وضع داكن
20-04-2024
Logo
رمضان 1420 - خواطر إيمانية - الدرس : 13 - من سورة الأعراف - ترتيب المعاصي.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

ترتيب المعاصي في القرآن الكريم :

 أيها الأخوة الكرام؛ للإمام الغزالي رحمه الله تعالى قولٌ رائع، يقول: " العوام لأن يرتكبوا الكبائر أهون من أن يقولوا على الله ما لا يعلمون ". الإنسان حينما يرتكب كبيرةً يؤذي نفسه فقط، أما حينما يقول على الله ما لا يعلم فيؤذي كل من استمع إليه، هل ورد هذا المعنى في القرآن الكريم؟ هناك آية كريمة رتَّبت المعاصي ترتيباً تصاعدياً، فقال تعالى:

﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ﴾

 وأكبر معصية..

﴿ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾

[سورة الأعراف : 33]

 فالإنسان قبل أن يقول كلمةً دون أن يتأكد منها يجب أن يراجع نفسه، فكم من كلمةٍ أضلَّت أُناساً كثيرين.

(( إن الرجل ليتكلم الكلمة لا يرى بها بأساً يهوي بها سبعين خريفا في النار))

[الجامع الصغير عن أبي هريرة]

السؤال مفتاح العلم :

 في السنة الصحيحة ورد أن نفراً من أصحاب رسول الله كانوا في سفر، وقد أصاب أحدهم جنابةً، فسأل، فأشير عليه أن يَغْتسل، وكان البرد شديداً جداً، فاغتسل فمات، فقال النبي عليه الصلاة والسلام وهو في أشد حالات الغضب:

(( قتلوه قتلهم الله هلا سألوا إذا لم يعلموا))

[من زيادة الجامع الصغير عن جابر ]

 فالإنسان قبل أن يدلي برأيٍ في أمور العقيدة، أو قبل أن يدلي برأيٍ في أمور الفِقه ينبغي أن يكون متأكِّداً، فهنا الفواحش، الإثم، البَغْي، الشِرك، وفي رأس هذه الذنوب والكبائر..

﴿ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾

[سورة الأعراف : 33]

 الله عزَّ وجل في آيتين رائعتين الأولى متعلِّقة بالدنيا، والثانية متعلِّقة بالآخرة قال:

﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة الأنبياء : 7]

 اسأل، والسؤال مفتاح العلم، ومن استشار الرجال استعار عقولهم. وفي أمور الآخرة:

﴿ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا ﴾

[ سورة الفرقان : 59]

 أنت أمام خبيرين: عالم بالدنيا وعالِم بالآخرة، فإذا أشكل عليك شيءٌ في أمر الدنيا فاسأل الخبراء المؤمنين، وإن أشكل عليك شيءٌ في أمر الآخرة فاسأل به خبيراً. أما أن تقول بلا علم فهذا شيء مخالف لهذا النص.

الإسلام إيجابي وليس سلبياً :

 النقطة الثانية: أن الإسلام إيجابي وليس سلبياً، أيْ أنا عندما أحرم نفسي من الطيّبات التي أُبيحَت لي، والتي سمح الله لي بها، ليس هذا هو العمل الذي يرضي الله، العمل الذي يرضي الله هو أن أعمل، أن أُقَدِّم..

﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾

[سورة الأعراف : 32]

 من يحرم هذه ؟ هذا التحريم فيه نهي..

﴿ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ﴾

 المؤمن مباحٌ له أن يأخذ من الطيّبات من دون إسرافٍ ولا مَخْيَلَة، ولكن هي خالصة للذين آمنوا يوم القيامة، لهم وحدهم يوم القيامة، أما في الدنيا فمباحٌ لهم أن يأخذوا منها بالقدر المعتدل المعقول، فالإسلام ليس فيه حرمان، ولكن فيه تألق، فيه عطاء، أما أحرم نفسي من الشيء المباح تقرباً إلى الله عزَّ وجل، الله خلقه لك، خلق هذا الشيء لك كي تشكره عليه، ومن هنا ورد: " إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده ".
 فالإنسان مسموحٌ له أن يأكل، مسموح له أن يرتدي ثياباً جميلة، مسموح له أن يتزوج، أن يسكن، أن يعمل، لكن ليس مسموحاً له أن يعصي الله عزَّ وجل..

﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾

 إن هذه الدنيا عرضٌ حاضر يأكل منه البر والفاجر، والآخرة وعدٌ صادق يحكم فيه ملكٌ عادل.

ميل الإنسان للتهرب من المسؤولية :

 النقطة الثالثة: الإنسان يميل ليتهرَّب من المسؤولية، فإذا فعل شيئاً طيباً يعزوه إلى ذاته ؛ أنا فعلت، أنا درست، أنا اجتهدت، أنا تاجرت، أنا أسندت، لا يفتأ يقول أنا، فإذا فعل معصيةً يقول: إن الله قدرها عليّ. هذا موقف فيه تناقض، الأمر الجيد الإيجابي يعزوه إلى ذاته، أما إذا وقع بمعصية، زلَّت قدمه، غلبته شهوته فيعزوها إلى الله عزَّ وجل، قال تعالى:

﴿ وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا﴾

[سورة الأعراف : 28]

 أيْ إن الله قدرها عليه..

﴿ قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ﴾

 وكان فهم سيدنا عمر لهذه الآية رائعاً، عندما جيء له برجلٍ شاربٍ للخمر، قال : أقيموا عليه الحد. قال: والله يا أمير المؤمنين إن الله قدَّر عليَّ ذلك، فقال: أقيموا عليه الحد مرَّتين؛ مرةً لأنه شرب الخمرَ، ومرةً لأنه افترى على الله، وقال له: ويحك يا هذا إن قضاء الله لم يخرجك من الاختيار إلى الاضطرار.
 فالإنسان إذا فعل سيئة ليَتُب منها، وليستغفر ربه، ولا يقل: إن الله قدرها عليّ، لأن هذا افتراء على الله، الله عزَّ وجل لا يأمر بالفحشاء.

على الإنسان أن يزهو بثيابه الأخلاقية لا ثيابه المادية :

 بحسب هذه الآية:

﴿ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ﴾

[سورة الأعراف : 26]

 الحقيقة في الآية مَلْمح لك رائع، الإنسان الأمين قد تكون ثيابه رخيصة جداً، ولكن يلبس ثوباً من أمانته، الأمانة ثوب، العفَّة ثوب، الصدق ثوب، الورع ثوب، العلم ثوب، لباس التقوى أن تكون مستقيماً على أمر الله، هذا أفضل ثوب، مهما بلغت في الأناقة، قد ترتدي ثياباً بمئة ألف، قد تشتري أغلى ثياب في العالم، وقد ترتدي أجمل قمصان، وأجمل أحذية، لكن..

﴿ وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ﴾

 أنت لا تزهو بثيابك المادية ولكن عليك أن تزهو بثيابك الأخلاقية. هذه واحدة.

تكريم الله عز وجل الإنسان بالثياب :

 الشيء الثاني: الإنسان ينتقل من التعَرِّي مع التوحُّش، إلى ارتداء الثياب مع الترَقِّي، أما حينما تنتقل البشرية من الترقّي إلى التعري فهذه نكسةٌ نحو الوراء خطيرة، الإنسان الله عزَّ وجل كرَّمه باللباس، طبعاً أكثر الحيوانات لها ريش، لها صوف، لها وَبَر، لها ما يَسْترها، لكن الإنسان خُلقَ عارياً، وهو في أبشع صورةٍ إذا كان عارياً، لكن الله كرَّمه بالثياب، فالآن الإنسان ينتقل من طَوْر الترقّي إلى طَوْر التوحُّش، يخلع عنه ثيابه، وهذا شيء واضح جداً في المجتمعات المتفلِّتة..

﴿ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾

[سورة الأعراف : 26]

مداخل الشيطان على الإنسان :

 كلمة دقيقة أسوقها لكم: لا يوجد أحد الآن قابضاً الشيطان، يظنها أشياء من التراث، الشيطان موجود، وهو يوسوس للمؤمنين، وهو وراء أكثر مُشكلات الناس، الشيطان موجود في القرآن بمئات الآيات، فالإنسان يتجاهل الشيطان، الشيطان يوسوس، والشيطان يدمِّر، والشيطان يغلق، والشيطان يفسِد، والشيطان يفرِّق، والشيطان يخوِّف، فالشيطان موجود، ففي هذه الآية ربنا عزَّ وجل بيَّن لنا مداخله على الإنسان:

﴿ قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾

[سورة الأعراف : 14-16]

 فالإنسان الغارق بالفسق والفجور ليس لديه مشكلة مع الشيطان، مرتاح، عندما يتوب إلى الله عزَّ وجل ويلتحق بالمسجد، تأتيه الوساوس، من خلق الله؟ تأتي الوساوس، الإنسان مخيَّر أو مسيَّر. فهذه الخواطر لم تأتك من قبل، عندما كان الإنسان غارقاً في المعاصي لا يوجد عنده أي خاطر مزعج، فلما سلك طريق الإيمان بدأت هذه الخواطر، الحقيقة هذا موقف للشيطان..

﴿ لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾

[سورة الأعراف : 16]

 حينما يَشْرَعون أن يسلكوا صراطك المستقيم أنا أنتظرهم، فشيء طبيعي جداً عندما يتوب الإنسان إلى الله تأتيه وساوس ما أنزل الله بها من سلطان، شيء طبيعي جداً، لا يقلق، فالإنسان عليه أن ينتصر، ليست البطولة أن تنجو من الوسواس، ولكن البطولة أن تنتصر عليه.
 الآن:

﴿ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ﴾

[سورة الأعراف : 17]

 عندنا ست جهات: يمين يسار، أمام خلف، فوق تحت، الشيطان مسموح له بأربع جهات، والجهة نحو السماء ممنوعٌ منها، إنك إن اتَّجهت إلى الله لا يمكن أن يأتيك شيطان، وحينما تفتقر إلى الله، هذه الجهة الأرضية، أيضاً أنت في حرزٍ حريز، بالتذلل والافتقار لا يوجد شيطان، وبالإقبال على الله ليس هناك شيطان، بقي أربع جهات:

﴿ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾

 بدعوى الحداثة، والتقدم، والعلم، والأجهزة الحديثة، كل شيء حديث يتناقض مع الدين يروجه الشيطان، يقول لك: أنت أين تعيش؟ أنت تعيش وراء العصر، ألم تشتر هذا الجهاز بعد؟! إذا كان هناك جهاز مُفْسِد يفسد الأسرة، الشيطان يحضك على شرائه، لأنه أنت أين تعيش؟ أنت تصبح متخلفاً، كيف تعيش ولا يوجد عندك هذا الجهاز؟ هذه وسوسة من الشيطان، لأن هذا الجهاز سيدمر الأسرة، هذه من بين أيديهم، كل شيء حديث مفسد يتناقض مع الدين الشيطان يروجه لك، وكل شيء بالتراث، والتقاليد، والعادات يتناقض مع الدين، يقول لك: تراث الأمة، هكذا الآباء، هكذا الأجداد، هكذا جدي علَّمنا، هذه خلاف الأصول.
 أنا لا أقبل شيئاً من التقاليد إذا كان مناقضاً للدين، ولا أقبل شيئاً من الحداثة إذا كان مناقضاً للدين، فالشيطان يركز على الحداثة المناقضة للدين، والتقاليد المناقضة للدين..

﴿ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ﴾

 يدخل بالوسوسة، أحياناً الإنسان بوضوئه يتوسوس، بغسله يتوسوس، يدخل في متاهات عديدة، وإذا كان الإنسان مع الشيطان تجده يكبِّر الصغائر، قضية خلافية صغيرة جداً يكبرها ويجعلها مشكلة، ويشق صفوف المسلمين، هل من الممكن أن يتقاتل المسلمون من أجل عدد درجات المنبر؟ هل هذا ممكن؟ ممكن، وقد كان هذا في بلاد في شرق آسيا، مذابح من أجل أشياء جزئية جداً، وكلما رأيت إنساناً يقاتل من أجل قضية صغيرة جداً، ويكبرها، ويجعلها مشكلة، ويشق صفوف المسلمين، ويكفِّرهم، ويتهمهم بالشِرك لأسبابٍ ضئيلةٍ جداً، فاعلم أن هذا مع الشيطان، لأن هدف الشيطان الأكبر أن يشرذم المسلمين.
إذاً عن أيمانهم: نأخذ قضية صغيرة جداً نكبرها، ونكبرها إلى أن نجعلها هي الدين، ونقيِّم الناس في ضوئها، ونكفِّر، ونتَّهم بالشرك، من أجل قضية لا تعدو أن تكون جزئية في الدين، الأكمل أن نطبِّقها، لكن ليس من المعقول أن تكون هي قضية بحد ذاتها، هذه عن أيمانهم، نكبر قضايا، ونجعلها أساسية، ونشق صفوف المسلمين من أجلها..

﴿ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ﴾

 نأمر بالمعاصي، فعن شمائلهم المعاصي والآثام، وعن أيمانهم إحداث بلبلة بين المسلمين، إحداث تعميق الخلافات، ففي النهاية تجد المسلمين مليون فرقة، مليون طائفة، وكلهم يعادي بعضاً، هذا من فعل الشيطان، ما هم عليه الآن.
 تجد بقضايا الصيام فرقاً بأكملها هؤلاء يصومون يوم الخميس، هؤلاء الجمعة، وهؤلاء الأربعاء، هذا جهل، قضية صغيرة جداً أنت يجب أن تصوم تسعة وعشرين يوماً أو ثلاثين يوماً، يجب أن تعمل مشكلة، يجب أن تفسق فئة، وتكفر فئة، وتصوِّب فئة من أجل أن تبدأ بيوم رمضان، يجب أن نعيّد عيد الأضحى خلاف عرفات، عرفات ليس لها علاقة، هناك من يثبت يوم العيد خلاف يوم عرفات، نحن ما رأينا الهلال، أرأيت هذه القضايا الصغيرة يكبروها ليعملوا منها مشكلة، وليعملوا منها شرخاً للمسلمين، وكثير من المحطات الفضائية الآن همهم الأوحد شقّ صفوف المسلمين، يجب أن نأتي باثنين ضد بعضهم، ويتقاتلوا، ويتخاصموا، ويسبوا بعضهم.
 هكذا سمعت أن في بعض الندوات الوضع غير طبيعي، فقامت ضيفة للندوة وذهبت، إلى أين؟ قالت: هذا خوار وليس حواراً. فما هو الهدف؟ شق صفوف المسلمين، تعميق الخلافات، شرذمتهم، تقطيعهم، هذه محطَّاتٌ وراءها أيدٍ خبيثة، يجب ألا ينطلي هذا على المسلمين، هذا عن أيمانهم..

﴿ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ﴾

 المعاصي والآثام..

﴿ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾

 الحداثة، والتقدم، والعصرنة، وما إلى ذلك، والعلمانية..

﴿ وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾

 التقاليد، وتراث الآباء والأجداد. إذاً هذه مداخل الشيطان، ممنوع أن يكون في الجهة العلوية، في الإقبال على الله، وفي التذلل له ممنوع الشيطان، لكن مسموح له بأربع جهات، فاحذر أيها المؤمن.

بطولة الإنسان أن يتوافق ميزانه مع ميزان الشرع :

 أحياناً الإنسان وهو لا يدري ينطق بلسان الشيطان دون أن يشعر. الآية الدقيقة:

﴿ فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ * وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ﴾

[سورة الأعراف : 7-8]

 الوزن هو الحق، فإذا أنت ميزانك في الدنيا غير الحق، فهذه مشكلة كبيرة، يوجد صعق، يوم القيامة أنت وازن الأمور بميزان ثم واجهت ميزاناً آخر، فبطولتك أن يتوافق ميزانك مع ميزان الشرع، يمكن الآن يعد الإنسان في ميزان الدنيا ذكياً إذا حصَّل مالاً كثيراً من طريقٍ مشبوه، يقول لك: دبَّر حاله، ركَّز وضعه. ولكن كيف ركَّز وضعه؟ هذا مال حرام، بميزان أهل الدنيا من الممكن أن تكون متفوقاً إذا حصّلت مالاً كثيراً، ممكن أن تكون متفوقاً إذا بنيت مجدك على أنقاض الناس، ويحترمُك الناس، أما بميزان الآخرة فهناك مشكلة كبيرة، فكل بطولتك أن يأتي ميزانك مطابقاً لميزان الشريعة.
 وهذه نقطة مهمة على أساس أن الإنسان إذا آمن بالآخرة يصح ميزانه، فإذا شخص آمن بالآخرة أنه سيسأل عن ماله من أين اكتسبته؟ وفيم أنفقته؟ فيجعل دخله حلالاً، عندما جعله حلالاً قلّ دخله، فصار دخله محدوداً، يأتي إنسان لا يعبأ بالدين؛ جعل ميزانه دنيوياً، فجعل تفوّقه بجمع أموالٍ طائلة من طريق غير مشروع، هذا بميزان الدنيا متفوق، أما عند الله فساقط، ساقط من عين الله عزَّ وجل، الإنسان متى يتفوق؟ إذا جعل ميزانه ميزاناً للآخرة، فقبل أن يقول كلمةً، قبل أن يفعل شيئاً، قبل أن يأمر، قبل أن ينهى، قبل أن يصل، قبل أن يقطع، يتحرك وفق ميزان الآخرة، فهنا:

﴿ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ ﴾

[سورة الأعراف : 8-9]

 أيها الأخوة... هذه الآيات أرجو الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بها، والقرآن الكريم مائدة الله جلَّ جلاله، فكلَّما حرصنا على فهمه وتطبيقه كنا من السُعداء.

تحميل النص

إخفاء الصور