وضع داكن
19-04-2024
Logo
رمضان 1435 - خواطر إيمانية - الدرس : 16 - الحديث الشريف - لله أفرح بتوبة عبده من الضال الواجد
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

الفرق الكبير بين مصاحبة المؤمن و غير المؤمن :

أيها الأخوة الكرام ؛ الحديث اليوم هو قول النبي صلى الله عليه وسلم :

((لَلّهُ أشدُّ فْرَحا بتوبةِ عبده - حين يَتُوبُ إليه - من أحدِكم كان على راحلته بأرضٍ فلاةٍ فَانْفَلَتتْ -غابت عنه- وعليها طعامُه وشرابهُ فَأَيسَ منها ، فأتَى شَجرة فاضطَجَع في ظِلِّها قد أيسَ من راحلته - أيقن بالهلاك - فبينا هو كذلك ، إذا هو بها قائمةٌ عنده ، فأخذ بخِطامِها ثم قال من شِدَّة الفرح : اللهم أنت عَبْدي وأنا ربكَ - أخطأ من شدة الفرح - ))

[متفق عليه عن أنس بن مالك]

أي هذا الفرح جعله يخطئ .

((لَلّهُ أشدُّ فْرَحا بتوبةِ عبده))

التوبة تعني ترك أصحاب السوء وإلا فالرجوع إلى الذنب يصبح سهلا
كما ورد في بعض الأحاديث :

((من الضال الواجد - ضيع شيئاً ثميناً - والعقيم الوالد، والظمآن الوارد))

(( لله أفرح بتوبة عبده من الضّال الواجد، والعقيم الوالد، والظمآن الوارد))

[السيوطي في الجامع الصغير عن أنس]

أي الظمآن الذي كان على وشك الموت فرأى الماء ، والعقيم الذي يئس من الذرية ثم أنجبت زوجته له ولداً ، والضال الواجد .
أخواننا الكرام ؛ أما القرآن فيقول :

﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً ﴾

[سورة النساء الآية :27]

أعرف شخصاً مدمن خمر ، ذهب إلى الحج وتاب إلى الله توبةً نصوحة ، وعاد إلى بلده لكنه بقي على أصحابه القدماء ، في جلسة أداروا فيها الخمر ، وأجبروه أن يشرب ، قال له أحدهم : كم كلفت حجتك اشرب وخذ ثمن حجة ثانية .

﴿وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً ﴾

أخواننا الكرام ؛ الفرق كبير جداً بين أن تصاحب مؤمناً ، وبين أن تصاحب غير المؤمن، المؤمن يدفعك إلى باب الله ، يحثك على طاعته ، أحياناً يعاتبك ، كما ورد :

((لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِنا ، ولا يأكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيّ ))

[ أبو داود والترمذي عن أبي سعيد الخدري ]

من كان مع الله كان الله معه :

إذاً الآية الدقيقة :

﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ﴾

هذه إرادة الله : نحن في قبضة الله وقد تتحول حياتنا إلى جحيم في لحظة

﴿وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً ﴾

إلا أن أحد المذنبين يتوهم أن ذنبه لا يغفر.
مرة إنسان يطوف حول الكعبة ، كان أمامه رجل سمعه يقول : ربي اغفر لي ذنبي ولا أظنك تفعل ، فالذي وراءه قال : يا هذا ما أشد يأسك من رحمة الله ؟ قال له : ذنبي عظيم ، قال له : ما ذنبك ، قال له : كنت جندياً في قمع فتنة ، ولما قمعت أبيحت لنا المدينة ، دخلت أحد البيوت رأيت رجلاً وامرأةً وطفلين ، قتلت الرجل و الولد الأول ، وقلت لامرأته أعطيني كل ما تملكين، أعطته كل ما تملك ، فلما رأته جاداً في قتل الولد الثاني ، أعطته درعاً مذهبة - مطلية بالذهب - وهي أثمن شيء تملكه ، أمسكها قلبها أعجبته فإذا على هذا الدرع بيتان من الشعر قرأهما فوقع مغشياً عليه ، ما البيتان ؟ قال :

إذا جار الأمير وحاجبه وقاضي الأرض أسرف في القضاء
فويل ثم ويل ثم ويل لقاضي الأرض من قاضي السماء
***

أخواننا الكرام ؛ هناك عدد من الأمراض العضال ، إن أصابت أحد الناس أصبحت حياته جحيماً لا يطاق ، نحن في قبضة الله ، نقطة دم أقل من رأس الدبوس إذا تجمدت في أحد أوعية الدماغ أصيب الإنسان بالشلل ، أصبح عبئاً على أسرته ، أو بفقد الذاكرة ، هذه النقطة في أي مكان من أوعية الدماغ إذا تجمدت أصابت الإنسان بعطب ، شلل ، أحياناً يفقد نطقه ، أحياناً يفقد ذاكرته، فلذلك نحن في قبضة الله ، أي أقل سبب ينهي حياتنا ، إذا الخلايا نمت نمواً عشوائياً ، هذا السرطان ، انتهت حياته ، وهذا النمو العشوائي يكون في أي سن ، وفي أي عمر ، وفي أي نسيج، يوجد بالعظام ورم خبيث ، بأي مكان هناك ورم خبيث ، فنحن في قبضة الله ، والبطولة أن نكون مع الله حتى يكون الله معنا .

كن مع الله تر الله مـعك واترك الكل وحاذر طمعـــــك
وإذا أعطـاك من يمنعهم ثم من يعطي إذا ما منعك؟
***

لذلك :

﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً ﴾

بطولة الإنسان أن يصاحب من ينهض به إلى الله حاله و يدله على الله مقاله :

لكن الحل الحاسم : صاحب من ينهض بك حاله ولا تصاحب من يغريك بالمعصية

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾

[ سورة الكهف الآية : 28]

أي ليس دائماً تستطيع أن تبتعد عن هؤلاء ، فإذا كنت معهم في بعض الساعات يغرونك في المعصية ، وهذا يقع كثيراً ، لذلك قالوا : الصاحب ساحب ، فالبطولة أن تصاحب مؤمناً ، لا تصاحب من لا ينهض بك إلى الله حاله ويدلك على الله مقاله .
ثبت علمياً أن الشاب بحياته والده ، والدته ، خاله ، عمه ، يصلي الجمعة بمسجد ، شيخ المسجد ، خطيب المسجد ، يسمع درساً من أستاذ التربية الإسلامية ، كل المصادر الدينية بين أبيه وأمه ، وخطيب المسجد ، وأستاذه ، إلى آخره ، العلماء قالوا : تأثيرهم أربعون بالمئة ، وتأثير الصاحب السيئ ستون بالمئة ، أنا أقول : أخطر شيء في حياة الابن صديقه ، وأول مهمة من مهمات الأب أن يعرف من هو صديق ابنه ، وأن يعرف من هي صديقة ابنته الابن المستقيم البار نعمة ليس بعدها نعمة
تأثير الصديق على الشاب ستون بالمئة ، وكل من حوله بدءاً من الأب ، والأم ، والعم ، والخال ، والشيخ ، والخطيب، والداعية، وأستاذ الديانة ، تأثيرهم أربعون بالمئة .
لذلك لو بلغت أعلى منصباً في الأرض ، وجمعت أكبر ثروة فيها ، وارتقيت إلى أعلى مكانة ، ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس ، والحقيقة لما ربنا عز وجل علمنا هذا الدعاء :

﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ﴾

[سورة الفرقان الآية :74]

لا يعرف معنى قرة العين إلا من ذاقها ، عندك ابن صالح تفتخر به أمام الناس ، مستقيم، محبوب، منضبط بلسانه ، بدخله ، بإنفاقه ، فالذي يعتني بابنه يعتني بنفسه ، الله عز وجل قال :

﴿ لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ ﴾

[ سورة البلد الآية: 1_2_3]

قضية التربية أساسية جداً ، أنا أقول: الشعور شعور الأب والأم أن الابن صالح ، الابن متفوق ، الابن محبوب ، الابن مستقيم ، الابن نظيف ، دخله حلال ، إنفاقه حلال لا يقدر بثمن ، وأحياناً إذا كان الابن منحرفاً يسبب لأبيه وأمه متاعب لا يعلمها إلا الله .

 

باب التوبة مفتوح دائماً على مصراعيه :

الآن أي ذنب مهما رأيته عظيماً نوعاً ومليون ذنب عدداً ، هذه الذنوب نوعاً وكماً ، لمجرد أن تتوب إلى الله يغفر الله لك هذه الذنوب ، والآية واضحة :

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾

[ سورة الزمر الآية : 53]

هذه الآية يقول عنها العلماء: أرجى آيةً في القرآن ، المذنب ليس له حجة ، المذنب سوف يندم ، باب التوبة مفتوح .
باب التوبة مفتوح على مصراعيه
الآن بربكم لو أن تاجراً عليه ديون بضع عشرات أو مئات الملايين ، فلس ، الديون كلها مستحقة ، إذا قيل له: افعل كذا أو كذا ، وأنت معفى من كل هذه الديون ، شيء لا يصدق .

((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ))

[ الإمام أحمد في مسنده عن أبي هريرة]

ما قولكم ؟

(( من قام رمضان إيماناً واحتساباً ، غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ))

[ مسلم وابن خزيمة في صحيحه عن أبي سلمة]

أي أنت برمضان متاح لك أن تفتح مع الله صفحةً جديدة ، أحياناً التجار يغلقون الصفحات القديمة ويفتحون صفحة جديدة ، وأنت برمضان تفتح مع الله صفحة جديدة ، لكن البطولة هذا الذي حصّلته برمضان ينبغي أن تبقى عليه ، من صلاة الفجر ، من غض البصر ، ضبط اللسان ، من ضبط الدخل ، من ضبط الإنفاق ، هذه الاستقامة ، لذلك إذا رجع العبد العاصي إلى الله ، دقق :

(( إذا رجع العبد العاصي إلى الله نادى منادٍ في السموات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله ))

والله الذي لا إله إلا هو لا أرى كلمة هنيئاً لك إلا لصلح مع الله ، هنيئاً لك بهذا البيت شيء لطيف ، لكنه سوف يتركه، إنسان يحب زوجته حباً لا نهائياً ، لابد أن يفارقها أو تفارقه ، هل هناك شك بهذا الكلام ؟ أي جهة دون الله لابد أن تغيب عنك أو تغيب أنت عنها ، فالبطولة أن تعرف الله وأن تتصل به .

التوبة علم و حال و عمل :

أخواننا الكرام :

﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً ﴾

الموضوع عن التوبة ، التوبة ُعلم ، وحال ، وعمل .
كي تتوب من الذنب لابد أن تعرف أنه ذنب وتعرف الحلال والحرام
الإنسان متى يعالج ارتفاع الضغط ؟ عندما يكون عنده مقياس ضغط ، ويقيس ضغطه فيجده مرتفعاً جداً، بسرعة يذهب إلى الطبيب ، فلابد من مقياس ، الإنسان إذا طلب العلم أصبح معه مقياس، إذا الإنسان لم يتعلم يقع بالكبائر يقول : أنا لم أعمل شيئاً ، هذا الذنب كيف تتوب منه؟ ينبغي أن تعلم أنه ذنب ، لذلك قالوا : من دخل السوق بلا ثقة أكل الربا شاء أم أبى .
هناك الكثير من العلاقات المالية المحرمة ، يقول لك : أنا أريد أن أقرضك قرضاً ، أنا لا أريد فائدة ، لكن أريد مبلغاً شهرياً كأجرة ، هذا قرض مأجور أي فائدة ، أعطاه اسماً ثانياً ، العبرة ليست بالأسماء بل بالحقائق ، فلذلك التوبة علم ، الحال لا يوصف ، فرح التائب بالتوبة لا يعرفه إلا من ذاقه ، والله الذي لا إله إلا هو كأن على ظهره جبالاً أزيحت عنه ، علم ، وحال ، العمل ثالث نوع ، ندم على ما فرط به، إذا كان هناك حقوق، في أداء الحقوق الندم لا يكفي ، يجب أن يكون هناك إقلاع في الحاضر ، وعزم في المستقبل ألا يعود إلى هذا الذنب ، علم ، وحال ، وعمل .
أخواننا الكرام ؛ إذاً لابد من طلب العلم ، حتى تعلم أين الأخطاء ، أعط إنساناً نصاً ليقرأه قد يرتكب خمسين خطأ بالقراءة ، لأنه لم يدرس اللغة العربية ، يقول لك : لم أخطئ ، أما لو درس فيعرف خطأه، إذاً لابد من طلب العلم كي تعرف الخطأ ، تجد إنساناً منهمكاً في عمله ، هذه الآخرة الأبدية ألا تستحق طلب العلم!! تعرف أن هناك مالاً حراماً ، قرضاً حراماً ، هناك علاقات اجتماعية محرمة ، وعلاقات مالية محرمة ، فإذا الإنسان لم يطلب العلم ، يقول لك : لم نفعل شيئاً هكذا الناس تفعل ، فلابد من طلب العلم .

إرفاق التوبة الثانية بالعمل الصالح :

أرفق مع توبتك عملا صالحا
بالمناسبة أخواننا الكرام ؛ أهون توبة الأولى ، الثانية أصعب بكثير ، أول توبة بالتعبير الدارج الصلحة بلمحة ، يا ربي قد تبت ، أي كأن الله يقول لك : يا عبدي وأنا قد قبلت ، أهون توبة أول توبة ، أما عندما يعود الذنب مرة ثانية ، أي نقضت التوبة ، لا أقول لك : لا يوجد حل ، بل هناك حل أن تتوب مرة ثانية ، أما الأصح فأن ترفق مع التوبة الثانية عملاً صالحاً ، وهذا معنى :

((وأتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحسَنَةَ تَمْحُهَا ))

[الترمذي عن أبي ذر الغفاري ]

أول توبة سهلة ، أما الثانية فتشعر أنك خجول من الله ، فالعمل الصالح الذي يقترن مع التوبة الثانية ضروري لعل الله يقبلها ، وأرجو من الله أن يتوب علينا جميعاً في هذا الشهر الكريم .

 

 

 

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور