وضع داكن
25-04-2024
Logo
درر 1 - الحلقة : 21 - العفة .
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الأستاذ بلال :

صُنِ النَّفْسَ وَاحْمِلْهَا عَلَى مَا يَزِينـُهَا تَعِشْ سَالِمًا وَالْقَوْلُ فِيكَ جَمِيلُ
وَلَا تــــُرِيَـــــــــــنَّ النَّـــــــــــــاسَ إِلَّا تَجَمّــُلاً نَبــَا بِكِ دَهْرٌ أَوْ جَفَاكَ خَلِيـــــــــلُ
وَإِنْ ضَاقَ رِزْقُ الْيَوْمِ فَاصْبِرْ إِلَى غَدٍ عَسَى نَكَبَاتِ اَلدَّهْرِ عَنْكَ تَزُولُ
* * *

العفة خلق إسلامي رفيع ، ودرة من درر الشريعة الغراء ، فتعالوا بنا نتعلم العفة من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، ومن تاريخنا الإسلامي ، ومن سيرة سلفنا الصالح رضي الله عنهم أجمعين ، هلموا بنا إلى درة العفة نتعلم العفة ، ونعيشها واقعاً عملياً في حياتنا .
بسم الله ؛ الرحمن علم القرآن ، خلق الإنسان علمه البيان ، والصلاة والسلام على النبي العدنان ، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان ، أخوتي المشاهدين أينما كنتم أسعد الله أوقاتكم بالخير واليمن والبركات والطاعات ، وإلى حلقة جديدة ولقاء متجدد يحلو بصحبتكم مع درة جديدة من الأخلاق الإسلامية الراقية ، اسمحوا لي في هذا اللقاء الطيب أن أرحب كالمعتاد بفضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، حياكم الله .
الدكتور راتب :
بارك الله بكم ونفع بكم .
الأستاذ بلال :
أستاذنا الكريم درة اليوم هي العفة ، والمؤمن عفيف ، و النبي صلى الله عليه وسلم كان عفيفاً ، أريد أن أبدأ من مفهوم العفة ومن عفته صلى الله عليه وسلم .

 

مفهوم العفة :

الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد ، وعلى آل بيته الطيّبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألوِيَتِه ، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين .
الحقيقة لما النجاشي التقى بسيدنا جعفر وسأله عن الإسلام قال :

(( أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية ، نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ، ويأكل القوي منا الضعيف ، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا ، نعرف نسبه ، وصدقه ، وأمانته ، وعفافه ، ونسبه ...))

[أحمد عن أم سلمة]

أي إن حدثك فهو صادق ، وإن عاملك فهو أمين ، وإن استثيرت شهوته فهو عفيف، ونسبه تاج على هذه الصفة ، إذاً العفة هذه الشهوة التي أودعها الله فينا ، ما من شهوة أودعها الله بالإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة طاهرة تسري خلالها ، أول استنتاج ليس هناك حرمان في الإسلام ، ما من شهوة على الإطلاق أودعها الله بالإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة طاهرة تسري خلالها ، إذاً الشهوات قوى محركة ، وليست سلبيات في حياة الإنسان إلا أنها حيادية ، تقريباً إن صح أن هذه الشهوة يمكن أن تتحرك خلالها مئة وثمانية درجة ، هناك مئة درجة مباحة لك وثمانون درجة محرمة عليك ، لذلك لولا الشهوات ما ارتقينا إلى رب الأرض والسموات ، الشهوات الأساسية لها قنوات نظيفة طاهرة في الدين ، المرأة يوجد زواج ، المال يوجد عمل ، العلو والعزة أن يكون لك عمل صالح ترقى به عند الله وعند الناس .
إذاً الشهوات موجودة ولها قنوات نظيفة طاهرة تسري خلالها ومنها العزة ، المؤمن عزيز لأنه عرف العزيز ، لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه ، نفسه غالية عليه ، نفسه لا ترضى أن يدفع ثمن شيء من كرامته ، من عزته ، هذه صفة أساسية بالإنسان ولا يعرف مؤدى هذه الصفة إلا من ذاقها .
الأستاذ بلال :
ومنها العفة التي نحن بصدد الحديث عنها ، أستاذنا الفاضل العفة تكون عن المال وعن النساء ؟

 

العفة عن كلّ الشهوات :

الدكتور راتب :
والله عن كل الشهوات ، المال ؛ إنسان قد يأخذ ما ليس له ، تغلبه شهوته فيأخذ ما ليس له ، أحياناً قد يخالف منهج الله في علاقته مع المرأة ، أما حينما طبق منهج الله في كل الشهوات التي أودعها الله فيه فيتحرك وفق منهج الله .
الأستاذ بلال :
هذا العفيف .
الدكتور راتب :
ما من شهوة أودعها الله بالإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة طاهرة ، أنا أريد أن أؤكد لأخوتي المشاهدين والشباب بالذات ليس هناك حرمان بالإسلام ، والدليل القوي :

﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ﴾

[ سورة القصص: 50 ]

المعنى المخالف عند علماء الأصول : الذي يتبع هواه وفق هدى الله لا شيء عليه.
الأستاذ بلال :
جزاك الله خيراً أستاذنا الكريم ؛ سيدنا يوسف إمام العفة وله في القرآن الكريم سورة لعلها نموذج يحتذى للشباب .

 

سيدنا يوسف قدوة لكل الشباب المؤمن :

الدكتور راتب :
ما الذي يجب على الشاب أن يفعله في فورة شبابه ؟ عفته ، سيدنا يوسف مثل أعلى للشباب ، شاب جميل الصورة ، 

دعته امرأة حسناء ، ذات منصب وجمال فقال : إني أخاف الله رب العالمين ، الحقيقة هذا النبي الكريم

هذه العفة التي صدرت عنه هي التي رفعته إلى أعلى عليين ، مرّ معي في بعض الكتب أنه كان يمشي بعد أن صار عزيز مصر ، يمشي في موكب جليل فقال أحدهم : سبحان من جعل العبيد ملوكاً بطاعته ، ومن جعل الملوك عبيداً بمعصيته ، قال تعالى :

﴿ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾

[ سورة الحشر: 16 ]

وكأن هذا النبي الكريم الشاب الوسيم هو قدوة لكل الشباب المؤمن ، المؤمن حينما يعف عن الحرام الله عز وجل يكافئه مكافأة هي أثمن مكافأة :

(( إِنَّ الدُّنْيَا كُلَّهَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ ))

[النسائي عن عمرو بن العاص ]

التي إن نظرت إليها سرتك ، وإذا غبت عنها حفظتك ، وإذا أمرتها أطاعتك ، أنا أخاطب الشباب قبل أن يتزوج غض بصره عن محارم الله ، وكان عفيفاً ، وكان مع الله ، هذا الموقف العفيف الطاهر النقي هذا أكبر مكافأة له من جنس استقامته ، زوجة صالحة ؛ مرة ثانية: تسره إذا نظر إليها ، وتحفظه إذا غاب عنها ، وتطيعه إن أمرها .
الأستاذ بلال :
جزاك الله خيراً ، أستاذنا الكريم لو انتقلنا إلى محور آخر ، والعفة ورد ذكرها في القرآن الكريم :

﴿ وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا ﴾

[ سورة النور: 33]

هناك عدد كبير من الشباب اليوم ومن الشابات بحكم ظروف عصرنا يتأخر زواجهم ، أريد سيدي أن نوجه لهم كلمة وهم يقولون : لعل الأمور لا تأتي كما نريد .

 

غض البصر عن محارم الله :

الدكتور راتب :
أنا أسمح لنفسي أن أقول العبارة التالية : في القرآن هناك مدرسة اسمها مدرسة غض البصر ، قال تعالى :

﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ ﴾

[ سورة النور : 30]

لا يوجد شيء يجعل الشاب يتألق أمام الله كهذا الموقف ، لذلك ما من شيء أحب إلى الله تعالى من شاب تائب .
شيء آخر ؛ إن الله يباهي الملائكة بالشاب التائب يقول : انظروا عبدي ترك شهوته من أجلي ، وهذا الشاب الذي يغض بصره عن محارم الله وهو في ريعان الشباب وتألق الشهوة له عند الله مقام كبير ، ولعل أقرب مكافأة له الزواج الصالح :

(( إِنَّ الدُّنْيَا كُلَّهَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ ))

[النسائي عن عمرو بن العاص ]

الأستاذ بلال :
والله تعالى يقول في الآية نفسها :

﴿ وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾

[ سورة النور: 33]

نحن جميعاً نثق بوعود الله تعالى ، وأحياناً الشباب والشابات في لحظة ضعف ينسون وعد الله تعالى ماذا نقول لهم ؟

 

الزواج الناجح أكبر نجاح للإنسان في الحياة :

الدكتور راتب :
أنا أقول : زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين ، الله عز وجل وعد الشاب المؤمن الطاهر العفيف بزواج ناجح ، والزواج الناجح شيء رائع جداً ، أحد أكبر نجاحات الإنسان في الحياة ، أحياناً قد يترك بيتاً لم يعجبه ، قد يترك مركبة لم تعجبه ، قد يفعل أشياء كثيرة ، لكن هذه الزوجة شريكة حياته وأم أولاده إن لم تكن صالحة فهذه مشكلة كبيرة جداً ، لذلك أنا أقول : أكبر مكافأة لله لشاب عفّ قبل الزواج عما حرم الله أن يكافئه الله بزواج صالح .
الأستاذ بلال :
وهل من مسؤولية الفتاة والمرأة في مجتمعنا أن تعف الشباب ؟

 

العبادة الأولى للفتيات إعفاف الشباب :

الدكتور راتب :
والله سؤالك لطيف جداً بارك الله ، هذا الإنسان الشاب ما هو أعظم عمل يفعله على الإطلاق ؟ فيما أتصور الجهاد ذروة سنام الإسلام ، أما أنا فأقول قولاً آخر : هذه الفتاة في ريعان شبابها ، وجمالها ظاهر ، وتملك مفاتن كبيرة جداً ، هذه الفتاة حينما تسهم في إعفاف الشباب كأن إعفاف الشباب لا يقل عندها عن الجهاد ، فالعبادة الأولى للشباب الجهاد في سبيل الله ، والعبادة الأولى للفتيات إعفاف الشباب
إعفاف الشباب بحجب هذه المفاتن التي أكرم الله بها المرأة عمن لا يحل لها ، مفاتنها لزوجها ولمحارمها ، أما ليست لعامة الناس ، ليست سلعة رخيصة تعرض للناس ، هذا موقف الإسلام من المرأة جعلها محببة للرجل لكن هذا الحب بين زوجين أو بين المحارم أما ليس لعامة الناس .
الأستاذ بلال :
أستاذنا الكريم أريد أن أنتقل إلى المحور الأخير في لقائنا وأخصصه لحديث النبي صلى الله عليه وسلم :

(( ومن يستغني يغنه الله ، ومن يستعفف يعفه الله ))

[متفق عليه عن أبي سعيد الخدري ]

كأن العفة تحتاج جهداً أو مجاهدة :

(( ... ومن يستعفف يعفه الله ))

حاجة العفة إلى المجاهدة :

الدكتور راتب :
الحقيقة دخلت في موضوع دقيق جداً ، الإنسان له أن يختار فإذا علم الله منه صدق الاختيار والإخلاص في الاختيار 

أعانه ، الله يعف الشاب ، هذه الشهوة المتأججة تغدو مقبولة ، وتغدو ذات أثر ضعيف وليس قوياً لمن يستعفف ، فيعفه الله

أنا أرى أنه مستحيل ما كان الله ليعذب قلباً بشهوة تركها صاحبها في سبيل الله ، فلمجرد أن هذا الشاب اتخذ قراراً مصيرياً بالعفة ، وبغض بصره عن محارم الله عز وجل يعينه على هذا الطلب بأن يجعله في غنى عن أن يكون خاضعاً لنزوة عابرة ، لكن هذه الشهوة التي أودعها الله فيه سوف ينالها بالوقت المناسب بطاعة الله .
الأستاذ بلال :
أستاذنا الكريم أريد أن أختم بقضية مهمة ، تحدثنا عن الشاب وعن الشابة ، عن الرجل والمرأة ، لكن هنا أريد أن أوجه كلمة إلى أولياء الأمر ، أولياء أمور الشاب والشابة لأن النبي صلى الله عليه وسلم :

(( ..إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ ... ))

[ الترمذي عن أبي هريرة ]

ما مسؤولية الأولياء في إعفاف الشباب ؟

 

مسؤولية الأولياء في إعفاف الشباب :

الدكتور راتب :
أنا كأنني مضطر أن أقول : ورد في بعض النصوص أن الفتاة التي تستحق عذاب النار يوم القيامة ورد في بعض النصوص أنها تقول : يا رب ، لا أدخل النار حتى أدخل أبي قبلي ، لأنه أهملني ، أو لأنه سمح لي أن أظهر مفاتني في الطريق ، فالأب الذي لا ينتبه إلى هذه النقطة يتحمل هذا الوزر .
الأستاذ بلال :

(( إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ ...))

[ الترمذي عَنْ أَبِي حَاتِمٍ الْمُزَنِيِّ]

الدكتور راتب :
الحقيقة أن الزواج هو القناة النظيفة الطاهرة لتلبية هذه الشهوات ، الشهوة التي تدفع الإنسان للزواج ، والشهوة التي في المرأة تدفع المرأة للفرح بقبولها زوجة ، الشهوة المشتركة بين الطرفين ، هذه الشهوة حينما تلبى وفق منهج الله يرتقي المجتمع ، فإذا لبيت بقناة أخرى غير نظيفة كان الفساد في الأرض ، لذلك :

(( إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ))

[الترمذي عن أبي حاتم المزني ]

الأستاذ بلال :
أستاذنا الكريم بعض أولياء أمور الفتاة يغالون في المهور ، ألا يشاركون في البعد عن العفة ؟
الدكتور راتب :
أعظم النساء بركة أقلهن مهراً ، والمرأة ليست سلعة حينما أبالغ في المهر كأنني جعلتها سلعة .
الأستاذ بلال :
الله عز وجل يقول :

﴿ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا﴾

[ سورة النور: 33]

الأب الذي يمنع ابنته من الزواج ألا يكون بنص هذه الآية مشاركاً ؟
الدكتور راتب :
والله تنطبق عليه ، كلما جاءه خاطب طلب منه شيئاً حينما تزوج الأب عجز عنه، بيت جاهز بحيّ جيد ، هذا فوق طاقة الشاب ، الأب الذي يطلب من صهره أو من خاطب ابنته هذا الطلب ليس كان هذا في إمكانه يوم تزوج ، لم لا نكون واقعيين ؟ لم لا نعين الشباب والشابات على الزواج ؟ أنا والله أرى أن الأب الذي يسهل للخاطب ، قال تعالى :

﴿ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ﴾

[ سورة القصص: 27]

ابنة سيدنا شعيب ، هذا منهج في الزواج ، الأب المؤمن الصالح لا يشق على خاطب ابنته .

 

خاتمة و توديع :

الأستاذ بلال :
جزاكم الله خيراً ، وأحسن إليكم ، أخوتي المشاهدين في نهاية هذه الحلقة ، وفي نهاية هذه الدرة اللطيفة درة العفة التي أسأل الله عز وجل أن يلهمها شبابنا وفتياتنا ومجتمعاتنا ، أستودع الله دينكم وأمانتكم وخواتم أعمالكم ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور