وضع داكن
24-04-2024
Logo
درر 1 - الحلقة : 22 - العفو .
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الأستاذ بلال :

خذِ العفوَ وأْمرْ بعرفٍ كما أُمرت وأعرضْ عن الجاهليـــــن
ولِنْ في الكلامِ لكلِّ الأنامِ فمُسْتَحْسَنٌ مِن ذوي الجاهِ لين
***

العفو سمة من سمات الصالحين ، ودرة من درر المستقيمين ، فهلموا بنا نتعلم الصفح والعفو من كتاب الله تعالى جل جلاله وهو يقول :

﴿ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ﴾

[ سورة النور: 22 ]

ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومع درة العفو نبحر .
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، أخوتي المشاهدين أينما كنتم أسعد الله أوقاتكم بالخير واليمن والبركات والطاعات ، وإلى لقاء جديد ، ومع درة جديدة من درر الإسلام نستضيف فيها كعادتنا فضيلة أستاذنا الدكتور محمد راتب النابلسي ، مرحباً بكم سيدي .
الدكتور راتب :
بارك الله بكم ونفع بكم .
الأستاذ بلال :
أستاذنا الكريم درة اليوم هي العفو والصفح ، والله تعالى يقول :

﴿ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا ﴾

[ سورة البقرة: 109 ]

و يقول :

﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾

[ سورة الشورى : 40 ]

لعلنا نبدأ ببيان مفهوم العفو والصفح عن الناس .

مفهوم العفو والصفح عن الناس :

الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد ، وعلى آل بيته الطيّبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألوِيَتِه ، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين .
الإنسان أخي الكريم - بارك الله بك - كائن متحرك ، من خلال هذه الحركة بدافع حاجته إلى الطعام والشراب ، وحاجته إلى الشريك الزوجة ، وحاجته إلى التفوق ، في أثناء هذه الحركة قد تقع بعض الأخطاء ، الإنسان غير معصوم ، الإنسان إذا وقع في خطأ قال تعالى :

﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ﴾

[ سورة الشورى: 39]

هناك آيات قرآنية تصف المؤمنين ، ومن صفات المؤمنين من خلال هذه الآية أن المؤمن غزيز النفس :

﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ ﴾

العدوان ، الظلم ،

﴿ هُمْ يَنْتَصِرُونَ﴾

عزة المؤمن وكرامته ومكانته العلية عند الله لا تسمح له أن يقبل بالذل ، ولا أن تهدم حقوقه ، فهؤلاء المؤمنون من خصائصهم بل من صفاتهم الإيمانية أنهم إذا أصابهم البغي - العدوان -هم ينتصرون ، إلا أن انتصارهم منضبط ، ليس انتصاراً انتقامياً ، وليس انتصاراً لا يساوي حجم الظلم ، يقول : سأكيل له الصاع صاعين ، هذا ليس وارداً ، الصاع عشرة أصوع ، ليس وارداً :

﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ ﴾

العدوان ،

﴿ هُمْ يَنْتَصِرُونَ﴾

أما حجم هذا الانتصار :

﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ ﴾

[ سورة الشورى: 40]

الآن دخلنا في موضوع هذا اللقاء الطيب ،

﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ ﴾

أي غلب على ظنه أن عفوه عن أخيه الذي أخطأ معه يصلحه ،

﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ ﴾

لكن لو أن شاباً متهوراً في قيادة المركبة ، كان يستعلي على الناس بسرعة غير معقولة ، فإذا عفونا عنه أغريناه أن يتابع هذه الحماقة ، هنا العفو لا يصلحه ، يفسده ، أما حينما يغلب على ظن المظلوم أنه إذا عفا عن ظالمه أو عمن تجاوز الحد عنه يصلحه فينبغي أن يعفو ، وعندئذ :

﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾

[ سورة الشورى: 39]

إذا الله عز وجل قال : من يعفُ عن أخيه فالتعويض عندي ، التعويض جنة عرضها السموات والأرض .
الأستاذ بلال :
جزاكم الله خيراً إذاً نعفو عندما يكون العفو يصلح هذا الإنسان ويقربه من الله .
الدكتور راتب :
أبداً ، أنا أضرب مثلاً ، لو أن طفلاً صغيراً قفز أمام سيارة ، السائق يمشي بسرعة بطيئة جداً ، القانون يجبر السائق أن يدفع مبلغاً كبيراً جداً ، حينما يشعر الأب أن الخطأ من ابنه فعفا عن هذا السائق يرتقي عند الله .
الأستاذ بلال :
أجره على الله ، جزاكم الله خيراً ، أستاذنا الفاضل الله عز وجل عفو غفور من أسمائه العفو جل جلاله ، فإذا كان الله عز وجل يعفو عن عباده ويسامحهم فما أحرى بالإنسان أن يتخلق بأخلاق الله .
الدكتور راتب :
ورد : " تخلقوا بأخلاق الله " بل المؤمن إذا أقبل على الله يشتق كمالاً من كمالات الله ، وأحد كمالات الله العفو ، لا يمكن لمؤمن بأخلاقه وتعامله اليومي أن يتناقض مع كمالات الله عز وجل ، فالذي خلقه يعفو عنه ، هو من باب أولى أن يعفو .
الأستاذ بلال :
أستاذنا الكريم هنا يحضرني مواقف كثيرة للنبي صلى الله عليه وسلم في عفوه وصفحه ، منها عفوه وصفحه عن قومه.

 

مواقف للنبي في عفوه و صفحه عن الناس :

الدكتور راتب :
قريش ناصبت النبي صلى الله عليه وسلم العداء عشرين عاماً ، وتفننت في قتل أصحابه ، ثلاث غزوات وقريش تريد أن تنال منه بكل ما تملك ، الآن فتح مكة المكرمة ومعه عشرة آلاف سيف تتوهج ، وبإمكانه أن ينهي وجودهم ، فقال لهم : ما تظنون أني فاعل بكم؟ -العفو عند المقدرة ، الآن تمكن من أن ينهيهم عن آخرهم - قالوا : أخ كريم وابن أخٍ كريم ، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء . ولا يرى المؤرخون عفواً يرتقي بهذا المستوى ، تمكّن منهم تمكناً تاماً ، وبكلمة واحدة ينهي وجودهم ، ومع ذلك قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء . لذلك هذا العفو يعد العفو الأول في العالم .
الأستاذ بلال :
جزاك الله خيراً ، أستاذنا الكريم ، وهنا قوله تعالى :

﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾

[ سورة آل عمران : 134 ]

وكأن هناك مراتب ثلاث تبدأ بكظم الغيظ ثم العفو ثم الإحسان .

 

بطولة الإنسان أن يسيطر على ذاته عند الغضب :

الدكتور راتب :
الإنسان يغضب ، حينما يستفز يغضب ، حينما تهدد مصالحه يغضب ، هناك أسباب كثيرة للغضب ، فالذي يضبط تفسه عند الغضب ، يقول تشرشل : ملكنا العالم ولم نملك أنفسنا .
والحقيقة أن الإنسان حينما ينطوي على طاعة الله عز وجل ضبط نفسه ، العالم فيه إنجازات علمية ضخمة ؛ سيطر على الطبيعة ، أما البطولة فهي السيطرة على الذات ، الغرب سيطروا على الطبيعة ، فتحوا الأنفاق ، وبنوا الجسور ، أما المؤمن فقد سيطر على نفسه ، ملك نفسه ، أي المؤمن لا يوجد عنده ضعف نفسي ، هذه بطولة كبيرة جداً ، ملكنا العالم ولم نملك أنفسنا ، أما المؤمن فأدار نفسه إدارة صحيحة .
الأستاذ بلال :
جزاك الله خيراً أستاذنا الكريم ، وبعض الناس يعفون ، يعفو عمن ظلمه ، ويسامح الآخرين ، لكنه لا يفتأ يذكرهم بأخطائهم تجاهه ، وكأن هذا ليس صفحاً جميلاً ، والله تعالى يقول :

﴿ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ﴾

[سورة الحجر: 85]

ماذا نوجه لهؤلاء ؟ هل يكفي أن أعفو أم أنسى ؟

 

العفو عند المقدرة دون تذكير الآخرين بهذا العفو :

الدكتور راتب :
والله الكمال أنك إن عفوت ينبغي ألا تذكره بعفوك من حين إلى آخر ، عفوت وانتهى الأمر ، وأنت بهذا العفو ابتغيت وجه الله ، فهذا المن عفوت عنك ، عفوت عنك ، عفوت عنك ، هذا يذهب فضل العفو ، العفو له فضل كبير عند الله ، وله أجر كبير ، لكن أن تمن عليه بعفوك عنه كل مرة ، هذا المن عليه بالعفو قد يذهب أجر العفو .
الأستاذ بلال :
ويوسف عليه السلام حينما عفا عن أخوته بعد أن آذوه لم يذكرهم بعفوه .
الدكتور راتب :
كان بإمكانه أن ينتقم منهم أشدّ الانتقام ، وكان بإمكانه أن يفعل أشياء كثيرة ، بل الشيء الذي لا يصدق ، قال تعالى :

﴿ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ﴾

[ سورة يوسف : 100]

ما اعتبر احد الطرفين هو المجرم أو هو الظالم ،

﴿ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ﴾

هذا الموقف فيه كمال كبير جداً ، ما ذكرهم بأنهم وضعوه في الجب ، لو أنه ذكرهم بما فعلوا به في الجب لسقطوا ، ذكرهم بشيء آخر ، وتلك تجاوز عنها :

﴿ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ﴾

[ سورة يوسف : 100]

الأستاذ بلال :
هذا كمال الأنبياء وأدب الأنبياء صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين ، أستاذنا الفاضل هناك مفهوم يقترب من العفو وهو الستر ، والله تعالى هو الستير ، أيضاً الستر على الناس .

 

المروءة تجمع مكارم الأخلاق و اللؤم يجمع سيئها :

الدكتور راتب :
لستير صيغة مبالغة ، الحقيقة أنا أقول : أنت حينما تعقد مع الله صلة حقيقية متينة أساسها الاستقامة على أمره

والعمل الصالح الذي تقدمه لمن حولك ، الاستقامة والعمل الصالح تنتهي باتصال محكم مع الله عز وجل ، في هذا الاتصال المحكم يشتق المؤمن من كمالات الله كمالاً أحدها العفو ، لا يوجد أحقاد ولا لؤم ، يقول سيدنا علي : واللهِ والله مرتين ، لحفر بئرين بإبرتين ، وكنس أرض الحجاز في يوم عاصف بريشتين ، ونقل بحرين زاخرين بمنخلين ، وغسل عبدين أسودين حتى يصيرا أبيضين ، أهون عليّ من طلب حاجة من لئيم لوفاء دين ".
فالمؤمن ، كيف أن المروءة مجمع لكل الكمالات البشرية ، صاحب المروءة كريم، عفو ، شجاع ، مقدام ، فهذه المروءة تجمع مكارم الأخلاق ، أنا أرى اللؤم يجمع سيئات الأخلاق ، واللهِ والله مرتين ، لحفر بئرين بإبرتين ، وكنس أرض الحجاز في يوم عاصف بريشتين ، ونقل بحرين زاخرين بمنخلين ، أهون عليّ من طلب حاجة من لئيم لوفاء دين .
الأستاذ بلال :
أستاذنا الكريم ، اسمح لي بالدقائق المتبقة أن أنتقل إلى الثمرة العملية للعفو والصفح .

الثمرة العملية للعفو والصفح :

الدكتور راتب :
المحبة ، أنا حينما أعفو عن أخي المؤمن يحبني وأحبه ، كأنني قطعت الطريق على الحقد ، والحقيقة الحقد يؤلم صاحبه أشدّ الألم ، حينما يسود المجتمع البشري حالة سلبية بالغة من آثارها السلبية الحقد

الحقد هو انحباس المطر ، والحاقد عنده آلام متفجرة في ذاته ، أما حينما يعفو فينجو من صفة الحقد .
الأستاذ بلال :
أي العفو يؤدي إلى الحب في الله .
الدكتور راتب :
نعم هذا الذي عفوت عنه جعلته يحبك ، فإذا أنزلت به أشد العقاب انتقاماً جعلته حاقداً عليك ، وينبغي أن تنتظر منه الانتقام أيضاً ، فالذي لا يعفو عنده قلق دائم ، والذي يعفو يسمو بعفوه عن هذا الشعور النفسي الذي لا يحتمل .
الأستاذ بلال :
وهل هذا سيدي ينعكس على المجتمع بشكل كامل ؟

العفو يجعل المجتمع متماسكاً بشرط ألا يتخذ ذريعة لمتابعة الخطأ :

الدكتور راتب :
الحقيقة أنا أرى مرة ثانية كما تفضلت في أول اللقاء حينما يغلب على ظنك أن عفوك عن هذا الإنسان المخطئ يصلحه أنا أرى كمؤمن ينبغي أن تعفو عنه

أما حينما ترى أن عفوك عنه يدفعه إلى مزيد من الخطأ فيتطاول فلا ينبغي أن تعفو عنه ، ورد أن بعض الأسرى شكوا للنبي بناتهم الصغيرات فعفا عنهم وعادوا إلى الحرب ضده مرة ثانية ، فلما سألوه أن يعفو عنهم قال : لا ، لئلا تقولوا : خدعنا محمداً مرتين .
الأستاذ بلال :
إذاً العفو يجعل المجتمع متماسكاً بشرط أن يكون هذا العفو لا يستهان به .
الدكتور راتب :
ألا يتخذ ذريعة لمتابعة الخطأ .
الأستاذ بلال :
أستاذنا الكريم ، العفو يرتبط كما قلنا قبل قليل بالستر والمؤمن من شأنه أن يستر.

 

من لوازم العفو أن تستر :


الدكتور راتب :
إن عفوت عن إنسان ارتكب معك خطأ كلما جلست في مكان ذكرت هذا الخطأ، أنت بعفوك كأنك انتقصته ، أو كأنك ذكرته بفضيحته ، فالله ستير ، فمن لوازم العفو أن تستر ، وهذه بطولة ، المؤمن حينما يطبق منهج الله يسعد بعفوه ، أما الإنسان إن ابتعد عن الله وعفا فيرى كأنه فاته حق الانتقام ، يذكر الآخرين بعفوه لدرجة أنه يقلب هذا العفو إلى نقيصة . 

خاتمة و توديع :

الأستاذ بلال :
لعله يتبع للإخلاص لله ، حينما يكون العفو خالصاً لوجه الله تعالى فالإنسان يتناسى همومه وآلامه ، جزاكم الله خيراً ، وبارك بكم ، ونفع بكم ، وأسأل الله عز وجل أن تكون دائماً بأحسن حال .
أخوتي المشاهدين في كل مكان وأنتم جزاكم الله كل خير لحسن استماعكم ، وطيب متابعتكم ، واللقاء يحلو بصحبتكم ، راجياً الله عز وجل أن ألتقيكم وأنتم في أحسن حال مع الله ومع خلقه ، حتى ذلك الحين ، حتى الملتقى أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه إلى لقاء ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور