وضع داكن
29-03-2024
Logo
موضوعات إسلامية عامة - الدرس : 24 - رمضان انتهى وكذلك تنتهي الحياة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً، و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

الإنسان كائن متحرك نحو هدف ثابت وهو الموت :

 أيها الأخوة الكرام؛ قبل فترة وجيزة بدأ رمضان واليوم نودع رمضان، الزمن يمضي والإنسان بضعة أيام، إن دخلنا في الصيف انتهى الصيف، إن دخلنا في الشتاء انتهى الشتاء، إن دخلنا في رمضان انتهى رمضان، إن دخلنا في عام انتهى العام، إن دخلنا في عقد انتهى العقد، وهكذا الزمن يمضي سريعاً، والإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه، كائن متحرك نحو هدف ثابت وهو الموت، يوجد شيء اسمه عد تنازلي، المركبة الفضائية قبل أن تطلق تعد عداً تنازلياً، عند الرقم صفر تطلق، فكل إنسان له رقم صفر عند الموت، وهناك عد تنازلي، فهذا رمضان أكرمنا الله فصلينا، صمنا نهاره، وقمنا ليله، وهذا يودعنا، والعام يمضي كذلك ويأتي رمضان إلى أن يأتي رمضان ونحن تحت أطباق الثرى، الطاعة تذهب متاعبها ويبقى ثوابها، والمعصية تذهب لذتها وتبقى تبعتها، المعصية تذهب لذتها وتبقى تبعتها، والطاعة يذهب جهدها وعبئها ويبقى ثوابها، هنيئاً لمن صام رمضان، ولمن قام رمضان، ولمن أحيا ليلة القدر، ولمن قرأ القرآن، وغض بصره، وضبط لسانه، وعمل الصالحات تقرباً إلى الله.

الدنيا ساعة على الإنسان أن يجعلها في الطاعة :

 أخواننا الكرام؛ حقيقة دقيقة جداً هل ممكن أن نستيقظ كل يوم كاليوم الذي سبق إلى مالانهاية؟ مستحيل، مهما اعتنيت بصحتك، سمعت عن شخص في مصر اعتنى بصحته عناية تفوق حدّ الخيال، ما ركب طائرةً خوفاً أن تقع الطائرة، وما أكل طعاماً قبل أن ينام، فواكه فقط، واللحم أبيض، العناية تفوق حدّ الخيال، ثم مات وكان يظن أنه لن يموت:

كل مخلوق يموت ولا يبقَ  إلا ذو العزة والجبروت
***

والليل مهما طال  فلا بد من طلوع الفجر
والعمر مهما طال  فلا بد من نزول القبر
***

 كنت في لبنان سمعت درساً لأحد علماء مصر، توفي قبل ستة أشهر، قلت: سبحان الله هو الآن تحت الأرض، أما درسه فينتفع الناس به، ويوجد مغنون الآن تحت الأرض وآثامهم منتشرة في آفاق المعمورة، وهكذا الحياة، الإنسان بالنهاية كلمة واحدة، إما أن تقول: رحمة الله عليه، كان رجلاً صالحاً، أو كلمة أخرى يقولها الناس بعد موته، فالعبرة أن الدنيا ساعة اجعلها طاعة، والدنيا خداعة، العمر ساعة اجعله طاعة والنفس طماعة علمها القناعة.

الغنى غنى العمل الصالح والفقر فقر العمل الصالح :

 أيها الأخوة؛ أنت زمن، بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منك، ونحن في خسارة محققة، لأن مضي الزمن يستهلكنا، مضي الزمن وحده، وكل واحد منا له عمر، وله صور قديمة، أخرج صورك القديمة ووازن بينها وبين الصورة الحديثة، مسافة كبيرة جداً، هذا فعل الزمن، الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما، والرد على فعل الليل والنهار بأن تعمل الصالحات، لذلك الغنى غنى العمل الصالح، والفقر فقر العمل الصالح، الاستهلاكات ليس لها قيمة أبداً، بيوتنا مستهلكة، أثاث بيتنا مستهلك، الذي نأكله مستهلك، إنسان أكل أفخر الطعام، بعد ساعة وجبة الطعام انتهت، إنسان أكل أخشن الطعام بعد أن امتلأت معدته انتهى، عملية استهلاك، لذلك الخسارة أن تنفق الزمن إنفاقاً استهلاكياً، معظم الناس أكلنا، شربنا، سهرنا، سررنا، عملنا نزهات، إلى أن تكتب النعوة على الجدران، إلى أن يقال: عميد أسرة فلان، صلِّ قبل أن يصلى عليك هكذا يقال، الإنسان حينما يعرف قيمة الزمن لا ينام الليل، الزمن وعاء عملك، فأنت وازن كل عمل تنتفع به بعد الموت هذا الثروة، وكل عمل ينتهي بعد الموت فهذا الخسران المبين، كل شيء بذلته في الدنيا لراحتك عند الموت ينتهي، ادخل إلى أفخر بيت هل يمكن لصاحبه أن يعيش إلى الأبد؟ والله دخلت إلى بيوت، يوجد بيوت يقدر ثمنها بمئة وعشرين مليوناً بالتعزية، والله أكبر موعظة أين صاحبها؟ في باب صغير، هو الذي رتب الصالونات، هو الذي رتب الأبهاء، هو الذي ركب الجبصين والتزيينات، هو الذي اشترى الأثاث، أين صاحب البيت؟ سبحان من قهر عباده بالموت.

الإنسان زمن و الزمن سريع الانقضاء :

 أردت في هذه العجالة كيف أن رمضان البارحة ابتدأ، البارحة اختلفنا هل رمضام يوم السبت أم الأحد، اليوم انتهى، كيف مضت هذه الأيام؟ والعمر كله يمضي هكذا، لذلك الزمن سريع الانقضاء، والزمن لا يرجع إلى الوراء، والزمن يشتد على الإنسان في ساعات الضيق، قال تعالى:

﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾

[سورة غافر: 46]

 أنا أضرب مثلاً، كنت طالب في الجامعة، ودرست في الجامعة، من لوازم التدريس المراقبة، عندما كنت طالب والله يبدأ الفحص، مضى ساعة، النظرة الثانية تكون قد مضت ساعة ثانية، ثم سحبوا الأوراق، في المراقبة أقول: لا أريد أن أنظر إلى الساعة ويكون قد مضى ربع ساعة، يكون قد مضى دقيقتان، أرى هذه الساعات الثلاث تعادل ثلاث سنوات، فإذا كان هناك عمل فيه سرور الوقت لا تشعر بوجوده، أما إذا كان هناك ضغط كيف قال تعالى:

﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً ﴾

[ سورة غافر : 46]

 آل فرعون منذ ستة آلاف سنة كل يوم والخير إلى الأمام، هذه قليلة إنسان يكون قبره قطعة من الجحيم؟ ألا يا رب نفس طاعمة ناعمة في الدنيا، جائعة عارية يوم القيامة، ألا يا رب نفس جائعة عارية في الدنيا، طاعمة ناعمة يوم القيامة، ألا يا رب مكرم لنفسه وهو لها مهين، ألا يا رب مهين لنفسه وهو لها مكرم، فمضي رمضان يشعرنا بمضي الزمن، ما مضى فات، والمؤمل غيب، ولك الساعة التي أنت فيها، وما من يوم ينشق فجره إلا وينادي يا بن آدم أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة.

اليوم المشهود أخطر أيام الإنسان :

 عندما تفتح عينيك صباحاً يجب أن تعلم أن الله سمح لك بيوم جديد، هذه أول نعمة، النعمة الثانية سمح لك أن تكون صحيح الجسم هذه النعمة الثانية، النعمة الثالثة سمح لك أن تشكره، هكذا علمنا النبي إذا استيقظتم: " الحمد لله الذي ردّ إليّ روحي، وعافاني في بدني، وأذن لي بذكره "، أنت بين يوم مفقود، ويوم مشهود، ويوم موعود، ويوم مورود، ويوم ممدود، أخطر أيامك اليوم المشهود، هذا اليوم فيه تتوب إلى الله، فيه تعمل الصالحات، فيه تطلب العلم، فيه تنفق المال، أنا قلت لكم: رجل عمل وصية، مبلغ بسيط جداً، ترك لأولاده ثلاثة أبنية، كان المبلغ خمسة وعشرين ألفاً لم ينفقوه على روحه بعد موته، بخلوا عليه بخمسة وعشرين ألف ليرة، فلذلك الإنسان لا يكون تحت رحمة أحد، يفعل الخير، ويقدم أمامه ماله ليسره اللحاق به.

العمل الصالح أهم ما في الدنيا :

 أيها الأخوة الكرام؛ الدنيا أهم ما فيها العمل الصالح، والدليل الإنسان عند الموت ماذا يقول؟ قال تعالى:

﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾

[سورة المؤمنون : 99-100]

 لا يوجد ميت يقول: ربي حتى أنهي هذه البضاعة، لا أحد يقولها، هذه الصفقة، هذا كله لا يقال، يقال: لعلي أعمل صالحاً فيما تركت، نسأل الله عز وجل أن يلهمنا الصواب، ويجعل أيامنا كلها رمضان، وهذا الإنجاز الكبير في رمضان أرجو الله سبحانه وتعالى أن يستمر بعد رمضان، أن تعتاد أن تصلي الفجر في المسجد، وأن تصلي العشاء في المسجد، وأن تضبط غض البصر، وضبط اللسان، وإنفاق المال، وتلاوة القرآن، هذا رمضان، غض بصر وإنفاق مال وتلاوة قرآن وصلاة في المسجد - العشاء والفجر -.

تحميل النص

إخفاء الصور