وضع داكن
29-03-2024
Logo
موضوعات إسلامية عامة - الدرس : 23 - لقطات من أواخر القرآن - اليوم الآخر.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً، و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

للإنسان حالان؛ حال مع الله و حال مع الناس :

 أيها الأخوة الكرام؛ أذكركم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ))

[ مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

(( مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ))

[ مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

 أما اليوم ففي الصحيحين:

(( مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ))

[ مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

 أيها الأخوة؛ برنامجنا هذه الليلة كما يلي، الآن درس كأي درس في رمضان، ثم نصلي قيام الليل إن شاء الله تعالى، وبعد ذلك درس حول ليلة القدر، وبعدها نصلي التسابيح، وبعدها درس حول فضيلة الدعاء، وبعدها نستمع إلى القرآن الكريم، وبعدها ندعو، واليوم الدعاء جديد، أدعية القرآن كلها مع أدعية رسول الله صلى الله عليه وسلم التي وردت في كتاب الأذكار للإمام النووي مع أدعيةٍ أخرى.
وأرجو الله تعالى أن تنطبق علينا هذه الأحاديث.
 من قام ليلة القدر غفر الله له ما تقدم من ذنبه، ولكن الإنسان له حالان، حال مع الناس وحال مع الله، فإذا أمضى الليلة كلها مع الناس شيء، وإذا أمضاها مع الله شيء آخر، وإذا جمع بينهما فهذا هو الوضع الوسطي، مع بعضنا لنا حال، أما إذا أفرد الإنسان مع ربه، وناجاه، واستغفره، وتاب إليه، وتوسل بصالح عمله، فهذا أقرب إلى انعقاد الصلة مع الله عز وجل، هذا يتضح في يوم عرفات، إنسان يجلس في الخيمة، هناك من يدعو، وهناك من ينشد، لكن الإنسان الصادق ينفرد مع ربه في مناجاة، في لقاء، في ابتهال، في سؤال السلامة والصحة، وفي سؤال الزوجة الصالحة، والأولاد الأبرار، يوجد قائمة مطالب هي في الدنيا لكن لها علاقة بالآخرة، أي الزوجة الصالحة لها علاقة بالآخرة، والولد الصالح له علاقة بالآخرة، والرزق الحلال له علاقة بالآخرة، والأصهار الأبرار لهم علاقة بالآخرة، الدنيا والآخرة متصلتان.

من عرف الله ارتاحت نفسه و اطمأنت :

 أولاً أيها الأخوة لقطات من آخر جزء من كتاب الله في آخر سورة من الإنسان أو الدهر، كلاهما صحيح، قال تعالى:

﴿ إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً ﴾

[ سورة المزمل :19]

 أنت إذا ذهبت إلى لبنان، ورأيت ساحل البحر في بيروت، ثم عدت إلى دمشق، ورأيت صورةً لهذا المنظر تقول: أذكر ذلك، ما معنى تذكرة؟ أي شيء فطري، فالقرآن ذكرك به، فالدين متوافق مع الفطرة توافقاً تاماً، والإنسان لا ترتاح نفسه، ولا يسكن اضطرابه، ولا تطمئن نفسه إلا إذا عرف الله، مهما وصل إلى نجاحات في الدنيا هناك فراغ لا يملؤه إلا الإيمان بالله، لأن الإنسان بالأصل خلق ضعيفاً، فإذا اتصل بالله اطمأنت نفسه، أما إذا كان بعيداً عن الله فتأكل قلبه المخاوف، وهو مضطرب، وهو قلق، وهو متشائم، وهو يؤوس، كل المتاعب النفسية في البعد عن الله، بل إن هناك كلمة أرددها: كل ما يعانيه البشر هي أعراض لمرض واحد هو البعد عن الله، أعراض لمرض واحد هو البعد عن الله، وليس الصواب أن نعالج هذه الأعراض، بل أن نعالج أصل المرض، الطبيب الناجح لا يعطي مسكنات يزيل الالتهاب بالأساس، الحرارة المرتفعة عرض لالتهاب عميق، هذه الآلام أعراض لمرض واحد، فالبطولة أن تحل أصل المرض، وأن تشفي أصل المرض، لا أن تبحث عن تخفيف آثار الأعراض.

مشيئة الإنسان مشيئة اختيار ومشيئة الله مشيئة فحص واختبار :

 أيها الأخوة الأكارم؛ في آخر هذه السورة إن هذه تذكرة، معنى هذا أن الدين فطري، فمن شاء، والإنسان مخير، هنا فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً، الآية التي تثير إشكالاً، قال تعالى:

﴿ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً ﴾

[ سورة الإنسان :30]

 هل معنى هذه الآية أن مشيئة الإنسان ألغيت حينما ربطت بمشيئة الله، تحرك حيثما شئت ولكن لن تستطيع الحركة إلا إذا سمحت لك، معنى هذا أنا لست حراً، الجواب ليس هذا هو المعنى، قال بعض العلماء: مشيئة الإنسان مشيئة اختيار، لكن مشيئة الواحد الديان مشيئة فحص واختبار، لو قلنا للطلاب الناجحين في الشهادة الثانوية: قدموا طلبات للجامعة، لكننا نعتقد اعتقاداً جازماً أن طلاب الطب لابد من أن تكون علاماتهم مئتين فما فوق، فطالب نجح بالمساعدة، جمع مئة وخمس علامات قدم للطب، الطالب شاء هذه الكلية ولكن لم يقدم ثمنها، لم يقدم شروطها، لم يقدم موجباتها، فإدارة الجامعة تفحص علاماته، هي مشيئتها مشيئة فحص واختبار، بينما مشيئة الإنسان مشيئة اختيار:

﴿ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً * وَمَا تَشَاءُونَ ﴾

 لو أنك قلت: يا ربي أدخلني الجنة ولم تدفع ثمنها هذا كلام فارغ، يا ربي أنقذني من النار ولم تجتنبها، وطلب الجنة من غير عمل ذنب من الذنوب، إذاً:

﴿ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ﴾

 مشيئة الإنسان مشيئة اختيار لكن مشيئة الله مشيئة فحصٍ واختبار، النبي عليه الصلاة والسلام كان من أعلى درجات الأدب مع الله، لم يقل: " اللهم ارحمني " بل قال: " اللهم إني أسألك موجبات رحمتك " كنت أضرب على هذا مثلاً ملك لو أن ابنه طلب قصراً يعطيه إياه، طائرة خاصة يعطيه إياها، يختاً في البحر يعطيه إياه، أفخر سيارة يعطيه، لكنه طلب أن يكون أستاذاً في الجامعة، يقول له: لا، هذه ليست من عندي، هذه تحتاج إلى جهد منك، إلى دكتوراه، ائت بهذه الشهادة حتى أجعلك بهذا المنصب، فلذلك اطلب، هناك طلبات ممكن أن تلبى ولكن هناك طلباً لا يمكن إلا أن يدفع ثمنه، فلو طلب ابن الملك أن يكون أستاذاً في الجامعة قال له أبوه:لا يا بني لابد من دكتوراه تؤهلك إلى هذا المنصب، هذه واحدة.

في عقيدة المسلم دوائر ثلاث؛ المحسوسات و المعقولات و الإخباريات :

 الشيء الثاني وهذا الشيء دقيق جداً، نحن تعلمنا أن هناك في عقيدة المسلم دائرة المحسوسات، وهناك دائرة المعقولات، وهناك دائرة الإخباريات، أن ترى، أو أن تسمع، أو أن تمسك، أو أن تلمس، أو أن تشم، إلى آخره، هذه كلها محسوسات، الحواس الخمس الأداة الوحيدة لمعرفة الأشياء المادية، يوجد محيط، المحيط له صورة، وله لون، وله حجم، وله صوت، وله بعد، وله ملمس، وله حرارة، وله برودة، فبالحواس الخمس تعرف المحسوسات، وهذا هو اليقين الحسي، طبعاً هذه الدائرة الإنسان وغير الإنسان يشتركون بها، بينما الدائرة الثانية دائرة المعقولات، أشياء غابت عنك ذواتها وبقيت آثارها، سبيل معرفتها العقل، هذه دائرة المعقولات، لذلك إذا أردت أن تناقش أو تحاور إنساناً شارداً، ملحداً، تائهاً، كافراً، المجال الوحيد دائرة المعقولات، ولكن كيف نثبت للآخرين أن هناك يوم قيامة؟ لا يوجد دليل، الجنة، الملائكة، الحوض، العرش، الكرسي، الصراط المستقيم، الماضي السحيق، أصل الخلق، هذه كلها دائرة إخباريات، سبيل معرفتها الخبر الصادق، صباحاً أخ سألني: كيف أثبت أن هناك ملائكة؟ قلت له: لن تستطيع أن تثبت بعقلك، الملائكة موضوع إخباري، والجن موضوع إخباري، والجنة موضوع إخباري، والنار موضوع إخباري، والعرش والكرسي موضوع إخباري، والحوض والصراط موضوع إخباري، وأصل خلق العالم موضوع إخباري، وأسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى موضوع إخباري، فأنت عندك دائرة الإنسان وغير الإنسان سواء المحسوسات، الدائرة الثانية يتميز بها الإنسان دائرة المعقولات، أما الدائرة الثالثة فيتميز بها المؤمن، المؤمن تلقى خبراً عن الله عز وجل أن هناك جنةً، وناراً، وحساباً، وصراطاً، وحوضاً، وما إلى ذلك، ولكن في المجتمع البشري إنسان واحد إذا حدثنا عن يوم القيامة وعن الجنة والنار يحدثنا عن شهود إنه النبي عليه الصلاة والسلام، لماذا؟ لأنه في الإسراء والمعراج رأى كل شيء، رأى ما كان، ورأى ما سيكون، فإذا حدثنا عن الجنة، وعن النار، وعن عذاب أهل النار ونعيم أهل الجنة، فلأنه رآهما رأي العين، هذا حينما ارتقى إلى سدرة المنتهى، قال تعالى:

﴿ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ﴾

[ سورة النجم :10]

في القرآن دليل عقلي فريد عن اليوم الآخر :

 أيها الأخوة؛ ولكن في سورة النبأ دليل عقلي فريد في القرآن عن اليوم الآخر، الأصل في اليوم الآخر أن دليله إخباري، الله أخبرنا، إلا في هذه السورة قال تعالى:

﴿ عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ* عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ *الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ * كَلَّا سَيَعْلَمُونَ* ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ﴾

[ سورة النبأ :1-5]

﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَاداً * وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً * وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً * وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً * وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً * وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً * وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً * وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً * لِنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً * وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً * إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً﴾

[ سورة النبأ :6-17]

 ما علاقة هذه الآيات الكونية بيوم الفصل؟ يوجد سؤال دقيق: الذي خلق هذا الكون العظيم أيعقل أن يترك الإنسان سدى بلا حساب؟ قوي يتحكم بآلاف الناس، ويسحقهم، وينتهي الأمر هكذا؟ غني يكاد ينشق من الطعام والشراب وإنسان لم يذق طعم اللحم من عام؟ قوي وضعيف، غني وفقير، إنسان يتمتع بصحة جيدة عاش مئة وثلاثين سنة وإنسان يموت بالثامنة والثلاثين بجلطة، إنسان له شكل وسيم رائع، فتاة وسيمةٌ يخطبها آلاف الناس، وامرأة فاتها قطار الزواج لضعف في شكلها، أهكذا تنتهي الحياة؟ قوي وضعيف، وغني وفقير، ومتَحَكم ومتَحكم به، وسيم وذميم، وذكي وغبي، وصحيح ومريض وتنتهي الحياة هكذا؟ هذا أيها الأخوة عبث، قال تعالى:

﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾

[ سورة المؤمنين :115]

 مستحيل، قال تعالى:

﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ﴾

[ سورة القيامة :36]

﴿ أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ﴾

[ سورة القيامة :37]

كمال الخلق يدل على كمال التصرف :

 أنت أمام خيارين صعبين؛ إما أن تؤمن أن لهذا الكون إلهاً وسيحاسب كل مخلوق حساباً دقيقاً بعضه في الدنيا، ورصيده في الآخرة، وإما أن تؤمن بالعبثية، الآن يوجد مثل يقرب: مثلاً قاعدة إطلاق الصواريخ في أمريكا - كيب كانافيرال - هذه القاعدة تصل بمركباتها إلى القمر، مركبة تحمل أشخاصاً يصلون بها إلى القمر، علم البشرية كلها في هذه المركبة، يوجد استنباط إنسان يتجاوز المجال الجوي ويدخل في منطقة انعدام الجاذبية، يصل إلى القمر وزنه السدس، هواء لا يوجد معنى هذا أنه يحتاج إلى مضخات هواء، سمعت أن بدلة رائد الفضاء سبعة عشر مليون دولار، هذه البدلة التي يمكن أن تحميه من أخطار القمر، فعندنا استنباط الذي جعل الأرض، قال تعالى:

﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَاداً * وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً * وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً * وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً * وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً * وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً * وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً * وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً * لِنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً * وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً ﴾

[ سورة النبأ :6-16]

 هذا الإله الذي خلق فأبدع ألا يحاسب؟ ممكن أن تشاهد جامعة، أبنية ضخمة جداً، مدرجات، قاعات، حدائق، أبنية للطلبة، مطابخ درجة أولى، مكتبة ضخمة جداً، اتصالات، من دون فحص، كل طالب دخل وخرج أخذ دكتوراه، لا يوجد عنده فحص أبداً، لا يتناسب، الآن دقق كمال الخلق يدل على كمال التصرف، فما دام هناك جبال ومجرات وكواكب وليل ونهار وشمس وقمر وأمطار ورياح ومخلوقات بديعة، خالق الكون لن يدع الإنسان من دون حساب، قال تعالى:

﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ﴾

[ سورة القيامة :36]

﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾

[ سورة المؤمنين :115]

 في مطلع هذه السورة دليل عقلي على أن هناك يوماً آخر، وهناك دليل آخر والله سمعته من أحد الدعاة أعجبني وليس من عندي، هذا الدليل أناس دخلوا إلى مسرح أزيح الستار عن الممثلين، بدأت المسرحية إنسان قتل إنساناً، ما فهمنا لما قتله، وما رأينا مصير القاتل، ثم أرخي الستار لا أحد يخرج، أرخي الستار، لا، لابد من فصول قادمة تسوى فيها الحسابات، لابد من خاتمة منطقية لهذه المسرحية، فلا أحد يقوم لأنه يوجد شيء لم يظهر بعد، فهذا الشيء المطمئن، الآن يوجد أقوياء يعيشون على أنقاض الشعوب، أشخاص يسحقون الآخرين، أناس متغطرسون، متكبرون، أشخاص منحرفون، المنحرف له حساب، والمستقيم له حساب، والصادق له حساب، والكاذب له حساب، والمخلص له حساب، والخائن له حساب، لا يليق بالله عز وجل أن يترك الإنسان بلا حساب، قال تعالى:

﴿ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا ﴾

[ سورة النبأ : 17]

 أدق كلمة: كمال الخلق يدل على كمال التصرف، إذا أنت ذهبت إلى بلد لتشتري حواسيب – كمبيوترات- فالحاسب يعد قمة الذكاء البشري، هل من المعقول أن تطلب حاسباً يأخذ منك المبلغ ويضعه في جيبه؟ هل هو بائع بطيخ؟ يوجد إيصالات، نسختان أو ثلاث، يوجد محاسبة، وبيان، ورقم الحاسب، هل من المعقول الذي يبيعك الحاسب كما يبيعك البطيخ؟ كمال الخلق يدل على كمال التصرف، هذا يجب أن يطمئننا، قال تعالى:

﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾

[ سورة إبراهيم : 42]

﴿ فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾

[ سورة إبراهيم : 47]

﴿ لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾

[ سورة آل عمران : 196-197]

 وهذه السورة في مطلعها دليل عقلي على اليوم الآخر، دليل منطقي، أي يوجد قوي وضعيف، ظالم ومظلوم، مستغِل ومستغَل، يوجد إنسان قلبه من صخر وإنسان قلبه رحيم، هؤلاء يستويان؟

استواء المحسن مع المسيء يتناقض مع عدالة الله :

 أخواننا الكرام؛ كلمة أقولها لكم ولكن خطيرة، أن يستوي المستقيم مع المنحرف، والصادق مع الكاذب، والمحسن مع المسيء، والمخلص مع الخائن، والمنضبط مع المتفلت، أن يستويان هذا يتناقض لا مع عدالة الله، يتناقض مع وجود الله، حتى هذه الدول العظمى التي تسحق الشعوب لابد من أن يرينا الله آياته فيها، مستحيل، لو جعلها إلى مالا نهاية تفعل ما تريد دون رادع، دون محاسب، الله عز وجل أين قدرته؟ أين عدالته؟ لابد من أن يظهر آياته لهؤلاء، هذه واحدة.

التفكر في خلق السماوات والأرض أرقى عبادة :

 النقطة الثانية؛ أنتم هل تقبلون أن الله سبحانه وتعالى يتكلم كلاماً لا معنى له؟ ألف وثلاثمئة واثنتان وعشرون آية في القرآن كونية، لماذا هذه الآيات؟ قال تعالى:

﴿ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً ﴾

[ سورة عبس : 25]

 هذه اللام ما إعرابها؟ لام الأمر، أنت مأمور أن تنظر إلى طعامك، وإلى شرابك، ومما خلقت، وإلى الإبل مما خلقت، وإلى السماء كيف رفعت، وإلى الجبال كيف نصبت:

﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾

[ سورة يونس الآية: 101 ]

 لذلك التفكر في خلق السماوات والأرض أرقى عبادة لأنها أسرع باباً، ولأن الكون أسرع طريقاً إلى الله، وأقصر طريق إليه، وأوسع باب للدخول عليه، فالمؤمن الصادق لابد من أن يقتطع من وقته وقتاً للتفكر في آيات الله الدالة على عظمته.

المعركة بين الحق و الباطل معركة أبدية أزلية :

 أيها الأخوة؛ من آيات اليوم أيضاً في تاريخ البشرية إنسان أحياناً يعذب عذاباً شديداً، ما فعل شيئاً إلا أنه آمن بالله، شيء قديم، الحق قديم، والباطل قديم، والمعركة بين الحق والباطل قديمة، قال تعالى:

﴿ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾

[ سورة البروج : 8]

 ذنبهم الوحيد أنهم آمنوا بالله العزيز الحميد، قال تعالى:

﴿ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ * إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ﴾

[ سورة البروج : 8-12]

 لذلك النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

(( كيف بكم إذا لم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر؟ قالوا: أو كائن ذلك يا رسول الله؟ قال: وأشد منه سيكون، قالوا: وما أشد منه؟ قال: كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف، قالوا: أو كائن ذلك يا رسول الله؟ قال: وأشد منه سيكون، قالوا: وما أشد منه؟ قال: كيف بكم إذا أصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً؟ ))

[ ابن أبي الدنيا وأبو يعلى الموصلي في مسنده عن أبي أمامة]

 أول انحراف لم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر، بنو إسرائيل أهلكهم الله عز وجل لأنهم كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، هذه مرتبة، أشدّ منها أن يصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً، وأشدّ منهما أن نأمر بالمنكر وأن ننهى عن المعروف، إذا وصلنا إلى هذا المستوى فعلى الدنيا السلام.
 أيها الأخوة الكرام؛ من الطيب أن نتفهم الجزء الأخير من القرآن، والسبب أن أكثر الناس يقرؤونه في الصلاة، فإذا كان تفهم المؤمن لهذه السور القصيرة دقيقاً هذا مدعاة لأن تكون صلاته أكثر فاعليةً، وأكثر تأثيراً.

تحميل النص

إخفاء الصور