وضع داكن
29-03-2024
Logo
الإسلام الغائب - الندوة : 3 - شروط وعوامل النصر الإلهي .
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:
  بسم الله القائل:

﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ ﴾

[ سورة الأنفال: 10 ]

 والصلاة والسلام على سيدنا محمد قائد الغر المحجلين، ولكننا اليوم نسمع أن المسلمين ربما يتعرضون لهزائم، حتى أيام النبي صلى الله عليه وسلم وهو معهم، تعالوا بداية نستمع إلى آراء السادة المشاهدين حول قضية النصر وعلاقتها بالإيمان ...
 ممكن إما أن يكون هذا النصر نصراً مزيفاً للكفار، وليس نصراً حقيقياً لأن الباطل له جولات، والحق له جولة واحدة، وهي التي تزهق الباطل، ممكن أن يكون هذا تقصيراً من المسلمين أنا ضعيف بقدر قوة الآخر، بقدر ضعف إسلامنا الآخر قوي.
 نحتاج ردة إلى ديننا كلنا حتى نرجع وننتصر على الكفار إن شاء الله .
 النصر من عند الله إن تنصروا الله ينصركم .
 انتصار الكافرين بسبب ابتعاد الإنسان عن المسار الصحيح، وهو مسار دين الإسلام الصحيح، طبعاً نشاهد الكفار ينتصرون .
 الكفار ينتصرون لضعف المؤمنين، وقول الله عز وجل واضح في القرآن الكريم:" إن تنصروا الله ينصركم"، والقول الثاني:" إن ينصركم الله فلا غالب لكم"، هذا لضعفنا وليس لأن الكفار أقوياء .
 قال الله:" كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر"، فلما تركنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أكيد سوف ينتصر الكفار والله أعلم.
 أعتقد أن شريعة الله على الأرض أن الذي ينتصر هو العادل سواء أكان كافراً أو مؤمناً، الذي ينتصر في الحرب هو العادل، والذي ينفذ العدل على الأرض .
 الله عز وجل يمد للظالمين بل ينصر الكافرين على المؤمنين .
 الكفار في غالب الأحيان مع بعض، صحيح أن الله عز وجل قال:" تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى"، لكن المسلمين ابتعدوا عن رب العالمين كثيراً لدرجة أنه لا يوجد دولتان إسلاميتان يتفقون مع بعض ولا بقرار، الله عز وجل له حكمة في هذا الشيء، إن شاء الله عز وجل ننتصر عليهم لأنه وعدنا بالنصر.
 هناك قوانين للانتصار الذي يأخذ بها سواء أكان مؤمناً أم كافراً ينتصر، حالياً الكفار يأخذون بها، وهي لها عدة أسباب، وهذا يكون امتحاناً للمؤمنين، ينظرون ما هي أخطاؤهم ليصلحوها، أكيد يجب أن يكون النصر للمؤمنين عندما يتخذون الأسباب .
 واضح أن هناك تبايناً في آراء الناس حول قضية النصر، لذلك نستضيف اليوم فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في هذه الحلقة المخصصة لعوامل النصر الإلهي، السلام عليكم فضيلة الدكتور.
الدكتور راتب:
 وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المذيع:
 دكتور كثيرة هي الآيات التي تتحدث عن علاقة النصر بالإيمان لكن في واقع الحال ودعني أعود إلى عمق التاريخ، إلى النبي صلى الله عليه وسلم نجد أن بدراً كانت مثالاً واضحاً على اتكال المسلمين على الله عز وجل والعمل بالأسباب، في أحد كان هناك اتكال على الله، وكانت هناك أسباب لكن كان هناك تقصير من بعض المسلمين فكانت الهزيمة، ننتقل إلى الخندق فنجد أن هناك أسباباً كاملة من حفر الخندق وهناك اتكال على الله فكان النصر، في حنين المشهد في بداية المعركة يتحول إلى هزيمة ثم يتحول إلى نصر، اليوم في واقعنا المعاصر نجد أمثال المقاومة اللبنانية تنتصر مع الأسباب والاتكال على الله بينما في مواطن أخرى المقاومة لا تنتصر، ما هو قانون النصر الإلهي؟

 

معركة الحق والباطل معركة أبدية أزلية :

الدكتور راتب:
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين .
 أستاذ عبد الفتاح جزاك الله خيراً، النقطة الدقيقة الأولى أن الله جل جلاله من مسلمات علم العقيدة أنه واجب الوجود، وما سواه والسموات والأرض كل ما سوى الله أي ما سواه ممكن الوجود، معنى ممكن، أي ممكن أن يكون أو لا يكون، أو ممكن أن يكون على ما هو كائن أو على خلاف ما يكون، أليس من الممكن أن يجمع الله أعداء المسلمين في كوكب آخر؟ فكان من الممكن أن يكون الطرف الآخر في كوكب آخر والمسلمون لا في حياتهم حروب ولا انتصارات ولا هزائم ولا مشكلات إطلاقاً، لكن شاءت حكمة الله أن نعيش معاً في مكان واحد، وفي زمان واحد، أن يعيش أهل الإيمان مع الطرف الآخر في مكان واحد وفي زمان واحد، ينشأ عن هذا الاجتماع معركة أزلية أبدية، إنها معركة الحق والباطل، هذه المعركة قدرنا شئنا أم أبينا، بل إن الله عز وجل كان من الممكن أن ينتصر منهم، قال تعالى:

﴿ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ﴾

[ سورة محمد: 4]

 إذاً أن يعيش أهل الأرض؛ أناس مستقيمون وأناس غير مستقيمين، هذا تحكمه الآية الكريمة:

﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾

[ سورة الليل: 1-4]

البشر على اختلاف مللهم ونحلهم صنفان لا ثالث لهما :

 أنا الآن أمام تقسيم البشر على اختلاف مللهم، ونحلهم، وانتماءاتهم، وأعراقهم، وأنسابهم، وطوائفهم، إلى فريقين؛ مع أن في تصنيفات البشر مئات الأنواع؛ دول الشمال ودول الجنوب والمتفوقون والمتخلفون وأهل الغنى واليسار وأهل الفقر والحاجة، والدول الصناعية والدول الزراعية، والعرق الأبيض والعرق الملون، تقسيمات لا تعد ولا تحصى لكن خالق الأكوان أدرج خلقه جميعاً في حقلين، قال تعالى:

﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى * فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾

[ سورة الليل: 1- 10]

 الفريق الأول صدق أنه مخلوق للجنة، الحسنى هي الجنة، والدليل قال تعالى:

﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾

[ سورة يونس: 26 ]

 صدق الفريق الأول أنه مخلوق للجنة فاتقى أن يعصي الله، وبنى حياته على العطاء، يسعده أن يعطي لا أن يأخذ، وأما الفريق الثاني فكذب أنه مخلوق للجنة بل اعتقد أنه مخلوق للدنيا فقط، لذلك استغنى عن طاعة الله، وبنى حياته على الأخذ، لذلك تجد على رأس الهرم البشري ستة آلاف مليون؛ الأقوياء والأنبياء، الأقوياء ملكوا الرقاب، والأنبياء ملكوا القلوب، الأقوياء عاش الناس لهم كالفراعنة، والأنبياء عاشوا للناس، الأقوياء يمدحون في حضرتهم، والأنبياء يمدحون في غيبتهم، الشيء الدقيق جداً، كل البشر تبع لقوي أو نبي، لهذا خاف الناس من الأقوياء وأحبوا الأنبياء، لكن بطولة الأقوياء إذا استنصحونا أن يتخلقوا بأخلاق الأنبياء حتى يحبهم الناس، الأقوياء ملكوا الرقاب، والأنبياء ملكوا القلوب، الأقوياء يمدحون في حضرتهم، والأنبياء يمدحون في غيبتهم، الأقوياء عاش الناس لهم، والأنبياء عاشوا للناس، أن يكون الطرفان المؤمن وغير المؤمن، أهل الدنيا وأهل الآخرة، المستقيمون والمنحرفون، الأتقياء والمنحرفون، أن يعيشوا معاً من لوازم هذا العيش المشترك معركة أزلية أبدية هي معركة الحق والباطل وهذا قدرنا .
المذيع:
 مهما فعلنا لن يأتي يوم تخلو الدنيا من الشر و الأشرار؟

 

الحق لا يقوى إلا بالتحدي :

الدكتور راتب:
 لأن الحق لا يقوى إلا بالتحدي، ولأن أصحاب الحق لا يستحقون الجنة إلا بالبذل والتضحية، هذا شأن الدنيا، لكن الله طمأنك أيها المؤمن قال لك:

﴿ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ ﴾

[ سورة آل عمران: 12 ]

