وضع داكن
24-04-2024
Logo
الخطبة : 1078 - الإحباط3 ، ما جاء في السنة في إحباط العمل .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخــطــبـة الأولــى :

     الحمد لله نحمده، ونستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه، وعلى ذريته ومن والاه، ومن تبعه إلى يوم الدين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، و اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

مقدمة عن محبطات الأعمال :

     أيها الأخوة الأكارم لازلنا في موضوع محبطات الأعمال، وقد بينت في خطبتين سابقتين أن هناك أمراضاً لا تعدّ ولا تحصى تطرأ على الإنسان ويشفى منها، وينتهي الأمر إلا أن بعض الأمراض تنهي حياة الإنسان، نسمي هذه الأمراض أمراض وبيلة، نسميها عضال الداء، أمراض خطيرة، أمراض مميتة، الموضوع نفسه نسحبه على الأعمال، هناك أعمال تقبل لا تقبل لكن في أعمال تلغي جهادك، تلغي صلاتك، تلغي صيامك، تلغي حجك، تلغي زكاتك، هناك أعمال تستحق النار، هناك أعمال تخرج من الملة.

الأعمال التي تحبط العمل في ضوء السنة الشريفة :

1 ـ التألي على الله:

     تحدثنا في الخطبة السابقة عن الأعمال في ضوء القرآن الكريم التي تحبط العمل، واليوم نتحدث عن الأعمال في ضوء السنة التي تحبط العمل.
     أيها الأخوة، من هذه الأعمال التألي على الله، أن تُنصّب نفسك وصياً على المسلمين، وأن تحكم عليهم بالكفر تارة والشرك تارة، وأن تؤكد نجاة بعضهم وأن هؤلاء ضالون مضلون مشركون فاسدون بشكل مزاجي من دون دليل وكأنك وصي عليهم، وكأن الله لك وحدك، وكأن فهمك للدين خط فمن زاح عنه قيد أنملة خرج عندك من الدين، هذا الموقف المتعجرف المتغطرس، المتكبر، المتألي على الله يحبط العمل.

 

من وزع ألقاب الكفر و الضلال إنسان غير متأدب مع الله تعالى :

     أيها الأخوة:

(( حدث جندب أن رجلاً قال: والله لا يغفر الله لفلان، وإن الله تعالى قال: من ذا الذي يتألّى عليّ أن لا أغفر لفلان، فإني قد غفرت لفلان، وأحبطت عملك ))

[روى الإمام مسلم عن جندب]

     يقول لك عندي هذا العمل شرك، من أنت ؟ من أنت ؟

يقولون هذا عندنا غير جائز فمن أنتم حتى يكون لكم عندُ
***

     هو محور العالم، هو الوصي على المسلمين، هو الذي يوزع ألقاب الكفر والشرك والضلال، أما هو يتوهم نفسه في أحسن حال، هذا موقف غير متأدب مع الله، طبعاً هناك دليل قوي جداً أن النبي عليه الصلاة والسلام دخل على أحد أصحابه (أبا السائب) وقد توفاه الله وقد سمع امرأة من وراء الستر تقول:

(( رحمة الله عليك أبا السائب، شهادتي عليك لقد أكرمك الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما يدريك أن الله أكرمه ؟ أما هو فقد جاءه اليقين من ربه وإني لأرجو له الخير، والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي ولا بكم ))

[أخرج أحمد والبخاري والنسائي وابن مردويه عن أم العلاء رضى الله عنها ]

     لو أن النبي عليه الصلاة والسلام سكت لكان كلامها صحيحاً ولكان التألي مباحاً فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

((.....وما يدريك أن الله أكرمه ؟ أما هو فقد جاءه اليقين من ربه وإني لأرجو له الخير، والله ما أدرى وأنا رسول الله ما يفعل بي ولا بكم ))

     على وجه اليقين أما على وجه الرجاء نحن جميعاً نرجو رحمة الله.

 

التألي على الله غطرسة وكبر واستعلاء :

     قل أرجو رحمة الله، أرجو أن يقبلني الله، أرجو أن أكون على صواب، أرجو أن يكون عملي متقبلاً، أرجو أن تكون صلاتي متقبلة، أرجو أن يكون صيامي متقبلاً، أرجو أن يكون حجي متقبلاً، أرجو أن يكون اجتهادي صحيحاً، قل أرجو التأدب مع الله أما الأحكام القطعية المستقبلية فلان كافر، من كفّر مسلماً فقد كفر و باء به أحدهما.
     التألي على الله غطرسة، كبر، استعلاء، توهم أنك وحدك على حق، الإسلام تيار عريض، كل أطياف المسلمين على العين والرأس مادامت عقيدتهم سليمة، وماداموا ملتزمين بمنهج الله، كلهم على العين والرأس والخلافات بينهم هذه نعذرهم بها، نتعاون فيما اتفقنا ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا، إذا في ود بالغ نتعاون فيما اتفقنا وينصح بعضنا بعضاً فيما اختلفنا، هذا الموقف الأديب وقفه النبي عليه الصلاة والسلام، قال وأنا نبي مرسل:

﴿ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ (9) ﴾

(سورة الأحقاف)

     أحد التابعين التقى بأربعين صحابياً فقال: ما منهم واحد إلا ويظن نفسه منافقاً من شدة خوفه من الله، من شدة قلقه، من شدة تواضعه.
     سيدنا عمر مبشر بالجنة أحد المبشرين بالجنة جاء إلى حذيفة بن اليمان وهو أمين سر رسول الله قال له يا حذيفة بربك اسمي مع المنافقين ؟ تجد مليون مخالفة، مليون تجاوز، مليون تقصير، نحن على حق، طول بالك، تأدب مع الله، قل يا رب أرجو أن أكون على حق، أرجو أن أكون على صواب، أرجو أن أكون على بينة، يا رب تقبل عملي.

 

الإسلام تيار عريض يجمع جميع المسلمين :

     أيها الأخوة الكرام:

(( لا يَدْخُل الجَنَّةَ مَنْ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ))

[‏ رواه مسلم عن ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏]

     قال عليه الصلاة والسلام:

(( لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو أكبر ))

[ أخرجه البزار والبيهقي عن أنس ]

     العجب أن تعجب بنفسك، الله لك وحدك، أنت وحدك على حق، هذا الذي يتوهم أن وحده على حق، يتوهم أن الإسلام خط رفيع وهذا الذي أمامه خرج ميليمتر عن هذا الخط فخرج من الدين، لا الإسلام تيار عريض يجمع جميع المسلمين، لكن على اختلاف أطيافهم، عقيدتهم جميعاً سليمة، أما في التفاصيل، في الاجتهادات، في الرؤى، في طرق الدعوة يختلفون، هذا اختلاف غنى لا اختلاف تضاد.
     أيها الأخوة، السيدة عائشة زوجة رسول الله وحبيبته:

(( قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ صَفِيَّةَ امْرَأَةٌ، وَقَالَتْ بِيَدِهَا هَكَذَا، كَأَنَّهَا تَعْنِي قَصِيرَةً، فَقَالَ: لَقَدْ مَزَجْتِ بِكَلِمَةٍ لَوْ مَزَجْتِ بِهَا مَاءَ الْبَحْرِ لَمُزِجَ ))

[ الترمذي ]

     المجالس الآن يُشرحون بعضهم بعضاً، يتهمون بعضهم بعضاً، مجالس النساء كلها غيبة ونميمة، ويتوهمون أنهم مؤمنون صادقون مسلمون متفوقون أيضاً:

(( إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا فِي النَّارِ ))

[ رواه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

     ورد في بعض الآثار، قذف محصنة يهدم عمل مئة سنة، أبلغ من ذلك أحتاج إلى من يصور طبعاً إن سئلت عن فلانة ما تكلمت ولا بكلمة لكنك هززت قميصك، تكفي هذه، فهم كل شيء، أنها غير مستقيمة، إنسان خطب فتاة و أبلغ صديقه أنه خطب هذه الفتاة، صديقه ما تكلم ولا بكلمة ولا بحرف إلا أنه هزّ قميصه، طلقها في اليوم التالي، لما عرف صديقه أنه طلقها قال والله ما قصدت شيئاً من باب الدعابة، هناك أشياء لا مزاح فيها أبداً.

2 ـ المن و الأذى:

     أيها الأخوة الكرام، التألي على الله أحد محبطات الأعمال، المحبط الثاني المن والأذى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى (264) ﴾

(سورة البقرة)

المن بالمعروف يبطل الشكر و يمحو الأجر :

     أنفقت على إنسان جزاك الله خيراً، أكرمته، علمته، كلما رأيته لحم كتفك من خيري، كلما رأيته كيف العمل أنا الذي أمنته لك ؟ إن شاء الله مرتاح أمام الناس، هذا نوع من أنواع المن، هذا الذي يعمل الأعمال الصالحة، ولا يرجو بها ربه، يرجو بها سمعته، وأن يمدحه الناس عن عمل يملأ الدنيا صخباً وضجيجاً بهذا العمل ويمن على من أعطاهم، يقول عليه الصلاة والسلام:

(( إياكم والمن بالمعروف فإنه يبطل الشكر ويمحو الأجر ))

[رد في الأثر ]

     وقد قال عليه الصلاة والسلام:

(( لا يدخل الجنة مدمن خمر، ولا عاق لوالديه، ولا منان ))

[ الدارمي عن عبد الله بن عمرو]

     كلما رأى فلان كيف البيت مرتاح فيه ؟ الله أكرمنا وأمنا لك إياه، أيها الأخوة الكرام، بعض العلماء سمع رجلاً يقول لآخر: أحسنت إليك وفعلت وفعلت فقال هذا العالم لهذا المنان اسكت فلا خير في المعروف إذا أحصي.

رقصت الفضيلة تيــهاً بفضلها فانكشفت عورتها
***

     إن عملت عملاً صالحاً يجب أن تنساه أنت كلياً، وإن فعل معك أحد معروفاً صالحاً يجب ألا تنساه مدى العمر، لو قلت لإنسان لا أنسى فضلك منتهى الأدب، منتهى الوفاء.

لا تحملن من الآثام بأن يمنوا عليك منــة
واختر لنفسك حظها واصبر فإن الصبر جنة
منن الرجال على القلوب أشد من وقع الأسنة
***

     وقال بعض العلماء "القرطبي": المن يقع غالباً من البخيل إذا أعطى، والبخيل تعظم نفسه العطية وإن كانت حقيرة والمعجب بنفسه يرى عمله عظيماً فيمن به.

3 ـ الرياء:

     أيها الأخوة، المحبط الثالث هو الرياء:

 

﴿ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ (264) ﴾

( سورة البقرة )

التفلت الذي شاع بين الناس في هذا العصر هناك من يفتن به :

     أيها الأخوة:

﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ(14)اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ(15) ﴾

(سورة البقرة)

     أحياناً يأتي الشيطان عن يمين الإنسان:

 

﴿ لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ(16)ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ (17) ﴾

(سورة البقرة)

     من أمامهم، هذه الحياة تطورت، المرأة نصف المجتمع، الحضارة تقتضي أن تظهر مفاتنها، أن يستمتع الناس بها جميعاً، هي حينما تستر مفاتنها أنانية مثلاً، الاختلاط، هذا التفلت الذي شاع بين الناس في هذا العصر هناك من يفتن به:

 

﴿ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ (17) ﴾

(سورة الأعراف)

     نُعظم الفراعنة، نُعظم الآراميين، نُعظم ما قبل التاريخ وننتمي إليهم ولا ننتمي إلى هذا الدين العظيم:

﴿ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ (17) ﴾

(سورة الأعراف)

من علامات المرائي أنه يكسل إذا كان وحده وينشط إذا كان مع الناس :

     من باب الدين، ترك العمل من أجل الناس رياء، لا يصلي أمام الناس لئلا يظنونه متمسكاً بدينه، يقول هذه الصلاة تعد مراءاة، دخل الوقت الآخر تستحي أن تصلي، ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك، ترك العمل رياء والعمل شرك، إن صليت وأنت لا تصلي بالأصل في مكان الصلاة مقدسة فيه ولك مصلحة مع صاحب هذا المكان تقوم وتصلي، صلاتك أمام هذا الإنسان الذي يعظم الصلاة من أجل أن تكون معه في العمل هذا اسمه شرك، أما ألا تفعل عملاً صالحاً لئلا تتهم بالرياء هذا هو الرياء بعينه، ترك العمل رياء وفعله شرك.
     أيها الأخوة، من علامات المرائي أنه يكسل إذا كان وحده وينشط إذا كان مع الناس، يزيد عمله إذا أثني عليه وينقص إذا ذمه الناس.

4 ـ العجب:

     أيها الأخوة الكرام، المحبط الرابع العجب، يعجب بعمله شهود العمل شرك، يعجب بذكائه، يعجب بشهاداته، يعجب بأسرته، يعجب بأولاده، أينما جلس يمدح أولاده، إذا كان في الحاضرين أناس أولادهم وسط يكسر قلبهم بهذا، يأتي إنسان يشكو له زوجته، يقول أنا عندي درجة ممتازة الله يرضى عليها، هذه الكلام ما فائدته إلا أن تستعلي عليه.

 

التوحيد أصل الدين :

     لذلك العجب مرض، قال بعض العلماء الكبار دخل إخوانه وكانوا فوق العشرة آلاف بكى وقال يا رب لا تحجبني عنك بهم، ولا تحجبهم عنك بي، التوحيد هو أصل الدين.
     من كان يعبد محمداً، فإن محمداً قد مات، الرسالة مستمرة، منهج النبي عليه الصلاة والسلام مستمر، تعليمات النبي بيننا:

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ (33) ﴾

( سورة الأنفال)

     سنته بيننا مدونة، مثبتة، مصححة، القرآن الذي نزل عليه بيننا، من كان يعبد محمداً، فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت.
     سيدنا عمر يخطب جاءه خاطر أنه ليس بينه وبين الله أحد هو أمير المؤمنين قمة المجتمع الإسلامي، قمته، هو أقرب شخص إلى الله لأنه أمير المؤمنين، قطع الخطبة وقال: كنت عميراً ترعى غنماً لبني مخزوم على قراريط، كنت راعياً، فسأله أحد الصحابة لما قلت هذا ؟ ما علاقة هذا الكلام بموضوع الخطبة ؟ قال: جاءتني نفسي وأنا أخطب وقالت لي ليس بينك وبين الله أحد أردت أن أعرفها قدرها، كنت أرعى غنماً لبني مخزوم على قراريط.
     بعضهم قال يحاسب نفسه: متى أعظ ولا أُتعظ، متى أزجر ولا أنزجر، متى أدل على الطريق وأبقى مقيماً مع الحائرين إن هذا لهو البلاء المبين، اللهم رغبني بما خلقتني له، ولا تشغلني بما تكفلت لي به.

 

من استكبر بطاعته لله عز وجل حبط عمله :

     إن العجب يحبط عمل سبعين سنة، والله أيها الأخوة، هذا المرض بالذات أحياناً تجده واسع الانتشار بين المؤمنين، كل شخص معتز بفهمه للدين ويحتقر من حوله، يطرح سؤالاً الحاضر يجيب بحسب علمه واجتهاده، ليس هذا هو المعنى، ما المعنى ؟ فوق مستواك، كبر، لذلك قال بعض العارفين ابن عطاء الله السكندري: رُبّ معصية أورثت ذلاً وانكساراً خيرٌ من طاعة أورثت عزاً واستكباراً.
     أحياناً الإنسان يستكبر بطاعته لله عز وجل فيحبط الله عمله.

(( شرار أمتي المعجب بدينه، المرائي بعمله، المخاصم بحجته))

{ورد في الأثر}

5 ـ الجرأة على المعاصي في الخلوات:

     المحبط الخامس: الجرأة على المعاصي في الخلوات، بالظاهر ضابط أموره تمام، أما في البيت وحده ما في أحد يقترف بعض المحرمات.
     من لم يكن له ورع يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بشيء من عمله.

(( لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا، أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ))

[ ابن ماجه عن ثوبان ]

     الجرأة على المعصية في الخلوة يحبط العمل.

6 ـ ظلم الناس والاعتداء عليهم قولاً وعملاً:

     المحبط السادس: ظلم الناس والاعتداء عليهم قولاً وعملاً، أنواع الظلم ظلم الأعراض، لا تأخذ ماله ولا تضربه ولكن تعتدي على سمعته، شاب مؤمن التحق بجامع معجب بشيخه، كذاب شيخك دجال، ما معه دليل، لكن أريح له، يعطيه تهمة كذب ودجل، لا حضر درسه ولا سمع منه ولا يعرف شيء عنه، فقط حتى هو يتوازن، لا يوجد أحد جيد، هذا عدوان على العرض.
     يقول عليه الصلاة والسلام:

(( من كانت له مظلمة لأحد من عرضه أو شيء فليتحلل منه اليوم قبل ألا يكون ديناراً ولا درهماً إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه، فحملت عليه))

[ الترمذي عن أبي هريرة]

المفلس يوم القيامة إنسان أُحبط عمله وضيّع صلاته وصيامه وحجه وزكاته :

     العدوان على العرض (السمعة)، كلمة عرض نظن أنها النساء، لا، العرض في الإنسان موطن المدح والذم فيه هذا عرض ما تعرفه ولم تلتقِ به تتهمه اتهاماً متعجلاً متسرعاً من دون دليل.
     لذلك الحديث المشهور النبي عليه الصلاة والسلام:

(( أَتَدْرُونَ مَنْ الْمُفْلِسُ ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ لَا لَهُ دِرْهَمَ وَلَا دِينَارَ وَلَا مَتَاعَ، قَالَ: الْمُفْلِسُ مِنْ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ يَأْتِي بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ عِرْضَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُقْعَدُ فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ ))

[ مسلم عن أبي هريرة ]

     الذي يشتم ويعترض ويوبخ ويهمز ويلمز، هذا مفلس يوم القيامة أحبط عمله وضيّع صلاته وصيامه وحجه وزكاته، هذا ظلم الأعراض.
     لذلك قال أحدهم لإنسان لقد اغتبتني، قال له: ومن أنت حتى أغتابك ؟ لو كنت مغتاباً أحداً لاغتبت أبي وأمي لأنهم أولى بحسناتي منك. هو موقن انك إذا اغتبت إنساناً نُقلت حسنات الذي اغتاب إلى الذي اغتابه الإنسان.

 

ظلم الأعراض و ظلم الأموال :

     لذلك الغيبة والنميمة ظلم الأعراض جمع عرض، أما ظلم الأموال:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا(10) ﴾

(( ترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد حجة الإسلام ))

[ ورد في الأثر ]

     أيها الأخوة، يقول عليه الصلاة والسلام:

(( ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه، ولم يوفه أجره ))

[البخاري عن أبي هريرة]

     هذا ظلم الأموال.

7 ـ الركون إلى الظلمة:

     بقي الشيء المحبط الركون إلى الظلمة:

(( سيكون من بعدي أمراء يغشاهم الناس فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فأنا منه بريء وهو بريء مني، ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فأنا منه وهو مني ))

[ ورد في الأثر ]

8 ـ الحسد:

     آخر محبط الحسد، الحسد يحبط العمل ولكن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

(( لا حَسَدَ إِلاّ في اثْنَتَيْنِ: رَجلٌ آتَاهُ الله مَالاً فَهُوَ يُنْفِقُ منهُ آنَاءَ اللّيْلِ وآنَاءَ النّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ الله القُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللّيْلِ وَآنَاءَ النّهَار ))

[ متفق عليه عن سالم ]

     الحسد هنا الغبطة.

9 ـ الغيبة:

     والمحبط الأخير هو الغيبة، ذكرك أخاك بما يكره، والغيبة والنميمة من الكبائر.

 

ثناء الناس على الإنسان بما هو فيه لا يحبط عمله :

     أيها الأخوة، هذا الموضوع لا يقل أهمية عن الموضوع السابق المتعلق بالمحبطات من القرآن الكريم، واليوم المحبطات من سنة النبي عليه الصلاة والسلام، لكن في ملاحظة وهي أن الناس إذا أثنوا عليك لاستقامة عندك، ولورع، ولتواضع، ولعلم، هذا الثناء لا يحبط العمل وإذا فرحت به فلا شيء عليك، الإنسان يحب أن يكون مستقيماً، أن يكون محموداً عند الناس، ثناء الناس عليك بما أنت فيه لا يُحبط العمل لئلا يتوهم متوهم أنه إذا استقمت استقامة رائعة وعلمت عملاً طيباً و فرح الناس بك وأثنوا عليك هذا لا علاقة له بالإحباط إطلاقاً.
     أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين، أستغفر الله.

* * *

الخــطــبـة الثانية :

     الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

من عدّ كلامه من عمله فقد نجا :

     أيها الأخوة الكرام، معظم الناس يتوهمون أن الكبائر كالزنا والخمر والقتل والسرقة، ويغيب عنهم أن كبائر اللسان لا تقل عن هذه الكبائر لأنه بكلمة قد يُطلّق المرء زوجته، وبكلمة قد تنهى شركة، وبكلمة قد تفسد علاقة، وبكلمة قد تفسد خطة، كلمات قليلة:

(( وإن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً ))

[ الترمذي عن أبي هريرة ]

     معنى ذلك أن الكلمة عمل، لذلك قال بعض العلماء: من عدّ كلامه من عمله فقدنجا.

(( لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ))

[ أحمد عن أنس بن مالك]

     من صفات المؤمن ضبط اللسان.
     توزع التهم، توزع تهم الكفر والشرك والبعد عن الله والخطأ والصواب، وهو مرتاح ما معه أدلة يفسد على الناس دعوتهم إلى الله، يفسد على الناس من كانوا عند عالم جليل يستفيدون منه بكلمة بلا معنى، بلا دليل، بلا إثبات، تفسد العلاقات، يجب أن نعد كلامنا من أعمالنا حتى يرحمنا الله عز وجل، وحتى يتقبل عملنا.

 

الدعاء :

    اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق، ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك و نتوب إليك، اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، انصر المسلمين في كل مكان، وفي شتى بقاع الأرض يا رب العالمين، اللهم أرنا قدرتك بأعدائك يا أكرم الأكرمين.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور