وضع داكن
18-04-2024
Logo
رمضان 1421 - دراسات قرآنية - الدرس : 29 - من سورة القصص - الإنسان في قبضة الله .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .

كل إنسان في قبضة الله فعليه إحكام عقله :

 أيها الأخوة ، النبي عليه الصلاة والسلام حينما انتهت معركة بدرٍ إلى النصر خاطب قتلى قريش ، وهم أموات ، سماهم بأسمائهم واحداً واحداً :

(( يا فلان بنَ فلان ، ويا فلان بن فلان ، هل وجدتم ما وعدكم الله ورسولُهُ حقّا فإني قد وجدتُ ما وَعدني الله حقّا ؟ فقال عمر : يا رسولَ الله كيف تُكلِّم أجساداً لا أرْوَاحَ فيها؟ فقال : ما أنتم بأسمعَ لما أقولُ منهم ، غير أنهم لا يستطيعونَ أن يردُّوا عليَّ شيئاً ))

[مسلم عن عمر بن الخطاب ]

 ذكرت هذه القصة ، أو هذه الومضة من السيرة لأبين لكم أن الإنسان حينما لا يعمل عقله يدفع الثمن باهظاً ، فرعون وهو في أعلى درجات القوة ، أصابه الغرور ، قال :

﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾

[ سورة القصص : 38]

 الآن أنت بالحياة اليومية إذا شخص قوي جداً ، ومتمكن منك ، وبإمكانه أن يسحقك وأنت تجاهلته ، وعملت عملاً خلاف توجيهاته ، ثم وقعت في قبضته ، لا تكون عاقلاً ، كأنك انتحرت ، متمكن ، ويفعل ما يقول ، ولا يرحمك ، وأنت عملت عملاً فيه إغاظة ، فوقعت في يده وانتقم منك ، فهل هذا هو العقل؟
 هذا فرعون قال :

﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾

 من باب السخرية :

﴿ فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ﴾

[ سورة القصص : 38]

 معنى ذلك أنه ليس في الأرض استكبارٌ بالحق ، من شأن الاستكبار أنه بغير الحق، المستكبِر بلا سبب ، الإنسان ليس قوياً ، بلحظة يصبح خبراً في صحته ، بالتعبير المعاصر سريع العطب ، أي لمجرد أن القلب توقف انتهى كل شيء ، كل أملاكه صارت لغيره ، الدم تجمد انتهى ، الخلايا تثلثت في نموها انتهى ، الذي يقول : أنا ، أحمق ، أنت لا شيء ، في أية ثانيةٍ تصبح خبراً ، وتصبح عبرةً لغيرك . فقال له :

﴿ فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ * فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ ﴾

[ سورة القصص : 38-40]

 دخل سيدنا موسى في طريقٍ في البحر ، لو أن فرعون أعمل عقله ، أنه خاصة بهذا الإنسان ، ما دخل ، الله استدرجه ، معنى ذلك كل إنسان يمكن أن يُستدرج مهما كان ذكياً ، قال تعالى :

﴿ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴾

[ سورة القلم : 44-54]

 مع الله لا يوجد ذكي يا أخوان ، مهما كنت ذكياً في التجارة يفلسك ، حتى في الطب يكون الإنسان في أعلى درجات العلم الطبي ، يمرض باختصاصه ، أغلب الظن المتفوق باختصاصه ، كان هناك طبيب بأمريكا يدعو إلى الجري ، والجري مفيد جداً - أنا لا أنتقد نظريته- وكان يجري في اليوم ساعة ، وكتب مقالات ، وعمل ندوات ، وألقى محاضرات ، مات وهو يجري ، مات بسن مبكر جداً ، لا لأن الجري خطأ ، لا ، الجري جيد ، لكن لأنه ألّه الجري، ظن أن الجري لا يميت الإنسان ، فالله جعله موعظة .
 فمع الله لا يوجد ذكي أبداً ، يؤتى الحذر من مأمنه ، القوي ضمن قوته يوجد أسباب انهياره ، والغني ضمن عناه هناك أسباب فقره ، والذي يدّعي العلم ضمن علمه يوجد أسباب جهله، فمع الله :

(( ولا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنكَ الجَدُّ ))

[مسلم عن عبد الله بن عباس ]

 أي إذا الإنسان أوتي ذكاء لا ينفعه يا رب ذكاؤه معك ، لأنه يؤتى الحذر من مأمنه ، وإذا أراد ربك إنفاذ أمرٍ أخذ من كل ذي لب لبه ، ثم يكونه الندم ، وكل إنسان مقطوع عن الله عز وجل يقع في حماقة ما بعدها حماقة ، لو فكر ثانية ما فعلها ، فأنت في قبضة الله .
 فقال له :

﴿ وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ * فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ ﴾

الأحمق من لا يدخل الله في حساباته :

 الآن الآية :

﴿ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ﴾

  لا تنظر إلى حال الظالم ، انظر إلى عاقبته ، قد يكون حاله قوياً ، وغنياً ، وصحيحاً ، ومتمكناً ، ومتعجرفاً ، ومتغطرساً ، العبرة أن تنظر إلى عاقبته لا إلى حاله :

﴿ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ * وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ ﴾

 هذا نموذج ، أي كل إنسان يتجاهل أنه في قبضة الله دائماً ، وأن الله يجعله خبراً بعد عين في ثانية ، وأن الله قادرٌ على أن يفقره بعد غنىً ، وأن يضعفه بعد قوة ، وأن يجعله يرتكب حماقةً بعد علم ، هناك من يظلم وهو يعلم أنه يظلم .
 فملخص هذه الومضة من قصة فرعون أن كل إنسانٍ يتجاهل ، ولا يدخل في حساباته أن الله قادرٌ على كل شيء ، وأنه قادر أن يجعل الكبير صغيراً ، والضعيف قوياً هو إنسان أحمق.

الإنسان إما أن يكون على الحق أو على الباطل :

 الشيء الثاني حتى الإنسان لا يقع في الوهم ، أنت أحد أمرين :

﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ﴾

[ سورة القصص : 50 ]

 لا يوجد حل ثان ، إما أن تكون على الحق ، أو أنت على الباطل حتماً ، لا يوجد طريق وسط ثالث :

﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ ﴾

 البديل :

﴿ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ﴾

[ سورة القصص : 50 ]

 المعنى المخالف ، لو أنك اتبعت الهوى وفق منهج الله لا شيء عليك ، بالإسلام لا يوجد حرمان ، لكن يوجد تنظيم .
 يروى أن سيدنا موسى في الاستسقاء قال الله له : إن فيكم عاصياً - أي انحباس المطر بسبب أن فيكم عاصياً - فقال موسى لقومه : من كان عاصياً لله فليغادرنا ، نحن نريد مطراً ، ثم انهمرت السماء كأفواه القُرب دون أن يغادر أحد ، تروي الكتب أن سيدنا موسى قال : يا رب من هذا الذي عصاك ؟ قال له : عجبت لك يا موسى أستره وهو عاصٍ وأفضحه وهو تائب ؟! الآن هذه الآية :

﴿ وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا ﴾

[ سورة القصص : 57 ]

 أي يوم كنتم مشركين كنتم في حرمٍ آمن ، تجبى إليه الثمرات ، فإذا آمنتم تفتقرون! هل هذا منطق ؟ انظر إلى هذه الآية ، ملايين المسلمين يتكلمون بما يشبههم ، أي إذا أنت خفت من الله ، وما أودعت مالك بالمصرف ، يدخل حرامي ويقتلك ، أما إذا لم تخف من الله ، وضعت مالك بمصرف ربوي ، لا يوجد عندك مشكلة أبداً ، دائماً يوهمونك أنك إذا أطعت الله تدمر :

﴿ وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ﴾

[ سورة القصص : 57 ]

 أي ممكن أن يكون هناك جهة أرضية ، جهة في الأرض ، الذي يطيع الله تدمره ، والله ماذا يفعل؟

﴿ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾

[ سورة طه : 46]

 هذا نوع من الشرك ، الآن أكثر الناس لهم منطق محير ، أنني أنا أخاف أن أخسر، إذا استقمت أخسر ، إذا وقفت الموقف الأخلاقي أخسر منصبي ، إذا ظهر اتجاهي عندي مشكلة، كأن الله ليس له دخل بالأرض ، فقط في السماء ، الأرض أوكلها للظالمين ، يفعلون بالناس ما يشاؤون ، هذا كلام غير معقول ، هذا الذي تعبده إن لم يحمك لماذا تعبده ؟ دائماً هناك خوف أن تطيع الله ، خوف أن يظهر عليك إيمانك ، أي إذا أحرج يقول لك : معي قرحة ، قل : أنا مسلم ، لا أقدر أن أشرب :

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً ﴾

[ سورة فصلت : 33 ]

 لكن ما ادعى أنه هو معه لأسباب معينة صحية ، قال :

﴿ وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[ سورة فصلت : 33 ]

 اربط استقامتك بدينك ، لا ، أكثر الناس يعتذر اعتذارات مضحكة ، لماذا تستحي بدينك ؟ هذا دين الله ، أنت أتقن عملك ، وارفع رأسك ، وقل : أنا مسلم ، طبعاً إلا في حالات ، هذه حالات نادرة جداً ، سمح الله لك أن تخفي إيمانك ، هذه حالات أنا حتى أكون معكم واقعياً ، هناك ظروف تأتي قد تكون نادرة جداً ، وقد تكون مضت ، الواحد يخاف أن يظهر اتجاهه الديني، أما في الأصل :

﴿ وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

﴿ وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾

 وأنت في المعصية يسترك ، ويرزقك ، ويعطيك ، أما حينما تتوب يفضحك ! يفقرك! هذا منطق ؟ لأنك أطعت الله يدمرك ، أين الله عز وجل ؟ الله معك ، وكل شيء بيده ، هذا التوحيد ، الإيمان الحقيقي ليس أن تقول : الله خلق الكون ، أن تقول : إن الله فعال ، بيده كل شيء ، أي شيء بيد الله عز وجل ، فإذا أنت أطعته رأيت العجب العجاب ، وإن عصيته وأنت في أعلى درجات الخبرة تدمر .
 أنت لو أنك آثرت الدنيا ، وآثرت جمع المال ، وخفت أن تطيع الله ، لئلا تتخطف من أرضك ، وجمعت أموالاً طائلة ، قال تعالى :

﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ ﴾

[ سورة القصص :58 ]

 أي لو جمعت المال في معصية ، وخفت على مالك ، وعصيت ربك ، ولم تعبأ بمنهج الله عز وجل ، النهاية إلى دمار .

الله عز وجل على كل شيء قدير :

 ثم يقول الله عز وجل :

﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُون ﴾

[ سورة القصص :59 ]

 قانون :

﴿ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُون ﴾

  لذلك عندما يشيع الظلم في آخر الزمان جاء قوله تعالى :

﴿ وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً ﴾

[ سورة الإسراء : 58]

 ورأيتم كل من حولنا ، طغوا ، وبغوا ، أي استكبار ، ومعصية ، معهم كل وسائل الغنى ، كل أسباب الأمن ، دُمروا ، حروب أهلية ، واجتياحات ، ودمار ، الله عز وجل على كل شيء قدير .
 والله هاتان الآيتان يا أخوان ، أحياناً يقول بعض الصحابة : لو أن ليّ الدنيا بهما لا أرضى ، الدنيا كلها .

الفرق بين الرزق و الكسب :

 الآن:

﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾

[ سورة القصص : 60 ]

 انظر :

﴿ مِنْ شَيْءٍ ﴾

﴿ شَيْءٍ ﴾

  تنكير ، تحقير ، و :

﴿ مِنْ ﴾

 أي أقل من شيء ، تبعيض :

﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا ﴾

[ سورة القصص : 60 ]

 هذا الذي يملك تسعين مليار دولار ، بيل غيتس :

﴿ مِنْ شَيْءٍ ﴾

 تسعون مليار دولار ، شخص عمره بالأربعين ، ليس كبيراً جداً ،

﴿ شَيْءٍ ﴾

  ماذا يأكل ؟ ينام على سرير واحد ، يلبس بذلة واحدة ، يأكل وجبة طعام واحدة ، يسكن ببيت واحد ، يركب مركبة واحدة ، العلماء فرقوا بين الكسب والرزق ، الرزق ما تنتفع به ، والكسب ما تسأل عنه دون أن تنتفع به ، لكن الرجل حتى أكون منصفاً دفع ثمانية مليارات دولار للأطفال المرضى في إفريقيا ، يدفع مبالغ كبيرة جداً ، لذلك هناك حديث :

(( ما أحسن عبد من مسلمٍ أو كافر إلا وقع أجره على الله في الدنيا أم في الآخرة))

 ما دام دفع ثمانية مليارات للأطفال الفقراء معنى هذا سوف يضاعف الله له ثروته في الدنيا ، إذا أنت عرفت الدنيا ، وعملت عملاً طيباً لابد من أن تلقى هذا العمل في الدنيا ، ولكن :

﴿ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ﴾

[ سورة البقرة : 102 ]

﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا ﴾

[ سورة القصص : 60 -61]

من آثر دنياه على آخرته ربحهما معاً :

 اسمع نصيحة ربنا عز وجل خالق الكون الذي خلقك من عدم ، قال لك :

﴿ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾

[ سورة القصص : 60 ]

 أين عقلك؟ أنت مثلاً لو خيرناك بين دراجة تركبها ساعة ، وبين سيارة شبح تملكها دائماً ، واخترت الدراجة ، أين سيضعونك ؟ بالقصير ، دراجة ربع ساعة فقط ، دراجة ، وسيارة ثمنها حوالي أربعة وعشرين مليوناً لك دائماً ، فاخترت الدراجة ، وإن كان مثل حاد وصارخ .
 هذا الكافر هكذا صار معه ، اختار كم سنة فقط ، يأكل على راحته ، ينام على راحته، يملأ عينيه من الحرام ، كم سنة كلهم اختارهم ، وضيع الأبد ، يأتي المؤمن أذكى منه يختار الآخرة .

(( وأتَتْهُ الدنيا وهي راغِمَة ))

[الترمذي عن أنس بن مالك ]

 هذه الكلمة رائعة جداً : من آثر دنياه على آخرته ربحهما معاً :

(( وأتَتْهُ الدنيا وهي راغِمَة ))

[الترمذي عن أنس بن مالك ]

(( من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته فوق ما أعطي السائلين ))

[ من الدر المنثور عن عمر بن الخطاب ]

(( عبدي أنت تريد وأنا أريد ، فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد ، وإن لم تسلم لي فيما أريد ، أتعبتك فيما تريد ، ثم لا يكون إلا ما أريد ))

[ ورد في الأثر ]

﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا ﴾

  والله الدنيا خضرةٌ نضرة ، والله فيها شيء جميل جداً ، المقياس الوقتي يميل ، هناك بيوت فخمة جداً ، ومناظر جميلة ، وبساتين رائعة ، ومركبات فارهة ، ونساء جميلات ، هذه الدنيا .

﴿ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا ﴾

  لكن الاستمتاع بالدنيا ليس له أثر مستقبلي ، إذا شخص مدعو إلى خمسمئة وليمة ، وكل وليمة أطيب من الثانية ، بعد ذلك صار معه ألم في أسنانه ، وبدأ يستدعي من ذكرياته الطعام الطيب الذي أكله يذهب ألم الضرس ؟ آلام الأسنان موجودة ، قائمة ، وكل هذه المتع التي استمتع بها في الطعام بخمسمئة وليمة لم يعد لها قيمة الشيء الواضح ، فهذا الكافر عندما يرى النار يقول : لم أرَ خيراً قط ، وهو لم يدع مكاناً لم يدر فيه ، مبسوط بكل شيء ، يأتي العذاب ينسيه كل الدنيا ، لم أرَ خيراً قط . ويا بني ما خيرٌ بعده النار بخير ، وما شرٌ بعده الجنة بشر، وكل نعيمٌ دون الجنة محقور ، وكل بلاءٍ دون النار عافية ، وكلما كبر عقلك سعيت للآخرة ، لأنها أبدية ، والدنيا متاع ، مؤقتة .
 الشخص إذا كان جالساً في حوض السباحة ، أو عنده بالبيت حوض صغير – بانيو- عبأه ماء فاترة وجلس ، لو جلس ساعتين يصبح عالماً ؟ يصبح تاجراً ؟ اجلس قدر ما تريد ، لن تستفيد شيئاً ، المتعة ليس لها أثر مستقبلي المتعة آنية ، الله قال :

﴿ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ ﴾

[ سورة النساء : 77 ]

ابتغاء الرفعة عند الله :

 انظر إلى هذا الإله العظيم ينصحك ، قال لك :

﴿ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ ﴾

[ سورة النساء : 77 ]

 وقال رسوله عليه الصلاة والسلام :

(( ولو كانت الدنيا تَعْدِلُ عند الله جَناح بعوضة ما سَقَى كافراً منها شَربة ماءٍ ))

[مسلم عن جابر بن عبد الله ]

 لا يستحق ، يشربون مياهاً معدنية ، يأكلون طعاماً طيباً ، وهناك بيوت فخمة ، ومركبات فارهة ، وعنجهية ، وغطرسة ، معنى هذا هم عند الله لا شيء :

(( رب أشعث أغبر ذي طمرين مصفح عن أبواب الناس لو أقسم على الله لأبره))

[الطبراني عن أنس بن مالك ]

 دخل على النبي صحابيٌ جليل ، فقيرٌ جداً ، فيبدو أن النبي رحب به ترحيباً شديداً قال له : " أهلاً بمن خبرني جبريلُ بقدومه - هو لم يصدق - قال له : أو مثلي ؟ من أنا ؟ قال له : أنت في الأرض خامل ، ولكن في السماء علم ، فابتغوا الرفعة عند الله .

﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ * أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً ﴾

[ سورة القصص : 60 -61]

 وعد إله بالجنة :

﴿ فَهُوَ لَاقِيهِ ﴾

[ سورة القصص : 62 ]

 حتماً :

﴿ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾

[ سورة القصص : 62 ]

 خذها :

﴿ ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾

[ سورة القصص : 61]

 وازن بين إنسان دنياه مقبولة ، لكن الله وعده بالجنة ، وليس له شيء بالآخرة إلا جهنم لكن دنياه عريضة ، أيهما تختار؟

تحميل النص

إخفاء الصور