وضع داكن
28-03-2024
Logo
رمضان 1421 - دراسات قرآنية - الدرس : 08 - من سورة المائدة - حقيقة خلقنا .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .

علاقة المؤمن بربه هي علاقة حب

 أيها الأخوة الكرام ؛ هناك حقيقة واحدة إذا عرفناها فهمنا آلاف الإشكاليات ، هذه الحقيقة : هي أن الله خلقنا ليسعدنا ، ولكن لا نسعد إلا إذا أتيناه مُختارين ، طائعين ، بمبادرة منا ، من دون إجبار أو إكراه ، لذلك :

﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾

[سورة البقرة الآية:256]

﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى﴾

[سورة الأنعام الآية:35]

 لم يشأ لأن هذا الهدى الذي يتأتى عن القصر والجبر والإكراه لا يسعده ، أرادك أن تأتيه محباً ، جعل العلاقة الأساسية التي بينك وبينه علاقة حب ، هذا النظام مبني على المحبوبية ، لو أننا ألغينا الحب من السهل جداً أن يهتدي الناس جميعاً قصراً ، وأن يُساقوا إلى الطوعة سوقاً ، ولكن شاءت حكمة الله أن يكون الحب علاقة المؤمن بربه حصرياً .
 مثلاً : ما من مخلوق على وجه الأرض إلا وهو عبد لله قهراً ! هل تستطيع ألا تتنفس ؟ أنت مقهور بالهواء وبالماء وبالطعام ، وأي جهاز في جسمك له مضاعفات خطيرة لو تعطّل ، يجعل الحياة جحيماً ، فحتى الملحد والكافر عبدُ قهرٍ ، حتى الذي أنكر وجود الله عز وجل هو عبدُ قهرٍ، لذلك كلمة عبد إذا جمعت على عبيد فهو عبدُ القهر ، أنت مفتقر في وجودك ، وفي استمرار وجودك إلى الله .

﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾

[سورة فصلت الآية:46]

 ولكنك إذا عرفته وأحببته وأطعته ، أنت عبد شكرٍ تُجمع على عباد

﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً﴾

[سورة الفرقان الآية:63]

 ففرق شاسع ، وبونٌ واسع بين أن تكون عبد قهرٍ ، وبين أن تكون عبد شكرٍ ، لذلك يقول الله عز وجل :

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾

[سورة المائدة الآية:54]

 هو حبّهم أول فخلقهم ، وخلقهم ليسعدهم .

﴿إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ﴾

[سورة هود الآية:119]

 ولذلك خلقهم ، وينتظر منهم أن يحبونه ، المؤمنون أحبوا الله عز وجل ، فلو ألغيت الحب من الدين ألغيت الدين كله ، بقي ثقافة فقط ، وطقوس وحركات وسكنات وتمتمات لا معنى لها ، لمجرد أن تُلغي الحب من الدين ألغيت الدين كله ، وأول صفة من صفات المؤمنين :

﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾

[سورة المائدة الآية:54]

 أعزة على الكافرين ، المؤمنون كما قال عليه الصلاة والسلام :

(( إن المؤمنين قوم نصحة بعضهم لبعض متوادون وإن بعدت ديارهم وأبدانهم ، وإن المنافقين قوم غششة بعضهم لبعض ))

(كنز العمال للمتقي الهندي)

 فمن علامات إيمانك أنك تنتعش بأخيك إذا رأيته ، لأنك تحب الله وتعبده ، وشيء يجمع بينكما ، هذه نقطة .
 أيها الأخوة ؛ يجب أن تكون العلاقة علاقة حب ، هذه العلاقة تصنع المعجزات ، لماذا صنعوا أصحاب النبي المعجزات ؟ لماذا كانوا رعاة للغنم ؟ فأصبحوا قادة للأمم ؟ لأنهم أحبوا الله ، وأنت حين تحب الله تنقلب إلى إنسان مدهش وفذّ ، تقدم الغالي والرخيص ، والنفس والنفيس ، وقتك كله لله ، جهدك كله لله ، علمك وطاقاتك كلها لله ، عندئذ تسعد ، ولا يليق بك أن تسعد بغير الله ، لا يليق بك أن تكون لغير الله ، لا يليق بك أن تكون محسوباً على غير الله ، لا يليق بك أن تكون مجَيّراً لغير الله ، أنت لله ، الماء للتراب ، والتراب للنبات ، والنبات للحيوان ، والحيوان للإنسان ، والإنسان لله ، خلقت لك ما في الكون من أجلك فلا تتعب ، وخلقتك من أجلي فلا تلعب ، فبحقي عليك لا تتشاغل بما ضمنته لك عما افترضته عليك ، هذه نقطة في الآيات التي قرئت اليوم .

 

تطبيق منهج الله

 سؤال قد يتبادر إلى الذهن : معظم البقرة عن إسرائيل ، ما علاقتنا بهم ؟ قال بعض العلماء : من أرقى الأساليب التربوية أن تتحدث عن جهة وتعني جهة ، فهؤلاء بنو إسرائيل أهل الكتاب وقعوا في أمراض نحن مهيئون أن نقع فيها ، فأسلوب حكيم جداً أن تتحدث عن شخص مدخّن مثلا وعمّا أصابه من أمراض وبيلة أمام مدخّن ، أنت لا تخاطب هذا المدخّن ، تتحدث عن مدخّن آخر ، هو لا يُحرج ولكن يتّعظ ، فكل أمراض بني إسرائيل نحن مؤهلون أن نقع فيها ، مثلاً :

﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾

[سورة المائدة الآية:68]

 حتى يكون هذا المنهج مطبق في بيوتكم واحتفالاتكم وأحزانكم وأفراحكم وكسبكم للمال وسفركم وحلّكم وترحالكم وتجارتكم ، وفي زواجكم وطلاقكم ، هذا المنهج إن لم يُطبق لستم على شيء ، نحن مثلاً أسسنا جامعة ، عقدنا مؤتمر ، ألّفنا كتباً ، شيّدنا مسجد رائع ، من فرائض العصر لستم على شيء لا تجد في المسلمين إسلام مطبق في حياتك ، تجد آية الكرسي معلقة .

﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً﴾

[سورة الفتح الآية:1]

 قصدهم بالنقود في المحلات التجارية ، للربح فقط ، تجد آيات لباس إسلامي ، جامعات إسلامية ، مساجد ، مؤتمرات ، كتب ، مؤلفات ، لكن لا تجد الإسلام كمنهج مطبق بحذافيره ، إن لم يطبق هذا المنهج الإلهي والكلمة قاسية جداً لسنا على شيء ‍!

﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾

[سورة المائدة الآية:68]

 هذه واحدة هناك لفتة أخرى حينما يقول الله عز وجل :

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى﴾

[سورة الحج الآية:17]

﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾

 يعني المؤمنين بعدما جاءتهم هذه الرسالة ، والذين هادوا والصابئون معروفون والنصارى من لا دين لهم ! ما الذي جمعهم ؟ هؤلاء

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى﴾

[سورة الحج الآية:17]

 الآن :

﴿ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ ﴾

 الإيمان الصحيح .

﴿وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾

[سورة المائدة الآية:69]

 حقيقة الدين أن تصح عقيدتك وعملك ، الآن : أذهب إلى الغرب ، العمل ممتاز ، لكن لا يوجد عقيدة أبداً ، أذهب إلى الشرق عقيدة ممتازة لكن لا يوجد عمل صالح ، العقيدة والعمل الصالح شرطان متلازمان كل واحد منهم شرط لازم غير كافٍ ، فإما أن ترى إنسان على ذكاء عالي جداً يتصرف على حكمة بالغة لكن يعبد المال ومصلحته ، وإما أن تجد إنسان عقيدته جيدة ولكن عمله جيد ، ولكن كلاهما عند الله غير مقبول ! إن

﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾

 حقيقة التديّن لا أن تنتمي أنا مسلم ، أنا من هذا المسجد ، ليست هذه حقيقة التديّن ، حقيقة التديّن أن تصح عقيدتك وعملك ، وهذه واحدة أيضاً .

 

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

 ما المرض الخطير الذي أصاب المسلمين اليوم ، وقد وقع به من قبل بنو إسرائيل ؟ قال :

﴿كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ﴾

[سورة المائدة الآية:79]

 مجاملات ، المديح يكال بلا حساب ، يكون تارك صلاة ، شارب خمر ، ماله حرام ، مرابي ، يُقال له : على سلامته مذوق وفهيم ، فما دامت كل الصفات الراقية بإنسان متفلّت من الدين فهذا يعني ضياع الدين .
 عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

(( إن الله ليغضب إذا مدح الفاسق))

[أخرجه أبو يعلى]

 لو فرضنا زارك شخص ، بابا شخص مهم جداً أخلاقه راقية جداً ، لو أن ابنك اطّلع على أنه لا يصلي ، ولا ينتمي إلى الدين ، وفي بيته تفلّت وأنت تمدحه ، ابنك اختلّ توازنه ، هذا اللسان ينبغي ألا يمدح إلا بالحق ، حتى سيدنا الصديق رضي الله عنه عندما استخلف سيدنا عمر ماذا قال ؟ قال : لو أن الله سألني : لما ولّيت عليهم عمر ؟ قال : وليت عليهم أرحمهم ، فإن بدّل وغير فلا علم لي بالغيب ، لا تزكي على الله أحداً ، فلذلك :

﴿كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ﴾

[سورة المائدة الآية:79]

 أليس هناك آباء مسلمون من رواد المساجد ؟ تأتي قريباتهم وبنات أخواتهم بثياب فاضحة يقول لها : كيفك يا عم ، اشتقنا لكم ، الله يرضى عليك قدّمت فحص نجحت ؟ أما ثيابها الفاضحة ماذا أقول لها ؟ لا أريد أن أزعجها ، هذه حالة المسلمين الآن .

﴿كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ﴾

[سورة المائدة الآية:79]

 لو تناهينا عن المنكرات لكنا في حال غير هذا الحال ، أساساً ما كنا خير أمة إلا لعلة ، فإن ذهبت هذه العلّة فقدنا الخيرية ، مثلاً :

﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾

[سورة المائدة الآية:18]

 حسناً هذه دعواكم إذاً .

﴿قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ﴾

[سورة المائدة الآية:18]

 مادام الله يعذبكم بذنوبكم أنتم لستم أحبابه ، بل أنتم بشر ممن خلق يقول لك : أمة محمد مرحومة ، نحن من أمة محمد كلام طيب ، قال العلماء : هناك أمّة التبليغ ، وهناك أمّة الاستجابة ، إن لم تكن من أمة الاستجابة فلست من خير أمة ، أنت من أمة التبليغ ، شأنك كأية أمة ، وليس لك أية ميزة ، والدليل : كأن الله تخلى عن هذه الأمة لكثرة المعاصي والآثام ، والفسوق والفجور ، فلذلك ما علة هذه الخيرية :

﴿تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾

[سورة آل عمران الآية:110]

 فإن لم تأمروا ولن تنهوا فقدتم خيريتكم ، وأصبحتم أمة كهذه الأمم الشاردة عن الله عز وجل لا وزن لها عند الله .
 مثلاً : عندما يقول إله :

﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ﴾

[سورة النساء الآية:141]

 هذا اسمه تأييد النفي .

﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ﴾

[سورة النساء الآية:141]

 إذاً إن كان لهم علينا ألف سبيل وسبيل ما التفسير ؟ إذاً نحن لسنا مؤمنين كما أراد الله عز وجل ، إذاً :

﴿كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾

[سورة المائدة الآية:79]

 هناك من يحب أن يعتقد ليستريح أن الله في السماء خالق الكون ، أما بكل قضية هو الأمر بأمره وعلمه ؟ هذه يستبعدها ، فربنا عز وجل يؤكد يقول:

﴿وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ﴾

[سورة الأنعام الآية:3]

 أعطني أتفه حادث على الإطلاق : أن تكون في بستان أيام الخريف وأن تسقط ورقة من مئات مئات مئات البلايين البلايين البلايين وقعت ورقة قال تعالى :

﴿وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا﴾

[سورة الأنعام الآية:59]

 إذاً : هو في السماء إله ، وفي الأرض إله ، أدق التفاصيل والمصائب والدقائق والهموم والأحزان بيده وبعلمه وتقديره وحكمته ورحمته ، فحين تعلم أن الله يعلم فالأمر مختلف تماماً ، إذاً :

﴿وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ ﴾

[سورة الأنعام الآية:3]

 في أحوال كثيرة جداً تكون الأزمة أزمة علم ، أهل النار في النار يقولون :

﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾

[سورة الملك الآية:10]

 أزمة علم فقط ، لكن هناك آية أخرى تبين أن هناك حاجز آخر : أحياناً حاجز الكبر أو حاجز المصلحة ، مصلحته بهذا الدين فهناك حواجز ، لذلك قال تعالى :

﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ﴾

[ٍسورة البقرة الآية:146]

 يعرفون النبي ، أعطني أعمق وأدق وأبسط وأقوى معرفة أن يعرف الأب ابنه ، هذا ابني ، غير معقول ، يقول له : من أنت ؟ ما اسمك ؟ أين هويتك ؟ لا يوجد أب في الأرض يفعلها ، ابنه ، يعرفونه كما يعرفوا أبنائهم ومع ذلك لم يؤمنوا ، فعليك أن تنتبه ، فهناك حاجز الكبر أو المصلحة يا إما أخذته المصلحة بالإثم أو مصلحته تتناقض مع هذه الدعوة ، فإذا حطمت حاجز المعرفة تكون أمام حاجز آخر فأنتبه ، وليس كل ما يقال هو الحق ! قال :

﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ * انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ ﴾

[سورة الأنعام الآية:24]

 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(( إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ صِدِّيقًا وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ كَذَّابًا ))

[أخرجه البخاري ومسلم]

 أنت حينما تصدق تدخل الجنة ، كن صادق مع نفسك ومع الله ومع من حولك ، لا تكون ضبابي ، ولا تكن ممن لهم ألوان متحيّرة ، أو يكون لك موقف معلن وموقف مبطّن ، كن واضح ، أصحاب النبي كانوا واضحين جداً ، نحن أكبر مصيبة مصيبة النفاق أن تقول ما لا تعتقد ، وأن تفعل مالا تقول ، هذه صارخة جداً في العالم الإسلامي .

 

العمل الصالح والدعاء يقويان العقيدة

 أخر ملاحظة يقول الله عز وجل :

﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ﴾

[سورة الأنعام الآية:17]

 مسك أنت ، أحياناً لديك مكواة عليك أن تمتحن بأنها حارة ، فماذا تفعل ؟ تأتي بإحدى أصابعك تضع عليها شيء من لعابك ، تضع يدك عليها لأقل وقت ، ولأضيق مسافة ، وفي رطوبة ، هذا المس ، فربنا أحياناً يفعل مس فالإنسان يصعق له! فكيف بنار جهنم ؟ مصائب الدنيا كلها مس ، هناك آلام في الجسم لا تحتمل ، مهما كان وقور الإنسان يخرج عن طوره ، يتكلم كلام غير معقول ، فربنا عز وجل يقول :

﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ﴾

[سورة الأنعام الآية:17]

 حديث جامع مانع قاطع : لا يخافن العبد إلا ذنبه ، ولا يرجون إلا ربه ، لا تخاف من أقوى الأقوياء لأنه بيد الله ، عليك أن تخاف أن تذنب فيسمح الله له أن يصل إليك ، لا تخاف من جرثوم ، ولا من قوي ، ولا من جبار ، ولا من عقرب ، ولا من وحش في الغابة ، لا يخافن العبد إلا ذنبه ، فإذا وقع في مشكلة ولا يرجون إلا ربه ، لذلك أنا أتمنى أن كل أخ عنده مشكلة كما علمنا ربنا من خلال كلام النبي :
 عن أبو هريرة رضي الله عنه ، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال :

(( إِذَا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفُ اللَّيْلِ نَزَلَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا جَلَّ وَعَزَّ فَقَالَ هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَأُعْطِيَهُ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ هَلْ مِنْ تَائِبٍ فَأَتُوبَ عَلَيْهِ هَلْ مِنْ دَاعٍ فَأُجِيبَهُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ ))

[أخرجه البخاري ومسلم]

 إله خالق الأكوان منزل هذا القرآن يقول لك : قم وصلي واسألني ، ولابد من أن ترى جواباً ، لأن الله حينما يستجيب لك يقوي إيمانك به ، أجمل كلمة أن الدعاء يقوي العقيدة ، أنت حينما تسأل الله شيئاً في الليل وقد انعدمت أسباب هذا الشيء عندك ، ثم يأتي هذا الجواب الإيجابي ، تعرف أن الله سمعك وأجابك ، فهذا معنى قوله تعالى :

﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾

[سورة الأنعام الآية:17]

 يروى أن أحد العلماء الكبار ، ولعله ابن المبارك يمشي بين إخوانه في هيئة حسنة ، كان جميل الصورة مشرق الوجه ، يركب حصاناً أصيلاً وحوله إخوانه وكأنه ملك ، رآه شخص غير مسلم يعمل في المجارير ، أصعب وأقذر عمل ، مع أنه والله من يعمل في المجارير وهو مستقيم عمله أكبر وأطهر عند الله من أعمال كبيرة جداً محاطة بجمال وأناقة لا يعلمها إلا الله ، صادفت عند شخص شيء مدهش بمكان عمله بالبذخ والأناقة قال لي : أنا عملي قذر ، ومرة التقيت بإنسان يعمل بإصلاح السيارات في الشتاء مطر ووحل ، ينبطح تحت المركبة بثياب كانت سابقاً أصلها أزرق أصبح لونها شحم على أسود على زيت ، يعمل عمل متقن وأخذ عليه أجر ، فهذا عمله نظيف ، رجل آخر يجلس في محل فخم جداً بأشهر أسواق دمشق وكل الزبائن من النساء الكاسيات العاريات ، ويملأ عينيه من الحرام ، ويغازل هذه ، ويسمع هذه ، لا يوجد أناقة أعلى من هذه الأناقة ، هذا عمله قذر ، ورجل مكنسيان يعمل بالزيت والشحم عمله نظيف فنظافة العمل لا تأتي من شكله ولا من ظاهره ولكن تأتي من حقيقته ، فهذا الذي يعمل بالمجارير قال له :
 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو حَدَّثَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

((الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَسَنَتُهُ فَإِذَا فَارَقَ الدُّنْيَا فَارَقَ السِّجْنَ وَالسَّنَةَ ))

[أخرجه ابن حبان]

 فأي سجن أنت فيه ؟ وأية جنة أنا فيها ؟ هذا أختل توازنه ! من أصعب الأعمال ومن أقدر الأعمال وقال : أنا في جنة ، وأنت بهذه الفخامة تجلس بسجن ؟ فقال له : ما ينتظرني إلى ما أنا فيه أنا في سجن ، وما ينتظرك إلا ما أنت فيه أنت في جنة كلام دقيق ، يقول : يا بني ما خير بعده النار بخير ، ولا شر بعده الجنة بشر ، فقر على قهر على مرض على يد مقطوعة على بيت بالأجرة وأولاد كثيرون مثلاً معقول كلهم سوية ؟ إذا انتهت للجنة فأنت الفائز الأول! وما خير بعده النار بيوت وأملاك وجمال وصحة ونساء كاسيات عاريات وسهر وفنادق وما خير بعده النار بخير ، وكل نعيم دون الجنة محقور ، وكل بلاء دون النار عافية .
بسم الله الرحمن الرحيم .
 الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارضا عنا ، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم .

 

تحميل النص

إخفاء الصور