وضع داكن
24-04-2024
Logo
موضوعات إسلامية عامة - الدرس : 16 - دور العلم في الإيمان.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

عدم معرفة الحق أزمة أهل النار :

 أيها الأخوة الكرام؛ لابدَّ من وقفةٍ متأنّيةٍ حول موضوع دور العلم في الإيمان، فالله سبحانه وتعالى يقول عن أهل النار وهم يتحرَّكون فيها:

﴿ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾

[ سورة الملك : 10]

 أي أن علَّة وجودهم في النار أنهم لم يسمعوا ولم يعقلوا، لأنهم لو سمعوا أو عقلوا لعرفوا الحق، وبدافعٍ من فطرتهم وحبّهم لوجودهم، وسلامة وجودهم، وكمال وجودهم يسيرون في طريق الحق، إذاً أزمةٌ واحدة بين كل البشر وهي أزمة العلم، لو علمت المعلومات الصحيحة لسرت وفقها شئت أم أبيت، لذلك قال تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾

[ سورة فصلت : 30-32]

صفات الإنسان وفق آيات القرآن الكريم :

 الإنسان أيها الأخوة مصمَّم، مبرمج على أن يخاف..

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً ﴾

[ سورة المعارج : 19]

 والهلوع شديد الخوف، شديد الجزع..

﴿ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً ﴾

[ سورة المعارج : 20]

 والهلوع شديد الحرص، يخشى المستقبل، لا ينفق ماله، يريد أن يكون عنده مخزون كبير للمفاجآت، أيضاً الخوف..

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً ﴾

[ سورة المعارج : 19]

 هلوعاً أي شديد الجزع من المجهول، شديد الحرص عمَّا هو موجود، عما هو معلوم، من المجهول شديد الجزع، من الموجود شديد الحرص، هذه الصفة صفة أي إنسان، وأية آيةٍ قرآنيَّة ترِد فيها كلمة إنسان معرَّفةً بأل فهو جنس الإنسان قبل أن يعرف الواحد الديَّان، بالتعبير الصناعي.. خامة.. الإنسان خامة كفطرة، كبنية، كجبلَّة، الإنسان هكذا..

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ ﴾

[ سورة المعارج : 19-22]

 فلو أن إنساناً محترم، متوازن، قوي الشخصيَّة، مهيمن، مسيطر، عانى من آلام في رأسه شديدة، عمل فحصاً فوجد أن هناك بوادر ورم، يصبح كالطفل، كيف الطفل يبكي لأتفه الأسباب؟ كيف أنه متهالك؟

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ ﴾

[ سورة المعارج : 19-22]

 المُتَّصل بالله ليس جزوعاً ولا منوعاً لأنه اعتمد على الله، وتأتي الآية مطمئنة:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾

[ سورة فصلت :30]

 فهذه الطمأنينة التي ينالها المؤمن عند اتصاله بالله، واصطلاحه معه، وسيره في طريق الإيمان كأنَّه تحت مظلَّة الله عزَّ وجل، هذه الطمأنينة لا تُقدَّر بثمن، هذه الطمأنينة سبب قوَّة جهاز المناعة في الإنسان، وحينما يخاف الإنسان وحينما يقلق يضعف جهاز مناعته فتشتد عليه الأمراض.

الإيمان صحة :

 أيها الأخوة الكرام؛ الإيمان صحَّة، التوحيد صحَّة، لأن كن بما في يدي الله أوثق منك يما في يديك، إن أردت أن تكون أقوى الناس فتوكَّل على الله، فالإنسان خُلِق هلوعاً، هذه نقطة ضعفٍ في أصل خلقه، هي في الحقيقة مزعجة لكنها لصالح إيمانه، لولا أنه جزوع لما أقبل على الله عزَّ وجل إثر مصيبة، لولا أنه جزوع ما وقف على بابه، ما مرَّغ جبهته في أعتابه، ما دعاه في البيت، ما صلَّى له، لو كان قوياً لاستغى بقوَّته فشقي باستغنائه، والإنسان اللئيم..

﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ﴾

[ سورة العلق : 6-7]

 حينما يستغني الإنسان أو يتوهَّم أنه مستغنٍ عن الله عزَّ وجل يطغى، أما حينما يمرض.. حدَّثني أخ فقال لي: أنا بصحبة رجل غني على قوي، قال لي: ما رأيت إنساناً أكثر تجبُّراً منه، ما رأيت إنساناً أكثر عِناداً منه، ما رأيت إنساناً أقسى قلباً منه، قال لي: أصابه مرض خطير فرأيته وديعاً كالحمل.. فالمرض يُلَيِّن..

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ ﴾

[ سورة المعارج : 19-22]

 نقطة ضعفٍ في خلق الإنسان لصالح الإنسان، هي التي تدفعك إلى باب الله، هي التي تجعلك تقف على أعتابه، هي التي تجعلك تتذلَّل له في الصلاة، لو كنت قويَّاً لاستغنيت بقوَّتك فشقيت باستغنائك، إذاً هذه النقطة الضعيفة تفسِّر قوله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾

[ سورة فصلت :30]

 ذكرت هذا كثيراً، كلمة ألا تخافوا ولا تحزنوا، ألا تخافوا غَطَّت المستقبل كلُّه، وألا تحزنوا غَطَت الماضي كلَّه، فأنت في لحظةٍ لا تخشى شيئاً ولا تندم على شيء..

﴿ وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ﴾

[ سورة فصلت :30-31]

 إذا كان الله وليَّك ممن تخاف؟ إذا كان الله معك من يقف أمامك؟ من يستطيع أن ينال منك؟ من يستطيع أن ينالك بالأذى؟ مستحيل..

﴿ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾

[ سورة فصلت :31-32]

 هذه مرتبة الإيمان والاستقامة، الإيمان من لوازمه الاستقامة، الإيمان مما يجعله مثمراً الاستقامة..
 صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

الاستقامة سلبية و العمل الصالح إيجابي :

 الآن فريق آخر..

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً﴾

[ سورة فصلت: 33 ]

 الاستقامة سلبيَّة، الاستقامة تسبقها كلمة ما، ما أكلت مالاً حراماً، ما اغتبت إنساناً، ما اعتديت على إنسان، ما شربت الخمر، ما تكلَّمت بالباطل، الاستقامة كلِّها تسبقها كلمة ما، ما فيها بذل بل فيها امتناع، فيها انضباط، أما هناك مرتبة أعلى وهي:

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً﴾

[ سورة فصلت: 33 ]

 عمل عملاً صالحاً، العمل الصالح إيجابي، بذلت من مالك، بذلت من جهدك، بذلت من وقتك، بذلك من خبرتك، بذلت من علمك، بذلت من جاهك..

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً﴾

[ سورة فصلت: 33 ]

 الدعوة إلى الله من لوازمها العمل الصالح وإلا كانت حرفةً مقيتةً..

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ﴾

[ سورة فصلت: 33-34 ]

الجهل أخطر أعداء الإنسان :

 أقول لكم كلمة وإن كانت تبدو لكم غريبة: أن تستوي الحسنة والسيئة، أو أن يستوي المستقيم مع المنحرف، أو أن يستوي المحسن مع المسيء، أو أن يستوي المنصف مع الجاحد، أو أن يستوي الصادق مع الكاذب، أو أن يستوي المخلص مع الخائن، أن يستوي هذان في الدنيا وفي الآخرة هذا الاستواء يتناقض مع وجود الله، ما دام الله موجوداً لا يمكن لهذين النموذجين أن يستويا.

﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ﴾

[ سورة الجاثية : 21]

 في الدنيا..

﴿ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾

[ سورة الجاثية : 21]

 فإذا أنت اعتقدت اعتقاداً جازماً أنه لا يمكن أن تكون دنيا المستقيم كدنيا المنحرف، الدنيا قبل الآخرة، لا يمكن أن يكون بيت المؤمن كبيت الفاسق، لا يمكن أن تكون زوجة المؤمن كزوجة الفاسق في علاقتها معه، لا يمكن أن تكون علاقات المؤمن كعلاقات الفاسق..

﴿ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾

[ سورة الجاثية : 21]

 فهذا الذي يتوهَّم أنه إذا أكل المال الحرام فهو ذكي، وقد يفوق المستقيم فهو أحمق، هذا الذي يتوهَّم أنه إذا اعتدى على أعراض الناس يكون قد حصَّل على مكاسب لم يكن ليأخذها المستقيم فهو أذكى منه، فهو أحمق، حينما تتوهَّم أنك بالمعصية تَغْنَم فأنت جاهل، وحينما تتوهَّم أنك بالطاعة تخسر فأنت جاهل، لا يمكن أن تطيعه وتخسر، ولا يمكن أن تعصيه وتربح، وسبحانك إنه لا يذلُّ من واليت، ولا يعزُّ من عاديت، أي أن الله عزَّ وجل حكيم، تتوهَّم أحياناً أنك إذا عصيته تربح مبلغاً ضخماً، يقول لك: لا تدقِّق من هنا إلى يوم القيامة يفرجها الله، يظن نفسه أذكى من المستقيم، فيكون أحمق، مغفَّلاً، جاهلاً، فكل إنسان ينحرف ويجني من انحرافه ثمرةً هذه الثمرة سرعان ما تذوي بين يديه.
 قلت لكم مرَّة: سائق ركبت معه إنسانة فقال لها: أين يا أختي؟ قالت له: أينما تريد، فاعتبر أن هذه دعوة من قِبَلِها وحقَّق مراده، وفوق ذلك أخذ من هذه المرأة ظرفين، ظرف فيه خمسة آلاف دولار مكافأة، وظرف فيه رسالة، فتح الرسالة وجدها: " مرحباً بك في نادي الإيدز " والظرف فيه خمسة آلاف دولار مزوَّرة أودعته في السجن. ممكن يَغْنَم الإنسان بالمعصية؟ مستحيل..

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ﴾

[ سورة الأنفال: 36 ]

 والله أعرف شخصاً من الغنى بمكان، يملك محلّين تجاريين بأضخم أسواق دمشق، استيراد، وسيَّارة، ومكانة، زَلَّت قدمه في معصية كبيرة، الآن والله في درجة من الفقر لا تُحْتَمَلْ، كل هذا المال ذهب، ممكن تعصيه وتربح؟ يكون الدين كلَّه لا حاجة لنا به، لا يمكن أن تعصيه وتربح، ولا يمكن أن تطيعه وتخسر، لكن الله يرخي الحبل، تتوهَّم أحياناً أن في المعصية يوجد مغنم كبير، ولكن لا يوجد بها شيء، وبالطاعة يوجد قيود يا أخي وأنا لا أريد أن أقيّد نفسي، هذا هو الجهل، لذلك عوداً على بدء..

﴿ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾

[ سورة الملك : 10]

 سبب دخولهم للنار الجهل، الجهل أعدى أعداء الإنسان، الجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوُّه أن يفعله به.

تحميل النص

إخفاء الصور