وضع داكن
20-04-2024
Logo
درر 1 - الحلقة : 29 - الحكمة .
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الأستاذ بلال :

لا تنه عن خلقٍ وتأتي مثلـــــه عارٌ عليك إذا فعلت عظيـــم
ابدأ بنفسك وانهها عن غيها فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
***

الحكمة ضالة المؤمن ، إنها فضل الله يؤتيه من يشاء ، ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً ، تعالوا بنا إلى درة الحكمة ، نلتقطها من بحر الشريعة الزاخر ، ونتعلمها ونفهمها في ضوء كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسيرة سلفنا الصالح .
بسم الله الرحمن الرحيم ، أحمد الله تعالى ، وأصلي وأسلم على خيرة خلقه محمد صلى الله عليه وسلم ، وأستفتح لقائي بحضراتكم بتحية الإسلام : السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
ومع درة جديدة من درر الشريعة السمحاء ونحن نلتقطها من بحر الشريعة الزاخر ونعالجها ونفهمها في ضوء كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ونحن نسعد بالاستماع إلى ذلك من فم فضيلة أستاذنا الدكتور محمد راتب النابلسي ، السلام عليكم .
الدكتور راتب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
الأستاذ بلال :
أستاذنا الكريم درة اليوم هي الحكمة ، وقد قالوا : الحكمة فعل ما ينبغي بالقدر الذي ينبغي في الوقت الذي ينبغي مع من ينبغي ، والله تعالى يقول :

﴿ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيراً ﴾

[ سورة البقرة: 269 ]

كيف نحصل الحكمة ؟

 

الحكمة :

الدكتور راتب :
لكن أريد أن أعقب على هذا التعريف اللطيف ، ما كل ما يعلم يقال ، وما كل ما يقال له رجال ، ولا إذا وجد الرجال آن الأوان ، ينبغي أن تخاطب من يستحق هذا الخطاب ، وفي الوقت المناسب ، وبالقدر المناسب ، وهذا من الحكمة ، لكن يكفينا في هذا الموضوع الآية الكريمة :

﴿ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ ﴾

[ سورة البقرة: 269 ]

إلا أنني أعقب تعقيباً دقيقاً على هذه الآية ؛ لم تكن الآية : ومن يكن حكيماً ، لم تكن الآية : ومن يسلك طريق الحكمة ، ، ومن يؤت ، لذلك أقول : الحكمة لا تأخذ لكنها تؤتى، بمعنى أن هذا الذي شرد عن الله لو كان حكيماً لأضل الناس ، لكن هذه الحكمة من صفات المؤمن وحده ، بالحكمة تجعل العدو صديقاً ، وبالحكمة تسعد بأي زوجة ، وبالحكمة تتدبر أمرك بالمال القليل ، ومن دون حكمة تبدد المال الكثير ، لو ذهبنا كي نستعرض جوانب الحكمة لوجدنا فرقاً كبيراً جداً بين من أوتي الحكمة بعلمه وورعه واستقامته ، ومحبته للآخرين وموقفه الشجاع والورع ، وبين إنسان ضائع شارد يرتكب حماقات ما بعدها حماقات .
الأستاذ بلال :
هي عطاء من الله ؟
الدكتور راتب :

﴿ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ ﴾

[ سورة البقرة: 269 ]

عطاء من الله ، أي أكبر عطاء على الإطلاق ، والدليل :

﴿ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيراً ﴾

[ سورة البقرة: 269 ]

هذا الخير الكثير هو الحكمة ، الحكمة أن تتعايش مع زوجتك بحكمة بالغة ، مع جيرانك ، مع طلابك كمدرس ، مع المرضى كطبيب ، مع أصحاب المشكلات كمحامي ، مع الزبائن كتاجر ، تتعامل تعاملاً أولاً إيجابي ثانياً حكيماً ثالثاً رحيماً ، حصيفاً ، كل هذه الصفات هي من ثمار الحكمة ، والحكمة تؤتى من الله عز وجل كمكافأة كبيرة للمؤمن .
الأستاذ بلال :
أستاذنا الكريم ما ثمنها ؟ هي تؤتى من الله ماذا أدفع لآخذها ؟

 

ثمن الحكمة :

الدكتور راتب :
والله الحقيقة أن الآية الكريمة :

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾

[ سورة طه:14]

﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾

[ سورة البقرة: 152]

المؤمن إذا أقام الصلاة وصلى ذكر الله ، أدى هذه العبادة ، لكن الله إذا ذكره هنا فرق كبير بين أن تذكره ، إن ذكرته أديت واجب العبودية له ، لكنه إذا ذكرك منحك الحكمة ، منحك الرضا ، منحك الأمن ، منحك الأمان ، منحك أن تكون حصيفاً في معاملاتك ، الحقيقة لا تعد ولا تحصى نتائج الإيمان لكن يقع في أولوياتها ومن أبرز خصائص المؤمن أنه حكيم في معاملة أقرب الناس له ، وفي معاملة أعدائه .
الأستاذ بلال :
هي عطاء إلهي وثمنها حسن الصلة بالله تعالى .
الدكتور راتب :
قبل الصلة بالله ، الإنسان إذا أقبل على الله استمد منه الكمال ، مكارم الأخلاق مخزونة عند الله تعالى ، فإذا أحبّ الله عبداً منحه خلقاً حسناً ، والنبي الكريم آتاه الله مئات الخصائص التي تميز بها ، لكن حينما مدحه مدحه بالخلق ، إذاً الحكيم هو الأخلاقي ، الحكيم هو الذي يجذب الناس إليه ، وغير الحكيم منفر ، بين أن تجذب وبين أن تنفر .
الأستاذ بلال :
أستاذنا الكريم وورد في الحكمة في قوله تعالى :

﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾

[ سورة النحل: 125]

الدعوة إلى الله بالحكمة كيف تكون ؟

 

الحكمة في الدعوة إلى الله عز وجل :

الدكتور راتب :
من أمر بمعروف فليكن أمره بمعروف ، ومن نهى عن منكر فليكن نهيه من دون منكر

هذا معنى الحكمة في الدعوة إلى الله عز وجل ، أحياناً كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخول أصحابه بالموعظة ، لأنها إذا زادت عن حدها انقلبت إلى ضدها ، إذا ألغيت أيضاً مشكلة كبيرة ، وإذا زادت مشكلة ، الحكيم يعرف القدر المناسب مع الشخص المناسب في الوقت المناسب وفي المكان المناسب ، إنسان مشغول بقضية دعك من دعوته إلى الله الآن .

﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ﴾

[سورة الانشرح : 7-8]

الأستاذ بلال :
أستاذنا الكريم وفي الآية القرآنية التي وصفت منهج الدعوة عند النبي صلى الله عليه وسلم :

﴿ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾

[ سورة آل عمران: 129]

السنة النبوية هي شرح لكتاب الله عز وجل :

الدكتور راتب :
والله العلماء قالوا هنا : هناك معنى سياقي ومعنى سباقي ومعنى لحاقي ، المعنى السياقي في هذه الآية الحكمة هي السنة ، الكتاب والحكمة ، الكتاب كتاب الله عز وجل أما الحكمة فالسنة النبوية لأنها في الأصل هي شرح لكتاب الله عز وجل ، إن أردت تفسيراً لكتاب الله هو السنة ، الكتاب والحكمة ، الكتاب وشرحه .
الأستاذ بلال :
والآيات الأولى سيدي :

﴿ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾

[ سورة آل عمران: 129]

ما هي الآيات الأولى ؟

 

الآيات الأولى هي الآيات الدالة على عظمة الله :

الدكتور راتب :
الآيات الدالة على عظمته ، الآيات الكونية التكرار غير مقبول في الآية ، الآيات الكونية والتكوينية والقرآنية ، الآيات الدالة على عظمة الله إما خلقه الكون ، وإما كلامه القرآن ، وإما أفعاله التي هي الحكمة . آياته الكونية خلقه ، والتكوينية أفعاله ، والقرآنية كلامه .
الأستاذ بلال :
أستاذنا الكريم جزاكم الله خيراً ، من أسماء الله تعالى الحكيم جل جلاله ، ومظاهر اسم الحكيم في الكون كثيرة كيف نتعرف على الحكيم جل جلاله ؟

كيفية التعرف على الحكيم جلّ جلاله :

الدكتور راتب :
كل شيء وقع في الأرض من آدم إلى يوم القيامة أراده الله ، أي سمح به

فلا يليق بألوهية العظيم أن يقع في ملكه ما لا يريد ، معنى أراده هنا أي سمح به ، لا تعني أمر به، ولا تعني أنه رضيه ، وكما أن الطبيب إذا تزوج ولم ينجب ومضى على زواجه عشر سنوات ولم ينجب ، ثم أنجب مولوداً غاية في الجمال تعلق به تعلقاً مذهلاً ، ثم اكتشف الأب الطبيب أن هذا الابن الذي تعلق به تعلقاً لا حدود له مصاب بالتهاب الزائدة ، فهذا الأب الطبيب الرحيم المتعلق بابنه يسمح بتخديره ، وفتح بطنه ، واستئصال الزائدة ، هذا الذي فعله الأب لا بد منه ، لا يعني أن الأب تمنى لابنه هذه العملية ، الله عز وجل لا تعني الإرادة أنه أمر ، ولا تعني أنه رضي ، ولكن لا بد من فعل هذا الشيء ، هذه الحكمة والحكمة الإلهية الذي وقع لو لم يقع لكان نقصاً في حكمة الله ، بل الذي وقع لو لم يقع لكان نقصاً في حكمة الله ، ولكان الله ملوماً على ذلك .
الله عز وجل فعله كمال جلّ جلاله .
الأستاذ بلال :
أستاذنا الكريم بدأتم بالمقولة : كل شيء وقع أراده الله ...

تعلق إرادة الله بالحكمة المطلقة :

الدكتور راتب :
كل شيء وقع أراده الله ، وكل شيء أراده الله وقع ، معكوسة الذي وقع أراده الله ، والذي أراده الله لا بد من أن يقع ، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة ، فالذي وقع لو لم يقع لكان الله ملوماً ، والذي وقع لو لم يقع لكان نقصاً بحكمة الله ، والإرادة المطلقة متعلقة بالخير المطلق ، فشر مطلق في الكون لا يوجد ، بل إنني أرى أن الشر المطلق يتناقض مع وجود الله، لأن الله عز وجل يقول :

﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ﴾

[ سورة آل عمران: 26 ]

ما قال : والشر ، لأن إيتاء الملك خير وقد يكون نزع هذا الملك من إنسان معين بصفات معينة خير ، ورفع هذا الإنسان إلى مرتبة عالية خير ، وإخفاضه لمرتبة دنيا خير ، لحكمة بالغة ، فلذلك الحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق ، والخير المطلق يعني أنه لا يوجد شر مطلق في الكون ، هناك شر نسبي ، لذلك ما من طاغية على وجه الأرض إلا ويوظف الله طغيانه لخدمة دينه والمؤمنين ، من دون أن يشعر ، ومن دون أن يريد ، وبلا أجر وبلا ثواب .

﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾

[ سورة القصص الآيات : 4]

الشاهد هنا :

﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾

[ سورة القصص الآيات : 5-6]

هذه سياسة الله عز وجل .
الأستاذ بلال :
الحكيم جل جلاله ، وشرعه حكيم ، الشريعة ؟

 

الشريعة عدل و رحمة و مصلحة :

الدكتور راتب :
هو حكيم ، شرعه حكيم ، أفعاله حكيمة

كل شيء يصدر عن الله عز وجل يصدر عن أسمائه الحسنى مجتمعة ، والحكمة أحد أسماء الله الحسنى .
الأستاذ بلال :
الشريعة عدل كلها ..
الدكتور راتب :
الشريعة عدلٌ كلها ، رحمةٌ كلها ، مصلحةٌ كلها ، حكمةٌ كلها ، أية قضيةٍ في الشريعة خرجت من العدل إلى الجور ، من الرحمة إلى ضدها ، من المصلحة إلى المفسدة ، ليست من الشريعة ، ولو أدخلت عليها بألف تأويلٍ وتأويل .
الأستاذ بلال :
أستاذنا الكريم والحكيم الله جل جلاله يتعامل مع عباده يعاملهم بالتأديب تارة وبالعقوبة تارة ، كيف يتعامل الله عز وجل مع عباده ؟

تعامل الله عز وجل مع عباده بالحكمة :

الدكتور راتب :
بالحكمة ، هناك عطاء وهناك منع ، هناك رضا وهناك غضب ، الله عز وجل يعطي هذا الإنسان ما يعينه على معرفة ربه ، وأداء فروضه

الحكمة أن يكون في هذا المكان، وفي هذا الدخل ، وفي هذا الوضع ، وفي هذه الصحة أو المرض ، فكل أفعال الله تنطلق من حكمته ، فحينما نؤمن بالله الإيمان المطلق أنه ذو الجلال والإكرام - وهذه الكلمة دقيقة جداً - أي ينبغي أن تحبه بقدر ما تخافه ، ذو الجلال والإكرام ، فهذا الإله العظيم أفعاله تنطلق من حكمة مطلقة ، هذه الحكمة في المؤدى يوم القيامة الخلائق جميعاً يقولون ، قال تعالى :

﴿ وآخِرُ دَعْوَاهُمْ أنِ الحَمْدُ لِلَّه رَبّ العالَمِينَ ﴾

[ سورة يونس: 10 ]

على ما ساقه الله لهم في الدنيا من معالجات ، لذلك المؤمن حينما يرى مقامه في الجنة يقول : لم أر شراً قط ، وغير المؤمن حينما يرى مقامه في النار يقول : لم أر خيراً قط .
الأستاذ بلال :
وفي المصائب حكم ؟

 

الحكمة من المصائب :

الدكتور راتب :
طبعاً ما من مصيبة تصيب المؤمن إلا لحكمة بالغة بالغة ، لذلك هناك مصيبة كشف للأنبياء ، ينطوي النبي على كمالات كبيرة قد لا تظهر واضحة إلا بمصيبة ، فذهب إلى الطائف ودعا أهلها إلى الدين ، كذبوه وأغروا صبيانهم بضربه ، هذا موقف ، جاءه ملك الجبال عرض عليه أن يدمرهم قال : لا يا أخي اللهم اهد قومي إنهم لا يعلمون ، هذا موقف عال جداً، فالأنبياء المصيبة لهم كشف لكمالاتهم ، المؤمنون دفع ورفع ، تزيد اندفاعهم إلى الله ، وقد ترفع لهم الأجر ، أما غير المؤمنين فهؤلاء المصيبة لهم ردع أو قصم ، فنحن بين الكشف والدفع والرفع والردع و القصم .
الأستاذ بلال :
أستاذنا الكريم الله يبدأ مع عباده دائماً بالبيان الإلهي ..

 

مراحل هداية الله لخلقه :

الدكتور راتب :
كأن الله عز وجل حينما يلقي هذا الهدى في قلوب المؤمنين هناك مراحل ؛ أول مرحلة في هداية الله لخلقه الهدى البياني ، أنت صحيح في بيتك ، مع أهلك ، مع أولادك ، صحتك جيدة ، لا يوجد عندك مشكلة ، تسمع موضوعاً دينياً ، تسمع قرآناً كريماً ، تسمع حديثاً شريفاً مع بحث إسلامي ، هذا الموضوع هدى بياني ، الموقف الكامل من هذا الهدى البياني أن نستجيب لله عز وجل :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكم ﴾

[ سورة الأنفال: 24 ]

لو أن الإنسان لم يستجب يخضع لطريقة أشد ، كيف يقول الطبيب لمريض القرحة: تتحمل حمية صعبة لستة أشهر تشفى ، وإن أبيت إلا أن تأكل ما تشتهي فسنجري لك عملية جراحية ، فهناك مرحلة سليمة لكنها مديدة ، وتحتاج إلى إرادة قوية ، وهناك مرحلة علاجية ، هذه الحكمة .
الأستاذ بلال :
أولاً الهدى البياني ...
الدكتور راتب :
الآن التأديب التربوي ، الهدى البياني الموقف الكامل أن تستجيب :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا ﴾

[ سورة الأنفال: 24 ]

التأديب التربوي هدفه التوبة ، قال تعالى :

﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

[ سورة السجدة: 21]

ما تاب ، بالهدى البياني ما استجاب ، بالتأديب التربوي ما تاب ، الآن الإكرام الاستدراجي :

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً﴾

[ سورة الأنعام: 44]

فالإكرام الاستدراجي ينبغي أن يشكر ، فإذا لم يستجب بالهدى البياني ، ولم يتب بالتأديب التربوي ، ولم يشكر في الإكرام الاستدراجي ما بقي إلا القصم :

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً﴾

[ سورة الأنعام: 44]

الأستاذ بلال :
والمؤمنون دائماً في رعاية الله ، في تأديب الله عز وجل ، وهذا من الحكمة .
الدكتور راتب :
المؤمن أي شيء يقع له من الله فيه حكمة بالغة ، وحكمة مطلقة ، فالمؤمن يستسلم لحكمة الله ، وقد يكتشف وجه الحكمة أو لا يكتشفها لكنه مصدق أن الذي أصابه هو خير مطلق .
الأستاذ بلال :
بعض الناس يتتبعون حكمة الله بكل شيء وكأنه لا ينفذ أمر الله حتى يفهم حكمة الله منها .

 

على الإنسان أن ينفذ أوامر الله و لو لم يكتشف الحكمة منها :

الدكتور راتب :
هذا شيء مستحيل ، أنا أصدق أن الله حكيم ولو لم أكتشف وجه الحكمة ، مثلاً إذا إنسان عنده أب عظيم ، أب عالم كبير ، وقال هذا الأب لابنه : لا تأكل ، فقال الابن : حاضر ، لكن الابن ما فهم لماذا لا يأكل لأنه واثق من أبيه ، من حكمته ورحمته له ، لا تأكل هناك حكمة قد لا يكشفها ، يكشف تفاصيلها لكنه يقنع قناعة تامة أن هذا الأب عمله حكيم و لو لم يعرف وجه الحكمة .

خاتمة و توديع :

الأستاذ بلال :
جزاكم الله خيراً ، نسأل الله الحكيم أن يؤتينا الحكمة ، ويعلمنا الحكمة ، وأنتم أخوتي المشاهدين لم يبق لي في ختام هذه الحلقة الطيبة المباركة التي سعدنا فيه بصحبتكم إلا أن أتمنى أن ألقاكم دائماً على خير وأحسن حال مع الله ، ومع خلقه ، إلى الملتقى أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور