وضع داكن
20-04-2024
Logo
رمضان 1420 - خواطر إيمانية - الدرس : 24 - من سورة النحل - الفعل الماضي في القرآن.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

كل وعد ووعيد من قِبَلِ المولى يعد و كأنه قد وقع وانتهى :

 أيها الأخوة... الآية الأولى في سورة النحل، هي قوله تعالى:

﴿ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ ﴾

[ سورة النحل :1 ]

 " أتى " فعل ماض، وقع في الماضي، ثم يقول الله عز وجل:

﴿ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾

[ سورة النحل :1 ]

 أي لم يأتِ بعد، يستنبط من هذا الآية أن الشيء الذي وعد الله به عباده آتٍ لا محالة، بل كأنه يأتي، بل كأنه قد أتى وانتهى، هذا وعد الله.
 يوجد آية أخرى تقترب من هذا المعنى:

﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ﴾

[ سورة الفيل :1]

 هل رأيتم هذا أنتم؟ ولا أنا، ولا أحد، يجب أن تأخذ خَبَر الله على أنك قد رأيته، مَن المُتكلم؟ الله خالق الكون، فوعد الله؛ وعد المؤمن بالجنة، وعد الكافر بالنار، وعد المؤمن بحياةٍ طيبةٍ في الدنيا، وعد الكافر بمعيشةٍ ضنك، فكل وعدٍ ووعيد من قِبَلِ المولى جل وعلا يجب أن تعدّه وكأنه قد وقع وانتهى، هذا معنى قوله تعالى:

﴿ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾

 كل متوقعٍ آت، وكل آتٍ قريب، يتضح هذا المعنى في الفصول الأربعة، فهذا رمضان، صمنا اثني عشر يوماً دون أن نشعر ثم عشرين ثم ثلاثين، والآن انتهى، جاء العيد، انتهى العيد، عُدنا إلى أعمالنا، هكذا الوقت يمضي سريعاً، لذلك ما مضى فات، والمؤمّل غيب، ولك الساعة التي أنت فيها، لا نملك إلا هذه الساعة، من منا يضمن أن يعيش إلى غد؟ أحد أخواننا الكرام حدثني قال لي: صليت الفجر في جامع الشافعي، هناك أخ مؤمن كريم، عنده دعابة، كلما خرجنا من المسجد له طرفة يُلقيها، قال لي: في أحد الأيام صلينا معاً، وخرجنا معاً، لمحته وقت الظهر في أحد مواقف السيارات، قال: والله الذي لا إله إلا هو صليت عليه صلاة العصر صلاة الجنازة، العصر كان تحت التُراب.
 ما مضى فات، والمؤمل غيب، ولك الساعة التي أنت فيها، المؤمَّل لا تملكه، والماضي لا جدوى من الحديث عنه، تملك هذه الساعة.

 

تذليل الأنعام للإنسان :

 يوجد تركيز على كلمة " لكم "، أنت برمضان دعوت إنساناً كريماً له عندك مكانة كبيرة، هذه الدعوة على شرفه، وهذا الطعام صنع خصيصاً له، وله صدر المائدة، وكل شيء له، وأنتم تأكلون طرق الباب طارق، دخل، فدعوته إلى الطعام، هذا الداخل يأكل، وهذا الضيف الأول يأكل، ولكن هذا الطعام كله صنع خصيصاً للأول، هذا المعنى يستنبط من كلمة لكم..

﴿ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ ﴾

[ سورة النحل: 5 ]

 مصممة، بقرة، معمل يعمل بصمت، بلا ضجيج، وبلا دخان، تأكل أقل بكثير مما تعطي، تعطي من أربعين إلى خمسين كيلو حليب، الغذاء الأول الكامل، الذي قال عنه النبي: " اللهم زدنا منه " مشتقات الألبان تأتي أول غذاء، فهذه البقرة هل هي تصنع الحليب؟ الغدة الثديية على شكل قبة، فوق هذه القبة شبكة أوعية دقيقة جداً، الغدة الثديية لا أحد حتى الآن يعلم كيف تعمل، تنتقي من بين فرثٍ ودم المواد الأولية؛ بروتينات، سكريات، دهنيات، معادن، فيتامينات، وتصنع غذاء كاملاً، وترشح من تحت نقطة في جوف الثدي، فمن جعل هذا الحيوان الأليف؟ لو أنها توحشت لقتلتها.
 أحد أخواننا حدثني عن أخ في غوطة دمشق، عنده بقرة توحشت فقتلها، قتلت أول إنسان وثاني إنسان وهمت بقتل الثالث، فأطلق عليها النار وقتلها، ثمنها سبعون ألفاً، ما قيمة البقرة لو توحشت؟ قال تعالى:

﴿ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ ﴾

[ سورة يس :72]

 عند كل كلمة يوجد معنى، أولاً: صنعت خصيصاً لكم، ثم هي مُذللة لكم، لو أن الغنم بأخلاق الضباع، من يستطيع أن يربي غنماً؟ مستحيل، الضبع مخيف، أما الغنم فأليف، أخلاق الغنم تتناسب مع راحة الإنسان.

﴿ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ ﴾

[ سورة النحل: 5 – 6]

 طبعاً في عهد النبي عليه الصلاة والسلام:

﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً﴾

[ سورة النحل: 8]

 شخص يركب الآن سيارة فخمة جداً، موديل تسع وتسعون، ثمنها أربعة وعشرون مليوناً، يقرأ:

﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً﴾

[ سورة النحل: 8]

 لو أن هذا كلام نبي لانتهت الآية إلى هُنا، لأن هذا حَدّ عِلْم النبي لم يكن يوجد إلا الحيوانات، أما لأنه كلام الله فقد قال:

﴿ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة النحل: 8]

 تركب طائرة فيها ستمئة راكب، تركب اثنتي عشرة ساعة فوق البحار ضمن قوله تعالى:

﴿ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة النحل: 8]

 تركب سيارة فخمة، تركب قطاراً يمشي على ثلاثمئة وخمسين كيلو متر بالساعة، هذا كله تحت قوله تعالى:

﴿ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة النحل: 8]

 لأنه كلام الله، لأنه يعلم ما سيكون.

 

ارتباط صحة أجدادنا بالجهد العضلي مع الراحة النفسية :

 ولكن بالمناسبة جاءني أخ من أمريكا، وحدثني أنه رأى برنامجاً عِلْمِيّاً هو أن ركوب الخيل ينفي عن الإنسان أمراض القلب والكبد والكليتين، وأن هذه المركبة المريحة تجلب أمراض القلب والكبد والكُليتين، الإنسان مصمم على الحركة، كله مرتاح، مصعد، الآلات كلها كبس أزرار، غسالة أوتوماتيك، كله أوتوماتيك، حتى إذا لم تكن السيارة أوتوماتيك و يرتفع البلور بكبسة زر، يصبح الأمر صعباً، إذاً لم يعد هناك حركة.
 حدثني طبيب قال: يمكن أن نعزو أكثر أمراض العصر إلى شيئين؛ إلى الكسل العضلي والشدة النفسية، وهذا الآن متوافر بأعلى درجة، راحة، لا يوجد جهد عضلي إطلاقاً، كل أعمالنا مريحة، وشدة نفسية؛ قهر، وضغط، وخوف، وقلق. ونعزو صحة أجدادنا إلى الجهد العضلي مع الراحة النفسية، الإنسان يسعد براحةٍ نفسيةٍ وجهدٍ عضلي عال، فكما أن هذه المراتب مريحة جداً، وفخمة جداً، لكن يقابلها أن الخيل التي صُمِّمت لنا هذه تنفي عن الإنسان أمراض القلب والكبد والكليتين.

الإيمان بأن الله هو الأول و أنه أصل كل نعمة :

 في القرآن إشارات دقيقة جداً، تلاحظ أحياناً نهدم بناء، نبدأ من السطح، نكسر، نبذل جهداً جبّاراً، عندما هدم اليهود القنيطرة - قاتلهم الله - ماذا فعلوا ؟ أزالوا القواعد، فخر السقف من فوق البيت، انظر إلى هذه الآية ما أدقها:

﴿فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ﴾

[ سورة النحل: 26]

 هذه قضية هندسية، بدل أن تبذل جهداً كبيراً في تقطيع البناء قطعة قطعة، لو ألغيت قواعده لتداعى البناء.

﴿فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ﴾

[ سورة النحل: 26]

 لو الآية وسعتها، أحياناً الإنسان يتدمر لسبب تافه، لحكمةٍ أرادها الله، ليرينا الله آياته، يتدمر إنسان كبير، أو عمل كبير، أو إنجاز كبير، لأنه بُنِيَ على معصية، بُنِي في غضب الله لسبب تافه، فحينما أرسلوا مركبةً وسمّوها المُتَحَدّي، وراجعوها مرتين أو ثلاثة عد تنازلي، بعد سبعين ثانية كانت كتلةً من اللهب.

﴿ أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ﴾

[ سورة النحل: 45]

 هذه الزلازل مستقرة، بلاد جميلة جداً، خضراء، بحار، فنادق، دخل سياحي عال جداً، كل شيء فيها جميل، مياه غزيرة، أبنية فخمة، في بعض البلاد جيراننا الشماليون من أجمل بلاد العالم، فلما عصوا وبغوا الله عز وجل قال:

﴿ أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ﴾

[ سورة النحل: 45]

 فالإنسان تحت رحمة الله بلحظة، لو قلنا شدة الزلزال: أربعة، لابأس، خمسة خطر، سبعة لا يوجد شيء، جعل الله عاليها سافلها.

﴿ وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ﴾

[ سورة النحل: 51]

 هذه نقطة دقيقة جداً، اختر إلهاً يحميك، اختر إلهاً قوياً، معنى إله: مَنْ تعتقد أنه قوي، ليس شرطاً أن تقول: هذا إله. لا بل تقول: الله هو الإله. لكن لو اعتقدت أن إنساناً قوياً ينفعك أو يضرك، وأنه مستقلٌ بإرادته عن الله، أنت تعبده وأنت لا تدري، فإما أن تتخذ الله ولياً، وهو بيده كل شيء، وهو يحميك، أو أن تقع في حيرة.
 أحد ولاة البصرة كان عنده الحسن البصري، جاءه توجيه من يزيد، لو نفذ هذا التوجيه لأغضب الله عز وجل، ولو لم ينفذ هذا التوجيه لأغضب يزيد، فيعزله، ويقع في حرج شديد، فسأل الحسن البصري: ماذا أفعل؟ قال: " إن الله يمنعك من يزيد، ولكن يزيد لا يمنعك من الله ".
 كلام دقيق إذا شخص اتخذ إلهين، طبعاً هذا الشيء حقيقةً، لكن الإعلان لا، يقول: لا يوجد إلا الله عز وجل، هذا يقوله كل الناس، ولكن عملياً عندما تعصي الله من أجل إنسان أنت اتخذته إلهاً، رأيت إرضاءه وطاعته مغنماً كبيراً، فضَحَّيت بطاعة الله مِن أجله، اتخذته إلهاً وأنت لا تدري، فحينما تتخذ إلهين تقع في حرج شديد، وتقع في صراع، وتقع في دوَّامات، اتخذ إلهاً واحداً.

﴿ وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ﴾

[ سورة النحل: 51]

 إن الله يمنعك من يزيد، ولكن يزيد لا يمنعك من الله، الله عز وجل هو الأول، هو الآخر، مهما أوغلت في القِدَم هو الأول، إنسان خدمك، فمَن خلقه؟ الله عز وجل، من قواه؟ الله عز وجل، من أغناه؟ الله عز وجل، من ألهمه؟ الله عز وجل، من سمح له أن يعطيك؟ الله عز وجل، إذاً تجد الله قبل كل شيء، وإنسان اغتنى بعد ذلك يموت ثم إلى القبر، إنسان صار في منصب رفيع جداً يموت إلى القبر، إنسان يدور العالم كله يموت إلى القبر، فماذا في القبر؟ تصير إلى الله..

﴿ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ*ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ﴾

[سورة الغاشية: 25-26]

 فإذا آمنت بأن الله هو الأول، أحببته، لأنه أصل كل نِعْمَة، وإن آمنت أن الله هو الآخر أطعته، لأن المصير إليه، وإن آمنت بأنه الأول أحببته..

﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾

[ سورة النحل: 53]

 وإن آمنت بأنه الآخر أطعته، لأن مصيرك إليه، هذا معنى قوله تعالى:

﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ﴾

[ سورة النحل: 53]

الأنعام من آيات الله الدالة على عظمته :

 ثم قال تعالى:

﴿ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ﴾

[ سورة النحل: 66]

 أخ كريم أطلعني على بحث علمي: أن الإنسان يتم في جسمه عمليات احتراق دقيقة جداً، نواتج هذه العملية غاز الفَحم، يطرح عن طريق الرئتين والأنف، وتتم عمليات استقلاب، نواتج هذا الاستقلاب حَمض البول، هذا موجود في الدم، وفي الجهاز الهضمي يأخذ من المواد خواصها ويدع ما بقي، صار عندنا فرث غازي، وفرث مائع سائل، وفرث صلب، فهذا الدم فيه حمض بولي، وهو مؤذ، يطرح عن طريق الكليتين، فهذه الخلية الغدة الثديية تختار مواد الحليب الأساسية، من بين فرثٍ ودمٍ، يوجد فرث بالدم، وحمض بول..

﴿ لَبَناً خَالِصاً سَائِغاً لِلشَّارِبِينَ ﴾

[ سورة النحل: 66]

 حدثني أخ قال لي: ثدي البقرة قد يتسع لعشرين أو ثلاثين كيلو أو أربعين تقريباً، هذا الوزن يدعو إلى تمزيق هذا الجدار، فمدعمة بجدار وسطي مُنَصِّف، وجدار متعامد معه منصف هكذا جدار بجدار، وهناك أربع حلمات، لو أن البقرة لأربعة أشخاص، لو حلب كل واحدٍ منهم حُلْمَةً لأخذ الرُبع بالضبط، هذا الثدي حتى يتحمل هذه الكمية من الحليب مدعم بجدار داخلي منَصِّف، وجدار متعامد معه مُنَصِّف.

الفرق بين العدل و الإحسان :

 نحن بقضايانا اليومية نختلف، يقول الله عز وجل:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾

[ سورة النحل: 90]

 إذا كان هناك قضية لو طبقت العدل حرمت الإنسان، ولكنك أيضاً أنت مأمور بالإحسان، هذه الآية تحل مليون مشكلة، له عندك حق محدود، هذا العدل، العدل قسري، لكنك مأمور بالإحسان، ينبغي أن تعطيه حتى ترضيه، بآية الإحسان، العدل شيء والإحسان شيء، العدل قسري والإحسان طوعي، ولا تنسى أيها الأخ الكريم أن الله يأمرك بالعدل والإحسان معاً، إذا قضية لم يسعها العدل يسعها الإحسان.
 أخي أنا متزوج زوجتي من عام ألف و تسعمئة و سبعين، كان مهرها ألفي ليرة بالتمام والكمال، كان ثمن البيت ستة آلاف، كان مهرها ثلث بيت، بيت ثمنه ستة آلاف الآن ثمنه يقدر بمليونين، أو يقول: أنا أريد أن أطبق القانون، على القانون ألفان. ولكن والإحسان؟ إذا قضية العدل لم يسعها يسعها الإحسان، والله يأمرك بالإحسان.

 

حبّ الدنيا هو الحب الذي يحمل الإنسان على معصية الله :

 الآن:

﴿ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ﴾

[ سورة النحل: 106-107]

 حب الدنيا رأس كل خطيئة... إِنَّ هَؤُلاءِ احتقاراً :

﴿ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلا ﴾

[سورة الإنسان : 27]

 فحب الدنيا، أيّ حب دنيا؟ حب الدنيا الذي يحملك على معصية الله، أما أن تحب الدنيا وتأخذ منها بالذي سمح الله لك به فهذا ليس حباً للدنيا، هذه فطرة، إنسان يحب أن يأكل، فعمل عملاً شريفاً، وكسب رزقاً حلالاً، واشترى بها طعاماً وأكل، فيقول عنه: أخي هذا حباب للدنيا. لا، لا، هذا إنسان يريد أن يأكل، وهذا شيء طبيعي جداً، هذه فطرة، فالشيء الذي تفعله وفق نهج الله ليس حباً للدنيا، حب الدنيا حينما يحملك على معصية الله.

﴿ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾

[سورة النور: 37]

 معنى هذا أنهم يتاجرون، ويبيعون، ولكن تجارتهم وبيعهم لم يحملهم على ترك الصلاة.

﴿ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾

[سورة النور: 37]

 فالضابط في الموضوع بين حب الدنيا الذي ذمه الله، وبين حب الدنيا الذي يتوافق مع الفطرة، هو أن حبّ الدنيا إن كان وفق منهج الله، ولم يبعدك عن طاعة الله، ولا عن فريضة، ولا عن عملٍ صالحٍ، وابتغيت من الدنيا كفاية نفسك وأهلك وخدمة المسلمين، انقلبت هذه المحبة إلى عبادة، لأن الدنيا مزرعة الآخرة.

 

المؤمن مظنة صلاح و كمال :

 ثم يقول تعالى:

﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾

[ سورة النحل: 125]

 الآية واضحة..

﴿ وَجَادِلْهُمْ﴾

[ سورة النحل: 125]

 لم يقل بالحسنى، بل..

﴿ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾

[ سورة النحل: 125]

 إذا كان هناك ألف أسلوب حَسَن فيجب أن تختار الأحسن، ألف أسلوب حسن، لأنك مظنة صلاح، مظنة كمال، تمثِّل ديناً عظيماً، تمثل القيَم الإنسانية الرفيعة، فإذا كنت قاسياً وأنا أذكركم دائماً بقوله تعالى:

﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾

[ سورة آل عمران : 159]

 سيد الخلق، حبيب الحق، الذي يوحى إليه، والذي معه المُعجزات، والمعصوم، وأجمل خَلق الله، وأكمل خلق الله، وأفصح خلق الله، صفات النبي تفوق حدّ الخيال، ومع كل هذه الميزات أنت يا محمد بالذات..

﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾

[ سورة آل عمران : 159]

 ولكن شخص لا يوجد معه وحي، ولا معه جمال، ولا يوجد معه كمال، ولا يوجد معه فصاحة، ولا يوجد معه بيان، ولا يوجد معه معجزات، ومع ذلك هو فظٌ غليظ القلب، لماذا هذه الغلاظة ؟

﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ﴾

[ سورة آل عمران : 159]

الفرق بين الآيات الموجزة و آيات التفاصيل :

 أخواننا الكرام... يوجد آية مرت معنا:

﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

[ سورة النحل: 110]

 في الأخبار شيء اسمه الموجَز، وشيء اسمه التَفْصيل، الله عز وجل بالموجَز قال:

﴿ إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

[ سورة النحل: 110]

 هذا موجز، والتفاصيل، الله متى يغفر؟

﴿ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾

[ سورة النحل: 110]

 فَرِّق بين آية موجَز وآية تفصيل، إذا قلت: إن الله غفورٌ رحيم، هذه موجز، أما التفاصيل فهذه التفاصيل:

﴿ فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾

[سورة فاطر: 8 ]

 التفاصيل:

﴿ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾

[سورة الجمعة : 5]

﴿ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾

[ سورة النحل: 107]

﴿ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾

[سورة الصف : 5]

 واضحة، هو يهدي ولا يهدي، لكن يهدي مَن؟ ولا يهدي مَن؟ لها تفاصيل، فلا تخلط بين آية موجز وآية تفاصيل، الموجز لا يتوضَّح إلا بالتفاصيل، فالله عز وجل يقول:

﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

[ سورة النحل: 110]

 حتى الإنسان لا يقع بوهم، دائماً وأبداً الحقيقة المرة خيرٌ ألف مرة من الوَهم المُريح، كن بحقيقة مرة، شخص معه شيك بمئة ألف دولار، بمليون دولار، قال له أحدهم: هذا الشيك مزور، ما أحب أن يعرف الحقيقة هكذا أفضل له، وهو يحلم أحلاماً حلوة جداً، بأخذ البيت الفلاني، السيارة الفلانية، مليون دولار بجيبته، قال له أحدهم: هذا الشيك مزور، أنا أعتقد لو بحث عن صحة هذا الكلام، وكان هذا الشيك مزوراً لاشتغل، أما هذا الوهم المريح فمعه دمار بالنهاية، كم من إنسان دُمِّر بفكرة سمعها من إنسان: أن الله غفور رحيم. بهذه البساطة، النبي يشفع لنا يوم القيامة، شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي. هذه أوهام، كلها أوهام، يبدد الله سيئاتهم حسنات، فكلما كانت السيئة أكبر تصبح الحسنة أكبر، إذاً كبَّر السيئة، هكذا يفهم الإنسان أحياناً، هذه كلها أوهام، كن مع الحقيقة المرة.

 

الابتعاد عن الأدعية المخالفة للقرآن الكريم :

 هناك أدعية سمعتها مرة: اللهم لا تسألنا عن شيء أبداً، لكن الله يقول:

﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ*عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾

[سورة الحجر : 92-93]

 أليس هذا الدعاء سوء أدب مع الله؟ إله يقول لك:

﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ*عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾

[سورة الحجر : 92-93]

 ويرفع يديه: يا رب لا تسألنا عن شيء. هذا دعاء خلاف القرآن الكريم.

 

تحميل النص

إخفاء الصور