وضع داكن
19-04-2024
Logo
رمضان 1420 - خواطر إيمانية - الدرس : 47 - من سورتي الطورالنجم - تربية الأولاد.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

  الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

الصدقة الجارية التي تستمر بعد موت الأب :

 أيها الأخوة... في سورة الطور قوله تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾

[ سورة الطور: 21 ]

 أيْ أنَّ الأب إذا ربَّى أبناءه تربيةً عاليةً إسلاميةً؛ عرَّفهم بربهم، وحملهم على طاعته، فإن أعمال أبنائه كلها في صحيفته، أُلْحِقَت بالأب أعمال أبنائه. وهذه الصدقة الجارية التي تستمر بعد موت الأب..

﴿ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾

[ سورة الطور: 21 ]

 أي أن عملهم محفوظٌ إلى أعلى درجة..

﴿ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ﴾

[ سورة الطور: 21 ]

النبي الكريم سكوته تشريع وفعله تشريع وكلامه تشريع :

 أيها الأخوة في سورة النجم يقول الله عزَّ وجل:

﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ﴾

[ سورة النجم: 1-3 ]

 نُفِيَ عن النبي أن ينطق عن الهوى، وهذا النفي يثبت أن معظم الناس الذين ليسوا على نهج النبي ينطقون عن الهوى، أي أن كلامهم متعلقٌ بمصالحهم، فالشيء الذي يعجبهم يمدحونه، والشيء الذي لا ينتفعون منه يذمونه، فكلامهم لا يُعتدُّ به، ولا يعد حداً فاصلاً في التفريق بين الحق والباطل، أما كلام النبي عليه الصلاة والسلام فلقد عصمه الله عن أن يخطئ في أقواله، وفي أفعاله، وفي إقراره، فكل أقواله تشريع، وكل أفعاله تشريع، وكل سكوته أمام أصحابه تشريع، أي إذا فعل الصحابي شيئاً أمام النبي وسكت النبي، ففعل الصحابي تشريع لأنه تَبِعَهُ إقرار النبي، والنبي عليه الصلاة والسلام لا يمكن أن يقرّ على خطأ لأنه مشرِّع.
 مرَّةً كان النبي عند صاحبٍ له قد توفي، فسمع امرأةً تقول: "هنيئاً لك أبا السائب لقد أكرمك الله " لو أنه سكت عليه الصلاة والسلام لكان كلامها صحيحاً، ولكنه قال:

((..وما يدريك أن الله أكرمه؟ أما هو فقد جاءه اليقين من ربه، وإني لأرجو له الخير، والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي ولا بكم ))

[البخاري عن أم العلاء رضي الله عنها]

 وهذا فرقٌ كبير بين أن ترجو الله أن يكرمه - وهذا أدبٌ مع الله - وبين أن تتألَّى على الله، وأن تجزم أن الله أكرمه، من شأن العبد ألا يجزم.
 إذاً النبي لا يقرُّ على خطأ، فسكوته تشريع، وفعله تشريع، وكلامه تشريع، فهو لا ينطق عن الهوى. قيل له مرَّة: " يا رسول الله إنك بشر تغضب، أفنأخذ عنك وأنت غضبان؟ " فأمسك لسانه بيده وقال:

((اكتب فو الذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حقٌّ ))

[أبو داود عن عبد الله بن عمرو]

 إذاً نحن في حياتنا كمسلمين عندنا إنسانٌ لا يخطئ، معصوم، وقد أُمرنا أن نأخذ عنه، وأن ننتهي عما عنه نهانا، إنَّه النبي، هو حكمٌ في نزاعاتنا..

﴿ فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾

[سورة النساء:65]

 و..

﴿ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾

[سورة النساء:59]

 إلى الله في قرآنه، والرسول في سُنَّته.

 

أمية الرسول وسام شرف له وأميتنا وصمة عار :

 الشيء الثاني؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أُمِّياً، وأميته وسام شرفٍ له، لأن - إن صحَّ التعبير- وعاءه ممتلئٌ بالوحي فقط، لو أنه كان متعلِّماً ومثقفاً، ودرس ثقافة عصره؛ قرأ ثقافة الصين، وثقافة الفُرس، وثقافة الرومان، وثقافة اليونان، وامتلأ وعاؤه من ثقافات الأرض، ثم جاء وحي السماء، لاختلط هذا بهذا، فكان لِزاماً على أصحابه أن يسألوه كل دقيقة: هذا الكلام من عندك أم من ثقافتك أم من الوحي؟ هو قد مُنِعَ من ثقافة عصره..

﴿ وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ﴾

[سورة العنكبوت : 48]

 فأميَّته وحده وسام شرف، وأميتنا نحن وصمة عار، نحن لا يوجد لدينا وحي، علمنا فقط من التعلُّم، فإن لم نتعلَّم لا يوجد لدينا وحي، إن لم نتعلَّم فنحن جاهلون، أما النبي لأنه لم يتعلم..

﴿ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ﴾

[ سورة النجم: 5]

 أيْ يكفيه فخراً أن الله قد علَّمه، فإذا تاه الإنسان بمعلِّمه، وافتخر به، فكل إنسان له مُعَلِّم، والمعلِّمون متفاوتون، أما النبي عليه الصلاة والسلام فمعلِّمه رب العالمين، ففضل كلام الله على كلام خَلْقِهِ كفضل الله على خلقه.

 

تعلق ارتقاء الإنسان باتساع دائرة اهتمامه :

 هناك إشارة لطيفة:

﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى ﴾

[ سورة النجم: 1-7]

 كل واحد له أفق؛ يوجد إنسان يعيش شهواته، يعيش همومه، يعيش مَصالحه، يعيش بَيْته، قلت مرة: شخص يسكن في الطابق الأرضي ماذا يرى؟ الشارع فقط، لو سكن في الطابق الخامس قد يرى الشام كلها، أما لو صعد إلى جبل قاسيون قد يرى ما حول الشام، إلى الكسوة تقريباً، أما لو ركب طائرةً فقد يرى ما يزيد عن مئتي كيلو متر، المساحة منبسطة أمامه، أما لو ركب مركبةً فضائيَّة فقد يرى الأرض بأكملها كرة من القمر، كلما ارتفع اتسعت دائرة رؤيته.
 هذا المثل خذه على النواحي المعنوية، كلَّما ارتقيت عند الله اتسعت دائرة اهتماماتك، فأنت كلما ازددت إيماناً ازداد حملك لهموم المسلمين، وكلما ضعف إيمانك أصبح همك نفسك - من الضيق - فمقياس رفعتك عند الله أنك تهتم بالناس جميعاً، تحرص على هدايتهم، تحرص على سعادتهم، تحرص على حاجاتهم، تحرص على وئامهم، تحرص على زواج شبابهم، تحرص على عِفَّة بناتهم، تحرص على تأمين مكاسبهم، أبداً كلما ارتقيت عند الله تتسع دائرة اهتمامك، فلذلك:

﴿ وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى ﴾

[ سورة النجم: 7]

 إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفاسفها ودنيّها، النبي عليه الصلاة والسلام يعيش هموم البشريَّة.

(( لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلاً ))

[الحاكم عن أبي الدرداء ]

 قد تجد إنساناً لا يحمل إلا هَمّ نفسه، الناس في ضائقة، الناس في حرج، شباب المسلمين الطرق أمامهم مسدودة، فتيات المسلمات في مشكلة، وهو ليس له علاقة، إذا أمَّن طعامه وشرابه مَلَك الدنيا بحذافيرها، هذا إنسان صغير صغير. هناك قلبٌ كبير يصغر أمامه كل كبير، وهناك قلبٌ صغير يعظُم أمامه كل حقير، القضيَّة أن يكون لك قلبٌ واسع، وأن تهتم بأمورٍ عاليةٍ لا أمورٍ سَخيفةٍ..

﴿ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى ﴾

[ سورة النجم: 10-15]

 أيْ أنَّ هذا أعلى مقامٍ وصله إنسانٌ على الإطلاق، بلغ سِدْرَة المُنتهى، حتى أن جبريل وقف في حد دون هذا الحد، قال: لو تقدَّمت لاحترقت.

﴿ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ﴾

[ سورة النجم: 17-18]

حاجة الآخرة إلى سعي و عمل :

 ثم يقول الله عزَّ وجل:

﴿ أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى ﴾

[ سورة النجم: 24]

 القضية بالتمني أم بالسعي ؟ كل إنسان يتمنى، والتمني سهل، والتمني لا يكلِّف شيئاً، لذلك يقول الله عزَّ وجل:

﴿ وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾

[سورة الإسراء: 19]

 الآخرة تحتاج إلى سعي..

 

لا تصاحب من لا ينهض بك إلى الله حاله ويدُلّك على الله مقاله :

 الآن توجيهات قرآنية:

﴿ فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾

[ سورة النجم: 29]

 تجد إنساناً ساحة نفسه مشغولةٌ بالدنيا، إنسان كل أفقه الدنيا، كل مطامحه الدنيا، نهاية آماله الدنيا، مَحَطُّ رحاله الدنيا، رؤيته الدنيا؛ يراها بعينٍ واحدة، هذا الإنسان أَعْرِض عنه، لن ترتاح إليه، لن يقربك إلى الله بل يبعدك عن الله عزَّ وجل، توجيه إلهي:

﴿ فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا﴾

[ سورة النجم: 29]

 مثلاً أنت تكون طالب علم شرعي تعرف ربك، تعرف سرّ وجودك، ونهاية وجودك، لك صلة بالله معينة، تلتقي مع شخص دنيوي، أول سؤال: كم هو معاشك؟ أنت لا تستطيع أن تكذب، فتقول له: معاشي عشرة آلاف مثلاً أو خمسة آلاف، هل يكفيك؟ هو لم يرَ علمك، ولم ير مكانتك، ولم ير قيَمَك، ولم يرَ هدفك الكبير، يرى فقط دخلك، فإذا احتقر دخلك صَغَّرك، لذلك يقول النبي:

(( لا تصحبن أحداً لا يرى لك من الفضل كمثل ما ترى له))

[كنز العمال عن سهل بن سعد]

 أنت صاحب مؤمناً، المؤمن يقدرك؛ يقدر علمك، يقدر أخلاقك، يقدر قيَمَك، يقدر عملك الصالح، يقدِّر توحيدك، المؤمن لا ينظر إلى دُنياك ولكن ينظر إلى آخرتك، فأنت لا ترتاح إلا مع مؤمن، من هنا كان الحديث الشريف:

(( لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي ))

[الجامع الصغير عن أبي سعيد ]

 كن مع المؤمنين ترقى، كن مع المؤمنين تسعد، أما عش مع أناس لم يريدوا إلا الحياة الدنيا تصغر، يصغرونك ويزعجونك ويستعلون عليك ويؤلمونك، فأنت من أجل أن ترتاح صاحب من كان على شاكلتك.
 من أعظم إكرام الله عزَّ وجل للنبي الكريم أنه اختار له أصحابه، أقول لكم هذه الحقيقة: أعظم إكرام لك أن يكون الذين حولك على شاكلتك؛ أنت أخلاقي والذين حولك يجب أن يكونوا أخلاقيين، إن كنت صادقاً يجب أن يكونوا صادقين، إن كنت عفيفاً يجب أن يكونوا أَعِفَّة، لو صاحبت شخصاً غير عفيف يحرجك، ويصغرك، لو صاحبت شخصاً بذيء اللسان يحقّرك، فإياك أن تصاحب إلا من كان على شاكلتك، أو من كان أرقى منك، استفد منه، لذلك قال علماء القلوب: " لا تصاحب من لا ينهض بك إلى الله حاله، ويدُلّك على الله مقاله ". أنت بحاجة إلى إنسان، إن أحببته ارتقى بك، وإن استمعت إلى كلامه علَّمك، بحاجةٍ إلى علمه وإلى حاله..

﴿ فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ﴾

[ سورة النجم: 29-30]

﴿ إِنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلا ﴾

[سورة الإنسان : 27]

الإيمان بوجود يوم تسوى به الحسابات :

 الشيء الثاني:

﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ﴾

[ سورة النجم: 31]

 أيْ أنَّ اسم الله (العدل) لابدَّ من أن يحقَّق، لابدَّ من تسوية الحِسابات، لابدَّ من يوم الدين، لابدَّ من يوم الدَيْنونة، لابدَّ من يوم الجزاء، لابدَّ من يومٍ تسوَّى فيه الحُقوق، لابدَّ من يومٍ يضعف القوي، ويقوى الضعيف، لابدَّ من يومٍ يُكَرَّم المُحسن ويعاقب المسيء.
 أما في الدنيا فالأوراق مختلطة، قد يكرَّم المسيء ويعاقب المحسن، قد يخوَّن الأمين ويؤْتَمن الخائن، قد يكذَّب الصادق ويصدَّق الكاذب، قد يرتفع الفاسق ويختفي المستقيم، بالدنيا الأوراق مختلطة، لكن لابدَّ من يومٍ تسوَّى فيه الحسابات.
 واللهِ لولا هذا اليوم - لولا يوم الدين - الحياة لا تُحْتَمَل، لولا يوم الدين فبطن الأرض للإنسان خيرٌ له من ظهرها، ولكن يوجد يوم تسوَّى فيه الحقوق فاطمئنوا، أي:

﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾

[سورة الزلزلة: 7 ]

 قال له: " عظني ولا تطل ". فتلا عليه النبي هذه الآية، فقال: كفيت. أعرابيٌ اكتفى بآيةٍ واحدة، فقال عليه الصلاة والسلام: " فقُهَ الرجل ". فأكبر شيءٍ يسلي، ويعزي، ويريِّح، ويطمئن أن الله موجود وسيحاسب الخَلْقَ جميعاً، إنسان هكذا لنزوة طارئة يعطي أمراً بإلقاء قنبلة ذرية على هيروشيما، فيُذهِب ثلاثمئة ألف في أربع ثوانٍ، هكذا، ثلاثمئة ألف إنسان تدمَّروا واحترقوا والأمر يمشي هكذا؟ إنسان يعيش على أنقاض الآخرين، دوَل عُظمى تطعم كلابها من اللحم ما لا تأكله شعوب الأرض، فترى غنى يفوق حدّ الخيال، وترى شعوباً تموت من الجوع، وتنتهي الحياة هكذا؟‍! إنسان يكيد، قال:

﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾

[سورة إبراهيم : 46]

 هؤلاء المُنْقطعون عن الله عزَّ وجل مستعدون أن يعيشوا وحدهم، الآن توجد أخبار مزعجة أن هناك شركات أدوية، تجرِّب الدواء على البشر في إفريقيا، كانوا يجرِّبونه على القوارِض، الآن يجربونه على البشر، لا يهم إذا فتك الدواء بمئة إنسان، أو بألف إنسان، يبعثون الدواء ويرون نتائجه، يا ترى كان مسرطناً؟ لأن التجربة على الإنسان أسرع.
 وهل من الممكن لإنسان أن يسرق طفلاً، ويأخذ عينيه، فيبيعهم لبنك العيون، يأخذ كليتيه ثم يلقيه في الحفرة. هناك قصص عن جرائم العالم العقل لا يصدقها، والإله لا يتحرَّك؟! تنتهي الحياة هكذا؟ مستحيل، لابدَّ من يومٍ تسوَّى فيه الحسابات.
 دولة فقيرة فيها حرب أهليَّة، أرسلوا لها باخرة مساعدات غذائية، نصف الباخرة نفايات ذرية أُلقيت على شاطئها، شعب يقاتل بعضه البعض، أرسلوا له باخرة مواد غذائية، نصف الباخرة نفايات ذرية أُلقيت في سواحل الصومال، الذي أمر بهذا لن يعاقب؟ لن يحاسب؟ فقضية الآخرة يجب أن نؤمن بها إيماننا بوجود الله عزَّ وجل، الآخرة تريِّح، أنت أرضِ الإله، واستقم على أمره، ولا تعبأ بشيءٍ آخر.

﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ﴾

[ سورة النجم: 31]

الافتقار إلى الله :

 هناك توجيه إلهي آخر:

﴿ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ﴾

[ سورة النجم: 32]

 الإنسان كلما قلل من كلمة (أنا) يكون أرقى عند الله، وقدوتنا في هذا يوسف عليه السلام:

﴿ وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ ﴾

[سورة يوسف : 33]

 كن مفتقراً إلى الله، بالافتقار ترقى، أنت حينما تقول: الله، يتولاَّك الله، إذا قلت: أنا، يتخلى الله عنك..

﴿ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ﴾

[ سورة النجم: 32]

 فأجمل كلمة قالها سيدنا الصديق عندما مدحه أُناس، قال: " اللهمَّ أنت أعلم بي من نفسي، وأنا أعلم بنفسي منهم، اللهمَّ حقِّق فيَّ ما يقولون، واغفر لي ما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون " .
 وهناك رواية ثانية: " واجعلني خيراً مما يقولون ، واغفر لي ما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون ".
 فالحياة كلها أدب مع الله. قال له: يا بني نحن إلى أدبك أحوج منا إلى علمك، فالأدب مع الله أعلى درجة بالإيمان..

﴿ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ﴾

[ سورة النجم: 32]

ارتباط ارتقاء الإنسان بمعاهدة الله و الوفاء بعهده :

 توجد آيتان مؤثرتان، الآية الأولى:

﴿ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا﴾

[سورة ص: 44 ]

 عندما يصاب الإنسان بمصيبة ويصبر، ويحتسب، ويرضى عن الله، ولا يشكو هذه المصيبة لأحد، هذا يرقى عند الله.
 والآية الثانية هذه:

﴿ وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ﴾

[ سورة النجم: 37]

﴿وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ﴾

[سورة الأعراف: 102 ]

﴿ وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ﴾

[ سورة النجم: 37]

 إذا الإنسان عاهد الله ووفَّى بالعهد يرقى عند الله.

 

من يعلم أن الله موجود ويعلم وسيحاسب وسيعاقب لا يمكن أن يعصيه :

 المبدأ الأساسي في القرآن:

﴿ أَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾

 لا يوجد إنسان يُحاسب عن إنسان، ولا يوجد إنسان يتحمَّل شر إنسان، ولا يوجد إنسان يتحمل وِزر إنسان، ولا يوجد إنسان يعاقب ولا يد له في المشكلة، الله عزَّ وجل يحاسب كلاً على حدة، حتى لو كان الابن من زنا، فهو ليس له علاقة..

﴿ أَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾

 أيْ أنَّ ذنب أمه وأبيه لا يلحقانه، هو بريء، على الفطرة..

﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ﴾

[ سورة النجم: 39]

 هذه الآية هي أصل في الدين، أيْ لا يمكن أن يعمل إنسان عملاً عن إنسان، لو فرضنا شخصاً مريضاً واستحق الدواء، لو شرب صديقه هذا الدواء هل يُشفى المريض؟ لا يمكن إلا أن تأخذ الدواء أنت..

﴿ وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى ﴾

[ سورة النجم: 40-41]

 أنا أقول ثلاث كلمات: إن علمت أن الله موجود، ويعلم، وسيحاسب، وسيعاقب، لا يمكن أن تعصيه. موجود، ويعلم، وسيحاسب، وسيعاقب..

﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى ﴾

[ سورة النجم: 39-41]

الضحك من إكرام الله لعبده :

 الآن:

﴿ وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى ﴾

[ سورة النجم: 42-43]

 كل واحد منكم إذا كان جالساً مع أصدقائه، مع إخوانه، مع جيرانه، مع أولاده، مع زوجته فضحكوا، يجب أن تذوب شكراً لله أن سمح لك أن تضحك، لأنه ليس لديك مشكلة، لا توجد مشكلة كبيرة، لا يوجد بيت لا يوجد فيه مشكلة، ولكن لا توجد مشكلة كبيرة، أما لو جاء مرض عضال للبيت فلم يعد هناك ضحك إطلاقاً، لو صار إفلاس كامل، لو إنسان فقد حريته كلياً، لو فقد أعز أحبابه انتهى الضَحِك، أما ربنا فيقول لك: عندما تضحك أنا سمحت لك..

﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى ﴾

[ سورة النجم: 43]

 مادام سمح لك أن تضحك معنى هذا أن الله عزَّ وجل كرَّمك..

﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا * وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى ﴾

[ سورة النجم: 43-46]

ما يجزئ عن سجود التلاوة أثناء الصلاة :

 يوجد حكم شرعي سأله الأخ شادي جزاه الله خيراً: لو فرضنا انتهت القراءة بآية سجدة، الركوع والسجود وحده يكفي؟ وصلنا

﴿ وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ * فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا ﴾

 نركع ونسجد كالعادة، هل يوجد حاجة لنسجد ثم نقف ونقرأ كلمة واحدة من سورة ثانية ونتابع؟
 الحكم الشرعي: أنك إذا أنهيت قراءتك بآية سجدةٍ فركوع الركعة وسجودها يجزئان عن سجود التلاوة.

 

تحميل النص

إخفاء الصور