وضع داكن
20-04-2024
Logo
رمضان 1420 - خواطر إيمانية - الدرس : 34 - من سورة العنكبوت - الامتحان.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

  الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

امتحان الله كل إنسان ليظهر الكاذب من الصادق :

 أيها الأخوة الكرام، هل سمعتم في كل حياتكم أن جامعةً، أو مدرسةً، أو معهداً يقيّم الطلاب أنفسهم بأنفسهم، كل طالب يقدم تقريراً، أنا قوي بالرياضيات، أستحق مئة، هذا مئة بالعربي، هذا ينجح، هذا شيء مضحك، فربنا عز وجل يقول:

﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا ﴾

[ سورة العنكبوت: 2 ]

 تدّعي أنك مؤمن دون أن تمتحن، تدّعي أنك تحب الله دون أن تمتحن، تدّعي أنك من أهل الجنة دون أن تمتحن، تدّعي أنك من أقوى الناس إيماناً دون أن تمتحن، قل ما شئت وصنف نفسك مع أي فئةٍ شئت، وضع لنفسك أية مكانةٍ شئت، وارتق أية مكانةٍ شئت، هناك امتحان يحجبك، ويعيدك إلى حجمك الحقيقي:

﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴾

[ سورة العنكبوت: 2 ]

 والإنسان من عادته أن يمدح نفسه كثيراً، ويبرأها من كل نقص، وأقل الناس شأناً وأشدّ الناس انحرافاً يتكلم بالقيم، أنا مبدئي كذا، أنا لا أفعل هكذا، أنا عملت، أنا تركت، الإنسان يتكلم النواحي الايجابية في حياته، يبالغ بها أحياناً، ويعتم على السلبيات، ويغفلها أحياناً، فلو أن الله عز وجل ترك الناس وشأنهم، لغش بعضهم بعضاً، قال الله تعالى:

﴿ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ﴾

[ سورة آل عمران: 179 ]

 الأمر متروك إلى الإنسان يدّعي ما يشاء، يصنف نفسه مع أية فئةٍ يشاء، يدّعي لنفسه مقاماً ليس هو في مستواه:

﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴾

[ سورة العنكبوت : 2]

 وما أكثر تبجحات الناس، لكن الله جلّ جلاله يضعهم في ظرفٍ صعب، هذا الظرف الصعب يكشفهم على حقيقتهم، فالكاذب يظهر، والصادق يظهر، أساساً حتى أصحاب النبي امتحنوا بعضهم قال:

﴿ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ﴾

[ سورة الأحزاب: 11-12 ]

﴿ إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا*هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً*وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً ﴾

[ سورة الأحزاب: 10-11]

 هذه الوعود الإلهية بالنصر رأوها كلاماً لا معنى له، قال بعضهم: أيعدنا صاحبكم - لم يقولوا رسول الله- أن تفتح علينا بلاد قيصر وكسرى، وأحدنا لا يأمن أن يقضي حاجته؟ الله عز وجل أوصل الصحابة الكرام إلى مشارف الهاوية، هنا امتحنهم، وهنا فرزهم، وهنا بينّ صادقهم من كاذبهم.

﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ﴾

[ سورة الأحزاب: 23]

 الله عز وجل يمتحنك بالرخاء، مستقيم، طاهر، ورع، من بيتك لجامعك، لابأس، الآن يوجد امتحان ثان، تأتي الشدة، تجد الشخص انكمش، ترك الدروس، أخّر الصلوات، بعد ذلك أساء الظن بالله عز وجل، بعد ذلك قال: يا رب أنا ماذا فعلت لك؟ ضعيف الإيمان رسب بالامتحان، فأنت قل ما شئت، لكن الله متكفلٌ أن يضعك في حجمك الطبيعي، أعط نفسك أيَّ حجمٍ شئت، لكن الله متكفلٌ أن يحجمك، ويعيدك إلى حجمك الصحيح، فالامتحان دقيق جداً، والإنسان يطلب السلامة.

 

امتحان الناس بالإغراء أو بالشّدة :

 انظر موقف سيدنا يوسف، ربي:

﴿ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ ﴾

[سورة يوسف: 33 ]

 الصحابة الكرام وفيهم رسول الله في حنين امتحنوا، فلم ينجحوا، قالوا:

(( ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))

[أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عباس]

 نحن أقوياء، هذا شرك:

﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ﴾

[ سورة التوبة: 25 ]

 فإذا كان الصحابة الكرام، وفيهم رسول الله امتحنوا، وبعضهم نجح، وبعضهم لم ينجح، في أُحد امتحنوا:

﴿ مِنْكُمْ مَنْ يُرِ.يدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ﴾

[سورة آل عمران: 152 ]

 هؤلاء الصحابة، يروون أن شيخاً أزهرياً كان يمشي بالقاهرة، رأى شابة، قالت له: يا سيدي هكذا بالتعبير العامي النبي له حق أن يقول عنا:

(( ناقصاتِ عَقْل ودِيْن ))

[البخاري عن أبي سعيد الخدري]

 له حق؟ قال لها: والله ليس له حق، لكن هذا الكلام ليس لكم، هذا للصحابيات، أنتن لا عقل ولا دين.
 فإذا الصحابة الكرام، وفيهم رسول الله امتحنوا في حنين، وامتحنوا في بدر، وامتحنوا في الخندق، وامتحنوا في أُحد، أُحد ترك الرماة مواقعهم، ونزلوا لجمع الغنائم، قال تعالى:

﴿ مِنْكُمْ مَنْ يُرِ.يدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ﴾

[سورة آل عمران: 152 ]

 فإذا الصحابة الكرام، وفيهم رسول الله امتحنوا ونجح بعضهم، ولم ينجح بعضهم الآخر، فما بالنا نحن؟ فهذا إدعاء الناس، تجلس مع إنسان يقول لك: أنا مثل الصديق، أنا إيماني أقوى من إيمانك، وهو غارق بالمعاصي، كلام فارغ، فلابد من أن يمتحن الإنسان:

﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴾

[ سورة العنكبوت : 2]

 هذه واحدة:

﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾

[ سورة العنكبوت : 3]

 شيء لم يتح لإنسان فصار ينكره، قال لي مرة: يضيق صدري، ولا ينطلق لساني، بعد حين انطلق لسانه، ولم يضق صدره، وفعل ما كان يحتقره من قبل، طبعاً الله عز وجل يمتحن الإنسان إما بامتحان الإغراء، أو بامتحان الشدة.

 

عبادة الله علة وجود الإنسان في الدنيا :

 سُئلت في بلاد الغرب سؤالاً، ما حكم الإقامة المستمرة في أمريكا؟ قلت لهم: إذا كنت في بلدٍ، في بلدك، مسقط رأسك، وحيل بينك وبين طاعة الله، يجب أن تغادر فوراً:

﴿ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ﴾

[ سورة النساء: 97]

 لأنك أنت مخلوق للعبادة، فإذا حيل بينك وبين علة وجودك في الأرض، يجب أن تبحث عن مكان تعبد الله فيه، إذا حيل بينك وبين أن تعبد الله قمعاً، ثم حيل بينك وبين أن تعبد الله إغراءً، في كلا الحالتين ينبغي أن تغادر، لأنك مخلوق للعبادة، فإذا مُنعت أن تعبد الله إما قمعاً أو إغراءً، في مكان آخر يوجد حريات عالية جداً، لا يوجد قمع، لكن يوجد إغراء، الحياة هنا أقوى من أي دعوة، مغرية جداً، قد تنسى دينك، وتنسى أمتك، وتنسى آخرتك، وتنسى الجنة والنار، الحياة متتالية، متتابعة، مغرية جداً، فالعبرة أن تمتحن، وأن تنجح في الامتحان، وكل واحد منا يمتحن في اليوم عشرات المرات، والله الذي لا إله إلا هو عشرات المرات، ادّع ما شئت، ضع نفسك في أيّ مقامٍ شئت، الله عز وجل يضعك في حجمك الحقيقي، وهذا معنى قوله تعالى:

﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ*وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾

[ سورة العنكبوت :1- 2]

الإنسان من ضعف توحيده يتوهم أن الكافر يفعل ما يريد :

 النقطة الثانية: الإنسان من ضعف توحيده يتوهم أن الكافر يفعل ما يريد، إذا اعتقدت أنت أيها الإنسان أن في الأرض إنساناً له إرادة مستقلة عن إرادة الله، فهذا أكبر أنواع الشرك، يقول تعالى:

﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾

[ سورة العنكبوت :4]

 أي الذي يعمل السيئات فعلها دون أن يرضى الله؟ فعلها دون أن يسمح الله له؟ فعلها دون أن يقع في ملك الله ما لا يرضي الله؟ مستحيل، كل شيء وقع أراده الله، لكن ربنا عز وجل:

﴿ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾

[ سورة الأنعام : 129]

 فربنا عز وجل له خطة، أحياناً تنطبق خطة الكافر مع خطة الله عز وجل، معقول أب جالس في بيته، وعنده خمسة أولاد، يقوم أحد أولاده يضرب أخاه ضرباً مبرحاً والأب ساكت ينظر إليهم؟ هل ترضاها لأب؟ أما إذا كان الابن مرتكباً فاحشة كبيرة جداً، والأب قد هيأ له عقاباً أليماً، قام أخوه واختلف معه، وضربه، يسكت الأب، يكون هذا الابن القوي حقق مراد الأب، فسكوت الأب معنى هذا سمح له، فإذا كان الله عز وجل سمح لإنسان قوي أن يفعل ما يفعل، يكون هذا القوي تنطبق خطته مع خطة الله عز وجل، لذلك الله هو الفعّال:

﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾

[ سورة هود: 123 ]

﴿ وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾

[ سورة العنكبوت :6]

 أي الإنسان إذا أيقن أن كل عملٍ صالحٍ يفعله يعود إليه، معنى هذا أنت لم تفعل مع أحد خيراً، فعلت مع نفسك الخير،

﴿ وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ ﴾

.
 مرة أخ قال لي: موضوع غض البصر صعبٌ عليه، قلت له: كلما تغض بصرك عن فتاة، كأنك وضعت بمحفظتك ليرة ذهبية، هذه كلها لك، بلحظة من اللحظات تفتح هذه المحفظة تجد فيها مئات الليرات، ألوف الليرات، فكل شيء تفعله إرضاء لله هو لك بالأساس، هو لك:

﴿ وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ ﴾

  من صدق فإنما يصدق لنفسه، ومن كان أميناً أمانته لنفسه، كل أوامر الله عز وجل يعود خيرها على صاحبها:

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾

.

(( لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وإنْسَكم وجِنَّكم، كانوا على أتْقَى قلب رجل واحدِ منكم، ما زاد ذلك في مُلْكي شيئاً، يا عبادي، لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم، وإنسَكم وجِنَّكم، كانوا على أفجرِ قلب رجل واحد منكم، ما نقص ذلك من ملكي شيئاً، يا عبادي، لو أنَّ أوَّلكم وآخرَكم، وإنسَكم وجِنَّكم قاموا في صعيد واحد، فسألوني، فأعطيتُ كُلَّ إنسان مسألتَهُ، ما نقص ذلك مما عندي، إلا كما يَنْقُص المِخْيَطُ إذا أُدِخلَ البحرَ، يا عبادي، إنما هي أعمالُكم أُحصيها لكم، ثم أُوفّيكم إيَّاها، فمن وَجَدَ خيراً فليَحْمَدِ الله، ومن وجد غير ذلك فلا يَلُومَنَّ إلا نَفْسَهُ ))

[ مسلم عن أبي ذر الغفاري ]

لا يخافن العبد إلا ذنبه ولا يرجون إلا ربه :

 دائماً اتهم نفسك، إذا كان هناك مشكلة ألمت بك، اتهم نفسك، لا يخافن العبد إلا ذنبه، ولا يرجون إلا ربه، هناك نموذج منتشر أيضاً بين المسلمين، يوجد جنة، ونار، و قرآن، و أمر، ونهي، يأتي إنسان قوي يوقع الأذى بهذا الإنسان، خوفاً من أذى هذا الرجل يترك دينه، يدع الصلاة، يقترف المنكرات إرضاءً له، رجاه أقوى من الله عز وجل:

﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ ﴾

[ سورة العنكبوت :10 ]

 والله نماذج كثيرة جداً، أي شيء خفيف، لاح له شبح مصيبة، هدد تهديداً بسيطاً، ترك الدعوة، وترك أعماله الصالحة كلها، وانغمس بالموبقات حتى يسلم، أي رأى أن عقاب هذا الإنسان لعله أشدّ من عقاب الله،

﴿ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ ﴾

  هذا من ضعف الإيمان، أما الذي تعبده هو الذي يحميك، وهذا الإله العظيم الذي تعبده، إن كنت تتوهم أنه لا يحميك، لماذا تعبده؟

﴿ قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى* قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾

[ سورة طه : 45-46]

 يوجد حالات من الصعب أن تتصوروها، إنسان ببطن حوت:

﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة الأنبياء : 87-88]

 إنسان وراءه فرعون بجبروته، وطغيانه، وجنوده، وأسلحته، وأمامه البحر:

﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ* قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾

[ سورة الشعراء : 61-62]

 هذه كلها قصص من أجل أن نطمئن، إلى أن الله عز وجل معنا، ولن يتخلى عنا:

﴿ وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ* أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ ﴾

[ سورة العنكبوت: 28-29 ]

التفوق الأخلاقي والتماسك الأسري والنقاء السلوكي مهم جداً بالحياة :

 في مدينة بأمريكا اسمها سان فرانسيسكو، خمسة وسبعون بالمئة حصراً من سكانها شاذون جنسياً، هي عاصمة الشذوذ، وهناك من يضع حلقةً في أذنه اليمنى، أي هو الفاعل، وهناك من يضع حلقةً في أذنه اليسرى، أي هو المفعول به، الرجال مع الرجال، والنساء مع النساء، ووزير الصحة البريطاني قبل سنتين في مؤتمر صحفي قال: أنا شاذ جنسياً، بمؤتمر صحفي، طبعاً بأمريكا سمح لهؤلاء الشاذين أن يدخلوا الجيش، بعض إخوتنا يعمل في شركة كمبيوتر ضخمة، جاء تعميم أن الشاذين لهم تعويضات المتزوجين وميزاتهم، ومكافآتهم، حتى إذا شخص سافر مسموح أن يأخذ معه شريكه الجنسي، أي مثل زوجته من أجل لمّ شمل الأسرة.
 بالقانون الكندي، إذا شابٌ شارك شاباً بالعلاقة الجنسية، يستحق الجنسية الكندية فوراً، كيف أن امرأةً تزوجت بإنسان، هذا الإنسان يستحق الجنسية لأنه زوجها، كذلك إذا شاب شارك شاباً بالعلاقة الجنسية يستحق الجنسية الكندية فوراً، أرأيت ذلك؟ إنه شيء مخيف.
 امرأةٌ كانت ستكون ولية عهد بريطانية في مؤتمر صحفي سمعه أحد عشر مليون إنسان، قال: أنا زنيت أول مرة، والثانية، والثالثة، سبع مرات، أعلنت عن أنها زانية سبع مرات، فلما ماتت مشى في جنازتها ستة ملايين إنسان، هذا عصرنا يا أخوان، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:

(( لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ ))

[ابن ماجه عن عبد الله بن عمر]

 ظهرت الفاحشة، لكن الآن يوجد شيء ثان:

(( حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا ))

[ابن ماجه عن عبد الله بن عمر]

 يضع هوية، يضع حلقة، مدينة بكاملها عاصمة الشاذين، وزير صحة يقول: أنا شاذ، شيء غير معقول، قال:

(( إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا ))

[ابن ماجه عن عبد الله بن عمر]

 هذا الإيدز، وهذا الحديث من دلائل نبوة النبي عليه الصلاة والسلام.
 إذاً الشيء الذي نحن نعتبره أكبر انحراف، وأكبر معصية، وأكبر جريمة عند هؤلاء شيء طبيعي جداً، ولا يوجد عليه أي غبار.
 أنا لفت نظري أن هذا الشذوذ في أمريكا يصيب حاكم ولاية، رئيس هيئة البورد في مجمع مثلاً، إنسان كبير، قاض، لعله في بلاد المتخلفين هؤلاء حثالة المجتمع، أما هناك فعلية القوم مصابون بهذا المرض، ذلك أن الإنسان حينما أعرض عن الله، ملَّ المرأة، أي نوع من الضجر، الإنسان إذا عرف الله عز وجل هدفه الله، ويتحرك في الحياة وفق منهج الله، وهو سعيد بهذه الحركة، أما إذا كان نسي الله، كل شيء يمل بالحياة، فهذا الشذوذ ليس مخالفةً لحكمٍ شرعي، الآن الزاني يخالف حكماً شرعياً، أما الشاذ فيخالف الفطرة البشرية، فرق كبير بين أن تخالف الحكم الشرعي، وبين أن تخالف الفطرة البشرية، وهذا شيء مبتلى به العالم الغربي والعياذ بالله، بشكل واسع جداً، أعاذنا الله وإياكم من هذا الانحراف.
 يوجد إنسان ابنه بأمريكا، فالابن قال له: بابا أنا تزوجت، أي حفل عقد قراني بعد شهر، الأب أرد أن يحضر عرس ابنه فذهب إليه دون أن يخبره، أي فاجأه بزيارته ليحضر عرسه، الأب طبيب من ألمع الأطباء في دمشق، لما وصل إلى البيت، تفاجأ أن ابنه ليس هو العريس، بل هو العروس، وقع على الأرض مغشياً عليه، وأصيب بجلطة فورية، فالإنسان قبل أن يقول لك: متقدمين، متفوقين، يعد للمليون، التفوق الأخلاقي مهم جداً بالحياة، التماسك الأسري مهم جداً بالحياة، النقاء السلوكي مهم جداً بالحياة:

﴿ وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ* أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾

[ سورة العنكبوت: 28-29 ]

 فإذا كان كل قوم ارتكبوا فاحشة أهلكهم الله عز وجل، فما بالك بعصرٍ ترتكب فيه كل الفواحش؟
 أنا قبل يومين سمعت أن هناك إعصاراً بشاطئ بأمريكا، ذهب ضحيته مئة ألف إنسان قتلوا، ومئتي ألف مشرد، قال هذا الشاطئ من أفسق الشواطئ في العالم، أي يوجد أدلة واضحة جداً، أن الله عز وجل يهلك الفاسقين، من أفسد وأفسق الشواطئ في العالم، مئتا ألف مشرد، ومئة ألف ميت، هذه قبل يومين أو ثلاثة، ممكن إعصار، أو أمطار بفنزويلا، أمطار مع أوحال غطت المدن كلها.

 

تحميل النص

إخفاء الصور