وضع داكن
29-03-2024
Logo
رمضان 1420 - خواطر إيمانية - الدرس : 26 - من سورة الإسراء - الصدق.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

  الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .

بطولة الإنسان بثباته :

 أيها الأخوة الكِرام؛ قولُهُ تعالى:

﴿ وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً ﴾

[سورة الإسراء : 80]

 في الآية ملمح دقيق جداً، لِمَ لم يقُل اللهُ عزّ وجل: ربي اجعلني صادقاً وانتهى الأمر؟ قالَ: أدخلني صادقاً وأخرجني صادقاً؟ ذلكَ أنَّ أُناساً كثيرين يدخلونَ إلى عملٍ ما صادقين، أمّا إذا خَرَجوا فخرجوا كاذبين، فالبطولة بالثبات، قد تُنشئ مثلاً مشروعاً خيريّاً، وفي نيّتِكَ أن يكونَ لِوجهِ الله، وأن تنفعَ بِهِ المسلمين، فحينما ترى أنكَ أصبحتَ قوياً، ولَكَ دخلٌ كبير، قَسَا قلبُك، وأصبحتَ ماديّاً، وأصبحَ هذا المشروع الخيري استثماريّاً، طبعاً هناك آلاف الأمثلة، دخلَ صادقاً وخَرَجَ كاذباً، فالبطولة أن تدخُلَ صادقاً، وأن تخرُجَ صادقاً في كُلِّ عمل، حتى في حقلِ الدعوة، الصعود إلى القمة يحتاج إلى جهدٍ كبير، لكنَّ السقوط من القمة إلى الحضيض يتمُّ في ثانيةِ واحدة، فليست البطولةُ أن تَصِلَ إلى القمة بل أن تبقى فيها، والبقاءُ في القِمةِ يحتاجُ إلى يقظةٍ شديدة، وإلى دقةٍ، وإلى ثباتٍ، وإلى مراقبةٍ للهِ عزَّ وجل، فالنبيُ الكريم مكةُ التي ناصبتهُ العِداء عشرينَ عاماً ثمَّ فَتَحَهَا، لم تأخُذهُ نفسيّةُ الفاتحين، بل دَخَلَها مُطأطِئ الرأس تواضُعاً للهِ عزّ وجل، كانَ نقياً وهوَ ضعيف، وبَقِيَ نقياً وهوَ قوي، كانَ نقياً وهوَ فقير، وبَقِيَ نقياً وهوَ غني، فالعِبرة الثبات، وأحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ أدوَمُها وإن قلّ، حتى أحوال النفس، الافتقار إلى الله مع الضعف طبيعي أمّا أن تبقى مفتقراً وأنتَ قوي فهذا يحتاج إلى بطولة، الافتقار وأنتَ فقير طبيعي، أمّا أن تفتقر وأنتَ غني فهذا إدراك عميق جداً لِضعف الإنسان، وأنتَ في أوجِ قوتك، وأنتَ في أوجِ نجاحِك، وأنتَ في أوجِ غِناك يجبُ أن تكونَ مفتقرِاً إلى الله، لِئلا تُؤدّب، رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ، هذهِ واحدة.

 

اليأسُ ضعفٌ في العقيدة ونسيان اللهَ ضعفٌ في الإيمان :

 أيها الأخوة؛ قالَ علماء التفسير: حيثما وردت كلمة الإنسان معرّفةً بأل فهوَ الإنسانُ قبلَ أن يؤمن:

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً ﴾

[سورة المعارج: 19]

﴿ وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوساً ﴾

[سورة الإسراء : 83]

 الإنسان إذا أنعَمَ اللهُ عليه يستغني عن الله، يصبح ليس بحاجة لله فيما يتوهّم:

﴿ وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوساً ﴾

[سورة الإسراء : 83]

 الشر من أجلَ أن تشفى، الشر من أجلِ أن تقتَرِبَ من اللهِ عزَّ وجل، فهذا النموذج مرفوض، بالإنعام ينسى، مع الشِدّة ييئس، اليأسُ ضعفٌ في العقيدة، وأن تنسى اللهَ عزّ وجل أيضاً ضعفٌ في الإيمان.

 

من لا يؤمن بالكون في وضعِهِ الراهن لن يؤمِنَ باللهِ إذا خُرِقت نواميسُه :

 الآيات التي بدأت:

﴿ وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيراً * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلاً * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً ﴾

[سورة الإسراء : 90-93]

 أي هذا الذي لا يؤمن بالكون في وضعِهِ الراهن لن يؤمِنَ باللهِ إذا خُرِقت نواميسُه، الكون في وضعِهِ الراهن أكبر معجزة، فإن لم تؤمن بما هوَ قائم لن تؤمن بِخرق هذهِ النواميس، فالنبيُ عليهِ الصلاةُ والسلام إنما هوَ بشرٌ مثلُنا:

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾

[سورة الكهف: 110]

 لولا أنّهُ بشر، وتجري عليه كُل خصائص البشر لَما كان سيّدَ البشر، فأمّا أن تُطالِبَ ربّكَ بمعجزةٍ تُخرَقُ بِها نواميسُ الكون كي تؤمن فأنتَ لم تعرف هذا الكون الذي هوَ أكبرُ دالٍّ على اللهِ عزّ وجل.

 

أفعالُ اللهِ شهادَتُهُ :

 يوجد سؤال:

﴿ قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً ﴾

[سورة الإسراء : 96]

 الله كيف يشهد؟ شريكان ظَلَمَ أحدُهما الآخر، فقالَ لَهُ المظلوم: كفى باللهِ شهيداً بيني وبينك، مثلاً زوجان ظَلَمَ أحدُهما الآخر قالَ الطرف المظلوم: كفى باللهِ شهيداً بيني وبينك، ما معنى هذهِ الآية؟ أي إذا كان هناك اثنان اختلفا واحتكما إلى اللهِ عزّ وجل، فِعلُ اللهِ هوَ الحاكم، هوَ الشهادة، يُوفّق المظلوم، ويُعسّر أمر الظالم، دائماً إذا كان هناك خِلاف "كفى باللهِ شهيداً " شهادةُ اللهِ أفعالُهُ، فقد تأتي أفعالُ اللهِ التوفيق والتيسير والدعم والتأييد للمظلوم، وقد يأتي الإفشال والإخفاق للظالم، فأفعالُ اللهِ شهادَتُهُ:

﴿ قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً ﴾

[سورة الإسراء : 96]

أنواع الهدى :

 أيها الأخوة :

﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾

[سورة الكهف: 13]

 العلماء قالوا: الهُدى أربعةُ أنواع؛ أول هُدى الهُدى إلى مصالح المخلوق، فالإنسان أعطاه الله سمعاً وبصراً، أعطاه جِهاز توازن، أعطاه فِكراً، هذهِ الحواس والأجهزة والفِكر هذهِ هِدايةُ اللهِ لِمصالِح الإنسان:

﴿ قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾

[سورة طه:49- 50]

 هذهِ أول هِداية، ثمَّ تأتي هِداية الوحي، اللهُ عزَّ وجل حينما يُنزِّلُ جبريل عليهِ السلام على قلبِ النبي صلى اللهُ عليه وسلم بالقرآن الكريم فهذهِ هِدايةُ اللهِ للبشر .
 الهِداية الثالثة هِدايةُ التوفيق؛ وهذهِ الآيةُ دليلُها:

﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾

[ سورة الكهف: 13]

 أنتَ حينما تطلُبُ من اللهِ الحقيقة ربُنا جلَّ جلالُه بطريقةٍ عجيبة يُيّسر لكَ الوصول لهذهِ الحقيقة، يجمَعُكَ مع أهلِ الحق، يمنَحُكَ وقتَ فراغٍ تطلُبُ العِلم، يُمِدُكَ بمالٍ يُغطي حاجاتِك، أي حينما تطلُبُ الهِداية تُفتح لكَ الأبواب، أحدُ هذهِ الأبواب الرِزق: " من طَلَبَ العِلمَ تكفلَّ اللهُ له بِرِزقِهِ " يُيسّر لهُ الرِزق فيكفيه، يُيسّر لَهُ وقت فراغ، يُيسّر لَهُ أُناساً صادقين مخلصين، يُيسّر لَهُ أن يصل إلى الحقيقة إمّا بالتفكُر، أو باللقاء مع العلماء، أو بالقراءة، لابُدَّ للذي يطلب الحقيقة أن يَصِلَ إليها هذهِ نُقطة واحدة، الهُدى هُدى التوفيق، هناك هُدى المصالح وهُدى الوحي وهُدى التوفيق، ثُمَّ الهُدى إلى الجنة:

﴿ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴾

[سورة محمد: 5-6]

 أول هُدى هُدى الأجهزة والحواس والملكات والقُدرات، وثاني هُدى هُدى الوحي، والثالث هُدى التوفيق، والرابع الهُدى إلى الجنة.

التقليب من آيات الإعجاز في القرآن الكريم :

 طبعاً من إعجاز القرآن العلمي أنَّ الإنسان إذا نام بحسب قواعد الميكانيك هناك هيكل عظمي، وفوقهُ لحم وعضلات وشحوم، وتحتهُ عضلات وشحوم، وفي الجسم أوعية دموية، فالجهاز العظمي وما فوقَهُ من عضلاتٍ وشحوم ودهون هذهِ لَها وزن تضغطُ على العضلاتِ والدهون التي تحتَ الجهاز العظمي، ما الذي يحصل؟ الأوعية تضيقُ لمعَتُها، فإن ضاقت لمعَتُها ضَعُفت التروية، إذا الإنسان جلس في درس على ركبتيه ساعة يقول لك: نملّت قدماي أو خضرت، ما الذي حصل؟ ضعُفت التروية، وقد يفقِدَ الإنسانُ الحِسَ بقدمِهِ إذا جَلَسَ عليها مدةً طويلة، فمن أجلِ هذا اللهُ عزّ وجل جَعَل للإنسان مناطق تحسس للضغط، فعندما تنضغط العضلات والدهون التي تحت الجهاز العظمي هذهِ الأماكن أماكن الضغط تُرسل إشارة إلى الدماغ، الدماغ وأنتَ نائم يأمر الجسم فينقلب على جنبِهِ الآخر، فالذي كانَ مضغوطاً يرتاح، ينضغط القسم الثاني تُرسل إشارة إلى الدماغ يُعطي أمراً فينقلب قلبة ثانية، تصوّروا إنساناً نائماً تقلّب ثمان و ثلاثين مرة، لكن أروع ما في التقلّب تارةً نحوَ اليمين، وتارةً نحوَ الشِمال، وإلا وقع من على السرير، على اليمين يقع:

﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ﴾

[سورة الكهف: 18]

 أيها الأخوة: أهلُ الكهف بشر، لولا أنَّ اللهَ قلّبَهُم ذاتَ اليمين وذاتَ الشِمال ما لَبِثوا ولا شهر، الآن إذا مريض معهُ سُبات أول وصفة لهُ التقليب، الآن هناك فِراش يُقلّب لوحده، أما من دون تقليب فالإنسان يتفسّخ لحمُهُ ويتحلل، يصبح اللحم يُنزع باليد، وكُل مريض معهُ سُبات أو معهُ شلل ولا يوجد من يعتني بِهِ يذهب لحمُهُ تفسخاً وتحللاً، فهذهِ الآية من آيات الله الدالة على عظمتِهِ، لولا أنَّ أهلَ الكهف قلّبهُم اللهُ تارةً ذاتَ اليمين وتارةً ذاتَ الشِمال لَما بقوا ثلاثمئة عام، فهذهِ من آيات الإعجاز.

 

من بحث عما سَكَتَ اللهُ عنه فقد أفسد على اللهِ حِكمَته :

 أما النقطة الدقيقة فهي:

﴿ سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِراً وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً ﴾

[سورة الكهف: 22]

 يا ربي لو قُلت أنت: لقد كانوا سبعةً وانتهى الأمر، الله لم يجب، لِمَ لم يُجب؟ اللهُ يُعلِّمُنا أنَّ التفاصيل والجُزئيات والأمكنة والأزمنة التي أغفَلَها اللهُ عزّ وجل ما أغفَلَها إلا لِحكمةٍ كبيرةٍ جداً، أغفَلَها من أجلِ أن يغدوَ هذا الشخصُ الذي يتحدثُ عنهُ القرآنُ نموذجاً بشريّاً متكرراً، أما لو أكثَرَ من التفاصيل والجزئيات والحيثيات والأمكنة والأزمنة لصارت قِصةً تاريخية وقعت ولن تَقَعَ مرةً ثانية، إنكَ لن تستفيدَ من قِصةٍ تاريخية، ولكنَّ الذي يُفيدُكَ نموذجٌ بشريٌّ متكرر، نُقطة دقيقة جداً، فإذا بحثتَ عما سَكَتَ اللهُ عنه فقد أفسدتَ على اللهِ حِكمَتَه، هذا ذي القرنين ما اسمُهُ الحقيقي؟ في أي بلاد ظَهر؟ أهلُ الكهف كم شخص؟ بأي عصر كانوا؟ مع أي ملك كانوا؟ من هوَ الملك الذي كانَ يخافونَهُ؟ هذهِ التفاصيل لا تُقدّم ولا تُؤخّر، الأَولى أن تسكُت عن أيِّ شيءٍ سَكَتَ اللهُ عنه، إنكَ إن فعلتَ هذا احترمتَ حِكمةَ اللهِ عزّ وجل.
 أنا مرة كُنت أضرب مثلاً عن أستاذ في الجامعة في كلية الاقتصاد، أديب وعالِم، ألقى درساً على طُلابِهِ في أصول التجارة، قالَ: أعرِفُ صديقاً لي اشترى محلاً في أماكن تزاحم الأقدام، في مركز المدينة، واختارَ بِضاعةً أساسيّةً في حياة الناس، أي اختار طعاماً وليسَ أحواض سمك مثلاً، وهذا أساسي في حياة الناس، واختارَ أفضلَ الأنواع، ووضع لها سعراً معتدلاً، مدروساً، ولم يُقرض باعَ نقداً، وكانَ لطيفاً في المعاملة، فَرَبِحَ أرباحاً جيدةً، واشترى بيتاً وتزوّج، وعاشَ في بحبوحة، فسألَهُ طالب: ما اسمُهُ يا أستاذ؟ هل هوَ طويل أم قصير؟ أبيض أم أسمر؟ هل يقرَبُكَ؟ كُلُ هذهِ الأسئلة ليس مقصودة، أرادَ الأستاذ أن يقول لَكَ: إن أردتَ أن تُتاجر فليكن مكانُكَ في مكان تزاحم الأقدام، واختر بِضاعةً أساسيّةً، واختر أجوَدَ أنواعِها، وليكن سعرُكَ معتدلاً، وإيّاكَ أن تُقرِض، بِعْ نقداً وطيّب معامَلَتِكَ للناس، القِصة هَدَفُها أن أنقُل لكَ هذهِ الحقائق فأنتَ حينما تسألُني عن اسمِ هذا الشخص، وعن طولِهِ، وعن لونِهِ، أنتَ بعيد جداً عن مغزى هذهِ القصة، فحينما نبحثُ عن حقائِقَ، أو عن تفاصيل وجزئيات سَكَتَ اللهُ عنها فهذا من ضعفِ فهمِنا لِحِكمةِ اللهِ عزّ وجل، اسكت عن شيءٍ سَكَتَ اللهُ عنه، هذهِ امرأة العزيز ما اسمُها؟ والله لا أعرف ما اسمُها، لم أكن حاضراً في ذلك الوقت، هل تزوجها سيدنا يوسف؟ والله لا أعرف، دائماً هناك أسئلة، أسئلة فضولية، والعوام عندما يبحثونَ في الدين يُهلِكونَك بالأسئلة، أسئلة لا غاية منها، سيدنا موسى من كانَ والِدُهُ فرضاً؟ والله لا أعرف من والِدهُ، يوجد طالب سألوه: من قَتَلَ عُثمان؟ فأجاب: والله لستُ أنا يا أستاذ، فالأستاذ انزعج كثيراً، والدرس درس تاريخ فأخذهُ إلى المدير، وقالَ لَهُ: انظر ماذا قالَ لي؟ فقالَ المدير: قد لا يكون هو، هذهِ معنى قولِهِ تعالى:

﴿ سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِراً وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً ﴾

[سورة الكهف: 22]

 لا تسأل عن شيءٍ سَكَتَ اللهُ عنه، احترم حِكمةَ اللهِ عزّ وجل، كُن في مغزى القِصة، في جوهَرِها، في صُلبِها، التفاصيل قد تكون عِبئاً، أيضاً:

﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً ﴾

[سورة الكهف: 25]

 لو حسبتَ بِدقةٍ إذا ثلاثمئة سنة ميلادية لكانت ثلاثمئة وتسع هجرية، وهذا أيضاً إعجاز القرآن العلمي .

 

قوانين الله ثابتة لا تتبدل :

 الآن:

﴿ وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً ﴾

[سورة الكهف: 27]

 اللهُ لَهُ كلمات، كلماتُ اللهِ سُنَنُهُ وقوانينُهُ، وهذهِ القوانين لا تُبدّل، ولا تُعدّل، ولا تُلغى، ولا تُجمّد، ولا تُطوى، ولا يُضافُ عليها، ولا يُحذفُ منها، فكُل بطولتك أن تكشِفَ هذهِ القوانين، قانون التيسير:

﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾

[سورة الليل5-7]

 قانون الحياة الطيبة:

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾

[سورة النحل : 97]

 قانون العداوة والبغضاء:

﴿ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾

[سورة المائدة: 14]

 قانون كيد الكفار:

﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً﴾

[سورة آل عمران: 120]

 إذا كشفتَ هذهِ القوانين في القرآن وتعاملتَ معها، قوانين قطعية، هذهِ القوانين قننّها خالِق الكون، وزوالُ الكون أهونُ على اللهِ من أن تُعطّل:

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾

[ سورة النحل : 97 ]

 بأي عصر، وبأي مِصر، وبأي بلد، وبأي ظرف، فوقَ المكانِ والزمان هذا القانون، ما دُمتَ مؤمناً، واستقمتَ على أمرِ الله، فلَكَ عِندَ اللهِ حياةٌ طيبة، الآن قانون المعيشة الضنك:

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً﴾

[سورة طه : 124]

 لو وجدتَ إنساناً في الأرض سعيداً وهوَ مُعرِض عن الله فاعلم أنَّ هذهِ الحالة مستحيلة:

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً﴾

[سورة طه : 124]

 أي مجيئكُم لِهذا المسجد باركَ اللهُ بِكُم هذهِ الآية رائعة:

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾

[سورة االكهف: 28]

 الإنسان أحياناً يسهر في مكان جميل فيه مرح مثلاً، فيهِ ضيافة ثمينة، فيه جلسة مريحة... إلخ عندما يُؤثر بقاؤُهُ في البيت ويأتي إلى بيت الله ماذا فعل؟

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾

[سورة االكهف: 28]

 هذا توجيه للمؤمنين، طبعاً هذهِ الآية بِسياقِها لها معنى، أما إذا نزعناها من سِياقِها وحدها فلَها معنى آخر، معناها الآخر كُن معَ المؤمنين:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾

[سورة التوبة: 119]

الأشياء التي يمكن أن نتعلمها من قصص القرآن الكريم :

 صاحِبُ الجنتين الذي دَخَلَ جنتَهُ، وهوَ ظالِمٌ لِنفسِهِ، والذي دَخَلَ لِجنَتهُ وهوَ مؤمنٌ بِربِهِ، البون شاسع جداً بينَ إنسان آتاهُ اللهُ الدنيا وكانَ مؤمناً، وكانَ شاكراً، وكانَ متواضعاً، وكانَ سخيّاً، وكانَ مفتقراً إلى فضلِ اللهِ عزّ وجل، وبين إنسان آتاهُ اللهُ الدنيا فاستغنى بها عن اللهِ عزّ وجل، فدمَّرَهُ اللهُ عزّ وجل .
 وقصة سيدنا موسى مع الخَضر، سيدنا موسى معهُ الأمرُ التكليفي، وسيدنا الخَضر معهُ الأمر التكويني .. اختلفوا .. سيدنا موسى بِحسب الأمر التكليفي ما فَعَلَهُ الخَضر خِلاف الأمر التكليفي فاعترض، واعترض لِحق، لما سيدنا الخَضر أبلَغَهُ أنَّ اللهُ خَصَّهُ بِمعرفة الأمر التكويني وحِكمَتِهِ اعتذر سيدنا موسى، القِصة مغزاها قد تأتي الأمور على غيرِ ما تُريد، لا تستعجل، انتظر لعلَّ الخير فيما كانَ قد أزعَجَكَ، وأوضح مثل خَرق السفينة، الآن إذا شخص يركب مركبتِهِ، وشخص أشارَ لَهُ وأحبَّ أن يركبهُ مجاناً، وعمل طيباً، هذا الشخص الراكب الضيف أخرجَ مطرقة كَسَرَ بلور السيارة، هل هناك عمل فيهِ تنكر للجميل كهذا العمل؟ بعد حين هناك حاجز، هذا الحاجز كُل سيارة سليمة كانت تصادر نهائياً، وجدوا البلور مكسوراً فقالوا: أنتَ امشِ، في كسر البلور أنقَذَ سيارَتَك، وعندما عَرَفَت الحقيقة شَكَرَته، قد يأتي شيء يُزعِجُكَ أشدَّ الإزعاج، وقد يكونُ الخيرُ كامِناً فيهِ، لا تستعجل، هذهِ القصة تُعلمنا أشياء كثيرة.
خرق السفينة وقتل الغُلام، أحياناً تموت بنت: يقولون: إنَّ الأب مُعلّق بِها تعلّقاً غير طبيعي، جميلة جداً، لطيفة جداً، لو كُشِفَ للأب أنَّ هذهِ البِنت إذا كَبِرت ربما تزني ألا يرضَى بحُكمِ اللهِ في هذا؟ يرضى مباشرةً، أنا أُريد وأنتَ تُريد واللهُ يفعل ما يُريد، احترم مشيئة الله عزَّ وجل، هذهِ القصة بليغة جداً إن كان في موت، أو في مال، أو في حاجات، خرقُ السفينة، وبناءُ الجدار، وقتلُ الغلام خيرٌ مُطلق، ظاهر الشيء عمل غير صحيح، أُناس بَخِلوا أن يُطعِموكَ لُقمةً شيّدتَ لهم جدار مجاناً، وهذا الغلام بريء، صغير، قُتِل:

﴿ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً ﴾

[سورة الكهف: 80]

 والسفينة خرقُها معروف، هذا في موضوعِ قصة الخَضر وسيدنا موسى.
 الآن ذو القرنين جَعَلَهُ الله حاكماً كبيراً، وأثنى الله عليه جداً، أي إذا شخص مكنه اللهُ بالأرض، وطبّق منهج الله، لَهُ أجر كبير جداً، أي منهج الله يسع كُل الفِئات، حتى أعلى إنسان لو طبّقَ منهَجَ الله، ونَفَعَ الناس لَهُ عِندَ اللهِ مقامٌ كبير، أيضاً هذا درس ثان، هذا درس للممكنينَ في الأرض، كُل إنسان اللهُ مكّنَهُ، جَعَلَهُ مثلاً في منصب مدير عام، مدير مؤسسة، مدير مدرسة، مدير مستشفى، وزير، ممكن أن تكون إنساناً عظيماً جداً وأنتَ مع الله، وفي خِدمةِ الخلق، تجعل كُل إمكانياتِك في خِدمة المسلمين، فهذا درس ثالث بليغ، أنا أُريد قرآناً نعيشُهُ وليسَ قرآناً نقرؤهُ، ولا تَقِف عِندَ دقائِقِ معانيه، كُل قِصة تعني شيئاً، وتعني شيئاً في حياتنا اليومية، في حياتنا المادية والمعنوية والروحية، فهذا الذي أُريدُ أن يكونَ واضحاً لديكم إن شاء الله .

 

تحميل النص

إخفاء الصور