وضع داكن
16-04-2024
Logo
رمضان 1420 - خواطر إيمانية - الدرس : 46 - من سور الأحقاف محمد الفتح الحجرات الذاريات - الإنسان خُلِقَ للعمل الصالح.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

العمل الصالح لا يكون صالحاً للعَرْض على الله إلا إذا كان خالصاً وصواباً :

 أيها الأخوة الكرام؛ حقيقةٌ ناصعة وهي أن الإنسان خُلِقَ للعمل الصالح لأنه ثمن الجنة، ولأنه ثمن الصلة بالله عزَّ وجل..

﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا﴾

[سورة الكهف:110]

 ولأنه الزَّاد إلى الآخرة، بل لأن علة وجودك في هذه الحياة الدنيا أن تعمل عملاً صالحاً تَلْقَى الله به.
 ولكن ما تعريف العمل الصالح؟ في هذه الآية الكريمة في سورة الأحقاف، يقول الله عزَّ وجل:

﴿ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ﴾

[سورة الأحقاف: 15]

 العمل الصالح لا يكون صالحاً للعَرْض على الله، ولا يكون ثمن الجنة إلا إذا كان صواباً - أي وفق منهج الله، ووفق سُنَّة رسول الله - أما يانصيب خيري مثلاً، وحفلة غنائية ريعها للأيتام، فهذا عملٌ ليس وَفْقَ منهج الله، أن يكون العمل صالحاً، وأن يكون خالصاً، فالعمل الصالح لا يُقْبَل إلا إذا كان خالصاً وصواباً، خالصاً؛ ما ابتغي به وجه الله، وصواباً ما وافق السُنَّة.

 

حجم الإنسان عند الله بحجم عمله الصالح :

 الآن.. كل إنسان له مَقْعَد عند الله، أو له حَجم، أو له مرتبة، أو له مكانة، أو له درجة، سمّها ما شئت، المُسمَّى واحد والأسماء مختلفة، هذه المكانة كيف تُحَصِّلها؟ بقراءةٍ تقرؤها؟ بطلاقة لسانٍ تلقيه؟ بحجمٍ؟ بمكانةٍ؟ بأي شيء؟ قال:

﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا﴾

[سورة الأحقاف: 19 ]

 هذه حقيقة ثانية، العمل الصالح لا يقبل إلا إذا كان خالصاً وصواباً، والعمل الصالح هو الذي يحدد مكانتك عند الله، فحجمك عند الله بحجم عملك الصالح..

﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾

[ سورة الأنعام: 132]

من استغنى عن الله أوكله الله لنفسه :

 الشيء الثالث: الكافر مهما يكن ذكياً، مهما تكن أمامه معلوماتٍ دقيقة، مهما تكن مُحاكمته حادَّة، مهما استعان بالخبراء لابدَّ من أن يرْتَكب حماقة، ولابدَّ من أن يكون تدميره في تدبيره، ولابدَّ من أن تدور الدائرة عليه، ذلك لأنه استغنى عن الله عزَّ وجل فأوكله الله إلى نفسه، قال تعالى:

﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴾

[ سورة محمد:1]

 بالمقابل..

﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾

[سورة البقرة: 269 ]

 فأكبر تخل عن الله للكافر أنه أضلّ عمله، وأكبر دعم للمؤمن أنه ألهمه الحكمة، فالكافر يتحَرَّك بِحُمْقٍ ولو كان ذكياً، ولو استعان بكل من حوله، والمؤمن يُلْهَم الحكمة..

﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾

[سورة البقرة: 269 ]

أنواع الهدى :

 أيها الأخوة؛ الهدى أربعة أنواع؛ الأول: أن الله هدى الإنسان إلى مصالحه، أعطاه السمع، والبصر، والمحاكمة، وجهاز توازن، أعطاه أجهزة إحساس بالبرد والحر والضغط، وأعطاه ذاكرة، وأعطاه طلاقة لسان، هذه الأعضاء، والأجهزة، والحواس، والقدرات، والمؤهلات هذه من فضل الله عزَّ وجل، هداك إلى مصالحك عن طريق الحواس.
 الإنسان عندما يختل توازنه يوجد تصحيح توازن، هداك إلى مصالحك، عندما يجوع يحس بالجوع، ولو نقص الغذاء ولم يحس بالجوع يموت من الجوع وهو لا يشعر، يحس بالعَطَش، فهناك آلاف الأجهزة، والوسائل، والحواس من أجل أن تتحقق مصالحك، هذا أول هدى.
 الهدى الثاني: هدى الوحي.
 الهدى الثالث: هدى التوفيق.
 الهدى الرابع: إلى الجنة..

﴿ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ ﴾

[ سورة محمد:5]

 الآية تُعَد شاهداً على أن في الدنيا جنة هي جنة القرب..

﴿ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴾

[ سورة محمد:5-6]

﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴾

[ سورة محمد:8]

الله ولي الذين آمنوا يتولى أمرهم ويدافع عنهم :

 ثم يقول الله عزًّ وجل وهذه آيةٌ مؤثرةٌ جداً:

﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا ﴾

[ سورة محمد:11]

 أنت عندما آمنت فالله وليك، فالله يؤدِّبك، والله يُرشدك، والله يسعدك، والله يطمئنك، والله يربِّيك، والله يتولى أمرك ويدافع عنك، وليّك الله، إذا كان الله معك فمن عليك؟

﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ ﴾

[ سورة محمد:11]

 يتحرك حركة عشوائية، ليس له مرجعية، ليس له منهج، ليس له مبدأ، ليس له معين، ليس له نصير، ليس له من يدعوه، شتَّان بين حياة المؤمن وحياة الكافر.

 

من جاءه ما يكره والأمر بيد الله فالعلَّة في نفسه :

 الآن الآية الدقيقة:

﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾

[ سورة محمد:19]

 إياك أن تحقد على أحد، كل الأشقياء في الدنيا عِصِي بيد الله..

﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾

[ سورة محمد:19]

 كل من تراهم أقوياء هم بيد الله، قال تعالى:

﴿ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا﴾

[سورة هود: 96 ]

 لكن إذا جاءك ما تكره، والفعل فعله، معنى هذا هناك استنباط ثالث، إذا جاءك ما تكره والفعل فعله، ما معنى ذلك؟ معنى ذلك هناك ذنب، قال:

﴿ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾

  واللهِ أيها الأخوة لو لم يكن في كتاب الله إلا هذه الآية لكفت..

﴿ َاعْلَمْ﴾

  العقيدة لن تكون تقليداً، ولن تُقبل تقليداً، لم يقل: فقل، بل قال:

﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾

 فأيُّ شيءٍ أزعجك؛ بيد الله، وسمح الله به، والله الذي أمر به، ولكن ما الحل؟ الحل أن عندك مشكلة..

﴿ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾

 أي إذا جاءك ما تكره والأمر بيد الله فالعلَّة في نفسك..

﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ﴾

 المؤمن بحاجة إلى معنويات عالية جداً، أنت ولي الله، يقول الله عزَّ وجل:

﴿ فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ﴾

[ سورة محمد:35]

 فهل من المعقول أن تكون مع الله، وأن تكون محسوباً على الله، وأن تكون في ظل الله، وفي رعاية الله، وأن تكون في عَيْن الله، وأن تكون مُطَبِّقاً لمنهج رسول الله، وأن تقصد رضاء الله عزَّ وجل وتكون ذليلاً؟! وتكون في مؤخرة الركب؟!! هذا يتناقض مع كمال الله..

﴿ فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ﴾

[ سورة محمد:35]

***

الفوز العظيم هو الفوز بالآخرة :

 سورة الفتح، الآن دقق في هذه الكلمة:

﴿ لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ﴾

[ سورة الفتح:5]

 الآية واضحة..

﴿ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً ﴾

[ سورة الفتح:5]

 بربك ماذا ترى الفوز أنت؟ أحياناً ترى إنساناً اشترى أرضاً فتضاعفت عشرين ضعفاً، أو معه وكالة حَصْرِيَّة دخله اليومي مليون ليرة، أو، أو، هذا مقياس الفوز عند الناس، إن كنت مصدقاً لكلام الله، إن كنت مؤمناً يقول الله عزَّ وجل:

﴿ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً ﴾

[ سورة الفتح:5]

 الفوز العظيم أن تفوز بالآخرة، الفوز العظيم أن تكون في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر، الفوز العظيم أن ينتهي بك المطاف إلى الجنة، الفوز العظيم أن تكون في مرضاة الله، هذا الفوز العظيم، بكلام العظيم.
 أما إذا كان هناك مقياس آخر للفوز، فمقاييس أهل الدنيا؛ يقول لك: فوق الريح، بيته بالجنة، نزل واقفاً، شاطر، دبَّر حاله، ركَّز وضعه. هذه كلها مقاييس الناس ولو كان دخله حراماً؛ دبَّر وضعه، ركَّز أموره، أما عند الله فلا تكون فائزاً فوزاً عظيماً إلا إذا وصلت إلى الجنة..

﴿ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً ﴾

[ سورة الفتح:5]

﴿ سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا﴾

[ سورة الفتح:11]

 فإذا إنسان دعوته إلى الجنة قال لك: مشغول، مشغول، مشغول، والله تشعر أن عنده خللاً، هذا الشيء مصيري، هل هناك في الحياة شيءٌ يعلو على أن تعرف الله؟ هل هناك في الحياة الدنيا شيءٌ يعلو على أن تطيعه؟ أن تفهم منهجه؟ أن تعرف رسوله؟ هذا هو الفوز العظيم.
 الذي يقول لك: مشغول، إذا كانت هناك شركة فاتحة أبوابها من أجل أن تبيع، فجاء زبون سيشتري بخمسة ملايين، والله لا يوجد وقت لدينا، هل يفعل هذا أي تاجر؟! مستحيل، والله مرَّة قال لي أخ: بعت بضاعة أيقظت أولادي الساعة الواحدة مساء، حتى هيؤوا البضاعة الساعة الخامسة، بعثتهم إلى الشام من حلب، أي عشر ساعات عمل مستمر، لأنه يوجد زبون يريد بضاعة في اليوم التالي، فأنت مخلوق للعمل الصالح، ولمعرفة الله.
 الآن هل يعقل إذا دعيت إلى طاعة الله، إلى معرفة الله، إلى العمل الصالح تقول: مشغول؟! ما الذي شَغَلك؟

﴿ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا﴾

[ سورة الفتح:11]

 أيْ هذا استهزاء،

﴿ فَاسْتَغْفِرْ لَنَا﴾

  هناك أحد العلماء عنده دعابة قال لهم: يا أخوان يوجد عالم بالشام كان يحضر درسه ثلاثون شخصاً بالضبط، عندما توفي رحمه الله مشى بجنازته مليون شخص، لأنه قال لهم: أنا أسامحكم بجنازتي، لكن وأنا حي تعالوا لعندي، أنا بالجنازة أسامحكم، ما دمت أنا حياً تعالوا لعندي. عندما يموت نعرف قيمته، ولكن هو حي الآن، استفيدوا منه خلال حياته، فإذا كان بالدين مغانم تجد الناس كلها موجودة..

﴿ سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ﴾

[ سورة الفتح:15]

 إذا الدين أعباء، تكاليف، بذل، لا تجد أحداً، إذا فيه مغانم تجد الناس كلهم قد حضروا.

 

الإنسان قوي بمن حوله :

 الآن بربكم إذا كان خالق السماوات والأرض في عليائه رضي عن أصحاب رسول الله، بنص هذه الآية وفيهم أبو بكرٍ وعمر وعثمان وعلي، قال:

﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ﴾

[ سورة الفتح:18]

 فإذا رضي الله عن هؤلاء الصحابة الكبار، فهل هناك من إنسان يمكن ألا يرضى عنهم؟ مستحيل.
 هناك ملمحٌ في هذه الآية:

﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ﴾

  واضحة، لكن بعد قليل:

﴿ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ﴾

  من أين جاءت هذه الشدة ؟ قال:

﴿ وَالَّذِينَ مَعَهُ﴾

  الإنسان لوحده ضعيف، أما الجماعة فرحمة، وكل إنسان لوحده ضعيف، قوَّته من قوة من حوله..

﴿ مُحَمَّدٌ﴾

  أيْ مع أنه رسول الله..

﴿ وَالَّذِينَ مَعَهُ﴾

 بمجموعهم..

﴿ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ﴾

  لا تنتظر من إنسان لا يوجد حوله أحد أن يفعل شيئاً، هذا العمل الجماعي، فأنت قوي بمن حولك، قوي بإخوانك، قوي بالمُحسنين، قوي بالعلماء الذين حَوْلَك، قوي بالخبراء، فالإنسان كلما كان حوله الخبراء، والعلماء، والأقوياء كان هو قوياً، فأيّ عمل فردي لا ينجح، لابدَّ من عملٍ جماعي، يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار، وعليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.

***

الأحمق يبني قراره على حالة انفعال أما المؤمن فيبني قراره على تحقيق :

 سورة الحجرات، أيضاً هذه قاعدة اجتماعية..

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾

[ سورة الحجرات: 6]

 هذا شعار للإنسان في تعامله مع الناس..

﴿ قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنْ الْكَاذِبِينَ ﴾

[سورة النمل : 27]

 قبل أن تتخذ موقفاً، قبل أن تحكُم تحقق، والآن تسمعون بالأخبار إنهم أرسلوا لَجْنَة لتقصِّي الحقائق، الإنسان العاقل لا يتخذ قراراً إلا بعد تحقيق، تدقيق، معلومات دقيقة، عميقة، صحيحة، متوافرة، ثم يتخذ قراراً، الأحمق يتخذ قراراً دون تحقيق، إنسان يستفزه، يحمسه، يملؤه غيظاً مثلاً، ثم يتخذ قراراً، يكون الطرف الثاني مظلوماً، هذا من حُمْق الإنسان أن يبني قراره على حالة انفعال، أما العاقل فيبني قراره على تحقيق.

العلاقة بين المؤمنين أقدس علاقة في الأرض :

 أيها الأخوة... يقول الله عزَّ وجل:

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾

[ سورة الحجرات: 10]

﴿إِنَّمَا﴾

 أداة قَصْر، أيْ الأخوة الحقيقية، الصادقة، المستمرة، الخالصة لا تكون إلا بين المؤمنين، وأيّ علاقة أخرى بين غير المؤمنين علاقة مصلحة، علاقة عابرة، هذه العَلاقة تكون مع بقاء المَصْلَحة، فإن زالت زالت هذه العلاقة، أما المؤمن مع المؤمن فالعلاقة تكون عميقة، خالصة، حارة، متينة، يمكن أقدس علاقة في الأرض العلاقة بين المؤمنين.. " وجبت محبتي للمتحابين فيَّ، والمتجالسين فيَّ، والمتباذلين فيَّ، والمتزاوين فيَّ "..و: " المتحابون في جلالي على منابر من نور يغبطهم عليها النبيون يوم القيامة "..

 

التلاحم بين المجتمعات البشرية :

ثم قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾

[ سورة الفتح:13]

 أيْ أنَّ الله عزَّ وجل لحكمةٍ أرادها جعل بلاداً متنوعة؛ بلاداً حارة، بلاداً باردة، بلاداً فيها بترول، بلاداً فيها معادن، بلاداً فيها تكنولوجيا، بلاداً فيها خدمات، بلاداً فيها ثقافة عالية، بلاداً فيها عِلْم، بلاداً فيها قوة، بلاداً فيها ثروات طبيعيَّة، فتنوع هذه البلاد مع تنوع المزروعات، وتنوع المحاصيل، وتنوع الثروات من أجل التعارف، فهل تصدق أن أكبر قطر إسلامي في العالم اليوم إندونيسيا، سبب هدايته التجار المسلمون، أرادوا أن يبيعوا هؤلاء طعاماً، أو بضاعةً، فذهبوا إليهم، وأقاموا عندهم، ودَعَوهم إلى الدين، فكأن كلمة

﴿ لِتَعَارَفُوا﴾

 توزع الثروات في الأرض، تنوع المناخ من أجل أن يكون هذا التلاحم بين المجتمعات البشرية.

***

الاتصال بالله يملأ القلب رحمة فيصبح الإنسان محسناً :

 آخر آية في هذا اليوم إن شاء الله:

﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ ﴾

[سورة الذاريات:15- 16]

 تصور إنساناً قضى حياته في طاعة الله، في معرفة الله، في العمل الصالح، بصلاته، بصيامه، بزكاته، بإنفاقه، بتواضعه، بخدمته للخلق، استحق تكريم الله عزَّ وجل، انتهى التعب، انتهى الاستيقاظ على صلاة الفجر، انتهى غَض البصر، انتهى إنفاق الأموال، انتهى المَرَض، انتهى الكِبَر، انتهى الهَرَم، كل متاعب الدنيا انتهت وبقي العطاء، بقي العطاء، بقي التكريم..

﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ ﴾

[سورة الذاريات:15- 16]

 لكن ما هو السبب؟ قال:

﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ ﴾

[سورة الذاريات: 16]

 ثمن الجنة.

﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ﴾

  لكن لماذا كانوا محسنين؟ قال لأنهم:

﴿ كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ﴾

  هذا الاتصال بالله عزَّ وجل يملأ القلب رحمة، فيصير الإنسان محسناً، لا يتحمل شقاء الآخرين، لا يتحمل، قلبه رقيق، من اتصاله بالله صار محسناً..

﴿ كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ - وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾

[سورة الذاريات:17-18]

 ولكن لماذا استيقظوا على صلاة الفجر؟ ولماذا داوموا على هذه الصلوات؟ هم سُعداء بها، ولكن ما سببها؟

﴿ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُوم﴾

  أنفقوا أموالهم، فاتصلت نفوسهم بالله عزَّ وجل، فسعدوا بلقائه، فاشتقوا الرحمة منه، فكانوا محسنين.
 ولكن لماذا أنفقوا أموالهم؟ لأنهم عرفوا الله..

﴿ وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ﴾

 أقرب آيةٍ لهم..

﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾

 أَمَا خافوا أن يخسروا أرزاقهم؟ فلا.

﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُون﴾

 أنت حينما تطلب العلم يتكفَّل الله لك برزقك. أنت في عين الله، وفي رعايته، تكفل الله لهم بأرزاقهم، آمنوا أن الله هو الرزَّاق، طلبوا العلم، عندما طلبوا العلم أنفقوا أموالهم، عندما أنفقوا أموالهم عقدوا مع ربهم الصِلَة، فلما عقدت هذه الصلة امتلأ قلبهم رحمةً، فأحسنوا، فاستحقوا الجنة.
 اقرؤوها قراءةً متأنية..

﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ * وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ ﴾

[سورة الذاريات:15- 23]

 واللهِ مرة أخ متقدم بالسن زارني، قدَّمت له ضيافة، والله الدعاء أعرفه جيداً، لكنه دعاه أمامي بطريقة اقشعرَّ جلدي منه، وهو يأكل هذه الضيافة قال: " سبحان من قسم لنا هذا ولا ينسى من فضله أحداً " أيها الشاب لا تخف، الله لا ينساك من فضله، أيتها الفتاة لا تخافي، ما دمتِ في طاعة الله لن ينساكِ الله من فضله، أيها الأب ما دمت تطعم أولادك الحلال فالله لن ينساهم من فضله، الله سميع، مجيب، قريب، عليم، حكيم، رب العالمين رب كل شيء، الآية الكريمة:

﴿ فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ ﴾

[سورة الذاريات:23]

تحميل النص

إخفاء الصور