- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠51برنامج حوارات في الثقافة والفكر - قناة سلطنة عمان
مقدمة :
المذيع :
أهلاً وسهلاً بكم مشاهدينا الكرام عبر هذا المشوار المسائي في برنامجكم من عُمان، وهذه اللقاءات التي نُحضّرها لكم ، وكل أمنياتنا أن تكون ممتعة ومثرية للجميع .
أخواننا الكرام ؛ هناك من كرس جهده ووقته لخدمة الإسلام ، وخدمة الدعوة الإسلامية ، وانطلق من مبدأ أخلاق هذا الدين ، وأخلاق نبيه صلى الله عليه وسلم ، لينطلق إلى العالم أجمع ليبين سمو رسالة الإسلام ، وعلو شأنها ، وكيف أن الإسلام هو دين تسامح ، هو دين فكر ، هو دين أخلاق ، ينسجم مع المجتمع ، وينسجم مع الآخرين .
ضيفنا القادم مشاهدينا الكرام هو شخصية نعرفها جميعاً ليس من العدالة أن نعرفها لأنها شخصية معروفة ، باسمكم مشاهدينا جميعاً نرحب بالداعية الإسلامية الدكتور محمد راتب النابلسي ، أهلاً ومرحباً بكم أستاذنا في برنامج من عُمان ، وأهلاً وسهلاً بك في عُمان .
الدكتور راتب :
بارك الله بكم ونفع بكم .
المذيع :
اللهم آمين ، نبدأ من وقتك اليومي كيف تستطيع أن ترتب كل هذا الوقت ؟ نحن الآن حينما نلتفت إلى قناة نشاهد لك درساً دينياً ، ونستمع إلى محطة إذاعية نستمع إلى برنامج ، إلى محاضرة تقدمها ، ثم ننتقل إلى موقعك الالكتروني ونراه زاخراً بكل هذه الدروس الدينية ، كيف تستطيع أن تلم بكل هذا الوقت ؟
استثمار الوقت و تنظيمه أساس نجاح كل داعية :
الدكتور راتب :
هناك جواب توحيدي ، وجواب تكتيكي ، التوحيدي بتوفيق الله عز وجل ، الإنسان حينما يستعين بالله والآية في الفاتحة :
﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾
الله عز وجل يعينه على تحقيق أهدافه ، أما التكتيكي فهو تنظيم الوقت ، الإنسان إذا نظم وقته هو بالأساس الإنسان في أدق تعريفاته بضعة أيام ، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه ، الإنسان زمن ، ولأنه زمن أقسم الله له بمطلق الزمن وجاء في جواب القسم أنه خاسر ، كيف يا رب ؟ قال تعالى :
﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾
لأن مضي الزمن يستهلكه ، هو بضعة أيام ، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه ، فخسارته أساسها أن مضي الزمن وحده يستهلكه ، لذلك لأن هذا الزمن سيمضي فلا بد من أن يستثمره ، استهلاك الوقت شيء واستثماره شيء آخر ، معظم الناس يستهلكون أوقاتهم ، ثم يفاجؤون بالموت ، أما البطولة والعقل والذكاء والتوفيق فأن تستثمر وقتك ، أي أن تفعل في هذا الوقت الذي سينقضي عملاً ينفعك بعد انقضاء الزمن ، لذلك ما الذي يدخل مع الإنسان في قبره؟ العمل الصالح ، وعلة وجودنا في الدنيا العمل الصالح ، والكلمة التي يقولها الإنسان إذا قارب الموت قال تعالى :
﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾
ولأن العمل الصالح ثمن الجنة ، ولأن الإنسان خلق للجنة ، الله عز وجل قال :
﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾
البشر على اختلاف مللهم و نحلهم هم عند الله نموذجان :
الآن البشر على اختلاف مللهم ، ونحلهم ، وانتماءاتهم ، وأعراقهم ، وأنسابهم ، وطوائفهم ، هم عند الله نموذجان ؛ الأول ، قال تعالى :
﴿ فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
صدق أنه مخلوق للجنة ، فلما صدق أنه مخلوق للجنة اتقى أن يعصي الله ، وبنى حياته على العطاء ، هذا أول صنف .
الحقل الثاني ، قال تعالى :
﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾
لما كذب بالآخرة ، وآمن بالدنيا فقط ، استغنى عن طاعة الله ، بنى حياته على الأخذ ، وأنا أقول لأخوتي المشاهدين : ما الذي يسعدك أن تعطي أم أن تأخذ ؟ إن كان الذي يسعدك أن تعطي فأنت من أهل الآخرة ، من الفائزين .
الفرق بين الفلاح و النجاح :
بالمناسبة ورد في القرآن :
﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾
ما الفرق بين المفلح والناجح ؟ العلماء قالوا : الناجح ينجح في شأن خاص ، قد ينجح في كسب المال ، وقد ينجح في تسلم منصب رفيع ، وقد ينجح بزواجه ، لكن المفلح هو الذي حقق الهدف من وجوده ، لأن الله عز وجل حينما خلقنا منحنا حرية الاختيار ، وعرض علينا الأمانة ، هذه الأمانة حينما عرضت علينا ، الخلائق كلها أشفقن منها وحملها الإنسان ، فلما قبِل حمل الأمانة كان المخلوق الأول ، وعندئذ سخر الله له ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه ، الكون كله مسخر للإنسان فلما سخر الله له ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه ، الآن أعطاه حرية الاختيار ، وجعل نفسه أمانة بين يديه ، وقال تعالى :
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ﴾
قال : أفلح وليس نجح ، قال تعالى :
﴿ وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾
الفلاح أن تحقق الهدف الذي خلقت من أجله ، هذا أذكى عمل ، أعظم عمل ، أعقل عمل ، هذا العمل الحقيقي ، فلذلك قال تعالى :
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ﴾
قد يكون هناك أموال طائلة ، و أولاد كثر كلهم نجباء ، قال تعالى :
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾
قال علماء التفسير : القلب السليم القلب الذي لا يشتهي شهوة لا ترضي الله ، و لا يصدق خبراً يتناقض مع وحي الله ، و لا يعبد إلا الله . فالبطولة في الإنسان حينما يعطي ، قال تعالى :
﴿ فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
ثلاث كلمات ؛ صدق أنه مخلوق للجنة ، وفق هذا التصديق اتقى أن يعصي الله ، بنى حياته على العطاء ، فالأنبياء أعطوا ولم يأخذوا ، و الأقوياء أخذوا ولم يعطوا ، والناس بين بين ، يأخذون ويعطون .
لكن السؤال الدقيق ليسأل الإنسان نفسه : أنا ما الذي يسعدني أن أعطي أم أن آخذ؟ إذا كان الذي يسعدني أن أعطي فهذا من أهل الآخرة ، من الناجين ، من أقرب الناس لرب العالمين ، أما الذي يسعده أن يأخذ فهذا بنى حياته على الأخذ لا على العطاء .
المذيع :
لذلك نرى دكتور أن الناس الأكثر عطاء هم الأكثر سعادة حتى في الدنيا ، كما يروى: " إذا أحبّ الله عبداً جعل حوائج الناس إليه ".
حرص الإنسان على سلامته و سعادته و استمراره :
الدكتور راتب :
أنا مرة قرأت كتاباً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه إهداء إلى النبي الكريم ، لا أنسى هذا الإهداء ، يخاطب المؤلف رسول الله قال : " يا من جئت الحياة فأعطيت ولم تأخذ ، يا من قدست الوجود كله ، ورعيت قضية الإنسان ، يا من زكيت سيادة العقل ونهنهت غريزة القطيع ، يا من هيأك تفوقك لتكون واحداً فوق الجميع ، فعشت واحداً بين الجميع ، يا من كانت الرحمة مهجتك ، والعدل شريعتك ، والحب فطرتك ، والسمو حرفتك ".
لذلك قال تعالى كما ذكرت قبل قليل :
﴿ فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
هذا صنف ، والثاني قال تعالى :
﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾
فالإنسان انطلاقاً من حرصه على سلامته ، ومن حرصه على سعادته ، ومن حرصه على استمراره ، بالمناسبة بالأرض سبعة مليارات إنسان ما منهم واحد إلا وهو حريص حرصاً لا حدود له على سلامته وسعادته واستمراره ، سلامته باستقامته ، هناك محظورات ومنهيات فإذا استقام على أمر الله ضمن سلامته ، فإذا عمل الأعمال الصالحة ضمن سعادته ، قال تعالى :
﴿ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾
فإذا ربى أولاده ضمن استمراره ، قال تعالى :
﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾
فالإنسان حريص على سلامته ، وعلى سعادته ، وعلى استمراره ، والإنسان بالنهاية عقل يدرك ، وقلب يحب ، وجسم يتحرك ، العقل عذاؤه العلم ، والقلب غذاؤه الحب ، والجسم عذاؤه الطعام والشراب ، فإذا غذى الإنسان عقله بالعلم ، وغذى قلبه بالحب الذي يسمو به، وغذى جسمه بالطعام والشراب تفوق ، فإذا اكتفى بواحدة تطرف .
المذيع :
دكتور أنت ذكرت موضوع استثمار الوقت ، نلاحظ اليوم في العالم الإسلامي أن كثيراً من الناس من كرس و استثمر وقته كلياً للدعوة إلى الإسلام وأنت واحد منهم ، الآن السؤال هل هذا العمر يعني أنه على كل مسلم واجب الدعوة أينما كان ؟
الدعوة إلى الله فرض عين و فرض كفاية :
الدكتور راتب :
بارك الله بك سؤال مهم جداً ، الحقيقة أن الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم ولكن في حدود ما يعلم ، ومع من يعرف ، إنسان حضر خطبة جمعة ، استمع من الخطيب تفسير آية ، تأثر بها تأثيراً كبيراً ، هذه الآية التي سمع تفسيرها ينبغي أن ينقلها إلى من حوله، إلى أقربائه ، في سهرة ، في طعام ، في وليمة ، إلى زوجته ، إلى أولاده ، إلى أخوانه ، إلى أصدقائه ، هذه الدعوة فرض عين ، هناك دليل أقوى ، قال تعالى :
﴿ قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾
فالذي لا يدعو إلى الله على بصيرة ليس متبعاً لرسول الله ، وقال الله عز وجل :
﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي ﴾
هذه فرض عين على كل مسلم ، هناك مسلم يصلي الجمعة ، استمع إلى تفسير آية، إلى قصة عن الصحابة ، إلى شرح حديث رائع جداً ، فهذا الذي استمعت إليه بلغه .
(( بلغوا عني ولو آية ))
فأنا حينما أستمع إلى حقيقة دينية وأتأثر بها أنقلها إلى زوجتي ، إلى أولادي ، إلى شركائي ، إلى أصدقائي ، لمن حولي ، لجيراني ، أنا قمت بالدعوة كفرض عين ، هذه فرض العين لا تكلفك أن تكون متبحراً في العلم ، استمعت إلى حقيقة واحدة نقلتها ، استمعت إلى قصة مؤثرة نقلتها ، أما فرض الكفاية فتحتاج إلى تفرغ وتبحر وتعمق ، هذه إذا قام بها البعض سقطت عن الكل ، فالأمة بحاجة إلى ذلك ، طبعاً يوجد أدلة ، قال تعالى :
﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ﴾
منكم ، من للتبعيض ، هذه الدعوة كفرض كفاية تحتاج إلى تفرغ ، وإلى تعمق ، وإلى تبحر ، أما فرض العين ففي حدود ما تعلم ومع من تعرف . لذلك الله عز وجل يقول :
﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا ﴾
الآن بعد إلا شيء دقيق ، أربعة أشياء الشافعي رحمه الله تعالى قال : هي أركان النجاة ، قال تعالى :
﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾
الثالثة التواصي بالحق ، هذه أحد أركان النجاة ، أما الدعوة كفرض كفاية فتحتاج كما قلت إلى تبحر ، وتعمق ، وتمكّن من الدين .
المذيع :
دكتور عندما مدح الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى :
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾
لذلك نحن أمة أخلاق ، كيف نترجم هذه الأخلاق في كل شيء ؟ في وظيفتنا ؟ في كل شيء ؟
الدين ضمان لسلامة الإنسان :
الدكتور راتب :
الله عز وجل أودع فينا الشهوات هذه حقيقة ، قال تعالى :
﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ﴾
الله عز وجل أودع فينا الشهوات ، الآن حركتنا انطلاقاً من هذه الشهوات قد تكون مئة وثمانين درجة ، لكن الله سمح لنا بمئة درجة ، أي شهوة لها حدود ، فمادام الإنسان يتحرك بدافع شهوته وفق منهج الله لا شيء عليه ، هناك آية دقيقة جداً ، قال تعالى :
﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ﴾
المعنى المخالف : الذي يتبع هواه وفق هدى الله لا شيء عليه ، في الإسلام لا يوجد حرمان ، ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل قناة نظيفة تسري خلالها ، أشبه الشهوة بالبنزين في السيارة ، إن وضع في المستودع المحكم ، وسال في الأنابيب المحكمة ، وانفجر في الوقت المناسب ، وفي المكان المناسب ، ولّد حركة نافعة ، قد تنقلك إلى مكان جميل في بلدك ، فإذا صبّ هذا الوقود على المركبة ، وأصابته شرارة ، أحرق المركبة ومن فيها ، فالشهوة إما أنها قوة دافعة أو قوة مدمرة ، فالمؤمن يستخدم هذه الشهوة كقوة دافعة ، يتزوج ، ينجب أولاداً ، يتسلم منصباً، يقدم خدمات للأمة ، يسعد بزوجته ، بأولاده ، وغير المؤمن يسلك في شهوته الطريق الغير مشروع ، الكلمة الدقيقة جداً : ما من شهوة على الإطلاق أودعها الله في الإنسان إلا وجعل قناة نظيفة تسري خلالها ، أي في الإسلام لا يوجد حرمان ، لكن يوجد تصعيد و تنظيم ، فهذا الذي أتمنى أن يكون واضحاً ، لا يتوهم الإنسان أن الإسلام فيه حرمان ، مثلاً إنسان يمشي في فلاة ، رأى لوحة كتب عليها : حقل ألغام ممنوع التجاوز ، بربك هل يظن الإنسان أن هذه اللوحة حدّ من حريته أم ضمان لسلامته ؟ في اللحظة التي نفهم فيها الدين أنه ضمان لسلامتنا نكون فقهاء ، أما إذا فهمنا الدين حداً لحريتنا فنحن أغبياء ، الدين ضمان للسلامة لأنه من عند الخالق ، أنت كأعقد آلة في الكون- كلامي دقيق- لك صانع حكيم ، ولهذا الصانع الحكيم- هو الله - تعليمات التشغيل والصيانة ، فانطلاقاً من حرصك على سلامتك ، وعلى سعادتك ، ينبغي أن تتبع تعليمات الصانع ، قال تعالى :
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ﴾
المذيع :
دكتور كيف نستطيع أن نجعل من القرآن ترجماناً حقيقياً لعلومنا المستقبلية ؟ اليوم الغرب يكتشف اكتشافاً ثم نجد أن القرآن تكلم عنه وفسره الكثيرون ، كيف نجعل من القرآن ترجمان لكل العلوم ؟
إعجاز القرآن الكريم شهادة الله لنبيه لآخر الزمان أنه كلامه :
الدكتور راتب :
عندما صعد رائد الفضاء إلى القمر في أول رحلة أبولو ، رائد الفضاء فجأة صاح بأعلى صوته : لقد أصبحنا عمياً لا نرى شيئاً ، ما الذي حدث ؟ انطلقوا بالمركبة الفضائية لكن الذي حصل أنهم لما قطعوا خمسة وستين ألف كيلو متر ، وخرجوا من طبقة الهواء ألغي انتثار الضوء ، عندنا ظاهرة فيزيائية أن الشمس إذا سلطت على الهواء ذرات الهواء تعكس أشعة الشمس على مكان آخر ، ففي جو الأرض لمسافة خمسة وستين ألف كيلو متر يوجد ضياء ، لكن بعد هذه المسافة لا يوجد هواء ، فألغي انتثار الضوء فدخلوا في ظلام دامس ، فقال الرائد : لقد أصبحنا عمياً لا نرى شيئاً . واضحة ، نفتح القرآن قال تعالى :
﴿ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ ﴾
ذلك أن كل نبي أرسله الله للبشر أيده بمعجزة ، هذه المعجزة في حقيقتها هي شهادة الله لهذا النبي أنه نبي ، فلما كانت بعثة النبي لكل الأمم والشعوب ، قال تعالى :
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾
بعثة النبي بعثة خاتمة ، فالمعجزة الحسية كتألق عود الثقاب ، ضرب العصا أصبح طريقاً يبساً ، مسك العصا أصبحت ثعباناً مبيناً ، فالمعجزات الحسية للأنبياء السابقين كتألق عود الثقاب يتألق وينطفئ ، يصبح خبراً يصدقه من يصدقه ، ويكذبه من يكذبه ، أما النبي فبعثته لآخر الزمان ، وكتابه خاتم الكتب ، لا بد من أن تكون معجزاته مستمرة ، ولن تكون مستمرة إلا بالناحية العلمية ، في القرآن ألف وثلاثمئة آية تتحدث عن الكون ، والإنسان بعد مضي ألف وأربعمئة سنة تأتي البحوث العلمية المعاصرة لتؤكد ما جاء في القرآن .
علم الأجنة بعد مسافات طويلة وجهود كبيرة توصلوا إلى أن الذي يحدد جنس الجنين - ذكر أم أنثى - هي النطفة لا البويضة ، تأتي الآية قال تعالى :
﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى*مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى ﴾
هناك آلاف الشواهد الدقيقة ، أنا أرى أن إعجاز القرآن الكريم شهادة الله لنبيه لآخر الزمان أنه كلامه ، فأنت حينما تؤمن أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن شيء مهم جداً ، قال تعالى :
﴿ غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ ﴾
الروم حاربوا الفرس في أخفض مكان في الأرض ، غور فلسطين ، الآن بعد اكتشاف أشعة الليزر تمكّنا أن نعرف أن أخفض نقطة في الأرض غور فلسطين ، هذه الأشعة يقاس بها بعد القمر بثانية ، أشعة الليزر ، فبعد اكتشاف أشعة الليزر تبين أن أخفض نقطة بالأرض غور فلسطين ، قال الله تعالى :
﴿ غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ ﴾
في أدنى الأرض ، فلذلك الآن يوجد ألف وثلاثمئة إشارة علمية ، إذا دققت فيها هناك جواب مفحم ، مقنع ، قطعي ، أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن .
خاتمة و توديع :
المذيع :
كنا نريد أن يطول هذا الحديث الجميل دكتور نشكرك على هذه الإضاءات الجميلة، على هذه الدرر الرائعة ، شكراً لك على وجودك معنا ، وشكراً لك على وجودك في السلطنة، الداعية الإسلامي الدكتور محمد راتب النابلسي شكراً جزيلاً لك دكتور .
الدكتور راتب :
وأنا أشكركم على دعوتكم ، وإكرامكم ، واللطف الذي رأيته لفت نظري والله بارك الله بكم .