 أعطاك الله النتيجة في النهاية؛ هم مهزومون ولكن النصر له قوانين، النقطة الدقيقة جداً أنك حينما تقرأ القرآن وتتبرك به تبركاً سطحياً كلام الله شيء، وحينما تفهمه مجموعة قوانين قطعية الوقوع شيء آخر، ما معنى قانون؟ علاقة بين متغيرين، تطابق الواقع، عليها دليل، علاقة قطعية بين متغيرين تطابق الواقع عليها دليل، هذا العلم وهذا القانون، إن لم تطابق الواقع فهي الجهل بعينه، وإن افتقرت إلى الدليل فهو التقليد، وإن لم تكن قطعية فهو الوهم أو الشك أو الظن، العلم ليس وهماً ولا شكاً ولا ظناً وليس بعيداً عن الواقع ومعه دليل، فإذا قرأنا القرآن وأردنا أن نكتشف في القرآن قوانين القرآن، والقوانين حقيقة تتحرك وفق حقيقة، هذه الآية بأي عصر، بأي مصر أي مسلم على وجه الأرض إذا طبقها قطف ثمارها .

 

الناصر هو الله :

 بادئ ذي بدء الله عز وجل يقول:

﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ ﴾

[ سورة الأنفال: 10 ]

 الناصر هو الله، هذه أول حقيقة، والحقيقة الثانية، قوله تعالى:

﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ﴾

[ سورة آل عمران: 160]

 أي إذا كان الله معك فمن عليك؟ خاطب إنساناً آخر، إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ و يا رب ماذا فقد من وجدك؟ وماذا وجد من فقدك؟ فإذا كنت مع الله كان الله معك، لكن المعية معية الله عز وجل لها معنى؛ هناك معية عامة وهناك معية خاصة، المعية العامة، قال تعالى:

﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ﴾

[ سورة الحديد: 4 ]

 معية علم فقط، أما قوله تعالى:

﴿ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة الأنفال: 19 ]

 مع المؤمنين، مع الصادقين، مع المتقين، هذه معية خاصة، أي معهم بالنصر والتأييد والحفظ، وحينما قال الله عز وجل:

﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾

[ سورة الصافات: 173]

 زوال الكون أهون على الله من ألا تحقق الوعود في هذه الآية، إن لم ننتصر هناك خطأ في جنديتنا لله.
المذيع:
 دكتور أنا هذه الآية بالذات ممن يسمعون منك يقولون: الدكتور راتب يردد دائماً لزوال الكون أهون عند الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين، الآن هذه الآية واضحة جند الله يجب أن يتنصروا، المتقون يجب أن ينتصروا، الآن كيف نفهم ذلك؟

 

شروط النصر :

الدكتور راتب:
 أولاً: الحقيقة أن النصر له قانون، قانونه إن أردنا أن نأتي بكلمة أخرى شروط النصر، لا بد للنصر من إيمان، أي إيمان؟ كل إنسان يقول: أنا مؤمن، الإيمان الذي يحمل المسلم على طاعة الله، إن أطعت الله فأنت مؤمن ورب الكعبة، أما الإيمان الذي لا يحمل المؤمن على طاعة الله فهذا لا يقدم ولا يؤخر.

(( ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))

[أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عباس]

 ولن لتأبيد النفي، فإذا كان المسلمون مليار وثمانمئة مليون أكثر من ربع سكان الأرض وليست كلمتهم هي العليا، الآن وليس أمرهم بيدهم، وللطرف الآخر عليهم ألف سبيل وسبيل، أنا أقول على مستوى مجموع المسلمين: هم في محنة كبيرة الآن فإذا كانوا بهذا العدد مليار وثمانمئة مليون وليست كلمتهم هي العليا الآن وليس أمرهم بيدهم، وللطرف الآخر عليهم ألف سبيل وسبيل، معنى ذلك هناك خلل خطير في حياتهم، لأنه كما قلت قبل قليل وذكرتني بهذا القول: زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين، أي إيمان يعد شرطاً أساسياً للنصر؟ الإيمان الذي يحملك على طاعة الله، أما الإيمان الذي لا يتأتى بطاعة الله فهو إيمان إبليسي كيف؟ إبليس مؤمن، قال تعالى:

﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ ﴾

[ سورة ص: 82 ]

 آمن به عزيزاً، قال تعالى:

﴿ خَلَقْتَنِي ﴾

[ سورة ص: 76 ]

 آمن به خالقاً، قال تعالى:

﴿ فأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾

[ سورة ص: 79]

 آمن بالآخرة .
المذيع:
 دكتور هناك آيات كان من الكافرين؟
الدكتور راتب:
 الآن هذه الآية واضحة:

﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ ﴾

[ سورة ص: 82 ]

 آمن به رباً وعزيزاً وآمن باليوم الآخر، وآمن أنه مخلوق.
المذيع:
 دكتور سنتابع يبدو أننا نسير في موضوع شيق جداً سنتابعه بعد فاصل قصير، أعزائي المشاهدين سنتابع بعد فاصل قصير قوانين النصر الإلهي، لا تبتعدوا .
 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نعود للحديث عن قوانين نصر الله، تفضل فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ببيان أن الله عز وجل مستحيل وألف ألف مستحيل ولزوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده، وقد وعد الله عز وجل بالنصر للمؤمنين، ولكن توقفنا عند نقطة هامة ما هو هذا الإيمان؟ هل هو إيمان إبليسي؟ هل هو إيمان بلا طاعة؟ سنتوقف عند شرط هذا الإيمان المحقق للنصر، فضيلة الدكتور يمكن أن يخطر في بال أحدهم إذا كان الإيمان هو شرط النصر- وسنستعرض ما هو هذا الإيمان- فما بال الذي لا يؤمن أصلاً بالله وأحياناً نجد النصر يمر على يديه؟

 

الباطل متعدد والحق واحد :

الدكتور راتب:
 أولاً، قال تعالى:

﴿ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة الروم: 47]

المذيع:
 ألزم الله نفسه بذلك .
الدكتور راتب:
 لكن هناك معركة تنشب بين فريقين، المعركة بين حقين لا تكون، لأن الحق لا يتعدد، ارسم نقطتين وصل بينهما بخط مستقيم، لو أردت أن ترسم خطاً آخر لمليون مرة يأتي فوقه تماماً، الحق لا يتعدد، المعركة بين حقين لا تكون، لأن الحق لا يتعدد، والمعركة بين حقٍ وباطل لا تدوم، لأن الله مع الحق، إذا كان الله معك فمن عليك؟ والمعركة بين باطلين لا تنتهي، تستمر طيلة العمر.
 لأنه بين نقطتين لا يرسم إلا خط مستقيم واحد ويرسم مليون خط منحن، ومليون خط منكسر، الباطل متعدد والحق واحد.
المذيع:
 دكتور ولو خرجنا قليلاً هنا ما معنى قوله تعالى:

﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا﴾

[سورة الحجرات:9]

 مؤمنون مع بعضهم البعض ألا يزعم كل واحد منهم أنه على حق؟

 

المؤمنون معصومون بمجموعهم أما النبي فمعصوم بمفرده :

الدكتور راتب:
 من قال إن المؤمن معصوم؟ المؤمنون معصومون بمجموعهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم:

(( لا تجتمع أمتي على ضلالة ))

[ الطبراني عن أبي بصرة الغفاري]

 أما النبي فوحده معصوم بمفرده .
المذيع:
 كلما قرأنا معركة في التاريخ بين مؤمنين واحد منهم على غلط، أما مستحيل أن يكون كلاهما على حق.

 

العقل البشري في أصل مبادئه لا يفهم شيئاً بلا سبب :

الدكتور راتب:
 الآن المعركة بين حقين لا تكون، والمعركة بين حقٍ وباطل لا تدوم، لأن الله مع الحق، إذا كان الله معك فمن عليك؟ والمعركة بين باطلين لا تنتهي، لكن هناك نظاماً في الكون يسمى نظام السببية، هذا النظام من خلق الله عز وجل، الله عز وجل جعل لكل نتيجة سبباً، بل إن العقل البشري في أصل مبادئه، مبدأ السببية، والغائية، وعدم التناقض، العقل البشري لا يفهم شيئاً بلا سبب، أنت سافرت إلى مكان جميل، أقفلت البيت بإحكام وأطفأت الكهرباء، فلما رجعت وجدت نافذة وراءها ضوء، تقلق أشدّ القلق لأن عقلك لا يقبل أن يتألق هذا المصباح وحده، من دون إنسان دخل إلى البيت فعقلك من مبادئه السببية، والغائية، قد تجد نتوءاً بآلة يجب أن تعرف لماذا هذا النتوء؟ له حكمة، هذه الغاية، أحياناً وجدت مسجلة لها نتوءان لو أنها وقعت على الأرض الأزرار حساسة جداً لئلا تمس الأزرار الأرض يوجد نتوءان، فأنت حينما تفهم هذا النتوء ما وظيفته، ما غايته، العقل يفهم الأشياء بسبب وبغاية ولا يقبل التناقض، إنسان متهم بجريمة قتل في دمشق وكان عند محافظ حلب في الوقت نفسه، بدليل قطعي معنى هذا أنه بريء .
المذيع:
 دكتور مبدأ السببية والغائية وعدم التناقض.

 

أسباب النصر :

الدكتور راتب:
 النصر له أسباب، سبب إيديولوجي إيماني هو الإيمان، وسبب تكتيكي مادي هو أن نعد للأعداء ما نستطيع، قال تعالى:

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾

[ سورة الأنفال: 60 ]

 هذا الذي يقول: الله ينصرنا، نحن مسلمون، أمة محمد مرحومة، هذا كلام لا يقدم ولا يؤخر، ما لم نأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء وما لم نتوكل على الله وكأنها ليست بشيء لا ننتصر، القضية دقيقة جداً مفهوم التوكل الحقيقي أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء .
المذيع:
 دكتور هذا هو السبب؟
الدكتور راتب:
 أنت مسافر بمركبة يجب أن تراجعها مراجعة تامة، بعد أن تراجعها مراجعة تامة تعتقد يقيناً أن الحافظ هو الله تقول: يا رب احفظني، أخذت بالأسباب وتوكلت على رب الأرباب الآن تنجح، أنك مؤمن بادئ ذي بدء والناصر هو الله و قد أمرك أن تأخذ بالأسباب، الدليل:

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾

[ سورة الأنفال: 60 ]

 لكن رحمة الله في كلمة ما استطعتم، ما كلفك أن تعد القوة المكافئة، كلفك أن تعد القوة المتاحة فقط، هذا شيء مستحيل أن تعد القوة المكافئة لكنه كلفك أن تعد القوة المتاحة لك.
المذيع:
 وهذا ما حصل في بدر .
الدكتور راتب:
 يتولى الترميم، يتولى أن ينصرك على ضعفك أمام العدو.
المذيع:
 دكتور ممكن أن نستخلص الآن لا بد من إيمان هذا الإيمان حقيقي، لا بد من أسباب متاحة، ونضيف عليه التوكل على الله عز وجل، ما بال هذه القضية لم تنجح في أحد؟
الدكتور راتب:
 لأنهم عصوا رسول الله فلو انتصروا لسقطت طاعة رسول الله .
المذيع:
 لانتفى هذا الجزء من الإيمان .
الدكتور راتب:
 طبعاً الإيمان هو تصديق واستقامة، الإيمان شطران أن تؤمن وأن تخضع للأمر، خضوع الإنسان لله عز وجل، فلما عصوا رسول الله، عدم انتصار المسلمين في أحد دليل أنهم خالفوا شرطاً للنصر وهو الطاعة، الطاعة من لوازم الإيمان، والإيمان استقر في القلب وصدقه العمل، فلو انتصروا في أحد لسقطت طاعة رسول الله، ومن شرط النصر الافتقار إلى الله فلو أن المسلمين انتصروا في حنين لسقط التوحيد، قالوا: لن نغلب من قلة، في حنين اعتدوا بعددهم وفي أحد عصوا رسول ربهم، لم ينتصروا، هذه قوانين، كلمة قانون أي زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق القانون لعباده المؤمنين.
المذيع:
 في نفس هذه المعارك كيف انتصر المشركون والكفار على النبي صلى الله عليه وسلم؟ هذا الطرف مؤمن بالله مع تقصير بسيط ولكن الطرف الآخر ليس له إيمان على الإطلاق؟

الدنيا لمن يتقنها :

الدكتور راتب:
 هناك قانون آخر؛ أن هذه الدنيا لمن يتقنها، كيف الغرب تفوق على بقية البلاد في العالم لأنه أتقنها، حينما تتقن دنياك تستحق الدنيا، لأن الدنيا ليست كالآخرة، إن الله ينصر الأمة العادلة الكافرة على الأمة المسلمة الظالمة، هذا كلام أحد العلماء، فالدول التي تعدل، التي تقدم لأفرادها حاجاتهم وتقيم العدل في بلادها هذه أمة قوية تستحق النصر.
المذيع:
 لا يكفي أن تقول: أنا أحكم بالإسلام، أحكم بأي دين من الأديان لا بد من أن تحقق هذا النصر وهذا الرجاء للناس .
الدكتور راتب:
 الذي أريد أن يكون واضحاً أن الدنيا لها شأن، والآخرة لها شأن، الدنيا لمن يتقنها، بلد فيه ضمان صحي وهذه خدمة كبيرة جداً، بلد العدل قائم فيه، بلد الإنسان حاجاته الأساسية مؤمنة، هذه أمة قوية ولو أنها كافرة، تأتي أمة تدعي الإسلام فيها ظلم شديد، فيها فقر شديد، الثروة توزيعها غير عادل، مع أنها مؤمنة وعندها جوامع ومساجد، وتقول: نحن أتباع محمد، وهو سيد الأنبياء، هذا كلام لا يقدم ولا يؤخر، ولا نقيم لهذه الادعاءات أي وزن إطلاقاً، فالنصر من عند الله أولاً، والنصر له شرط أن تكون مؤمناً إيماناً يحملك على طاعة الله، وأن تعد الإعداد المستطاع فقط، وما كلفك أن تعد القوة المكافئة.

 

انتصار المسلمين جرعات منعشة من الله عز وجل :

 أنا أقول لك: الإله العظيم الذي نصر الصحابة هو إلهنا الآن القانون نفسه، مثلاً ألم يخطر في بالك أن قلة قليلة يحملون بنادق فقط انتصروا على رابع جيش في المنطقة؟ أنا ماذا أقول؟ تتالي النكبات على هذه الأمة أورث الأمة ثقافة مؤلمة جداً، أورثها ثقافة اليأس، ثقافة الإحباط، وثقافة الطريق المسدود، هذه الأمة مع هذه الثقافة خضعت، وانكسرت، لكن الله جلّ جلاله أراد أن ينعشها، أنعشها بانتصار أخوة لنا في المقاومة في لبنان وفي فلسطين، قلة قليلة لا تملك إلا بنادق تنتصر على رابع جيش في العالم وأول جيش في المنطقة، ولم يستطع هذا الجيش مع أن خطته كانت تدمير كل شيء خلال يوم واحد، لبعد اثنين وعشرين يوماً تدخل الغرباء البعيدون حتى توقف القتال هذه جرعة منعشة، كأن الله يقول لنا: أنا موجود يا عبادي، الأمر بيدي، وبأي لحظة تصطلحون معي أنصركم، أعطاك نموذجاً، أستاذ عبد الفتاح بحرب جنوب لبنان؛ ثمان وستون دبابة ميركافا دمرت بيوم واحد، أعطاك جرعة منعشة، وبالمقاومة، وبأخواننا بغزة، شيء ليس بالقليل، هذه نماذج جرعات منعشة كأن الله سبحانه وتعالى رأى ضعف معنوياتنا فأنعشنا بهذا النصر، لذلك قضية إسرائيل هناك ثلاثة إنجازات مذهلة ليست في صالحها، إسرائيل الآن فقدت الحسم، كانت تقدم على معركة وتحدد كم زمنها، المعركة عندها نزهة، الآن تبدأ لكن ليس بإمكانها أن تنهي المعركة فقدت الحسم. إسرائيل لستين سنة سابقة لها هدف واحد هو الأمن، الآن البقاء، إسرائيل كانت تقصفنا ونحن ندخل الملاجئ الآن تقصفنا ونقصفها، ترعبنا ونرعبها، ثلاثة أشياء أساسية؛ تطور نوعي في علاقتنا بهذا العدو حتى أن تقرير السي أي أ دقيق جداً وأنا تلوته على المنبر أعطوا عمر إسرائيل خمساً وعشرين سنة قادمة فقط.

 

خاتمة و توديع :

المذيع:
 هذه بشارة وأيضاً هذه جرعة، هذه الحلقة أسأل الله أن تكون جرعة ودفعة كما يقول الدكتور دفعة على الحساب من النصر القادم بإذن الله عز وجل، ليثق شبابنا أن النصر كان ومازال وسيظل أبد الدهر بقانون إلهي محتم أن النصر من عند الله عز وجل، لا يبقى لنا إلا أن نؤمن بالله هذا الإيمان، وأن نعمل بالقوانين التي ذكرها فضيلة الدكتور سائلين الله أن يجمعنا على خير، كل الشكر .
الدكتور راتب:
 قبل أن تنهي الحلقة هناك جرعة ثانية وهي بلد يعادي الدين عداء مخيفاً صار بلداً إسلامياً، جار لنا في الشمال، هذه جرعة ثانية .
المذيع:
 نعم والله، هذا ملمح خطير جداً إن شاء الله تتوالى هذه البشارات، ويتوالى النصر، وما النصر إلا من عند الله، إلى لقاء قريب مع برنامجكم: الإسلام الغائب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور