- أحاديث رمضان
- /
- ٠18رمضان 1435 هـ - خواطر إيمانية
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل و الوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
ارتباط العمر بالعمل الصالح :
أيها الأخوة الأكارم ؛ الحديث الشريف اليوم هو قول النبي صلى الله عليه وسلم :
(( من أحب أن يَبسُطَ اللهُ عليه في رِزْقِهِ ، أو يَنْسَأ في أثرِه ، - أي في أجله - فَلْيَصِلْ رحمه ))
((من أحب أن يَبْسُط الله له في ))
أن يزداد رزقه ، أن يتسع دخله ، أن يكون في بحبوحة ،
((وأن يَنْسَأ له في أَثَره ))
أن يطول عمره ، أي في أجله ،
(( فلْيَصِلْ رحمه ))
إلا أن موضوع طول العمر كما تعلمون يقيناً أن الإنسان له أجل ثابت لا يتقدم ولا يتأخر ، إلا أن شرّاح الحديث فهموا المعنى بشكل آخر ، أي حجم الإنسان عند الله بحجم عمله الصالح ، فالعمر متعلق بالعمل الصالح ، فإذا كثر عمله الصالح كأن عمره قد ازداد .
العمر مرتبط بالعمل الصالح ، فالذي يزداد عمره يكثر عمله ، والذي يكثر عمله كأنما ازداد عمره ، لأنك حينما تقدم على الله لا شيء ينفعك إلا عملك الصالح ، وحتى الإنسان إذا وضع في قبره طبعاً أهله تركهم في البيت وأقرباؤه صاروا بالجنازة ، فإذا وصل إلى القبر لا ينزل معه أحد إلا عمله الصالح ، فإن كان عمله كريماً أكرم ، وإن كان عمله سيئاً حوسب .
الحكمة من تثبيت بعض القوانين و تغير بعضها :
أخواننا الكرام ؛ هناك حقيقة دقيقة هي أن الله سبحانه وتعالى جعل في الأرض قوانين، لولا هذه القوانين الحياة لا تستقيم ، والقوانين ثابتة ، هناك قوانين ثابتة ، أي قانون السقوط تبنى عليه آلاف المخترعات ، آلاف الأشياء ، فهذا القانون لو تغير لكان هناك مشكلة كبيرة ، تريد أن تبني بناء مئة طابق على أساس أن الحديد عنده خصائص معينة ، لو بدل الحديد خصائصه لانهار البناء ، تريد أن تأخذ دواء على أعراض المرض ، لولا ثبات القوانين الحياة لا تحتمل ، بل لا تستمر، هناك قوانين ثابتة ، والقانون تقريباً علاقة بين متغيرين ، أو مقولة مقطوع بصحتها ، تطابق الواقع عليها دليل ، لو ألغيت الدليل لكان هذا تقليداً ، لو ألغيت مطابقة الواقع لكان جهلاً ، لو ألغيت القطع لكان شكاً أو وهماً أو ظناً ، قضية يقول لك : بالمئة تسعون هذا ظن ، بالمئة خمسون شك ، بالمئة ثلاثون وهم ، فالقطع ليس وهماً ولا شكاً ولا ظناً مئة بالمئة ، فالقانون مقولة مقطوع بها مئة بالمئة ، تطابق الواقع عليها دليل ، فهذا القانون ، لولا القوانين حياتنا لا تستقيم ، طبعاً يوجد عندنا قوانين فيزيائية ، وقوانين كيمائية ، وقوانين في التربة ، وقوانين في الجو إلى آخره ، فهذا الذي ينزل بالمظلة ، استخدم قانون السقوط ، إذاً هذه المظلة مبنية على قانون ، وإذا ألغي القانون ألغيت الحياة ، لكن ربنا عز وجل لحكمة بالغة بالغة جعل قانوناً للرزق والحياة ، هذان القانونان متحركان وليسا ثابتين ، الرزق والحياة أي الرزق والعمر ، تجد إنساناً في أعلى درجات الصحة فجأةً صار من أهل القبور ، يقول لك : سكتة دماغية ، سكتة قلبية ، وإنسان آخر بقي بالفراش ثلاثين عاماً طريح الفراش ، فموضوع قانون الموت والرزق يحير لا يوجد قاعدة ، تجد إنساناً يعاني ما يعاني وأهله ينتظرون موته ويعيش ثلاثين سنة ، وإنسان فجأةً اختفى ، لذلك لحكمة بالغة موضوع الموت ليس له قاعدة ، يموت إنسان شاب وهناك إنسان متقدم بالسن ، يموت إنسان صحيح وهناك إنسان مريض .
حدثني طبيب يعالج مريضاً ، مرضه ليس له حل إطلاقاً ، مرضه معقد جداً وأهله ينتظرونه ، أي مرض لسنوات مديدة ، و قد دفع أهله مبالغ فلكية و ليس هناك أمل بالشفاء ، فأنا كنت بمنصب معين بالتعليم هو كان موظف عندي ، فبلغني أنه توفي ، قلت لهم : توفي ؟ قالوا : لا توفيت زوجته ، تفاجئت ، كل المتوقع ، كل الحدث ، كل التوقعات أنه هو سوف يموت ، ماتت زوجته .
فلا يوجد قاعدة والحقيقة موضوع الموت أكبر درس ، دقق كل شيء تملكه ، كل شيء حصّلته بسبعين سنة كله متراكم تخسره بثانية واحدة ، يقول لك : عمارة من ثلاثين طابقاً ملكي ، ملكك ما دام القلب ينبض .
العاقل من يعدّ للآخرة عدتها :
لذلك أخواننا الكرام ؛ الذكاء ، والبطولة ، والعقل ، والتوفيق ، والتفوق ، أن تعد لآخرتك، مرة شيعنا جنازة وضع المتوفى في القبر ، أدير رأسه إلى القبلة ، فتح وجهه ، وضعت البلاطة على الفتحة ، أهيل التراب يمكن سقط فوق رأسه كم كبير جداً من التراب ، أنا أعرف مستوى حياته ، مستوى الرفاه ، مستوى بيته ، مستوى الأثاث ، أرقام كلها فلكية ، من هذا البيت إلى هذا القبر ، فهذا الحدث الخطير هل يستطيع إنسان أن يستثني نفسه منه ؟ أبداً ، الموت حق ، ما دام الموت حقاً فالذكاء أن تتكيف مع هذا الحدث .
مرة حدثنا أستاذ في علم النفس عن موضوع الذكاء قال : الموضوع عبارة عن ثمانين صفحة أتحبون أن يلخص لكم في كلمة واحدة ؟ قلنا : نعم ، قال : التكيف ، تتكيف .
فالذكاء هو التكيف ، تتكيف مع الحدث الذي لن ينجو منه أحد ، لا ملك ، ولا وزير ، ولا غني ، ولا فقير ، ولا قوي ، ولا ضعيف ، ولا صحيح ، ولا مريض ، ولا امرأة ، ولا رجل أبداً، الموت حق ، أنا أرى أن منتهى الذكاء والحكمة والتوفيق أن تتكيف مع هذا الحدث ، والتكيف معه ضمن طاقتك ، تتكيف معه بالاستقامة ، والاستقامة لا يوجد بها حرمان .
من يتبع هواه وفق هدى الله لا شيء عليه :
تصور الشهوة التي أودعها الله فينا ممكن أن تتحرك فيها مئة و ثمانين درجة ، الشرع سمح لك بمئة درجة أي شهوة أودعت فيك عندك مئة درجة من مئة و ثمانين حلالاً ، الله ماذا قال ؟
﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ﴾
هناك معنى مخالف بعلم الأصول الذي يتبع
﴿ هَوَاهُ ﴾
وفق هدى الله لا شيء عليه، اشتهى المرأة تزوج ، اشتهى المال عمل ، فكل المنافذ قنوات نظيفة مشروعة.
مرة ثانية : ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها ، تأكد وأنا أعني ما أقول أن استمتاع المؤمن بالشهوات التي أودعها الله فيه ، استمتاعه بهذه الشهوات التي سمح الله له بها ملايين الأضعاف من استمتاع أهل الدنيا بشهواتهم ، معك طمأنينة تتحرك وفق منهج الله ، أي إنسان صار معه لقاء زوجي بعد ذلك يستيقظ يصلي قيام الليل ، ويبكي في الصلاة وفق المنهج ما خالف المنهج أبداً ، ما دمت أنت وفق منهج الله ، ينبغي أن تكون مطمئناً .
تمتع المؤمن بنعمة الأمن و الطمأنينة :
لذلك أنا أقول : بقلب المؤمن من الشعور بالأمن ما لو وزع على أهل بلد لكفاهم ، الدليل قال تعالى :
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾
أخواننا الكرام ؛ ما قال : أولئك الأمن لهم ، الأمن لهم ولغيرهم ، أما عندما قدمنا شبه الجملة لهم أي العبارة فيها قصر، فالأمن لهم وحدهم ، أي لا يتمتع بنعمة الأمن إلا المؤمن:
﴿ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾
لأن المؤمن اصطلح مع الله ، وتحرك وفق منهج الله ، فالله طمأنه الدليل :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا ﴾
أي المؤمن يتمتع بحالة نفسية لن أقول نادرة لكن متميزة جداً ، إذا لم يقل المؤمن : أنا أسعد الناس إذاً عنده مشكلة مع إيمانه ، أنا أسعد من في الأرض ، إلا أن يكون أحد أتقى مني .
أحد أخواني الكرام ذهب إلى الحج رجع ، زرته مهنئاً ، قال لي : ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني .
الإيمان هو الخلق :
أنت مؤمن موصول بالله ، تتعامل مع الخالق ، مع القوي ، مع القدير ، مع العليم ، مع الحكيم ، مع الجميل ، هناك سعادة بالدين تفوق حدّ الخيال ، تقول : مؤمن ، كلمة مؤمن مرتبة علمية ، ما اتخذ الله ولياً جاهلاً لو اتخذه لعلمه ، هذا المؤمن بالجانب العلمي عرف الحقيقة العظمى في الكون ، عرف الله ، عرف سرّ وجوده ، عرف غاية وجوده ، عرف ما بعد الموت ، عرف الخير والشر ، والحلال والحرام ، والقيم والمبادئ ، كلها عرفها وتحرك وفقها ، فالإيمان مرتبة علمية ، والإيمان مرتبة أخلاقية ، و الإيمان هو الخلق .
ابن القيم يقول : " فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك بالإيمان " الإيمان مرتبة علمية ومرتبة أخلاقية ، ومرتبة جمالية ، إذا لم تقل : أنا أسعد الناس في الأرض ، هذا يعني أن بإيمانك مشكلة ، أنت مع الخالق ، مع الرحيم ، مع الغني ، مع القوي ، مع الجميل ، مع الودود ، مع الرؤوف ، مع الرحيم ، أنت مع الذات الكاملة ، مع خالق السموات والأرض :
﴿ قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى * قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾
فإذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ ويا رب ماذا فقد من وجدك؟ وماذا وجد من فقدك ؟
المعجزات خرق لنواميس الكون أيّد الله بها الأنبياء ليشهد أنهم رسله :
أخواننا الكرام ؛ إلا أن الأنبياء الكرام حينما أرسلهم الله للبشر هداةً فلابد من أن يشهد لهم أنهم أنبياؤه عن طريق المعجزات ، فالمعجزات خرق لنواميس الكون لا يستطيع هذا الخرق إلا الخالق ، خرق لنواميس الكون ، طريق بحر ضربه موسى بعصاه صار طريقاً يبساً معنى هذا أنه رسول ، كيف يشهد الله لنبيه أنه نبيه ؟ يجري على يده خرق لنواميس الكون ، وهذا الخرق لا يستطيعه إلا الله ، هو واضع القوانين ، فالنار لم تحرق إبراهيم عليه السلام عندما ألقي فيها :
﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً ﴾
لو قال : كوني برداً فقط لكانت النار إلى يوم القيامة لا تحرق .
﴿ وَسَلَاماً ﴾
ليس برداً قاتلاً
﴿ بَرْداً وَسَلَاماً ﴾
ليس على الكل .
﴿ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾
ثلاث كلمات
﴿ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾
فلذلك الأنبياء خرقت لهم القوانين، فشهادة الله لهم أنهم أنبياؤه ، الأولياء قد يكرمون بكرامات ، فالسيدة مريم ليست نبية لكنها أنجبت من دون زوج هي كرامة ، لغير الأنبياء كرامة ، إلا أن الولي كل الولي يستحي بكرامته لا ينشرها ، لا يستخدمها من أجل الدنيا ، هذا يسمونه بالمصارف شيكاً مسطراً لا يصرف إلا لصاحبه ، هذا الشيك لا يجير له خاصة ، فالكرامة لا تنشر ولا يتحدى بها ولا تذاع ، إلا إذا كان الإنسان تحبه محبة عالية جداً وهو يحبك وليس من المعقول أن يشك بك تتكلم له عن هذا و لكن بينك وبينه ، أحياناً هناك دروس كلها كرامات ، وخرافات ، وشطحات ، فنحن نريد أن يكون ديننا دين علم ، دين نصوص ، والكلمة الدقيقة الولي يستحي بكرامته ، هذه تعمل إشكالاً لأنه غير معصوم ، لو كان معصوماً لصار معجزة ، صار نبياً ، لأنك غير معصوم الأولى أن تبقى هذه الكرامات بينك وبين الله ، أو لمن تحبه محبة فائقة .
ارتباط الرزق بالاستقامة :
الآن بالقرآن ربط بين الاستقامة والرزق ، الموضوع عن الرزق .
(( من أحب أن يَبسُطَ اللهُ عليه في رِزْقِهِ ، أو يَنْسَأ في أثرِه ، فَلْيَصِلْ رحمه ))
الله قال :
﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾
الآن عندنا قاعدة : قد يحرم المرء بعض الرزق بالمعصية ، كذلك هناك ربط سلبي قد تحرم الرزق بالمعصية ، إذاً الاستقامة مرتبطة بالرزق ، والمعصية مرتبطة بالرزق ، إلا أن هذا لا يلغي أن من عبادي كما ورد :
((مِنْ عِبَادِي الْمُؤْمِنِينَ مَنْ لا يَصْلُحُ لَهُ إِلاَّ الْغِنَى ، وَلَوْ أَفْقَرْتُهُ أَفْسَدَهُ ذَلِكَ ، وَإِنَّ مِنْ عِبَادِي الْمُؤْمِنِينَ مَنْ لا يَصْلُحُ لَهُ إِلاَّ الْفَقْرُ ، وَلَوْ بَسَطْتُ لَهُ أَفْسَدَهُ ذَلِكَ))
باستثناء هاتين القاعدتين أحياناً الرزق يرتبط بالاستقامة .