان تعرفت إلى الواحد الديان، وأنت جئت إلى الدنيا من أجل عمل صالح، يصلح للعرض على الله، أعظم هذه الأعمال الدعوة إلى الله، قال تعالى:

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[ سورة فصلت: 33 ]

 أي ليس على وجه الأرض إنسان أفضل عند الله ممن دعا إلى الله لكن جاء سلوكه مطابقاً لدعوته، لم يكن هناك أي مسافة بين أقواله وأفعاله، هذا الذي يقرب العبد إلى الله.
 لذلك أول قاعدة من قواعد الدعوة إلى الله: القدوة قبل الدعوة، الإنسان ينتفع من طبيب ولا يهتم لسلوكه، ينتفع من مهندس، لكنه لا ينتفع من رجل الدين إلا إذا كانت أقواله مطابقة لأعماله، أو أعماله مطابقة لأقواله، أعظم شيء القدوة قبل الدعوة، مرة كنت مع الشيخ الشعراوي رحمه الله سألته مرة أن يقدم نصيحة للدعاة؟ قال لي: ليحذر الداعية أن يراه المدعو على خلاف ما يدعو.
 أنت قدوة، القدوة قبل الدعوة، أنت بيتك دعوة، علاقاتك مع الناس دعوة، العمل الذي تحترفه دعوة، يجب أن يشف الداعية في بيته في أخلاقه في حرفته وعمله عن الله عز وجل، لذلك أنا أقترح من هذه الأقوال الثلاثة الكون قرآن صامت، والقرآن كون ناطق، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي، فما لم ير الناس إسلاماً يمشي أمامهم، إن تكلم صادق، إن وعد يوفي بوعده، إن عاملته أمين، إن استثيرت شهوته عفيف، هذا الذي يصدق القدوة قبل الدعوة، هذا الكلام موجه للأب، للأم، للمعلم، للمدرس، لأستاذ الجامعة، لرئيس الدائرة، حتى أعلى منصب، القدوة قبل الدعوة، لن تستطيع أن تقنع الناس بدينك إن لم تكن مستقيماً على أمر الله، كنت مرة بألمانيا، بأكبر قاعة اجتمع عدد عال جداً علمت أن معظمهم مقدم تصريحاً كاذباً أنه لا يعمل، من خلال هذا التصريح يتقاضى مبلغاً جيداً جداً، تسعمئة يورو، قلت لهم: لن تستطيعوا أن تقنعوا واحداً من هذه البلاد بالإسلام وهذا المسلم مقدم تصريحاً كاذباً أنه لا يعمل.
لذلك أيها الأخوة الكرام؛ القدوة قبل الدعوة، ما لم تطبق دينك لا يعبأ بكلامك.

 

من لم يطبق ما يقول سقطت دعوته :

 أيها الأخوة الكرام؛ أنت أمام مواقف دعوية وتربوية أولاً كأب، كمعلم، كرئيس دائرة، أي إنسان معه مهمة تربوية، فما لم يطبق ما يقول سقطت دعوته، لذلك قال تعالى:

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[ سورة فصلت: 33 ]

 وأنا أقول لكم كلمة أخرى: هناك دعوة أنا سميتها: الدعوة الصامتة، لو لم تتكلم كلمة ولكنك صادق ما كذبت أبداً أمام أولادك، ولا أمام زوجتك، ولا تكلمت بكلمة لا تليق، ضبطت مشاعرك، حواسك، سمعك وبصرك، هذه الاستقامة في البيت أكبر قوة للأب في تربية أولاده، استقامة المعلم أكبر قوة في تعليم الطلاب، استقامة رئيس الدائرة أكبر مهمة لنجاح مهمته، فنحن لا نحتاج إلى معلومات، الآن المعلومات كثيرة جداً، المعلومات تفوق حدّ الخيال، أنت بضغط زر يأتيك ألف جواب، في الانترنيت المعلومات كثيفة، أزمة تطبيق، أزمة عبادة، أزمة مصداقية، أزمة أن تكون قدوة، لذلك في الدعوة القاعدة الأولى وهي أخطر قاعدة: القدوة قبل الدعوة، أيها الأب! أيتها الأم! أيها المعلم! أيها المدرس! أيها الإنسان! يا رئيس الدائرة! يا رئيس هذا المقام! أي إنسان يحتل منصباً قيادياً لا يستطيع أن يقنع أحداً بما يقول إلا إذا طبق ما قال، لعلي أقول هذا الكلام وأنا قانع به: لو لم يتكلم الأب في البيت ولا كلمة لكن أولاده رأوه صادقاً، ما كذب ولا مرة، رأوه مضبوط البيان، لا يتكلم كلاماً فاحشاً، رأوه مضبوطاً من حيث السلوك لأصبحوا صادقين هم أيضاً، لذلك أمانتك دعوة، صدقك دعوة، حرصك على طاعة الله دعوة، تواضعك دعوة، ولكن ما كل دعوة قولية.

 

العبادات الشعائرية لا تقطف ثمارها إلا إذا صحت العبادات التعاملية :

 لذلك سيدنا جعفر رضي الله عنه حينما سأله النجاشي عن الإسلام، قال:

(( أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه، وصدقه، وأمانته، وعفافه.. ))

[ابن خزيمة عن جعفر بن أبي طالب ]

 إن عاملك أمين، إن حدثك صادق، إن استثيرت شهوته عفيف:

(( ...فدعانا إلى الله لتوحيده، ولنعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء ))

[ابن خزيمة عن جعفر بن أبي طالب ]

 إذاً دعانا إلى الله، هذه العبادة التعاملية بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ممكن أن أقول: هناك عبادات شعائرية وهناك عبادات تعاملية، وأقول لكم: والله ما لم تصح عباداتنا التعاملية لا تصح العبادات الشعائرية، الدليل لولا الدليل لقال من شاء ما شاء، الدليل:

(( يؤتى برجال يوم القيامة، لهم أعمال كجبال تهامة، يجعلها الله هباء منثورا قيل: يا رسول الله جلهم لنا؟ قال : إنهم يصلون كما تصلون، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ))

[ سنن ابن ماجه عن ثوبان ]

 الصلاة انتهت:

(( مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعمَلَ بِهِ، فَليسَ للهِ حاجة فِي أَن يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ))

[البخاري وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة ]

 الصيام انتهى:

﴿قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ﴾

[ سورة التوبة: 53]

 الزكاة انتهت:

(( من حج بمال حرام، ووضع رجله في الركاب، وقال : لبيك اللهم لبيك، ينادى أن لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك ))

[ ورد في الأثر ]

 الحج انتهى، الشهادة:

((من قال لا إله إلا الله بحقها دخل الجنة، قيل: وما حقها؟ قال: أن تحجبه عن محارم الله))

[ الترغيب والترهيب عن زيد بن أرقم بسند فيه مقال كبير ]

 قواعد الدعوة أن تستقم كما أمرك الله، استقامتك دعوة، غض بصرك عمن لا تحل لك دعوة، ضبط لسانك دعوة، حلمك دعوة، صبرك دعوة، أن تكون أباً ناجحاً دعوة، زوجاً ناجحاً دعوة، زوجة صالحة دعوة:

(( انصرفي أيتها المرأة وأعلمي من وراءك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها، وطلبها مرضاته، واتباعها موافقته، يعدل ذلك كله ـ يعدل الجهاد في سبيل الله ـ ))

[أخرجه ابن عساكر وأخرجه البيهقى في شعب الإيمان عن أسماء بنت يزيد الأنصارية]

على الإنسان أن يقيم أمر الله فيما يملك :

 المشكلة مشكلة حياة أو موت، سعادة أو شقاء، تيسير أو تعسير، جنة أو نار، موضوعنا موضوع مصيري يحدد مصيرك في الآخرة، القضية ليست قضية ثقافة نطلع عليها أو لا يوجد عندنا وقت، ليست قضية تزيينية أي إذا كنت تسير بسيارتك من بلد لبلد وضوء الزيت اشتعل بلون أحمر هل ممكن أن يكون هذا الضوء الأحمر ضوءاً تزيينياً للسيارة أم تحذيرياً؟ إن لم تنتبه له احترق المحرك و سيكلفك عشرات الألوف، هذا الضوء الأحمر تحذيري فأنت حينما تقرأ الأوامر والنواهي هذه كلها تحذيرية.

(( عمر دينك، دينك، إنه لحمك ودمك، خذ عن الذين استقاموا، ولا تأخذ عن الذين مالوا ))

[ العلل لابن أبي حاتم ]

 قواعد الدعوة إلى الله القدوة قبل الدعوة، طبق، اجعل حياتك إسلامية، اجعل بيتك إسلامياً، اجعل عملك إسلامياً، وهنا تنتهي مهمتك.
 النقطة الدقيقة جداً إذا أقمت أمر الله فيما تملك كفاك ما لا تملك، ما الذي تحاسب عليه؟ هل أقمت الإسلام في نفسك؟ هل وحدت الله؟ هل أديت العبادات بشكل متقن؟ هل بيتك إسلامي؟ عملك إسلامي؟ هنا تنتهي مسؤولياتك، هل أقمت هذا الدين في نفسك أولاً وفي بيتك ثانياً وفي عملك ثالثاً؟
أنا أتمنى أن يكون أهم شيء في هذا اللقاء الطيب الجانب القيمي، القدوة قبل الدعوة، حتى أبالغ وأقول: لو لم تتكلم ولا كلمة توجيهية لأولادك يكفي أنك ما تكلمت كلمة بذيئة في البيت، ولا نظرت إلى شيء يغضب الله، انضباطك دعوة، صدقك دعوة، حلمك دعوة، أخلاقك دعوة، القدوة قبل الدعوة.

2 ـ الإحسان قبل البيان :

 الآن الإحسان قبل البيان، املأ قلب من تدعوه بإحسانك ليفتح لك عقله لبيانك. الأثر القدسي:

(( يا داود ذكر عبادي بإحساني، فإن القلوب جبلت على حبِّ من أحسن إليها وبغض من أساء إليها ))

[ ورد في الأثر ]

 القدوة قبل الدعوة، الإحسان قبل البيان.

3 ـ الأصول قبل الفروع :

 الأصول قبل الفروع، وممكن أن أقول الأصول والفروع معاً، أحياناً عندنا مرض أنا أسميه الغرق في الجزئيات، أما الكليات فهل عرفت الله؟ هل عرفت امره ونهيه؟ هل عرفت عظمته؟ قال تعالى:

﴿ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ* ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ* ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ* إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ﴾

[ سورة الحاقة : 30-33]

 آمن بالله وإبليس آمن بالله، قال تعالى:

﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ ﴾

[ سورة ص: 82 ]

 آمن بالآخرة قال:

﴿ فأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾

[ سورة ص : 79]

 ولكنه ما آمن بالله العظيم، قال تعالى:

﴿ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ* ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ* ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ* إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ﴾

[ سورة الحاقة : 30-33]

 القدوة قبل الدعوة، الإحسان قبل البيان، الأصول قبل الفروع.

 

حقائق كثيرة لابد للإنسان من أن يعرفها :

 هناك موضوعات كبيرة جداً علة وجودنا في الدنيا، حقيقة الحياة الدنيا، حقيقة المال، حقيقة الزواج، حقيقة التسيير، حقيقة التوحيد، هذه الحقائق كبيرة جداً لا بد أن نعرفها، إذاً لا بد من طلب العلم، أبسط أبسط مثال هذا الهاتف الخلوي من حين لآخر إلى ماذا يحتاج؟ إلى شحن، إذا ما شحنته قطعة بلاستيك لا معنى لها، نحن نحتاج إلى شحن دوري وليس مرة واحدة بالعمر، ليس كل شهرين مرة، بالأسبوعين مرة، بالأسبوع لا بد من أن تشحن شحنة علمية لتعرف من أنت، الحلال والحرام، والخير والشر، والحق والباطل، ماذا بعد الموت؟ ما حقيقة الموت؟ ما البرزخ؟ ما الدار الآخرة؟ ما النار؟ ما لم تطلب العلم هبط مستواك إلى مستوى لا يليق بك، طلب العلم فرض على كل مسلم، مثلاً الذي ينزل بالمظلة يمكن أن يجهل شكل المظلة، يا ترى دائري أم بيضوي أم مربع؟ لا يوجد مشكلة إذا لم يعلم ذلك، يمكن أن يجهل خيوط المظلة كم حبل، لكنه إذا جهل شيئاً واحداً ينزل ميتاً، طريقة فتحها، طريقة فتح المظلة عبر عنه العلماء ما ينبغي أن يعلم بالضرورة، الضرورة أركان الإيمان، أركان الإسلام، الأحكام الفقهية المتعلقة بحرفتك، هذا كفتح المظلة علم لا بد أن تعلمه، علم ينبغي أن يعلم بالضرورة، فأنت لا بد من طلب العلم، تقول لي: أنا تاجر كبير على العين والرأس، عفواً أنت رأيت تخطيط قلب إن لم تكن طبيباً هل تفهم هذا التخطيط؟ أنا أقول: أنا أمي بفهم تخطيط القلب، أما الطبيب عندما يرى التخطيط فيجد أن هناك ضعفاً في العضلة القلبية، وعنده انقباض، لأن هذا علم، كما أنني أمي في تخطيط القلب أعلى إنسان يحمل شهادات قد يكون أمياً في الدين.

الفلاح و النجاح :

 يا أيها الأخوة؛ قضية مصيرية، قضية سعادة أو شقاء، نجاة أو هلاك، قضية إخفاق، لذلك كأني أنا ابتعدت في المرحلة الأخيرة عن استخدام معنى النجاح، النجاح جزئي قد تنجح في كسب المال ولا تنجح في علاقتك مع الله، قد تنجح باختيار زوجة تروق لك لكن لا تنجح في علاقتك مع الله، الذي يغني عن كلمة نجاح كلمة فلاح، قال تعالى:

﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾

[ سورة الأعراف : 157 ]

 المفلح الذي حقق النجاح لعلة وجوده، خلقنا لمعرفة الله، تعرفنا إلى الله هذا هو الفلاح، لذلك الفلاح أن تحقق الهدف من وجودك، ولكن مئات النجاحات الفردية لا تقدم و لا تؤخر، تنجح في كسب المال، أنا أذكر أن الذي أنشأ جسر استنبول الأول بين قارتين مهندس ياباني، أثناء قص الشريط أمامه رئيس الجمهورية ألقى بنفسه في البوسفور نزل ميتاً، ذهبوا إلى غرفته في الشيراتون وجدوا ورقة مكتوب عليها: ذقت كل شيء في الحياة فلم أجد لها طعماً أردت أن أذوق طعم الموت، أقل مؤمن منكم إن شاء الله يعرف أن هناك جنة وناراً، تصدق، غض بصره، سمع قرآناً، سعيد أنت حينما تعرف سرّ وجودك وغاية وجودك، اصطلحت مع نفسك، لذلك هناك تطابق بين الفطرة النص - المنهج - مئة بالمئة، أي أمر أمرك الله به ترتاح إذا طبقته، هذا سرّ السعادة التي تأتي الإنسان إذا اصطلح مع الله:

(( ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء ))

[ تفسير ابن كثير]

الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم :

 الآن آخر فكرة في هذا اللقاء الطيب من منكم يصدق أن الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم، فرض عين في حدود ما تعلم ومع من تعرف، أي سمعت خطاباً دينياً رائعاً يوم الجمعة، تفسير آية تأثرت بها، ودمعت عيناك، حدثها لزوجتك، هذه دعوة، لأولادك، لشركائك، لأصدقائك، في نزهة، في لقاء، هذه دعوة، هذه الدعوة فرض عين، قال النبي عليه الصلاة والسلام:

(( بلغوا عني ولو آية ))

[البخاري والترمذي عن ابن عمرو ]

 الدليل الآخر قال تعالى:

﴿ قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾

[ سورة يوسف: 108 ]

 الذي لا يدعو على بصيرة ليس متبعاً لرسول الله، أنت عود نفسك سمعت خطبة رائعة اكتب نقاطاً عنها، جالس في السهرة مع أخوتك، أعمامك، أصهارك، بعملك قل لهم ما سمعت، إذاً الدعوة كفرض عين في حدود ما تعلم ومع من تعرف، دليلك قال تعالى:

﴿ قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾

[ سورة يوسف: 108 ]

 الذي لا يدعو على بصيرة بالدليل والتعليل ليس متبعاً لرسول الله.
 شاهد آخر، قال تعالى:

﴿ وَالْعَصْرِ ﴾

[ سورة العصر: 1]

 أقسم الله عز وجل بمطلق الزمن، قال تعالى:

﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾

[ سورة العصر: 1-3]

 التواصي بالحق الدعوة إلى الله في حدود ما تعلم ومع من تعرف، إلا أن الدعوة الاحترافية أن تكون داعية متفرغاً للدعوة، تحتاج إلى تعمق وتبحر في العلوم الدينية، كي تجيب عن أي سؤال مهما كان صعباً، الدعوة الاحترافية فرض كفاية إذا قام بها البعض سقطت عن الكل.

 

ملخص لما سبق :

 ملخص هذا اللقاء الطيب، خصائص الدعوة إلى الله أولاً: القدوة قبل الدعوة، الإحسان قبل البيان، املأ قلب من تدعوه بإحسانك ليفتح لك عقله لبيانك.
 النقطة الدقيقة الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم في حدود ما يعلم ومع من يعرف، أما التبحر في العلوم ففرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الكل، الدليل قال تعالى:

﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ﴾

[ سورة آل عمران: 104 ]

 منكم وليس كلكم، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
 إذاً أيها الأخوة؛ أرجو الله عز وجل أن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأن نطبق هذا الدين في بيوتنا، وفي أعمالنا.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور