وضع داكن
29-03-2024
Logo
الدرس: انتصار غزة وقانون النصر .
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع :
 ما خضناه خلال الشهرين الماضيين معركة مشرفة ، وصمود أسطوري ، لهذا الشعب الفلسطيني المجاهد ، والذي يحمل لواء الجهاد عن الأمة العربية والإسلامية في محاربة العدو الصهيوني والأمريكي ، كيف تابعت هذه المعركة التي بفضل الله انتصر فيها الشعب وانتصرت فيها المقاومة ؟

 

نصر غزة تأييد وتحقيق لوعود الله عز وجل :

الدكتور راتب :
 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين .
 الحقيقة الدقيقة والعميقة أنني والله تابعت هذه الأخبار بشوق لا يتصور ، ولم أستطع أن أنم تلك الليلة من فرحي ، لأن هذا الانتصار قلب موازين القوى ، وأقول على مستوى العالم لأن هذا الانتصار يعد تحقيقاً لوعد الله عز وجل ، الانتصار في هذا الدين العظيم من خلال الكتاب والسنة له قوانين ، وكأن أخوتنا في غزة أدركوا هذه الحقيقة ، فأخذوا بالأسباب التي أرادها الله لكل منتصر ، وعندئذ باتباع هذه القوانين تحقق النصر ، وهذا النصر العظيم الذي أثلج صدر الأمة الإسلامية والعربية جميعها ، هذا النصر تأييد وتحقيق لوعود الله عز وجل ، الله عز وجل قال :

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي ﴾

[ سورة النور : 55 ]

 كأن أخوتنا في غزة آخر كلمة في هذا المشهد البطولي هي سبب النصر:

﴿ يَعْبُدُونَنِي ﴾

 فإن لم يخضع المقاتل لهذا القانون الإلهي لن يقطف هذه الثمار اليانعة ، النصر له قوانين ، وأن أتمنى أن أبلغ أخوتي الكرام في غزة وفي أنحاء العالم الإسلامي والعربي أن هذا النصر الذي يثلج صدورنا ، ويسعدنا ، ويرقى بنا ، له قوانين ، وما لم نأخذ بهذه القوانين الطريق مسدود ، لأن هناك مقولة دقيقة : الحرب بين حقين لا تكون، مستحيلة ، لأن الحق لا يتعدد ، والحرب بين حقٍ وباطل لا تطول ، إذا كنا مع الحق الله معنا ، وإذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ أما بين باطلين لا تنتهي ، وكأن أخوتنا في غزة أخذوا بهذا القانون القرآني وبأسباب النصر التي أرادها الله عز وجل وأعدوا للطرف الآخر ما استطاعوا من الإعداد ، قال تعالى :

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ ﴾

[ سورة الأنفال : 60]

 أمر إلهي ، وكل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب :

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾

 لكن فضل الله عز وجل أن الله جل جلاله ما كلفنا أن نعد القوة المكافئة ولكن كلفنا أن نعد القوة المتاحة ، وكأن أخوتنا في غزة قدموا ما يستطيعون من إعداد ، والله العالم الإسلامي بأكمله انبهر بهذا الإعداد الذي وصل إلى أن تحلق طائرة من صنعهم فوق مدن إسرائيل ، وأن تقصف المستعمرات والأماكن الحساسة في هذا الكيان الصهيوني ، فلذلك الذي حصل في غزة ما هو إلا تحقيق لوعد الله عز وجل ، وهذا التحقيق ثمنه أن أخوتنا في غزة أخذوا بالأسباب ، قال تعالى :

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾

[ سورة الأنفال : 60]

الأخذ بالأسباب و التوكل على رب الأرباب :

 الحقيقة ينبغي أن نعد لهم ، وأن نتوكل على الله ، والقانون الذي أريد أن يكون واضحاً لدى الأخوة المشاهدين أنه ينبغي أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء .
 ليس سهلاً أن تجمع بين الأخذ بالأسباب وبين التوكل الصادق على الله ، لعل الغرب أخذ بالأسباب ، واعتمد عليها ، وألهها ، ولعل العالم الإسلامي لم يأخذ بها أصلاً ، الأول وقع في وادي الشرك ، والثاني وقع في وادي المعصية ، لكن الموقف الإسلامي الإيماني الحقيقي الدقيق القطعي أن نأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم نتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، هذا هو الدين ، هذا هو الإيمان ، أنا أقول دائماً: زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين ، لذلك قال تعالى :

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾

[ سورة النور : 55 ]

 وأنا أقول دائماً في دروسي : يجب أن نتكلم بالحقيقة المُرّة ، فما دمنا لم ننتصر سابقاً معنى ذلك أن هناك تقصيراً بالأخذ بالأسباب ، ينبغي أن نأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم نتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، قال تعالى :

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾

[ سورة النور: 55 ]

طاعة الله و تطبيق سنة نبيه أكبر سببين من أسباب النصر :

 لكن هناك ملمحاً بالآية دقيقاً جداً ؛ أي دين وعد بتمكينه ؟ الدين الذي يرتضيه لنا ، فإن لم ننتصر في مكان آخر من العالم الإسلامي ، معنى ذلك أن فهمنا للدين لم يرض الله عز وجل ، قد نفهم الدين فلكلوراً ، قد نفهم الدين احتفالات ، قد نفهم الدين زينات ، لكن الله عز وجل قال :

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

[ سورة الأنفال : 33 ]

 هذه الصيغة صيغة نفي الشأن ، لو أن إنساناً سئل : هل أنت جائع ؟ يقول : لا ، نفي الحدث ، أما لو قيل له : هل أنت سارق وهو إنسان له مكانة كبيرة ؟ لا يقول : لا ، يقول : ما كان لي أن أسرق ، هذا مستحيل وألف ألف مستحيل ، لا أقبل ، ولا أرضى ، ولا أبارك ، ولا أغطي ، ولا أصمت ، هذا نفي الشأن ، الآية تقول هكذا :

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ ﴾

[ سورة الأنفال : 33 ]

 أي مستحيل وألف ألف مستحيل ، قال تعالى :

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

[ سورة الأنفال : 33 ]

 لعل هذه الآية في حياة النبي الكريم لها معنى ، لكن معناها الدقيق والعميق بعد انتقال النبي إلى الرفيق الأعلى أي مستحيل أن يعذب المسلمون ما دامت سنة الله مطبقة في حياتهم ، قال تعالى :

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾

[ سورة الأنفال : 33 ]

 معنى ذلك أن هذه القوانين- أكاد أقول هذه الكلمة دائماً – قوانين ، أي علاقة قطعية بين متغيريين تطابق الواقع عليها دليل ، هذا التعريف العلمي ، الله عز وجل أنزل علينا قوانين ، الرزق له قانون ، والنصر له قانون ، ما دمنا نأخذ الكتاب تبركاً ولا نقيم حياتنا كما أراد الله ، ما لم نقم الإسلام في نفوسنا ، ما لم نقمه في بيوتنا ، ما لم نقمه في أعمالنا ، جميع الوعود الإلهية معطلة لأن الصحابة الكرام وهم نخبة البشر ، قمم البشر لم ينتصروا في أحد لأنهم عصوا رسول الله ، قال بعض المحللين في السيرة : لو أنهم انتصروا لسقطت طاعة رسول الله ، وكذلك في حنين لم ينتصروا لأنهم اعتدوا بعددهم فقالوا :

(( لن نغلب من قلة ))

[ أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم عن ابن عباس ]

 قال تعالى :

﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ ﴾

[ سورة التوبة : 25]

 ولو أنهم انتصروا في حنين لسقط التوحيد ، التعامل مع الله دقيق جداً ، التعامل مع الله يجب أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، وأن تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، يغلب على ظني أن أخوتنا في غزة - ولا أزكي على الله أحداً - أخذوا بالأسباب التي أرادها الله ، وجاء تحقيق النصر تطبيق لقانون النصر ، هذا شيء طبيعي ، وهذا متاح لهم ولأية جهة في العالم الإسلامي إذا أخذت بالأسباب ، أما إذا أردنا أن ندعو الله فقط .
 سيدنا عمر رأى جملاً مصاباً بمرض خطير ، فسأل صاحبه : يا أخا العرب ما تفعل به ؟ قال: أدعو الله أن يشفيه ، قال : يا أخي هلا جعلت مع الدعاء قطراناً .
 أنا أقول مرة ثالثة : قانون النصر أن نأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء وأن نتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، ولكن ما كلفنا الله رحمة بنا أن نعد القوة المكافئة للعدو ، والحقيقة جيش العدو يعد الرابع في العالم ، والأول في المنطقة ، والعالم كله مع هذا الكيان الصهيوني ، ومع ذلك فئة مؤمنة صادقة أخذت بالأسباب ، وجعل الله النصر على يديها ، تأكيداً لقوانينه القرآنية .
المذيع :
 جزاكم الله فضيلة الدكتور كل الخير ، ما استمعنا إليه الآن هو تماماً ما نستشعره دائماً ، وما نستمع إليه من محاضراتك ودروسك ، ولكن شيخنا الفاضل هناك من علماء المسلمين من يقول العكس ، نتحدث عن عدد القتلى بين المسلمين وبين الكفار الصهاينة ونتحدث أن القوة المادية للشعب الفلسطيني وللمجاهدين لا تكافئ القوة المادية للصهاينة وللأعداء ، ولذلك علينا أن نبقى تحت الظلم وتحت النار حتى نتمكن من إعداد قوة مماثلة ، وكثيراً مما يقال في هذه الناحية ، كيف يمكن الرد على هذا النوع من العلماء ؟

 

تتالي النكسات على العالم الإسلامي أورثه ثقافة اليأس :

الدكتور راتب :
 أنا معي رد هو آية قرآنية قال تعالى :

﴿ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ ﴾

[سورة الأنعام: 91]

 إلهنا وربنا وخالقنا الذي يرحمنا بهذا النصر له قوانين ، أنا يغلب على ظني أن أخوتنا في غزة أخذوا بهذا القانون ، واعتمدوه ، أي أخذوا بالأسباب وكأنها كل شيء وتوكلوا على الله وكأنها ليست بشيء فاستحقوا نصر الله عز وجل ، وهذا النصر والله قلب موازين القوة في الأرض ولا أبالغ ، والحقيقة الدهشة التي عمت العالم الإسلامي شيء لا يصدق ، لأن دائماً وأبداً النصر محبب ، الله عز وجل قال :

﴿ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة التوبة: 14]

 ما المعنى المخالف ؟ معنى هذا أن بالنفس مرضاً إذا النصر لم يتحقق ، وبذلنا كل ما نملك ، و لا يوجد نصر ، هناك مرض نفسي نصاب به جميعاً ، لذلك سامحني بهذه الكلمة: تتالي النكسات على العالم الإسلامي أورث هذا العالم الإسلامي ثقافة أنا أسميها ثقافة اليأس والإحباط والطريق المسدود ، وهذه الثقافة الخطيرة المدمرة من آثارها أننا مع هذه الثقافة لا نصدق نصراً من شدة اليأس والإحباط .

 

نصر غزة أكّد حقائق الإيمان :

 ولكن الله أنعشنا بإنعاشات عديدة ، أحد هذه الانتعاشات انتصار أخوتنا في عزة على رابع جيش في العالم ، وعلى أول جيش في المنطقة ، هذا النصر أكد حقائق الإيمان ، وقد قيل : النصر الذي يأتي للمؤمن يقوي عقيدته بوعد الله عز وجل ، الشيء الثاني أن هذه الثقافة ثقافة اليأس التي أصيب بها العالم الإسلامي بسبب تراكم وتعدد الانتكاسات ، هذه الثقافة ثقافة اليأس والإحباط والطريق المسدود أراد الله أن ينعشنا فجعل انتصار أخوتنا قي غزة إنعاشاً لنا من ثقافة اليأس والإحباط والطريق المسدود ، وجعل البلد الطيب تركيا من دولة علمانية تقريباً تحارب الدين إلى دولة إسلامية، هذا إنعاش ثان ، وانهيار النظام المالي في العالم الغربي القائم على الربا إنعاش ثالث وكأن هذه الإنعاشات الثلاثة كأن الله يقول لنا : يا عبادي لا تقلقوا ، لا تحزنوا أنا معكم ، لذلك إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ قال تعالى :

﴿ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ ﴾

[سورة الأنعام: 91]

المذيع :
 لكن فضيلة الدكتور حينما ننظر إلى حال الأمة ونحن نعرف أن هناك معارك سابقة كان العدو يحسب حساباً كبيراً لتحركات الأمة ، ولغضبها ، وقد غاب هذا الحراك ، وهذا الغضب للأسف الشديد بفعل ما هو حادث الآن في الساحات العربية وفي العواصم ، ولكن مع ذلك وقف العدوان بصمود الشعب الفلسطيني ومقاومته لكن ماذا عن الأمة كيف بنا أن نحركها باتجاه فلسطين ؟ لأننا شهدنا عشرات المسيرات في العالم العربي مقابل مئات المسيرات والمظاهرات في أوربا وأمريكا اللاتينية وفي غيرها من المناطق ؟

 

نصر غزة تأييد إلهي قوّى عقيدتنا و نفسيتنا :

الدكتور راتب :
 والله أنا مضطر ان أقول هذين البيتين ؛ امرأة في عموريا قالت : وا معتصماه فهبّ المعتصم فتوجه بجيشه وأنقذ هذه المرأة ولبى نداءها ، قال الشاعر :

رب وامعتصمـــــــاه انطلقت  ملء أفواه البنات اليتم
لامست أسماعهم لكنها لم  تلامس نخوة المعتصم
***

 الحقيقة هناك ضعف كبير في العالم الإسلامي لا من جهة القاعدة الشعبية ، بل من جهات أخرى ، فنرجو الله سبحانه وتعالى أن يكون هذا النصر في غزة فاتحة لانتصارات متتابعة إن شاء الله ، حتى نسترد هويتنا ، وحتى نحقق رسالتنا التي أناطها الله بنا ، حينما قال:

﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾

[ سورة آل عمران : 110]

 هذه الآية كتبت في أجمل مكان في الجامعة العربية :

﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾

[ سورة آل عمران : 110]

 لكن يغيب عن المسلمين علة هذه الخيرية :

﴿ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾

[ سورة آل عمران : 110]

 لذلك قال عليه الصلاة والسلام :

(( كيف بكم إذا لمْ تأمروا بالمعروفِ ولم تَنْهَوْا عن المنكر ؟ قالوا: يا رسول الله، وإنَّ ذلك لكائن ؟ نعم ، وأشدُ ، كيف بكم إذا أمرتُم بالمنكر ونهيُتم عن المعروف ؟ قالوا : يا رسول الله وإنَّ ذلك لكائن ؟ قال : نعم ، وأَشدُّ منه سيكون - صعقوا ثانية - قالوا : وما أشد منه ؟ قال : كيف بكم إذا رأيتُمُ المعروفَ منكراً والمنكرَ معروفاً ؟))

[ ورد في الأثر]

 سيدنا عمر أدخل شاعراً السجن ، لأنه قال بيتاً في حق إنسان وعدّه نقاد الأدب أهجى بيت قالته العرب ، ماذا قال ؟

دع المكارم لا ترحل لبغيتها  و اقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
***

 هل تصدق أيها الأخ الحبيب أن هذا البيت شعار معظم المسلمين .

دع المكارم لا ترحل لبغيتها  و اقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
***

 أي الانتماء صار فردياً ، وأنا أحياناً أتكلم ولو بمشهد إعلامي الحقيقة المُرّة لأنها عندي أفضل ألف مَرّة من الوهم المريح ، وبإمكان أي داعية أن يدغدغ مشاعر السامعين بكلمات معسولة ، لكن نحن قصرنا تقصيراً كبيراً .

(( ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))

[أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عباس]

 والحديث في الصحاح ، ونحن الآن مليار وسبعمئة مليون مسلم ، ليس أمرنا بيدنا ، وللطرف الآخر علينا ألف سبيل وسبيل .
 هناك سؤل كبير هذا السؤال إجابته الحقيقة المُرّة وهي عندي أفضل ألف مَرّة من الوهم المريح ، فنحن بهذا النصر الموزر الرائع الغير متوقع بالحقيقة انتعشنا بهذا النصر وعدنا إلى هذا الدين العظيم ، وشعرنا أن التأييد الإلهي صار موجوداً بين أيدينا ، وأن هذا النصر يقوي عقيدتنا ، ويقوي نفسيتنا ، وينقلنا من الإحباط إلى التفاؤل .
المذيع :
 ولا سيما أن القتال كان من نقطة الصفر وجهاً لوجه ، وكانت معركة شهدت بسالة فريدة للمجاهدين وللشعب الحمد لله رب العالمين ، ولكن ونحن أمام هذه المعركة طبعاً وقد تحدث القرآن الكريم والسنة عن عدونا اليهودي ، توقفنا عند الجريمة الصهيونية وعند العقلية الصهيونية والتي ظهرت في أبشع صورها ، عندما قال الصهاينة إنهم عانوا من النازية ظهر أن ما فعلته النازية إن كانت فعلت بهم ما قالوه وما زعموه يساوي واحد في المئة فيما فعلوه بالشعب الفسطيني ، وكذلك المغول والتتار ، نريد أن تتحدث بشي من التفصيل عن هذه الذهنية القاتلة .

 

النصر نتيجة الصبر مع الطاعة :

الدكتور راتب :
 يا سيدي قال تعالى يصف مكر هؤلاء :

﴿ َقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾

[ سورة إبراهيم : 46 ]

 أخي الكريم لو اجتمعت قوى الأرض على أن تنقل جبل قاسيون من دمشق إلى درعا تستطيع ؟ خالق السموات والأرض يصف مكر هؤلاء بأنه تزول منه الجبال ، كيف نتفاءل؟ نتفاءل بكلمتين في القرآن الكريم فقط ، قال تعالى :

﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ﴾

[ سورة آل عمران : 120]

 أنا أقول دائماً : الصبر مع المعصية ما بعدها إلا القبر ، لكن الصبر مع الطاعة بعدها النصر ، أنا والله يغلب على ظني من باب حسن الظن ومن باب النتائج التي تحققت من هذه الحرب التي دامت فوق الخمسين يوماً ، يغلب على ظني أن أخوتنا في غزة أخذوا بالأسباب التي أرادها الله ، فجاء تحقيق النصر كما يسمى تحصيلاً حاصلاً ، تطبيقاً للقوانين ، نحن عندنا قوانين القرآن الكريم ، هناك مقدمات و نتائج ، فأنا لمجرد أن آخذ بالقوانين وأنا أقول دائماً : زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين ، فالنصر بينن أيدينا دائماً ، والكرة في ملعبنا دائماً ، وإذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ ويا رب ماذا وجد من فقدك ؟ وماذا فقد من وجدك ؟
المذيع :
 لا نعرف ماذا واجه الشاعر العربي الذي قال :

وظلم ذوي القربى أشدّ مضاضة  على المرء من وقع الحسام المهند
***

 كتبها حينها ولا نعرف ماذا دفعه إلى ذلك ، ونحن اليوم الشعب الفلسطيني يردد هذا البيت كثيراً بل يتمنى أن يعبر عن شعوره بمرارة الخذلان بطريقة أكبر من ذلك ، ما الذي جرى لهذه الأمة ؟ لأنظمتها ؟ لشعوبها ؟ حتى وصلنا إلى هذا الحال من الظلم الكبير جداً الواقع على النفس الفلسطينية والعربية ؟

 

الظلم الكبير الواقع على النفس الفلسطينية والعربية :

الدكتور راتب :
 الشاعر الرصافي قبل عقود من الزمن قال : " وإذا تـسـأَل عـمـا هـو فـي بـغـداد كـائـنْ فـهـو حـكـم مـشـرقـي الـضـرع غـربـي الـمـلابـن - الضرع شرقي أما اللبن فغربي- قـد مـلـكـنـا كل شـيء نـحـن فـي الـظاهـر ، لـكـن نـحـن فـي الـبـاطـن لا نـمـلـك تـحـريـكـاً لـسـاكـن ".
 الحقيقة الكلام واضح جداً ، و هناك جهات قوية تضغط على الحكومات العربية ضغطاً كبيراً جداً ، لا يعد هذا عذراً لهم ، ولكن يعد خضوعاً لهم ، فأرجو الله سبحانه وتعالى أن تزداد الدول التي تدعم هذا الانتصار ، وهذا الإنجاز الحضاري الحربي الكبير ، وهذا رفع معنويات الأمة والله ، وهذا الانتصار جعل قوانين القرآن نأخذها بشكل حيوي وبليغ ، الله وعد بالنصر ، قال تعالى :

﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾

[ سورة البقرة: 249]

 وكيف أن هذا الكيان صمت أياماً عديدة ولما تكلم تكلم بغير الحقيقة ، والحقيقة أن الإنسان بفطرته يعرف الحقيقة ، بإمكانك أن تخدع بعض الناس لكل الوقت ، وتستطيع أن تخدع كل الناس لبعض الوقت ، أما أن تخدع كل الناس لكل الوقت فهذا مستحيل ، أما أن تخدع ربك ونفسك ولا ثانية ، قال تعالى :

﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾

[ سورة القيامة : 14-15 ]

المذيع :
 فضيلة الدكتور أنت تعرف أن هذه المعركة جاءت بعد معركة طويلة خاضها الشعب مع الحصار الخانق الذي لم يسبق له مثيل ، ثم فرضت على الشعب معارك عسكرية في ست سنوات ، بدءاً من معركة الفرقان كما أسمتها المقاومة ، ثم حجارة السجيل ، ثم العصف المأكول قبل أيام قليلة انتهت ، وعلى الرغم من ذلك انتصر الشعب في هذه المعارك حتى وصلنا إلى معركة البناء والإعمار ، وإعادة الناس إلى منازلهم ، ويراد أن ينهزم الشعب في هذه المعركة ، والأطراف تريد معاقبة الشعب كي ينفض من حول المقاومة وحول الجهاد والمجاهدين، ماذا يمكن أن نقول للناس الذين تكبدوا الخسائر في هذه المعركة ؟

 

نصر غزة رمم قلوبنا وأسعدنا و جعلنا نتعلق بربنا وبوعده بالنصر :

الدكتور راتب :
 والله أنا أقول لهم : هذا النصر المؤزر دفع المسلمين قاطبة في أنحاء العالم الإسلامي إلى موقف إيجابي بعد أن كان سلبياً ، أنا أعتقد الآن الموقف إيجابي من الشعوب ، والشعوب تضغط ، فلذلك أنا متفائل كثيراً لأن الله عز وجل يتمم فضله ، تفضل علينا بهذا النصر ، وسوف يتفضل علينا أيضاً بمعركة البناء والإعمار ، وأنا والله لا أصدق أن إنساناً من أصحاب الأموال في العالم الإسلامي يقصر في معونة أخوتنا في هذا البلد الطيب لإعادة بناء بلدهم ، ذلك أن الإنسان حينما يرى الإيجابيات ، الإيجابيات تدفع إلى مزيد من الإيجابيات ، لا شيء يعين على النجاح كالنجاح ، النجاح الأول نجاح شبه مذهل ، نجاح غير متوقع ، نجاح مفاجئ ، نجاح رمم قلوبنا وأسعدنا ، ونجاح حملنا أن نتعلق بربنا أكثر ، ونتعلق بوعده بالنصر، إيجابيات النصر لا تعد ولا تحصى ، وإن شاء الله تأتي الأموال من الجهات التي تريد أن تقدم لله عملاً طيباً ، عملاً يعيد لهذا البلد بناءه واستقراره ، والله سبحانه تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملاً .
المذيع :
 إذا كان الأعداء ومن لف لفهم يريدون أن يقولوا للشعب الفلسطيني : هذا ما جلبه لكم الجهاد والمقاومة من أذى ، ومن دمار ، ومن خراب ، وكل هذه الأشياء التي تعرفها فضيلتكم ، ماذا ممكن أن نقول لهؤلاء الأعداء ولكل الذين يحاولون تشديد الحصار على شعبنا الفلسطيني الذين يربطون الجهاد والمقاومة على أرض فلسطين بهذه الخسارة الكبيرة ؟

 

ضرورة وجود حاضنة شعبية ترعى نصر غزة و تحميه :

الدكتور راتب :
 أنا أرى أن المتحرك دائماً له حاضنة شعبية ، والله من خلال الأخبار خلال هذا الأسبوع ما سمعت كلمة من مواطن في غزة كان متأسفاً ، فأنا أعتقد أن هناك حاضنة شعبية كبيرة جداً رعت هذا النصر ، على الرغم من الخسائر الكبيرة جداً والبالغة ، وهذا والله موقف بطولي ، أنا بزماني امرأة جاءت لترى ابنها المحكوم بحكم الإعدام ، كان مخبراً وتسبب بقتل مئات الأشخاص فأعدم - قصة قديمة منذ خمس سنوات - أنا أول مرة بحياتي أرى امرأة مسلمة محجبة تركل رأس ولدها المقتول بحكم عادل بقدمها ، قالت له باللغة العامية : قم الله لا يردك يا كلب ، هذه أول مرة ، نقلة نوعية بحياتنا كمسلمين ، أم ترى ابنها مقتولاً بحكم عادل لأنه كان يتعاون مع العدو ، تركله بقدمها وتقول له : الله لا يردك يا كلب ، هذه نقلة نوعية حتى في أمهاتنا ، والحقيقة خلال هذا النصر المؤزر صار هناك لقاءات مع عينات من الشعب كثيرة جداً، هذه العينات كأنها ما تكلمت كلمة سلبية بحق هذا النصر المبين ، طبعاً غزة مهدمة إن شاء الله يعاد إعمارها بأقرب وقت ، وإن شاء الله هذا النصر باعث كبير وحثيث يدفع أولي المال في العالم الإسلامي لدفع ما عليهم من واجبات تجاه هذا الشعب المقاوم ، والله هذا الشعب ناب عن المسلمين جميعاً في حربه مع العدوان ، أرجو الله سبحانه وتعالى التوفيق والنجاح دائماً .
المذيع :
 ما واجب الأمة دكتور في هذه المحطة ، إذا كانت الأنظمة ظالمة وبالعكس تحاصر غزة ، إذاً على الأمة أن تنهض وأن تدعم غزة وفلسطين بكل ما أوتيت من مال ومن قوة لأن غزة وفلسطين تنوب عن العالم الأمة في جهادها وتحرير فلسطين .

 

واجب الأمة تجاه غزة :

الدكتور راتب :
 والله أنا لا أصدق أن إنساناً أراد أن يقدم شيئاً من جهده وماله لإعمار هذا البلد الطيب لا أصدق ألا يجد قناة نظيفة تحقق هدفه ، أي الإنسان حينما يريد شيئاً ، أنا دائماً أقول كلمة هي سلبية : الشيء الذي تتوهم أنك لا تستطيعه هو الشيء الذي لا تريد أن تفعله ، أما ما دام الإنسان اتخذ قراراً إيجابياً ، إن القرار الذي يتخذه الإنسان في شأن مصيره قلّما تنقضه الأيام إذا كان صادراً حقاً عن إرادة و إيمان ، أنا والله متفائل يغلب على نفسي التفاؤل ، لأن الإله العظيم الذي أعان أخوتنا المقاتلين على تحقيق هذا النصر سيتابع إحسانه ، ويتابع حفظه ، ويتابع نصره لهذا الأمة ، هناك نصر بالمعركة و نصر بالبناء ، إن شاء الله هناك خير في الأمة .

((الخير فيَّ وفي أمتي إلى يوم القيامة))

[ البيهقي عن جابر]

المذيع :
 نحن اليوم الشعب الفلسطيني الذي خاض هذه المعركة وأنت تحدثت عن قوانين النصر في بداية اللقاء ، سبقتني إليها هل هناك بعض القوانين أو بعض الملاحظات التي يمكن الأخذ بها ما قبل المعركة ؟ أثناء المعركة ؟ ما بعد المعركة ؟ يأخذ بها المجاهدون حتى ينهضوا أكثر في تحرير فلسطين ولا سيما أن هناك من أبناء شعبنا من ينتهج نهجاً مغايراً تماماً بل يحارب من ينتهج نهج الجهاد والمقاومة ؟

 

مستويات الجهاد :

1 ـ جهاد النفس و الهوى :

الدكتور راتب :
 أنا أعتقد يقيناً أن الجهاد أربعة مستويات ، أولاً : جهاد النفس والهوى ، وهذا المعول عليه ، وهذا الأصل عندي ، وقد نقل عن بعض الصحابة عقب بعد الغزوات أنهم قالوا : رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر جهاد النفس والهوى . فالمهزوم أمام نفسه لا يستطيع أن يقاتل نملة ، فلذلك أحد مفهومات الجهاد وأحد مستويات الجهاد جهاد النفس والهوى ، أنا حينما أقيم الإسلام في نفسي ، وأقيمه في بيتي ، وفي عملي ، عندئذ أشعر أنني قدمت ثمن النصر ، كنا مرة في الكويت وجاء أخ زار غزة وعاد إلينا حدثنا فأبكانا ، أقسم بالله وبكى قال : والله نحن المحاصرون بشهواتنا ومصالحنا ، ليس أهل غزة هم أحرار ، هذا ثناء كبير ، هذا واقع ، وهذا أحد أسباب النصر الحقيقية ، لأن الحرب بين حقين لا تكون ، وبين حق وباطل لا تطول ، وبين باطلين لا تنتهي ، أنا أعتقد يقيناً أن هذا النصر قلب الموازين ، وحفز الهمم ، وكأن الله أراد أن يحقق وعوده لهذه الأمة من خلال انتصار أخوتنا في غزة ، لأن الله عز وجل من سياسته مع خلقه أنه يقيم الحجة عليهم ، فانتصار أخوتنا في غزة أقام الحجة على من حولنا ، الأمر مع الله عز وجل ، الأمر بيده ، قال تعالى :

﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ ﴾

[ سورة الأنفال: 10 ]

 لذلك أنا أقول دائماً هناك جهاد نفسي وهو الأصل ، وهو المعول عليه ، جهاد النفس والهوى ، لأن المهزوم أمام نفسه لا يستطيع أن يواجه نملة ، هذا واحد .

2 ـ الجهاد الدعوي :

 وعندنا جهاد ثان الجهاد الثاني جهاد الدعوة ، قال تعالى :

﴿ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً ﴾

[سورة الفرقان: 52]

 وسمى الله جهاد القرآن جهاداً كبيراً ، لأن :

(( خيرُكمْ من تعلّمَ القُرآنَ وعَلَّمَهُ ))

[البخاري عن عثمان بن عفان ]

 عندنا جهاد النفس والهوى ، و عندنا جهاد الدعوة إلى الله عز وجل :

﴿ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً ﴾

[سورة الفرقان: 52]

3 ـ الجهاد البنائي :

 وعندنا جهاد بنائي ، أنا حينما أبني بلدي ، حينما أنشئ السدود ، أستصلح الأراضي ، أوزع الثروة بشكل عادل ، حينما أجعل مبدأ تكافؤ الفرص ، هناك آلاف الأسباب التي تقوي الأمة ، هذا جهاد بنائي ، صار عندنا جهاد نفسي ، جهاد دعوي ، جهاد بنائي .

4 ـ الجهاد القتالي :

 والجهاد الآخر هو الجهاد القتالي فإذا صح الجهاد النفسي والجهاد الدعوي والجهاد البنائي جاء النصر تاجاً يتوج به هذه المواقف التي أرادها الله عز وجل .
 جهاد دعوي ، ثم جهاد نفسي ، ثم جهاد قتالي ، كأنني يغلب على ظني أن أخوتي في غزة أخذوا بهذه الأسباب .
المذيع :
 شيخنا الفاضل بعد أن مكننا الله من هذا النصر ، وإن كان هناك كثير من المشككين والمغرضين وأنا لا أعرف كيف يمكن لعالم أو شيخ أن يتسم من حيث الشكل بالدين الإسلامي أن يتحدث بتلك الطريقة على أن هذا ليس نصراً ولا ثباتاً ، على أية حال حتى لا ننغص على شعبنا هذا النصر الكبير ما يستحق أن نؤكد عليه هو أن الشعب بهذه القوانين وصل إلى هذه النتيجة ، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام قال بعد أحد المعارك :"إن الملائكة لم تضع أسلحتها بعد" وهذا كان إشارة إلى استمرار الاستعداد والضغط على الزناد لأن المعركة طويلة .

 

الابتلاء علة وجودنا في الدنيا :

الدكتور راتب :
 يا سيدي أنا أقول لك هذه الكلمة : الله عز وجل في عقيدتنا واجب الوجود ، لكن ما سواه ممكن الوجود ، أي يمكن أن يكون أو لا يكون ، أو ممكن أن يكون على ما هو كائن أو على خلاف ما يكون ، أليس من الممكن أن يجعل الله أعداء المسلمين في كوكب آخر ؟ ممكن، الله على كل شيء قدير ، أليس الله قادراً أن يجعل أعداء المسلمين في قارة أخرى ؟ ممكن ، أليس الله قادراً أن يجعل أعداء المسلمين في حقبة أخرى ؟ قادر ، لماذا أراد ربنا جل جلاله واقتضت حكمته أن نعيش معاً في مكان واحد وفي زمن واحد ؟ قالوا : لأن الحق لا يقوى إلا بالتحدي ، ولأن أهل الحق لا يستحقون الجنة إلا بالبذل والتضحية ، أنا هذا إيماني ، فمعركة الحق والباطل معركة أزلية أبدية ، هذه قدرنا ، فأنا حينما أعتقد أن الإنسان لا يبتلى أنا أكون واهماً ، فلذلك الإمام الشافعي سئل : " أندعو الله بالتمكين ؟ قال : لن تمكن قبل أن تبتلى ! قال تعالى :

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾

[ سورة الملك : 2 ]

 الابتلاء علة وجودنا ، لا يمكن أن نفهم وجودنا من دون ابتلاء ، لذلك ورد في بعض خطب النبي : " إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء ، ومنزل ترح لا منزل فرح ، فمن عرفها لم يفرح لرخاء ، ولم يحزن لشقاء ، قد جعلها الله دار بلوى ، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً ، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً ، فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي ".
 ونحن في عصر الابتلاء ، علة وجودنا في الدنيا الابتلاء ، هذه كلمة دقيقة جداً ، أنا حينما أتوهم أنني ممكن أن أعيش حياة مرفهة ناعمة وبعدها إلى الجنة هذا مستحيل ، ما كان الله ليفعل ذلك لا بد من الامتحان ، الابتلاء أن نبتلى ، لأن الحق يقوى بالتحدي ، ولأن أهل الحق لا يستحقون العطاء والجنة إلا بالبذل والتضحية ، وهذا امتحان لنا .
المذيع :
 نسأل الله الثبات والتمكين ، أتمنى من فضيلتكم حفظكم الله أن تقول لأخواننا المجاهدين فوق الأرض وتحتها المرابطين كلمة مباركة من حضرتكم .

 

الله عز وجل لا يضيع عباده المؤمنين :

الدكتور راتب :
 والله أنا أقول دائماً ، يا ربي ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟

(( إني والإنس والجن في نبأ عظيم ، أخلق ويعبد غيري ، وأرزق ويشكر سواي ، خيري إلى العباد نازل، وشرهم إليّ صاعد ، أتحبب إليهم بنعمي وأنا الغني عنهم ، ويتبغضون إليّ بالمعاصي وهم أفقر شيء إليّ ، من أقبل عليّ منهم تلقيته من بعيد ، ومن أعرض عني منهم ناديته من قريب - الشاهد هنا - أهل ذكري ، أهل مودتي ، أهل شكري ، أهل زيادتي ، أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي ، إن تابوا فأنا حبيبهم ، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم ، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب ، الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد والسيئة بمثلها وأعفو ، وأنا أرأف بعبدي من الأم بولدها))

[ الطبراني عن أبي الدرداء ]

 هذا الموقف الإلهي ، إن تابوا فأنا حبيبهم ، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم ، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب ، الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد والسيئة بمثلها وأعفو ، وأنا أرأف بعبدي من الأم بولدها ، وأنا والله متفائل ، وأرجو الله سبحانه وتعالى أن تأتي انتصارات متتابعة حتى يتحقق وعد الله لنا ، والله عز وجل لا يضيع عباده المؤمنين إن شاء الله.

 

خاتمة و توديع :

المذيع :
 جزاكم الله خيراً فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، وأسمح لي أن أعبر عن سعادتي واعتزازي بهذا اللقاء الطيب ، سمعنا حضرتكم كثيراً جداً ، ولكننا اليوم نعتز بهذا اللقاء بارك الله بكم .
الدكتور راتب :
 وأنا سعدت بكم كثيراً والله .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور