وضع داكن
29-03-2024
Logo
الحلقة - 26 - حفظ اللسان - من الغيبة والنميمة والسخرية والاستكبار وعلاجه مراقبة الله .
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع :
 أعزائي المشاهدين ؛ السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ، مرحباً بكم إلى حلقة جديدة من ربيع الإيمان مع فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي . حياكم الله دكتور .
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم و نفع بكم .
المذيع :
 أعزائي المشاهدين ؛ سنتكلم اليوم في ربيع الإيمان عن شجرة دافقة الظلال وارفة الخيرات ألا وهي شجرة اللسان ، هذه العطية من الله العظيمة التي إذا كانت في سياق طاعة الله عز وجل كانت معراجاً من معارج الخير ، وإن كانت بعيدة عن أمر الله أودت بصاحبها إلى المهالك ، سنتكلم اليوم عن حفظ اللسان مرحباً بك دكتور مرةً أخرى .
 دكتور اليوم حديثنا عن موضوع حفظ اللسان وما تجود به قريحتك حول موضوع حفظ اللسان .

 

حفظ اللسان :

الدكتور راتب :
 الحقيقة أولاً قيل : من عدّ كلامه من عمله فقد نجا ، قال رسول الله :

(( وإن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً))

[ الترمذي عن أبي هريرة ]

 وأحياناً كلمة تفرق بين زوجين .
المذيع :
 دكتور وقال أيضاً رسول الله :

(( يا عائشة ، لقد قلت كلمة لو مزجت بمياه البحر لأفسدته ))

[ أبو داود عن عائشة ]

الدكتور راتب :
 قالت له : قصيرة ، إنها قصيرة ، فقال لها:

(( يا عائشة ، لقد قلت كلمة لو مزجت بمياه البحر لأفسدته ))

[ أبو داود عن عائشة ]

 وأنا كتعليق على هذا النص التي تفضلت به ، يوجد بعض المدن الساحلية ، المياه المالحة تمشي في البحر خمسين كيلو متراً ، مدينة ضخمة جداً ، فمجموع المياه المالحة أنهار تمشي في البحر خمسين كيلو متراً ويبقى ماء البحر طاهراً ، أما الكلمة السيئة لو مزجت بمياه البحر لأفسدته ، الغيبة ، النميمة ، الاستعلاء ، الكبر ، الاستهزاء ، السخرية ، شيء يحطم تحطيماً ، فأنا أقول : من ضبط لسانه فكأنه بلغ درجة في الإيمان عالية جداً ، لا كلمة ، ولا همزة ، ولا غمزة ، ولا لمزة ، ولا إشارة ، ولا سخرية ، المؤمن مؤدب ، أساساً قيل للنبي الكريم : ما هذا الأدب ؟ قال: " أدبني ربي فأحسن تأديبي " .
 سيدنا عمر يمشي في الطريق وهناك أناس يشعلون ناراً ، فقال : السلام عليكم يا أهل الضوء ، ولم يقل : السلام عليكم يا أهل النور ، أي هناك كلمات رائعة جداً ، أحياناً ببعض قصص الصحابة تجد كلمات رائعة جداً .
المذيع :
 دكتور قصة العباس رضي الله عنه عندما سئل : أنت أكبر أم رسول الله ؟
الدكتور راتب :
 قال : هو أكبر مني وأنا ولدت قبله .
المذيع :
 دكتور هذا الأدب جميل هذا ، دكتور لماذا نحفظ ألسنتنا ؟ أليس حفظ اللسان قيد على الإنسان ؟ لأنه الآن في عهد الحريات ، وعصر الحريات ، والمطالبة بحرية التعبير ، فكيف نتحدث عن حفظ اللسان ؟

 

محاسبة كلّ إنسان على كلامه :

الدكتور راتب :
 الحقيقة هناك نقطة دقيقة ؛ أنا أستعير كلمة الشرك ، يوجد لدينا شرك اعتقادي ، وشرك سلوكي ، وشرك قولي ، أحياناً يعتقد الإنسان أن جهة في الأرض بيدها الخير والشر، حاكم قوي ، فإذا ظننت أن هذا الإنسان يملك الخير والشر للناس ملكية مطلقة هذا نوع من الشرك ، هذا اعتقادي ، وإذا نافق الإنسان لجهة قوية هذا شرك قولي ، أما النفاق العملي أو الشرك العملي فأنا أقول : ما دام هناك اعتقادي وقولي وسلوكي فالقول ثلث الإنسان ، اعتقد فكر تكلم ، فالكلام شيء خطير جداً .
 حقيقة الإيمان أن الكلام عند المؤمن محاسب عليه حساباً دقيقاً جداً ، فيعد للمليون قبل أن ينطق بكلمة ، لا يلقي لها بالاً ، والكلمة الطيبة صدقة ، أحياناً تهنئة ، أحياناً سؤال مدير عام في مؤسسة لموظف بسيط : كيف حالك يا بني ؟ هل أنت مرتاح إن شاء الله ؟ أهل بيتك بخير ؟ أولادك بخير ، يبقى شهراً هذا الموظف البسيط سعيداً ، كلمة لم تكلف شيئاً ، أي الكلمة الطيبة صدقة ، لا تكلفك مالاً ولا إنفاقاً ، فالإنسان حينما يعتقد أن كلامه من عمله يستخدم هذا الكلام ليزداد عند الله قرباً .
المذيع :
 دكتور لنعود إلى سؤالنا: نحن في زمان حرية التعبير ، ونحن نخاطب الناس ونقول لهم : لا بد من حفظ اللسان ، وبعض الناس يرون في حفظ اللسان قيد على الإنسان وعلى حريته ؟

 

التحقيق و التدقيق قبل اتهام الناس :

الدكتور راتب :
 الحقيقة أن حرية التعبير المطلقة ليست داخلية بميزان المجتمعات الإنسانية ، أي أنا مثلاً ممكن أدلي برأيي بجرأة و بصراحة وبلا لف ودوران ، أما أن أتهم الناس بلا تدقيق :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾

[ سورة الحجرات الآية : 5]

 أن أسرع إلى اتهام إنسان قبل التحقيق ، قبل التدقيق ، مشكلة كبيرة جداً ، لأنه أحياناً كلمة واحدة مثلاً إنسان خطب فتاة ، والفتاة جيدة جداً ، فتكلم لصديقه ، فقال له كلمة : كان يناسبك إنسانة أخرى ، وقد يكون توهم أنها أجمل ، فهم الخاطب أنها غير مستقيمة فطلقها في اليوم الثاني ، الكلمة السيئة خطيرة جداً قد تفرق بين زوجين ، بين أم وابنها ، بين أخ وأخيه، بين شريك وشريكه .
المذيع :
 دكتور النبي صلى الله عيه وسلم جعل لنا خيرين فقط :

(( من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليقل خيراً ))

[ البزار عن أبي هريرة]

معاصي اللسان تؤدي إلى فصل العرى بين البشر :

الدكتور راتب :

((....أو فليسكت ))

 أنا أعتقد أن أهم شيء بهذه الحياة ألا تكون مفرقاً ، ليس منا من فرق ، أن تكون جامعاً ، أن تؤلف بين قلب أم وابنها ، بين أخ وأخيه ، بين شريك وشريكه ، بين زوج و زوجته ، هذه هب مهمة الإنسان ، كأن أكثر ما في القرآن من نصوص اجتماعية هدفها تمتين العلاقة بين الأفراد ، وأكثر المحرمات الكلامية هدفها فصل العلاقة ؛ الغيبة ، النميمة ، السخرية ، الاستكبار ، فكل معاصي اللسان تؤدي إلى فصل العرى بين البشر .
المذيع :
 دكتور يوجد ربط كبير بين أركان العبادات ؛ الصلاة والصيام والحج والزكاة وهذا العضو الذي هو اللسان ، مثلاً في شأن الصلاة :

﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَر ﴾

[ سورة العنكبوت : 45 ]

 والمنكر يكون عادة في اللسان ، وكذلك في شأن الصيام :" من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه " لماذا الضبط المحكم بين العبادات وأصولها ؟

الضبط المحكم بين العبادات وأصولها :

الدكتور راتب
 الحقيقة لأن أثر الكلام خطير جداً ، أحياناً الكلام الطيب يجمع ، والكلام السيئ يفرق، الأمة التي تحتاج إلى أن تجتمع مثلاً : ما الذي يمنع ونحن في ظروف صعبة أن نمنع كل كلام يعمق فرقتنا ؟
 أنا كنت أقول الآن : الكلام المتعلق بالخلافيات طرحه يعد الآن جريمة ، طرح الكلام الذي فيه خلافيات ، إذاً ألا يوجد قواسم مشتركة ؟ أنا أقول دائماً : الحقيقة أن الشيء المؤلم الأجانب يتواصلون ويتناصرون ويتعاونون ، وبينهم خمسة بالمئة قواسم مشتركة ، المسلمون يتقاتلون ويختلفون ويتصايحون ، وبينهم خمسة وتسعون قواسم مشتركة ، أليس وصمة عار بحقنا ؟ تجمعنا اللغة والدين والآلام والتاريخ ، كل علامات الجمع مجموعة عندنا ، ومع ذلك نتفرق ، أرى - هذا كلام أعده علمياً - كل إنسان بعلم النفس يوجد عنده روائز ، الآن يوجد دراسات مطولة نعطي الإنسان ألف سؤال نعرف خصائصه الفكرية والنفسية والاجتماعية ، أنا أعتقد أحد أسباب المودة بين المؤمنين إذا أخذنا رائز لزيد ألف نقطة ورائز لعبيد ألف نقطة يوجد تسعمئة نقطة مشتركة بينهما ، فكلما كانت نقاط اللقاء كثيرة هناك حبّ ، فأحد أسباب الحب بين المؤمنين ، المؤمن الأول متواضع والثاني متواضع ، كريم كريم ، صادق صادق ، أمين أمين ، فحينما تكثر القواسم المشتركة بين شخصين يكون فيه ود دائم بينهما ، وهذا الود الله عز وجل خلقه بين المؤمنين ، وخلقه بين الزوج وزوجته ، والود غير الحب ، الود سلوك لكن الحب شعور ، فالود تجسيد للحب ، الابتسامة ود ، الهدية ود ، أما الحب فهو أصل الود ، فكلما توافق الشخصان على منهج واحد ، وفكر واحد ، ومبادئ واحدة ، يجمع بينهما الود .
المذيع :
 دكتور أعتذر منك لا بد من فاصل قصير ثم نعود مرة أخرى .
 أعزائي المشاهدين سنعود بعد فاصل قصير بإذن الله تعالى إلى الحديث مع فضيلة الدكتور حول حفظ اللسان نسأل الله عز وجل أن يرزقنا حفظ اللسان و الجنان فإنه سميع قريب مجيب الدعوات .
 أعزائي المشاهدين ؛ مرحباً بكم وقفنا قبل الفاصل أيها الأخوة الكرام عند الحديث عن حفظ اللسان ، نعود معاً إلى فضيلة الدكتور ؛ دكتور هذا اللسان يعتبر من أخطر الأعضاء التي ينبغي للإنسان أن يحفظها ويسيطر عليها ما هي سبل حفظ اللسان ؟

سبل حفظ اللسان :

الدكتور راتب :
 الحقيقة أولاً أنا أسمي جواباً لهذا السؤال حال ينبغي أن يتمتع به المؤمن ، الحال هو المراقبة ، أن يشعر أن الله معه بشكل أو بآخر ، في أيام العيد يأتي ضيف وقور من علية القوم إنسان كبير في السن ، أخلاقي ، عالم كبير ، يزور أقرباءه ، تنظر إلى من حوله كل إنسان كل واحد يختار أفضل كلمة ليحدثه بها ، أما أنت فترى أن الله معك ، أن الله مطلع عليك ، أن الله سيحاسبك بل و إن الله سيعاقبك إن كان هناك خطأ بالكلام ، هذا أكبر سبب لضبط اللسان ، حال المراقبة :

﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ﴾

[ سورة الحديد :4]

 معكم في علمه ، و معكم أحياناً للمؤمنين بالتوفيق ، بالتأييد :

﴿ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة الأنفال :19]

 معهم موفّقاً ، معهم داعماً ، معهم حافظاً ، معهم بكل شيء .
المذيع :
 دكتور قال الله عز وجل :

﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾

[ سورة ق :18]

الدكتور راتب :
 الحقيقة رقيب عتيد الإنسان إذا قيل له : إن هاتفك مراقب ، والله يختار الكلمات ، يبتعد عن أي كلمة فيها شبهة ، الإنسان إذا علم أن إنساناً من بني جلدته لكنه أقوى منه سيراقبه تجده يختار أدق تفصيل ، فنحن لماذا لا نكون بحال مع الله كهذا الحال ؟ الله معنا ، أفضل إيمان المرء أن يعلم أن الله معه حيث كان .
المذيع :
 دكتور غالباً ما يتحدث المتحدثون في حفظ اللسان عن الخوف من الزلات والسقطات ، وكنا قد تحدثنا في مطلع هذه الحلقة عن فضل استخدام اللسان في الدعوة إلى الله وتعليم الناس ، دكتور نحن الآن أمام سرّ عظيم من أسرار الله ألا وهو الإعلام ، والإعلام إنما هو انعكاسات لوظيفة اللسان والسمع والبصر ، والإعلام المرئي والمسموع إلى آخره ، فلذلك لابد من استخدام اللسان ما هي توجيهاتكم في استخدام اللسان ؟

 

توجيهات حول استخدام اللسان :

الدكتور راتب :
 أول شيء هذا اللسان ينطق بماذا ؟ ينطق بمخزون نفسي ، الذي له تجارب منحرفة ، له مغامرات لا ترضي الله ، همه شهوته ، هذا مخزونه النفسي سيئ جداً ، معاص وآثام وانحراف وعدوان ، فإذا تحدث أخرج من هذا المخزون .
المذيع :
 وكل إناء بالذي فيه ينضح .
الدكتور راتب :
 انظر إلى مؤمن ؛ مخزونه أخلاقي ، إيماني ، قرآن ، سنة ، أصحاب رسول الله ، فلا يوجد عنده في جعبته إلا أشياء لطيفة ، فكيفما تكلم كلامه طيب ، يوجد فرق بين أنني أنا لا أفعل شيئاً لا يرضي الله وبين لا يوجد عندي إمكان أن أفعل شيئاً لا يرضي الله :

(( نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه))

[ كنز العمال عن عمر]

 بلغ درجة كبيرة من الرقي ، أن هذا الشرع الإنسان عندما يرتقي إلى الله عز وجل ترتقي نفسه ، فتكون في مستوى الشرع ، من هنا قال الله عز وجل يصف الصحابة الكرام :

﴿ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾

[ سورة الرعد :36]

 حينما يأتي التشريع يفرحون به ، لأنه مطابق لنفسيتهم الراقية ، فإذا كان التوجيه مطابقاً طموحك أو إلى ما أنت فيه فهذا شيء مسعد جداً ، فالإنسان إذا دخلنا في العمق قضية ضبط اللسان قضية نفسية أولاً ، في مخزونه النفسي ، في جعبته النفسية لا يوجد كلام غلط ، لا يوجد معاني غلط ، لا يوجد أفكار غلط ، لا يوجد أشياء منحرفة ، لا يوجد مغامرت لا ترضي الله عز وجل ، لأن المخزون سيظهر للعلن بكلمات ، إذاً حينما يرتقي الإنسان إلى الله عز وجل يأنف من أي كلمة بذيئة ، كإنسان أنيق جداً وعلى ثيابه شيء قبيح وقذر ، لا تحتمل هذه الكلمة، فذوقه العام ونظافته وأناقته وحسه الأجتماعي يمنعه من هذه البقعة السيئة على ثوبه ، الكلمة البذيئة بقعة سيئة .
المذيع :
 دكتور لذلك لما كفار قريش اعترضوا على عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قالوا : أتكتبون كل ما يقول رسولكم أو محمد صلى الله عليه وسلم ، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال : والذي بعث محمداً بالحق لا يخرج منه إلا حق ، كأن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينهل إلا من منهل خاص .
الدكتور راتب :
 سيدي أريد أن أشتق بعض الأشياء الواقعية ، أنت عشت مع مؤمن يمكن لا أبالغ بثلاثين سنة لن تسمع منه كلمة سيئة ، مستحيل ، لأن فيه طهراً داخلياً ، تصورات راقية جداً ، خواطر رائعة جداً ، هذه الخواطر والأفكار والمعاني كلها داخلية ، كلها طاهرة .
المذيع :
 يؤكد هذا قول الله عز وجل :

﴿ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ ﴾

[سورة النور: 26]

 أي حياتهم بريئة من كل الألفاظ السيئة والمعاني كما تفضلت ؟

 

ارتباط ارتقاء الإنسان بضبط لسانه :

الدكتور راتب :
 أنا أحب أن أؤكد للأخوة المشاهدين الناس يظنون أن المسلم يصلي ، القضية أبلغ بكثير، مبادئه ، تصوراته ، طباعه ، رغباته ، حتى شهواته كلها منضبطة بالشرع ، طهره الداخلي وانضباطه الخارجي سبب له كلاماً يعبر عن ذاته ، كلام منضبط ، الكلام البذيء فيه خطأ داخلي ، أحياناً الإنسان لا يحتمل كلمة بذيئة ، أو تعليقاً بذيئاً ، أو تعليقاً جنسياً ، نقول : الإنسان يرتقي .
 هناك نقطة دقيقة ؛ إنسان كان بالجاهلية عنده مزاح سيئ جداً ، عنده تعليقات قاسية جداً ، عنده تهكم ، كلها أمراض اللسان ، أول فترة بالتوبة يتمنى أن يلقي بعض التعليقات الفاضحة لكن يمنعه إيمانه ، ما الذي حدث ؟ انضبط سلوكه لكن نفسه لم تنضبط بعد ، لكن بعد حين ترتقي نفسه ، لو لم يخف الله لم يعصه ، بين أن أمتنع عن معصية وأنا أتمنى أن أفعلها ، وبين أن أمتنع عنها وأنا لا أحب أن أفعلها .
 أنا مرة أذكر أنهم وزعوا استبياناً على ألف زوج : لماذا لا تخون زوجتك ؟ الألف زوج أجابوا إجابات صنفت تصنيفاً ثلاثياً ، أسوأ تصنيف لا أستطيع ، يبدو معه في العمل ، أو مرافقته ، لا يوجد مجال ، التصنيف الثاني : لا أحتمل الشعور بالذنب ، هناك أرقى من ذلك : لا أحب الخيانة .
 أنا أقول : المؤمن ارتقى إلى درجة يكره الخيانة ، يكره الكلام السيئ ، يتناقض مع طبيعته الإيمانية ، مع طهره ، مع أدبه ، مع حيائه ، مع خجله ، كله يتناقض ، تجد إنساناً بذيء اللسان بعيد جداً عن صفات المؤمنين ، فيها جرح ، فيها كلمة جارحة ، فيها كلمة فاضحة، فيها كلمة مهينة ، فالإنسان كلما ارتقى ضبط لسانه ، أنا لا أتمنى أن يكون ضبطاً مصطنعاً بل ضبطاً طبيعياً .
المذيع :
 دكتور أوله تكلف وآخره تشريف واتباع .
الدكتور راتب :
 الإنسان أول مرة فترة بالاستقامة يضبط لسانه ، بعد ذلك بعقله الباطن لا يوجد عنده كلام غلط .
المذيع :
 كثير من الناس يخلط بضبط اللسان بين مسألتين ؛ مسألة يظن أن ضبط اللسان أي لا تتكلم إلا في الدين ، ليس هذا هو المعنى أليس كذلك ؟

الكلام جزء كبير من الدين :

الدكتور راتب :
 النبي صلى الله عليه وسلم كان يتكلم بالتجارة مع أصحابه ، أنت عندك دعوة إلى الله ، زارك أخ تاجر ، كيف الأسواق ؟ إن شاء الله البيع سهل ؟ هل هناك طلب على البضاعة؟ هل هناك مشكلات بالتجارة والاستيراد ؟ هذا مؤانسة له ، أنا أرى أن الدين لا بد منه ، لا بد أن يكون هناك كلام آخر لكن يفضي إلى الدين ، أحياناً تؤانس إنساناً بسؤاله عن أولاده ، أو عن عمله ، أو عن حياته ، كيف يقضي وقته ؟ أنا أقول : إن العبرة أن يكون هدف الإنسان تقريب الإنسان إلى الله عز وجل ، الدين كله أو كل صفات المؤمن في تقريب الإنسان من الله ، وغير المؤمن بإبعاد الناس عن الله عز وجل .
 مرة دخلت إلى بيت صغير جداً لدرجة أن بين الكرسي والطاولة مكان لركبة فقط ، فصاحب البيت خجل ، قلت له : لا تخجل ، سيد الخلق وحبيب الحق ، سيد ولد آدم كان إذا أراد أن يصلي قيام الليل لا تتسع غرفته لصلاته ونوم زوجته ، وهو سيد الخلق ، ممكن أن تتكلم مثل هذا الكلام ، لأن هذا الكلام يطيب القلب ، وإنسان آخر : هذا البيت كيف يسعك ؟ كيف تسكنه لا يسكن ؟ صغرت بيته أمامه ، كان النبي صلى الله عليه وسلم يحسن الحسن ويصوبه، ويقبح القبيح ويمقته ، أنا أرى أن الكلام جزء من الدين ، جزء كبير كبير من دينك كلامك ، هناك كلام يقرف ، كلام يلطف ، كلام يعطي الثقة للناس ، كلام يطيب الخاطر ، كلام يجمع بين الزوجين ، أخ مثلاً جاء لعند أخته في العيد : ماذا قدم لك زوجك ؟ كيف تبقين عنده ؟ بينما زوجك إنسان عظيم ، أخلاقه عالية ، أنا أتمنى أن يكون لي صهر مثله ، كلام بكلام ، لكن هذا الكلام يقرب ، وذاك الكلام يبعد ، فالإنسان قد يصل إلى أعلى عليين بكلامه .
المذيع :
دكتور :

(( ليس منا من خبب امرأة على زوجها ..))

[كنز العمال عن أبي هريرة]

الدكتور راتب :

((....أو عبداً على سيده ))

[كنز العمال عن أبي هريرة]

المذيع :
 دكتور نتمنى منك أن تشرح هذا الحديث :

(( ليس منا من خبب امرأة على زوجها ، أو عبداً على سيده))

الدكتور راتب :
 زوجة تعيش مع زوجها وهي سعيدة معه ، وقانعة به ، وتحبه ، لكن بيته صغير ، يأتي ضيف ثقيل غليظ ، البيت كم مساحته ؟ ستون متراً ، هل يعاش به ؟ كيف تعيشون به ؟ راح الضيف أو راح أخوها مثلاً ، لماذا أنا بيتي صغير وأخوتي بيوتهم واسعة ؟ يأتي زوجها إلى البيت تعامله بقسوة ، ما الذي حصل ؟ هذه مشكلة كبيرة جداً ، أنا أقول : إن المؤمن يربي الناس بحياتهم ، يكشف لهم الإيجابيات في حياتهم ، وغير المؤمن يكشف السلبيات فقط ، فواحد يفرق وواحد يجمع ، ليس منا من فرق .

خاتمة و توديع :

المذيع :
 دكتور فتح الله عليكم ، و جعلنا الله وإياكم الذين يجمعون ولا يفرقون .
 أعزائي المشاهدين ؛ لم يبق لنا من الوقت في هذه الحلقة الطيبة إلا أن نشكر فضيلة الدكتور جزاك الله خيراً فضيلة الدكتور على ما قدمت ، وأنتم اعزائي المشاهدين أسأل الله عز وجل أن تكون حلقة هذا اليوم نافعة ، وأسأل الله أن ألقاكم قريباً في حلقة مقربة ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور