وضع داكن
29-03-2024
Logo
درر 2 - الحلقة : 19 - التعامل مع الأيتام ، القيم الاجتماعية النبيلة ودورها الفاعل في إصلاح الفرد والمجتمع .
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الأستاذ بلال :
السلام عليكم ؛

انظرْ إلى وجه اليتيمِ ولا تكـــــــــنْ إلا صديقـــــــــاً لليتيـــــمِ حميمــــــــــــــــا
وارسمْ حروفَ العطف حَوْل جبينهِ فالعطف يمكن أن يرى مرسومــــــــا
يا كافل الأيتام كأسك أصبحـــــــــــت مــلأى وصار مزاجهـــــــا تسنيمــــــــا
حسْبُ اليتيـــــــــــــم سعادة أن الذي نشر الهدى في الناس عاش يتيما
***

من هو اليتيم ؟ ولم عاش النبي صلى الله عليه وسلم يتيماً ؟ ما جزاء كفالة اليتيم ؟ وكيف نتعامل مع مال اليتيم ؟ هذه الأسئلة وغيرها تجدون الإجابة عنها في حلقة اليوم من برنامجكم درر .
بسم الله الرحمن الرحيم ، يا ربنا لك الحمد ملء السموات والأرض ، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد ، أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد ، أخوتي الأكارم ؛ أينما كنتم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته في مستهل حلقة جديدة من برنامجكم درر، ونحن نتناول قيم الإسلام في التعامل بين أفراد المجتمع لنرقى معاً بمجتمع مسلم يرضي الله ورسوله ، أرحب بفضيلة ضيفنا الدائم في هذا البرنامج أستاذنا الدكتور محمد راتب النابلسي ، السلام عليكم أستاذنا الكريم .
الدكتور راتب :
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
الأستاذ بلال :
أستاذنا الكريم موضوعنا اليوم قيم الإسلام في التعامل مع الأيتام ، لو بدأنا بشيء بسيط جداً من هو اليتيم ؟

 

توزيع الحظوظ في الدنيا توزيع ابتلاء :

الدكتور راتب :
قبل ذلك ؛ الأبوة حظ ، الوسامة حظ ، الذكاء حظ ، الصحة حظ ، المال حظ

الحظوظ في الدنيا موزعة توزيع ابتلاء ، امتحان ، وسوف توزع في الآخرة توزيع جزاء ، ابتلاء مؤقت ، فالإنسان إن نجح بحظه الذي ابتلي به في الدنيا يستحق الجنة إلى أبد الآبدين ، وإن لم ينجح يستحق النار ، فلذلك البطولة أن أتعامل مع الحظ الذي أعطاني الله إياه تعاملاً إيجابياً ، وأتعامل مع الشيء الذي فقدته تعاملاً سلبياً ، فالحظوظ يبتلى بها الإنسان إيجاباً أو سلباً ، فاليتيم حظه من الأبوة صفر ، فقد حظه لكن هناك تعويضات ، الشيء الدقيق جداً أن في الحياة غني وفقير ، وقوي وضعيف ، وعالم وجاهل ، ووسيم ودميم ، الحظوظ موزعة توزيع ابتلاء مؤقتة ، لكن البطولة الحظوظ في الآخرة استحقاقية وأبدية

الحظوظ في الدنيا امتحانية وليست استحقاقية ، امتحانية ومؤقتة ، والحظوظ في الآخرة استحقاقية وأبدية ، فالبطولة أن أنجح في الابتلاء ، نجاح اليتيم في الابتلاء يصبر على حكم الله له ، ونجاح من حول اليتيم بخدمته ورعايته والإنفاق عليه ، فهناك امتحان للأطراف جميعاً ، اليتيم ممتحن بيتمه ، وخاله وعمه ممتحنان برعايتهما له .
أول شيء ؛ نحن في الأرض الحظوظ موزعة توزيع ابتلاء ، وكل واحد أعطاه الله شيئاً وزوى عنه شيئاً ، والشيء الدقيق جداً البطولة أن الذي أوتيته أن يكون في سبيل الله ، قال تعالى :

﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ﴾

[سورة القصص: 77]

والذي زوي عنك ينبغي أن تستخدم الفراغ الذي سببه زويان هذا الحظ في سبيل الله، فجاء الدعاء :

(( اللَّهمَّ ما رَزَقْتَني مما أُحِبُّ فاجعَلْهُ قُوَّة لي فيما تُحِبُّ ، وما زَوَيْتَ عني مما أُحِبُّ فاجعَلْهُ فَرَاغا لي فيما تُحِبُّ ))

[الترمذي عن عبد الله بن يزيد الخطمي ]

المؤمن على الحالتين راض عن الله .
الأستاذ بلال :
أستاذنا الفاضل اليتم إلى أي مرحلة يستمر ؟ أي إلى متى يسمى اليتيم يتيماً ؟

 

لا يُتم بعد البلوغ :

الدكتور راتب :
لا يتم بعد البلوغ .
الأستاذ بلال :
أي إذا بلغ سن الرشد لم يعد يسمى يتيماً .
الدكتور راتب :
وإلا كل الناس أيتام .
الأستاذ بلال :
هذا فقط للتوضيح ، أو لتحرير المصطلح .
الدكتور راتب :
هناك يتم الأب ، يتم الأم ، يتم الوالدين ، وهناك يتم مخفف ، هناك عم قوي ، وعطوف ، وذو رحمة ، وهناك خال يخفف .
الأستاذ بلال :
الله تعالى قال :

﴿ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ ﴾

[ سورة البقرة: 177 ]

بعد ذوي القربى فوراً ذكر اليتامى ، كيف يؤتي الإنسان المال على حبه لليتامى ؟

ارتقاء الإنسان بإنفاقه لكلّ شيء يملكه و يحرص عليه :

الدكتور راتب :
الحقيقة أن المال محبب بالأصل ، قال تعالى :

﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾

[ سورة آل عمران : 92 ]

ولولا أن المال محبب لا نرتقي بإنفاقه ، لا نرتقي بإنفاق المال إلا إذا أودع الله فينا حب المال ، قال تعالى :

﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ﴾

[ سورة آل عمران: 14 ]

إذاً المال محبب ، وإنفاقه فيه رقي ، الوقت قد يكون محبباً للمؤمن فإذا أنفق وقته في طاعة الله ، في خدمة إنسان ، يرقى عند الله ، كل شيء تمتلكه وتحرص عليه ترقى بإنفاقه.
الأستاذ بلال :
وآتى المال على حبه ، على حب المال ؟
الدكتور راتب :
على حب المال ، الآن وآتى المال محبة لله ، لأن كل إنسان يدعي الحب والإدعاء سهل جداً ، ما الذي يؤكد الحب ؟ الإنفاق ، الصدقة برهان ، برهان لك أنك تحب الله ، المال غال ، المال يحل مشكلات كثيرة ، فآثرت إرضاء الله بإنفاق هذا المال ، فآتى المال على حبه ، أو على حب الله عز وجل ، والمعنيان مقبولان معاً .
الأستاذ بلال :
وفي آية أخرى ، قال تعالى :

﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴾

[ سورة الإنسان : 8]

هل لإطعام الطعام إضافة ؟

محبة الله تتبدى في الصدقات :

الدكتور راتب :
هنا ملمح دقيق ، الزكاة لفقراء المسلمين ، قال تعالى :

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً ﴾

[ سورة التوبة: 103 ]

إلا أن غير المسلمين يمكن أن تنفق عليهم من مال الصدقات ، الأسير ، بناء مسجد ، الحقيقة أن الصدقات أبوابها واسعة جداً ، الصدقات تستغرق كل أبواب الحياة ، أنا أقول الإنسان عندما يؤدي زكاة ماله أدى الضريبة ، أما متى يرقى ؟ حينما يضيف على زكاة ماله ، والدليل :

﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ﴾

[ سورة البقرة الآية: 177 ]

دقق الآن : وأقام الصلاة ، وآتى الزكاة ، فالزكاة وردت ، والإنفاق على حبه ورد ، لذلك في المال حق سوى الزكاة ، الحقيقة أن إنفاق الزكاة ضريبة ، هذا حق الفقير ، الفقير له حق في مالك ، لكن الصدقة قربة من الله عز وجل ، فمحبة الله تتبدى في الصدقات .
الأستاذ بلال :
واليتيم الفقير يعطى من الزكاة ويعطى من الصدقات ؟ يعطى من زكاة المال لا مانع .

 

إعطاء اليتيم الفقير من زكاة المال :

الدكتور راتب :
إلا إذا كانت النفقة على وليه .
الأستاذ بلال :
هذا لا يعطيه من زكاة ماله لأنه مسؤول عنه ، وعن رعايته ، النبي صلى الله عليه وسلم يقول :

(( أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين وأشار بالوسطى والسبابة ))

[ الترمذي عن سهل بن سعد ]

كيف نفسر ذلك ؟

 

الأجر الكبير لمن عوّض اليتيم عن يتمه :

الدكتور راتب :
يبدو أن الإله العظيم خلق الإنسان ، حينما يحرم ربنا جل جلاله مولوداً من أبويه أو من أبيه ، فقد شيئاً أساسياً في حياته ، الذي يعوض هذا الشيء له أجر كبير ، قام مقام الأب، الحاجة للأبوة حاجة كبيرة جداً ، الخال أو العم رعى ، وأنا والله أعرف قصصاً كثيرة والله العم والخال يقدمون عطاءات للأيتام تفوق حدّ الخيال ، وكأن أباه موجود ، حتى العوام لهم كلمة باللغة الدارجة : ما غابت إلا عينه ، يكون هناك خال أو عم ينفق إنفاقاً ويربي ويتابع أنا أذكر توفي والدي كنت بالخامسة من عمري ، لي عم يأتينا كل يوم ، وبيته بعيد ، معنى هذا أنه كان هناك ترابط أسري ، كان رائعاً جداً .
الأستاذ بلال :
أستاذنا الفاضل مادمتم قلتم ذلك وما أخفيتم سراً ماذا كان لليتم في هذه المسيرة ؟ النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً عاش يتيماً ، اليتم هل عوضكم الله شيئاً ؟

 

الآثار الإيجابية لليتم :

الدكتور راتب :
اليتم له آثار إيجابية ، الإنسان أحياناً يتكئ على والديه ، فقد يهمل دراسته ، أموره كلها ميسرة أما اليتيم فما لم يبن نفسه عنده مشكلة كبيرة جداً ، فقد يكون اليتم باعثاً للتفوق ، أنا أرى ذلك ، يوم القيامة وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ، الذي أقامك به لك أب أو ليس لك أب ، لك أم أو ليس لك أم ، وسيم ، غير وسيم ، غني ، غير غني ، من أب فقير ، من أب غني كبير ، هذا الوضع لا بد من أن تذوب يوم القيامة محبة لله على هذا الذي قدره عليك .
الأستاذ بلال :
أستاذنا الفاضل نعود بعد الفاصل لنتحدث عن يتم النبي صلى الله عليه وسلم تحديداً ، سنعود إليكم لنتابع هذا الحديث مع فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ...
السلام عليكم ؛ عدنا من جديد لنتابع بصحبتكم الحديث عن قيم الإسلام في التعامل مع الأيتام ، أستاذنا الفاضل قبل أن يأتي الفاصل كنت أريد أن أسألكم : النبي صلى الله عليه وسلم عاش يتيماً ولعل أحداث السيرة دائماً فيها جبر خواطر للناس ، كيف نفهم يتم النبي صلى الله عليه وسلم ؟

يتم النبي جبر لخاطر كلّ يتيم مسلم :


الدكتور راتب :
أولاً : كون النبي صلى الله عليه وسلم هو يتيم هذا فيه جبر خاطر لكل يتيم مسلم في الأرض ، لكن هناك ملمحين دقيقين ليتم النبي صلى الله عليه وسلم ، لو أن له أباً لادّعى هذا الأب أن هذه تربيته ، لو أن له ولداً لن يستطيع أن يرفض خطأه ، ابن نبي ، يبدو هناك حكمة بالغة جداً من أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان معه أب ، له أب توفي في سن صغيرة ، وما عنده ابن أيضاً ، فصارت دعوته لكل المسلمين ، هو أب لكل المسلمين ، وأخ لكل المسلمين ، فهناك حكمة كبيرة من كون النبي لم يكن له أب يعيش معه ولا ولد جاء بعده .
الأستاذ بلال :
هذه الأحداث في السيرة لو عممنا الموضوع هي مقصودة لذاتها ، أي النبي صلى الله عليه وسلم ذاق الصنوف كلها .

 

أفعاله النبي وأقواله وإقراره وصفاته سنة :

الدكتور راتب :
الدعوة إلى الله أقوال النبي صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى :

﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾

[ سورة الحشر: 7 ]

هذا من السنة القولية ، السنة العملية فعل النبي ، فكل شيء فعله النبي هو من السنة ، كل شيء تركه النبي هو من السنة ، إذاً أقواله سنة ، أفعاله سنة ، الآن إقراره سنة ، لو إنسان تكلم كلمة أمامه وسكت النبي الكلام صار صحيحاً ، لو كان الكلام غير صحيح النبي لا يسكت ، لا يؤخر البيان عن وقته ، وهناك من أضاف صفاته سنة ، كان إذا صافح مثلاً لا يسحب يده ، هذه من أفعاله ، فأقواله سنة ، وأفعاله سنة ، وإقراره سنة ، وصفاته سنة ، هذه السنة التي أردنا بها أن تكون مع الفرض .
الأستاذ بلال :
فأذاقه الله اليتم ، أذاقه الغنى ، أذاقه الفقر ، كل هذا لنتأسى به .

 

النبي الكريم قدوة لنا في كل أحواله :

الدكتور راتب :
يا الله بارك الله بك لهذه الملاحظة ، النبي الكريم أب لكل المؤمنين ، إذا نصح الأيتام أن يصبروا وما ذاق اليتم هناك من يقول : لم تذق اليتم ، لو نصح الفقراء أن يصبروا ولم يذق الفقر ، كان يتيماً وذاق الفقر ، وذاق الغنى ، وذاق الاضطهاد ، وذاق العز ، كل الأحوال التي تدور على الإنسان ذاقها النبي ، إذاً هو قدوتنا في كل أحواله .
وامتحن بالنصر ، لما فتح النبي الكريم مكة المكرمة دخلها مطأطئ الرأس ، حتى كادت ذؤابة عمامته تلامس عنق بعيره تواضعاً لله عز وجل ، علم الأقوياء كيف يتواضعون ، وعلم الفقراء ، إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي ، ولك العتبى حتى ترضى ، لكن عافيتك أوسع لي ، علم المضطهدين كيف يقفون الموقف الكامل ، وعلم الأقوياء كيف يتواضعون لله عز وجل، فهو قدوة لنا في كل أحواله الإيجابية والسلبية .
الأستاذ بلال :
جميل جداً أستاذنا الفاضل لو انتقلت إلى موضوع آخر مال اليتيم ، قال تعالى :

﴿ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾

[ سورة الأنعام: 152]

لو أن هناك عماً أو خالاً أو وصياً على مال اليتيم ، ما طريقة التعامل مع مال اليتيم ؟

 

طريقة التعامل مع مال اليتيم :

الدكتور راتب :
والله المتعامل مع مال اليتيم أحد رجلين ؛ إما أن يكون مكتفياً لا يأخذ من ماله شيئاً، بل ينفق هذا المال وكأنه ماله ، وربما أضيف معنى دقيق أن يتجر الوصي بمال اليتيم لئلا تأكله الزكاة ، إن أنفقنا من مال اليتيم ينتهي المال ، إذا استثمرناه في مشروع نأكل من ريعه:

(( اتَّجِرُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى لا تَأْكُلُهَا الزَّكَاةُ ))

[موطَّأ مالك عَنْ مَالِك ]

هذا توجيه آخر ، إلا أن الذي يحتاج لإدارة مال اليتيم إلى وقت ، فهو يبذل وقتاً وخبرة ، لذلك قال : هذا الإنسان الوصي على مال اليتيم إذا كان غير مكتف وبحاجة إلى أن يعيش من خلال إدارته لمال اليتيم له أن يأخذ حاجته ، أو أجر المثل أيهما أقل ، هو يحتاج بالشهر لألف ، فممكن أن يأخذ الألف من مال اليتيم ، أما إذا أعطيناه أجر المثل أي خمسة آلاف ، يأخذ الألف ، يأخذ حاجته ، يأخذ الأقل .
الأستاذ بلال :
هذا فليأكل بالمعروف .
الدكتور راتب :
يأخذ حاجته أو أجر المثل أيهما أقل .
الأستاذ بلال :
أستاذنا الفاضل هناك قضية سريعة في مال اليتيم البعض يتخذه دريئة إذا كان تجارة غير رابحة يجرب بالمال .
الدكتور راتب :
دائماً التاجر عنده سلوك ذكي ، إذا كانت البضاعة جديدة هو قد يبذل مالاً قليلاً ليمتحن هذه البضاعة رابحة أم خاسرة ، وإذا كان معه مال يتيم دون أن يشعر بعقله الباطن يستخدم مال اليتيم ليكتشف طبيعة هذه الصفقة ، هذا غير مقبول ، مال اليتيم بتجارة واضحة ، احتمال ربحها تسعون بالمئة ، و لا يوجد عليها أي إشكال ، بهذه البضاعة التي أنت تعتمدها الأولى في عملك التجاري ادفع هذا المال لهذا .
الأستاذ بلال :
أستاذنا الفاضل بالمقابل خير بيت من المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه ، بالمقابل يقول تعالى :

﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيم ﴾

[سورة الماعون: 1-2]

ماذا يعني بالذي يدع اليتيم ؟

 

الربط في القرآن الكريم بين الانحراف في السلوك وبين العقيدة الفاسدة :

الدكتور راتب :
هذه الآية دقيقة جداً ، أي لو أن الإنسان لم تكن عقيدته ذات أثر في سلوكه ، نقول له : اعتقد ما شئت ، أما لأن هناك ربطاً دقيقاً بين اعتقاد الإنسان وبين سلوكه ، جاءت بعض هذه الآيات تؤكد هذه الحقيقة ، قال تعالى :

﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيم﴾

[سورة الماعون: 1-2]

﴿َ فإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ﴾

[سورة القصص:50]

هذا الربط في القرآن الكريم بين الانحراف في السلوك وبين العقيدة الفاسدة واضح جداً ، وبين الانضباط والعقيدة الصحيحة ، فتلازم العقيدة مع آثارها تلازم قطعي ، فلذلك أنا حينما أرى الإنسان حاد في عقيدته عن الدين أنا أتوقع منه الخطأ ، لأنه ليس له منهج ، خبط عشواء ، أو يتبع غرائزه وأهواءه ، فالإنسان منضبط ، والمؤمن منضبط ، وبأعلى درجة من الانضباط .
الأستاذ بلال :
كأن الله عز وجل اختار هذه الصفة الذميمة جداً ، قال تعالى :

﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيم ﴾

[سورة الماعون: 1-2]

الحض على مساعدة اليتيم و رعايته :

 

الدكتور راتب :
اليتيم في الأصل ينبغي أن تساعده ، فإن لم تساعده فأنت آثم ، فكيف إذا ضربته ؟ أعطاك حالة صعبة جداً ، اليتيم في الأصل ينبغي أن تساعده ، وأن ترعى شؤونه ، وأن تعطف عليه ، وأن ترحمه ، فإن أهملت مساعدته والعطف عليه وقعت في إثم كبير ، فكيف إذا وبخته وضربته وقرعته ؟ فكأن الله جعل الحالة صعبة جداً ، قال تعالى :

﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيم ﴾

[سورة الماعون: 1-2]

وأنا أقول لأخوتي المشاهدين : أنت حينما تحب أن تشارك إنساناً شارك إنساناً يؤدي حقوق من حوله ، فإذا كان لا يؤدي حقوق من حوله فلن يدع حقك من باب أولى .

 

 

خاتمة و توديع :

الأستاذ بلال :
إذا كان يفعل ذلك مع الأيتام فمن باب أولى أن يفعل ذلك مع شريكه ، جزاكم الله خيراً أستاذنا الكريم ، وأحسن إليكم ، وأنتم أخوتي الكرام لم يبق لي في نهاية هذا اللقاء الطيب إلا أن أشكر لكم حسن متابعتكم ، سائلاً المولى جلّ جلاله أن ألتقيكم في أحسن حال مع الله ، ومع خلقه ، إلى الملتقى أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور