وضع داكن
20-04-2024
Logo
رمضان 1420 - خواطر إيمانية - الدرس : 51 - من سورتي الجن المزمل - الجن.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

التعاون بين الإنس و الجن تعاون محرم :

 أيها الأخوة المؤمنون؛ أيُّ تعاونٍ بين الإنس والجن تعاونٌ محرَّم، بشتَّى أشكاله وصوره، ذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام معصوم عن أن يخطئ في أقواله، وأفعاله، وإقراره، ولا يؤخِّر البيان عن وقته، فلو أن النبي عليه الصلاة والسلام يعلم - وهو قِمَّةُ البشر، وهو الذي يوحى إليه - أن هناك فائدة وثمرة مرجوة من تعاون الإنس مع الجن لأمرنا به، مادام لم يأمرنا بل نهانا، بل فقال:

(( من سحر فقد أشرك ))

[النسائي عن أبي هريرة]

 فأيُّ تعاونٍ بين الإنس والجن هدفه إضلال البشر، وقد يأخُذ هذا التعاون شكلاً دينياً، أن هذا الإنسان يخرج الجن، أي تعاون بين الإنس والجن هدفه إضلال البشر، وهذه الآية هي الدليل:

﴿ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً ﴾

[سورة الجن : 6]

 ليس في مَنهج الإسلام ولا منهج القرآن إلا أن نستعيذ بالله من الجن، بقلبٍ حاضر..

﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ﴾

[سورة الأعراف : 201]

 أيها الأخوة؛ الجن موجودون، وقد يتعاون الإنس مع الجن ولكن خلاف منهج الله، وهذه معصية، والإنسان حينما يتفوَّق إما لتدريباتٍ عاليةٍ جداً، أو لمعونة من الجن، كلا الطَريقَيْن ليس مشروعاً في الإسلام، وهذه الآية تقطع هذا الأمر:

﴿ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً ﴾

[سورة الجن : 6]

 هناك نُقطة يجب أن تكون واضحة، هذه السنَّة المُطَهَّرة كافية كي نصل إلى أعلى مستوى إذا طبقناها، لا ينبغي أن نضيف عليها شيئاً، ولا أن نخترع شيئاً، ولا أن نبتدع شيئاً، ولا أن نجتهد في شيء لم يفعله النبي.

الإسلام واقعي و هو دين الفطرة :

 ثم يقول الله عزَّ وجل:

﴿ وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْساً وَلَا رَهَقاً ﴾

[سورة الجن : 13]

 البخس هو أن يُهضم حقك، والرهق هو أن تُكلَّف ما لا تطيق، أنت حينما تؤمن، وحينما تطيع الله عزَّ وجل لن يُهضم حقك، ولن تكلَّف ما لا تطيق، الإسلام واقعي، الإسلام دين الفطرة، ما أودع فيك شهوةً إلا وجعل لها قناةً نظيفةً تسري خلالها، الإسلام فيه نظام، ولكن لا يوجد به حرمان أبداً، إذا أُناس اجتهدوا وحرموا أنفسهم فهذه بدعةٌ ما أنزل الله بها من سلطان..

﴿ وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْساً وَلَا رَهَقاً ﴾

[سورة الجن : 13]

 يروون كطرفة أن أحد خلفاء العبَّاسيين - وأظنه هارون الرشيد - غضب من إحدى زوجاته فقال: " إن نمتِ اليوم في مُلكي فأنتِ طالق ". كان له ثُلثا الأرض، كان يقول للسحابة: " اذهبي أينما شئتِ يأتيني خراجك " فهي طالق لا محالة، سألت أحد العلماء فقال: نامي في المسجد لأن المساجد لله ليست له.
أنت إذا ذهبت إلى العمرة أو الحج، ضمن الحرم تشعر أنك في بيت الله، لا تشعر أنك في بلد اسمها (السعودية) ولكن ضمن الحرم في بيت الله، أما خارج الحرم فبلد إسلامي آخر، له نظامه، له ترتيباته، ضمن الحرم أنت في بيت الله..

﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً ﴾

[سورة الجن : 18]

الله تعالى جعل النهار لابتغاء فضله و الليل لعبادته و ذكره :

 أيها الأخوة؛ من صلَّى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يُمسي، ومن صلَّى العشاء في جماعة فهو في ذمة الله حتى يصبح..

﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً ﴾

[سورة المزمل : 6]

 لماذا الفجر عبارة عن ركعتين فقط والظهر أربع بأربع بأربع؟ الإنسان حينما يستيقظ صافٍ، نفسه مرتاحة، لمجرَّد أن يقول: الله أكبر، تنعقد الصلة مع الله عزَّ وجل، فهذا الذي يحصل في الفجر لا يحصل في وقت آخر، " لو يعلم الناس ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبواً " فالذي ينشأ في صلاة الليل لا ينشأ في صلاة النهار، وإن لله عملاً بالليل لا يقبله بالنهار، وإن لله عملاً في النهار لا يقبله في الليل..

﴿ إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً ﴾

[سورة المزمل : 7]

 الله جعل النهار معاشاً، جعل النهار لابتغاء فضل الله عزَّ وجل، وجعل الليل كي تعبد الله، وكي تذكره، وكي تصلي له.

 

الشيء الذي لا يعرف المُنْعِم من خلاله ولا يوظف في الحق نقمة وليس نعمة :

 وحينما قال الله عزَّ وجل:

﴿ وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ﴾

[سورة المزمل : 11]

 قال: هذه النِعمة إن لم تشكر ربك عليها، وإن لم تُنفقها في طاعة الله أصبحت نقمَة، إنسان آتاه الله المال فلم يشكر الله عليه، وأنفقه في المعاصي والآثام، فليس المال نِعْمَةً إنما هو نَقمَة، قال تعالى:

﴿ كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ*وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ*وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ﴾

[سورة الدخان : 25-27]

 نَقمة وليست نِعْمَة، فالشيء الذي لا تعرف من خلاله المُنْعِم، والذي لا توظِّفه في الحق هذا نقمةٌ على الإنسان وليس نعمةً، يؤكد هذا المعنى قوله تعالى:

﴿ فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِي*وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِي﴾

[سورة الفجر :15-16]

 فإذا توهَّم الإنسان أنه إذا أعطاك المال فأنت مكرَّم، وإذا حرمك منه فأنت مهان، هذا خطأ، الله أعطى المال لمن يحب؛ أعطاه لسيدنا ابن عوف، وأعطاه لسيدنا سليمان، وأعطاه لقارون، مادام أعطاه لصحابي جليل بأعلى مقام، وأعطاه لنبي عظيم، وأعطاه لعدوِّه إذاً ليس مقياساً.
 المقياس كيف يُنفق هذا المال؟ إن أنفق في طاعة الله انقلب إلى نعمة، إن أنفق في معصية الله انقلب إلى نقْمَة، فليس عطائي إكراماً ولا منعي حرماناً، عطائي بلاء وحرماني دواء، هذا على قوله تعالى:

﴿ وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً ﴾

[سورة المزمل : 11]

المبالغات في الدين تيئس الإنسان و تجعل الإسلام غير واقعي :

 الآن:

﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ﴾

[سورة المزمل: 20 ]

 بحسب هذه الآية سيد العابدين يقوم أدنى من ثلثي الليل، أو نصفه، أو ثلثه، وما عُرف أن النبي عليه الصلاة والسلام قام الليل كلَّه.
 سمعت البارحة حديثاً عن أحد التابعين وهو سعيد بن المسيِّب، الذي يتحدث عنه يقول: " إنه صلى الفجر في وضوء العشاء خمسين عاماً ". ما فعل هذا النبي، وهذا كلام غير واقعي، ولا يُقْبَل، فسعيد بن المسيب بشر، إذا كان من تركيب آخر لا أعرف، إذا كان من تركيب البشر النبي ينام ويقوم، وإذا لم ينم الإنسان ليلتين يختل كل توازنه، هكذا قانون الجسم، بنية الجسم هكذا، إنه صلَّى الفجر خمسين عاماً بوضوء العشاء، هذا كلام ييئِّس.
 أنا ذكرت مرَّة أنه حينما نقع في المبالغات نضع إسفيناً في العبادات دون أن نشعر، هل من الممكن أن تقطع رجل إنسان بأكملها وهو في الصلاة ولا يشعر، هذا كلام فيه مبالغة، النبي عليه الصلاة والسلام كان يصلي بأصحابه، فسمع صوت بكاء طفل، فاختصر صلاته. معنى هذا أن سيد الخلق، سيد المصلين، أقرب إنسان إلى الله إذا صلَّى على عِلْم بما حوله، أما إنسان تقطع رجله كلياً دون أن يشعر فهذه مبالغة، وهذه المبالغة مُنْعَكَساتها أنها تُيَئّس الإنسان، إذاً صلاتنا ليست صلاة.
 يوجد مبالغات؛ قرأ القرآن كله بركعتين، الآن نحن نقرأ القرآن، من حوالي شهر ونحن نقرؤه، ممكن أن تقرأ القرآن بركعة واحدة أو بركعتين فماذا ستقرأ؟ هؤلاء الصفحات الستمئة؟! غير الظهر، العصر، المغرب، العشاء كلهم انتهوا، يحتاج إلى عشرين أو ثلاثين ساعة ليقرأه كله، الجزء كم دقيقة يحتاج؟ الجزء يحتاج إلى نصف ساعة، أقل شيء نصف ساعة، الثلاثون خمس عشرة ساعة، فكيف قرأ القرآن بركعتين؟! هذه القصص كلها تيئِّس، وتعمل الإسلام غير واقعي، أما تصلي صلاة كما صلاها النبي، وأنت واعٍ، وتنام وتقوم، هذه الآية الكريمة..

﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ﴾

[سورة المزمل: 20 ]

 وما عُرِفَ أن النبي صلى الله عليه وسلَّم قام الليل كله، إلا قام بعض الليل.
 هذا الكلام لكي يكون الإنسان واقعياً، ويكون دينه واقعياً، ولا يحس بالإحباط دائماً أن صلاته غير صحيحة، وقيامه غير صحيح، وتلاوته غير صحيحة، لأنه يوجد أناس صلوا الفجر مدة خمسين سنة بوضوء العشاء، هذا الكلام قد يتوهَّم منه أن هناك تعظيماً لسعيد بن المسيب، ولكن هذا ليس تعظيماً، هذا فيه مزاودة، النبي سيد الخلق ما فعل هذا.

 

الموت أخطر حدث في حياة الإنسان :

 

﴿ فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً ﴾

[سورة المزمل: 17 ]

 الطفل لا يشيب، وإذا شاب الطفل فالهَوْل لا يوصف، فهؤلاء الذين ينغمسون في الدنيا، ويقترفون المعاصي والآثام ينتظرهم يومٌ تشيب لهَوْلِهِ الولدان.
 وكنت أقول لكم دائماً: الإنسان الغبي يتغنَّى بماضيه دائماً، وحاضره ليس له علاقة بماضيه، والأقل غباء يعيش واقعه، أما العاقل فيعيش المستقبل، وأخطر حدث في المستقبل هو الموت، أخطر حدث على الإطلاق هو الموت، والموت لا يمكن أن ينجو منه أحد..

﴿ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾

[سورة النحل: 1 ]

﴿ أَتَى ﴾

 فعل ماضٍ،

﴿ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ ﴾

 أي لم يأتِ بعد، الشيء الذي وعدنا الله به اعتبره مُبْرَماً مع توقيف التنفيذ، التنفيذ له وقت، ألا يوجد حكم مع توقيف التنفيذ؟ هذا الذي يحصل.

عمل الإنسان محفوظ عند الله بحجمه و أهدافه :

 ثم يقول الله عزَّ وجل:

﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾

 أي أن الله يقدِّر أن ليل الصيف قصير جداً، وصلاة الليل مُتعبة، ويقدر أن إنفاق المال للفقير صعب، كل شيء يقدر حجم ربنا عزَّ وجل مقدار تضحية، يقدر الجُهد المبذول، يقدر النيَّة الطيبة التي وراءه، فأنت اطمئن عملك بحجمه الحقيقي، بتضحيته، بأهدافه، ببواعثه، كلُّه عند الله محفوظ، لا توجد جهة في الكون تقدِّر العمل الصالح كما يقدره الله عزَّ وجل..

﴿ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾

 يُقاس على الليل والنهار أشياء كثيرة..

﴿ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ﴾

 سيدنا علي له كلمة: " إن للنفس إقبالاً و إدباراً، فإذا أقبلت فاحملوها على النوافل، وإن أدبرت فاحملوها على الفرائض ".
 إنسان مسافر الله شرع له قصر الصلاة، المسافر مشغول، عنده ابن مريض يحتاج إلى عملية، فإذا كان هناك مشكلة، أو مهمة، أو أمر عويص الفرائض طبعاً مع السنَن الراتبة، أما إذا كان في راحة نفسيَّة فالنوافل.
 " إن للنفس إقبالاً وإدباراً، فإذا أقبلت فاحملوها على النوافل ". صار هناك مشكلة، أو انشغال شديد؛ الفرائض والرواتب هذه الحد الأدنى.

 

تحميل النص

إخفاء الصور