وضع داكن
28-03-2024
Logo
رمضان 1435 - خواطر إيمانية - الدرس : 10 - الحديث الشريف - من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد ، وعلى آل بيته الطيّبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألوِيَتِه ، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وُحول الشهوات إلى جنّات القربات .

حديث شريف جامع مانع في طلب العلم :

طريقك الذي تسلكه إلى المسجد كي تلتمس علما يؤدي بك إلى الجنة
أيها الأخوة الكرام ، روى مسلم في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :

(( من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة ))

[مسلم عن أبي هريرة ]

حينما تنطلق من بيتك إلى المسجد تلتمس العلم في المسجد فهذا الطريق يؤدي بك إلى الجنة :

(( وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ ))

[مسلم عن أبي هريرة ]

(( ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه))

[مسلم عن أبي هريرة ]

حديث شريف في طلب العلم جامع مانع .

تسخير الكون للإنسان تسخير تعريف و تكريم :

الله خلق الإنسان ليسعد بقربه
أيها الأخوة الكرام ، لا شك أن من المسلمات التي تعرفونها جميعاً أن هذا الكون فيه جماد ، وفيه نبات ، وفيه حيوان ، وفيه إنسان ، قال بعضهم : الجماد للنبات ، والنبات للحيوان، والحيوان للإنسان ، والإنسان لمن ؟ إنه لله ، الله عز وجل خلق الإنسان ليسعد بقربه ، ليتعرف إليه ، وبعد أن يعرفه ويستقيم على منهجه ويتقرب إليه يسعد ويسلم في الدنيا والآخرة ، فلذلك لأن الإنسان قبِل في عالم الأزل حمل الأمانة في قوله تعالى :

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ﴾

[ سورة الأحزاب: 72 ]

لأن الإنسان قبل حمل الأمانة سخر الله له ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه تسخير تعريف وتكريم ، موقف الإنسان من تسخير التعريف أن يؤمن ، وموقفه من تسخير التكريم أن يشكر ، فإذا آمن وشكر حقق الهدف من وجوده ، قال تعالى :

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾

[ سورة النساء: 147]

أنواع العلم :

الحاجة إلى العلم حاجة عليا في الإنسان
فلذلك هذا الإنسان الذي قبِل حمل الأمانة سخر الله له ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه ، ومنحه قوة إدراكية ، هي الحاجة إلى العلم ، وبعضهم سماها الحاجة العليا في الإنسان ، أنت بحاجة إلى أن تأكل ، وإلى أن تتزوج ، وإلى وإلى سماها بعضهم الحاجات السفلية ، وهناك حاجة علوية راقية أن تعرف الله ، أودع فيك قوة إدراكية تتميز بها ، فلذلك لا بد من أن تطلب العلم ، أي علم هذا ؟ بعضهم قال وكلامي دقيق : هناك علم بخلقه ، هذا الكون السموات ، الأرض ، المجرات ، المذنبات ، الأرض بجبالها ، بوهادها ، بسهولها ، بحيواناتها ، ببحارها ، ببحيراتها ، الأرض هذا الكون مظهر لأسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى فهناك علم بخلقه العلم بأمر الله هو معرفة الأوامر والنواهي
وهذا العلم بخلقه من اختصاص الجامعات في الأرض ؛ كلية العلوم فيزياء كيمياء طبيعيات ، جمادات كلية الطب والهندسة ، العلم بخلقه ، اختصاص الجامعات في الأرض ، وهناك علم بأمره اختصاص كليات الشريعة في العالم الإسلامي افعل ولا تفعل، بالأمر والنهي والواجب والفرض ، صار عندنا علم بخلقه وعلم بأمره ، كيف أصل إلى العلم بخلقه وإلى العلم بأمره ؟ قال : هناك نشاط أو مجموعة أنشطة تلخص بكلمة واحدة هي المدارسة ، هناك معلم يحمل علماً ، وهناك طالب علم العلم بالآمر ثمنه باهظ لكن نتائجه رائعة
وهناك إلقاء محاضرة وإصغاء للمحاضرة ، و مرجع ، و كتاب ، قراءة الكتاب ، وحفظ الكتاب ، وأداء الامتحانات ، ونيل الشهادات ، هذه العملية المعقدة المتتالية المنوعة بأكملها تسمى المدارسة ، فالعلم بخلقه والعلم بأمره يحتاجان إلى مدارسة ، أولاً : تقرأ وتكتب ثم تحمل شهادة عليا ، تفهم ما قرأت بعمق ثم تحفظ ثم تؤدي امتحاناً وتنال شهادة ، هذا علم بخلقه الكون ، وعلم بأمره الشريعة .
لكن العلم الثالث علم به ، بالآمر ، العلم به ثمنه باهظ ، نتائجه رائعة أنت حينما تعرف الله تصبح إنساناً آخر ، عرفته ، عرفت منهجه ، طبقت منهجه ، أقبلت عليه ، حينما يتصل هذا الكائن الضعيف الإنسان بالذات الكاملة بالله عز وجل يشتق منه الكمال :

(( إن محاسن الأخلاق مخزونة عند الله تعالى، فإذا أحب الله عبداً منحه خلقاً حسناً ))

[ الحكيم عن العلاء بن كثير ]

أخلاق المؤمن و صدقه هما الشيء الحاسم في حياته :

لذلك النبي عليه الصلاة والسلام آتاه الله الوحي ، آتاه الله الحكمة ، جعله وسيماً فصيحاً بيناً ، لكن حينما أثنى عليه أثنى على خلقه العظيم أخلاق المؤمن هي التي تميزه وترقى به
لذلك ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى يقول : " الإيمان هو الخلق، ومن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان ". الإيمان معلومات وعقائد وتصورات ، وفهم وقوانين ومعادلات ، لكن وسيلة وليست غاية ، الغاية أن تتخلق بأخلاق الذات الإلهية ، تخلقوا بأخلاق الله ، هذاالخلق هو ثمن الجنة ، أي لو سألتني : ما هو الشيء الحاسم في حياة المؤمن ؟ أخلاقه صادق ، أمين ، عفيف ، يعتمد عليه ، مسؤول، رحيم ، الله عز وجل قال :

﴿ فَبِمَا ﴾

[ سورة آل عمران: 159 ]

عند علماء النحو هذه الباء باء السبب :

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾

[ سورة آل عمران: 159 ]

أي يا محمد من خلال اتصالك بنا امتلأ قلبك رحمة بمن حولك ، فلما امتلأ القلب رحمة انعكست الرحمة ليناً ، وهذا اللين دعا الناس إلى أن يلتفوا حولك ، المعنى المخالف المعاكس ، ولو كنت منتقطعاً عنا لامتلأ القلب قسوة ، ولانعكست القسوة غلظة ، عندئذ ينفض الناس من حولك ، والآية هذه يحتاجها كل أب ، وكل أم ، وكل معلم ، وكل مدرس ، وكل أستاذ، وكل مرشد ، وكل إنسان يحتل منصباً قيادياً ، من أصغر منصب قيادي إلى أعلى منصب قيادي ، هذا الذي يقود مجموعة من الناس إذا كان متصلاً بالله يمتلئ قلبه رحمة ، وهذه الرحمة تنعكس ليناً ، وهذا اللين يجعل من حوله يلتفون حوله ، وكل صاحب منصب قيادي بحاجة إلى هذه الآية .

 

من يُعمل عقله في معرفة الله يسعد وينجح ويحقق الهدف من وجوده :

لذلك أنت حينما تعرف الله ، وتعرف منهجه ، وتعرف كمالاته ، وتعرف أسماءه الحسنى ، وتستقيم على أمره أولاً ، وتتصل به ثانياً بعد أن تتصل بالله تأتي التزكية
تأتي التزكية ، وقد وردت في آيتين فقط :

﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ﴾

[ سورة الأعلى: 15]

هذه النفس حينما تتصل بالله عز وجل تزكو ، تصبح نفساً زاكية أو زكية في حلم، في رحمة ، في أدب ، في عدل ، في إنصاف ، أنا أقول : المؤمن الصادق لا بد من أن تعشقه، أديب ، رحيم ، صادق ، أمين ، هذا المؤمن ، لا يمكن أن تكره مؤمناً هذا موصول بالله عز وجل ، موصول بأصل الكمال ، بأصل الجمال ، بأصل النوال ، فلذلك الإنسان أودع الله به قوة إدراكية لأنه قبِل حمل الأمانة ، وسخر الله له ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه ، وهذا الكون فيه قوانين ، والشيء الدقيق أن عقلك أيها الإنسان يخضع مبادئ ، أحد هذه المبادئ مبدأ السببية ؛ فالعقل البشري لا يفهم شيئاً بدون سبب ، والكون نظامه سببي ، وهذا العقل البشري لا يفهم شيئاً من دون غاية ، وهذا الكون أي شيء بالإنسان له غاية العقل البشري لا يفهم شيئا بدون سبب
عالم ألماني سبب إيمانه بالله البقرة ، تقدم حوالي ستين كيلو من الحليب ، الوليد يحتاج إلى كيليين أو أكثر ، معنى هذا تطابق تركيب الحليب تطابقاً مذهلاً مع خصائص الإنسان ، الحليب هو الغذاء الكامل الأول ، فلذلك الإنسان عندما آتاه الله القوة الإدراكية حينما يعملها في معرفة الله يسعد وينجح ويسلم ويحقق الهدف من وجوده ، أنت المخلوق الأول ، أنت مخلوق لجنة عرضها السموات والأرض ، مخلوق للأبد ، مخلوق أن تدخل الجنة ، وكل يوم أسعد من يوم لا تعبد ، ولا هم ، ولا نصب ، ولا قهر ، ولا ظلم ، ولا فقر ، ولا حقد ، ولا حسد فيه :

﴿ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾

[ سورة النحل : 32]

فلذلك :

﴿ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾

[ سورة الزمر: 15 ]

طلب العلم طلب حتمي :

لأنك من بني البشر يجب أن تطلب العلم لإشباع قوتك الإدراكية
إذاً أنت تملك قوة إدراكية ، هذه القوة الإدراكية تقتضي أن تطلب العلم ، ليس لك خيار ، لأنك من بني البشر يجب أن تطلب العلم ، وليس طلب العلم موسمياً برمضان فقط ، بل هو طلب دائم في كل أشهر العام ، هذا الطلب يؤكد إنسانيتك ، الذي لا يطلب العلم يهبط عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به ، بل إن الله سبحانه وتعالى وصف هؤلاء الذين عزفوا عن طلب العلم فقال :

﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾

[ سورة النحل : 21]

﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾

[ سورة المنافقون: 4 ]

﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾

[ سورة الفرقان : 44]

أخواننا الكرام ، خيار العلم خيار حتمي .

 

خيار الإنسان مع الإيمان خيار وقت فقط :

مرة قلت : أنت تملك مليون خيار ؛ خيار الإنسان مع الإيمان خيار وقت فإن جاء بعد فوات الأوان لا ينفع الإنسان
ترفض بيتاً لم يعجبك ، مساحته صغيرة ، سعره غال ، تريد الزواج تخطب فتاة لا تعجبك أخلاقها فترفضها ، تملك مليون خيار رفض إلا مع الإيمان تملك خيار وقت ، فإما أن تؤمن بالوقت المناسب وتنتفع بإيمانك ، أما حينما تؤمن بعد فوات الأوان فهذا الإيمان لا تنتفع به :

﴿ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ﴾

[ سورة الأنعام : 158]

هل هناك طالب بالأرض لا يدرس بالامتحان ؟ يقدم ورقة بيضاء ينال درجة الصفر بجدارة ، يأتي على البيت يفتح الكتاب المقرر يقرأ البحث يفهمه ، متى فهم البحث ؟ البطولة أن تؤمن وأنت شاب
بعد فوات الأوان ، فلذلك جميع الحقائق التي جاء بها الأنبياء البشر جميعاً على اختلاف مللهم ، ونحلهم، وانتماءاتهم ، وأعراقهم ، وأنسابهم ، سوف يؤمنون بهذا ، والدليل أكفر كفار الأرض الذي قال عنه الله في القرآن الكريم :

﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾

[ سورة النازعات: 24]

والذي قال :

﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾

[ سورة القصص: 38 ]

فرعون عندما أدركه الغرق قال :

﴿ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ ﴾

[ سورة يونس: 90 ]

إذاً خيارك مع الإيمان خيار وقت ، فالبطولة أن تؤمن وأنت شاب .
الإنسان أحياناً بالثمانينات يتذكر الآخرة والموت لكن كل شيء انتهى ، أما هذا الشاب ، وإن الله ليباهي الملائكة بالشاب المؤمن ، ففي أول حياته كتلة نشاط ، طاقات ، ذهن حاد ، عضلات قوية ، الآن ينبغي أن تؤمن ، فلذلك هذا الشاب الذي يبدأ حياته بمعرفة اله وطاعته والتقرب منه هو بدأ بداية محرقة فله نهاية مشرقة ، فلذلك قيل : ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظنّ أنه قد علم فقد جهل.
يقول الإمام الشافعي : " كلما ازدددت علماً ازدت علماً بجهلي" .

التعريف الدقيق للعلم :

من تعريفات العلم أنه مطابق للواقع ومدعوم بدليل
لذلك من بعض التعريفات الدقيقة للعلم : علاقة بين متغيرين ، تطابق الواقع ، عليها دليل ، لو ألغيت الدليل لم تعد هذه الحقيقة علماً ، أصبحت تقليداً ، لو ألغيت مطابقة الواقع لم تعد هذه المقولة علماً أصبحت جهلاً ، كل شيء خلاف الواقع جهل ، وكل شيء من دون دليل تقليد ، فهي علاقة قطعية بين متغيرين ، تطابق الواقع ، عليها دليل ، فذلك الله عز وجل جعل في القرآن ألف وثلاثمئة آية تتحدث عن الكون والإنسان ، آية الأمر تقتضي أن تأتمر ، آية النهي تقتضي أن تنتهي ، وألف وثلاثمئة آية عن الكون والإنسان هذه ماذا تقتضي؟ تقتضي قوله تعالى :

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾

[ سورة آل عمران: 190-191 ]

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور