- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠06برنامج عطر السنة - قناة إقرأ
مقدمة :
المذيع:
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، أعزائي المشاهدين أرحب بكم أجمل ترحيب إلى حلقة جديدة من برنامج : "عطر السنة" نستنشق هذا العطر البديع من فم أستاذنا الكريم الدكتور محمد راتب النابلسي حفظه الله .الدكتور راتب :
بارك الله بكم ونفع بكم .
المذيع:
أعزائي المشاهدين من عطر النبوة هذا الحديث الطيب :
(( إِذَا كُنْتُمْ ثَلاثَةً فَلا يَتَنَاجَى رَجُلانِ دُونَ الآخَرِ حَتَّى تَخْتَلِطُوا بِالنَّاسِ ، مِنْ أَجْلِ أَنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ ))
وهذا الحديث رواه الإمام مسلم أستاذنا الكريم هذا العمق في آداب النبوة على ماذا يدل ؟
الدين عقيدة وعبادات ومعاملات وأخلاق :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
الحقيقة هذا الدين العظيم أنا أشبهه بمثلث مقسم إلى أقسام ، القسم العلوي العقيدة ، إن صحت العقيدة صح العمل ، وأخطر شيء العقيدة ، لأن العقيدة منطلق فإذا انحرفت عقيدة الإنسان يزداد انحرافه ، كما لو أن هناك زاوية فالمسافة بين طرفي الزاوية في البداية قصير كلما امتد بنا الزمن أو المكان تتوسع الزاوية ، قضية الانحراف خطيرة جداً ، لذلك الإنسان يجب أن يؤمن أن هذا الدين عقيدة ، وعبادات ، ومعاملات ، وأخلاق ، عندنا أربع كتل ، الأعلى العقيدة، بعدها العبادات - علة وجودنا - بعدها المعاملات ، ترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد حجة الإسلام ، بعد العقيدة والعبادة والمعاملة هناك الأخلاق ، لذلك حينما أراد الله جل جلاله أن يثني على حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم ، هناك مليون موضوع يثني به عليه ، لماذا أغفل الله كل هذه الموضوعات واكتفى بواحدة ؟ قال تعالى :
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾
ذلك أن الأشياء التي خصه الله بها من عند الله ، أما الشيء الذي من عنده فهو أخلاقه ، أنت مثلاً لا يمكن أن تكافئ ابنك على قلم غال جداً قدمته له ، هذا منك لكن تكافئه على درجة عالية حصّلها بالامتحان ، تكافئه على ما كان منه لا على ما كان منك ، فحينما أثنى الله على نبيه الكريم أثنى على خلقه العظيم .
وهناك كلمة أخرى : الذي يشد الناس إلى الإنسان ليست معلوماته ، ولا منطلقاته، يشد الناس إلى الإنسان أخلاقه ، أخلاقه هي المظهر الذي يشف عنه الإنسان ، فأنا لا أتصور أن هناك إيماناً بلا خلق ، الأمر الذي دفع عملاقاً كبيراً من علماء المسلمين ابن قيم الجوزية أن يقول : " الإيمان هو الخلق ، ومن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان ". فالإنسان في بيته يوجد أخلاق ، مع أهله هناك أخلاق ، مع زوجته ، مع أقاربه ، مع رؤسائه في العمل هناك أخلاق .
المذيع:
أستاذنا الكريم هذا الحديث دخل في عمق دقيق في العلاقة ، هناك من يقول : هذه حرية شخصية لماذا يتدخل فيها الإسلام ؟
(( إِذَا كُنْتُمْ ثَلاثَةً فَلا يَتَنَاجَى رَجُلانِ دُونَ الآخَرِ ...))
ضبط حرية الإنسان إن كان هدفه السلامة :
الدكتور راتب :
أنت إذا كنت تركب مركبة وبطريق ضيق جداً ، وعن اليمين واد سحيق ، وعن اليسار واد سحيق ، فأنت حر أن تحرك المقود تسعين درجة ، ومعنى تسعين درجة سقوط بالوادي ، وتحطم المركبة ، والموت المحقق ، تقول : أنا حر ، أنت حر مع السلامة ، الحرية لا تتسع بشكل مطلق لا بد من ضبطها ، فمادام الهدف هو السلامة لا بد من ضبطها ، لن تحرك المقود تسعين درجة تحركه سنتمتراً أو سنتمترين حتى تبقى ضمن الطريق ، فلذلك أنا أشبه المنهج الإلهي بطريق ، وكأن الإنسان مركبة ، وكأن العقل هو المقود ، والمحرك هو الشهوة ، الذي يحركك الشهوة ، مع هذه الحركة هناك مقود يبقيها على الطريق ، يبقيها وفق الشرع ، فعندنا مقود ومحرك ومركبة وطريق .
المذيع:
النبي صلى الله عليه وسلم يؤكد على مسألة النهي عن التناجي بين اثنين :
(( إِذَا كُنْتُمْ ثَلاثَةً فَلا يَتَنَاجَى رَجُلانِ دُونَ الآخَرِ ....))
أعتقد أن هناك آثاراً نفسية للتناجي ، أعتقد أن هناك مشاكل اجتماعية ، وربما مشاكل عقلية كثيرة من المشاجرات ، والجرائم ، تنشأ من أسباب ذاتها أعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما وضع حداً وأقفل أبواب هذه الصراعات والنزاعات جعل من أهمها التناجي كيف نوجه أستاذنا هذا الحديث ؟
التناجي نشاط أساسي في حياة الإنسان :
الدكتور راتب :
الحقيقة أن التناجي نشاط أساسي في حياة الإنسان ، لأنه يتكلم يتصل مع أخيه بالتناجي ، إنه يحقق ذاته بالتناجي ، إنه ينقل أفكاره بالتناجي ، ينقل مشاعره بالتناجي ، إنه يفهم أفكار الآخرين بالتناجي ، يفهم مشاعرهم بالتناجي ، الحقيقة أرقى اتصال بين شخصين التناجي اللغوي .
المذيع:
أستاذنا الكريم الله عز وجل قال :
﴿ إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾
كيف النجوى من الشيطان وكثير من الناس يراها مهمة في حياته ؟
تطبيق منهج الرسول الكريم في كل أمور الحياة :
الدكتور راتب :
دائماً نحن عندنا قاعدة : الأصل أن الحظوظ والخصائص في الإنسان حيادية ، معنى حيادية ، كصفيحة البنزين ، إن وضعت في المستودعات المحكمة ، وسالت في الأنابيب المحكمة ، وانفجرت في الوقت المناسب ، وفي المكان المناسب ، ولدت حركة نافعة ، أما إذا صُبت على المركبة ، وأصابتها شرارة ، أحرقت المركبة ومن فيها ، فأنت بين عمل يبني وعمل يهدم ، بين عمل يقرب وعمل يباعد ، بين عمل يسعد وعمل يشقي ، فأنت حينما تكون مع صديق ثالث ، لك صديق حميم تتخاطب معه وجاء الثالث لا يتقن العربية تابعت الحديث باللغة العربية هذا المعنى إقصاء ، تهميش ، إبعاد ، إهمال ، هذا يؤلم ، فالمؤمن يطبق منهج رسول الله ، الثاني ينبغي أن يسمع ما تقولان ، إذاً حينما يتناجى اثنان دون الثالث هذا يؤلمه .
المذيع:
أستاذنا الكريم أنا أعتقد إضافة لما تفضلتم به أن هذه الآية الكريمة والآيات التي قبلها كذلك وحديث النبي صلى الله عليه وسلم يؤسس لأحد أهم مبادئ الحياة الاجتماعية والأسرية والنفسية ، وهو مبدأ الشفافية ، الإنسان له ظاهر وله باطن .
حاجة المسلمين إلى التوافق والتماسك :
الدكتور راتب :
إذا كان في الباطن شعور معين أنا أستنبط هذا الشعور من قول النبي صلى الله عليه وسلم حيث مرّ إنسان بمجلسه وتابع سيره ، فقال أحد الصحابة : إنني أحبه ، فقال : هل أعلمته بذلك ؟ قال : لا ، قال : قم فأعلمه ، قال : والله إني أحبك ، فالتناجي إذا كان فيه احترام بين شخصين ، فيه مودة ، فيه محبة ، ينبغي بتوجيه النبي صلى الله عليه وسلم أن أفصح عن هذا الحب كي تزداد العلاقات متانة ، هذا المجتمع إما أنه متماسك أو متفلت ، فالذي يسهم في تماسك المجتمع الفضائل ، والذي يسهم في تفكيك المجتمع الرذائل ، يقولون : فككه ، فكك هذه الجمعية ، المجتمع مفكك ، فلذلك نحن في أمس الحاجة إلى التماسك ، إلى التوافق ، إلى التكامل ، التوافق والتماسك هذا يقوينا جميعاً .
خاتمة و توديع :
المذيع:
هذه اللمسات النفسية المحمدية التي تجعل من المجتمع مجتمعاً متآلفاً متحاباً أريد أن أسلط عليها الأضواء أكثر ، هذا العطر النبوي بأمس الحاجة إليه ، لكن في حلقة مقبلة إن شاء الله .
أعزائي المشاهدين أشكركم على حسن المتابعة ، وأشكر باسمكم الدكتور محمد راتب النابلسي على هذه النفحات الكريمة في تفسير قول النبي صلى الله عليه وسلم ، إلى أن ألقاكم في حلقة قادمة ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .