وضع داكن
16-04-2024
Logo
أحاديث ليلة القدر - الدرس : 1 - أدب الدعاء.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً، و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

الدعاء هو العبادة :

 أيها الأخوة المؤمنون؛ أيها الإنسان أنت مخلوق لعبادة الله، والدليل قوله تعالى:

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

[ سورة الذاريات:56]

 مخلوق لعبادة الله، وهل تصدق أن الدعاء هو العبادة، هو العبادة كلها، قال تعالى:

﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾

[ سورة غافر :60]

 أول نقطة في هذه الآية أن الله جلّ جلاله ما أمرنا أن ندعوه إلا ليستجيب لنا، وإلا فهو كلام ليس له معنى، لو قال: إن الذين يستكبرون عن دعائي، فإنّ الدعاء غير العبادة، أما قوله تعالى: 

﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾

 

[ سورة غافر :60]

 فالدعاء إذاً هو العبادة، لذلك قال تعالى:

﴿ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً ﴾

[ سورة الفرقان :77]

 من الذي يدعو الله عز وجل؟ أنت في الدنيا هل يعقل أن تدعو شخصًا غير موجود؟ هذا مستحيل، لا تدعو إلا إنساناً أمامك، تؤمن بوجوده، ولا بد أن تدعو إنساناً أمامك، ويسمعك، وإلا فالدعاء ليس له معنى، ولا بد من أن تدعو إنساناً موجودًا أمامك، ويسمعك، وهو قادر على أن يستجيب لك، قد تدخل دائرة فلا تترجى حاجبًا، بل تترجى مدير الدائرة، لأن ذاك الصغير لا يفعل شيئاً، فأنت لا تدعو إلا إنساناً موجودًا أمامك، ويسمعك، وهو قادر على أن يلبي حاجتك، وفوق هذا وذاك إنك لا تدعو إنساناً إلا إذا كان موجودًا أمامك، ويسمعك، وهو قادر على تلبية حاجتك، ويحب أن يلبي حاجتك، إنك لن تدعو عدواً .
 فلمجرد أن تدعو الله تعالى فأنت مؤمن بوجوده، مؤمن أنه يسمعك ويعلم حالك، ومؤمن أنه على كل شيء قدير، ومؤمن بأنه يحبك، فإذا دعوته فقد عرفته، وإذا دعوته فقد أحببته، وإذا دعوته فقد وحَّدته، وإذا دعوته كان دعاؤك مخ العبادة .

 

الدعاء سلاح المؤمن :

 أيها الأخوة؛ وما أمرك أن تدعوه إلا ليجيبك، والدعاء سلاح المؤمن، تصور بلدًا فيه ملك، وفيه مواطن ضعيف جداً، قال له الملك: هذا هاتفي الخاص، وأي مشكلة أحلُّها لك، وأكبر إنسان أخضعه لك، وأكبر طلب أنفذه لك، اتصل بي فقط، فهذا المواطن الضعيف الصغير أصبح أقوى مواطن، وأنت بالدعاء أقوى إنسان على الأرض، ولكن المسلمين ويا للأسف لا يعرفون قيمة الدعاء، في عملك، إن الله يحب الملحين بالدعاء، من لا يدعني أغضب عليه، وفي الحديث:

(( لِيَسْأَلْ أَحَدُكُمْ رَبَّهُ حَاجَتَهُ كُلَّهَا حَتَّى يَسْأَلَ شِسْعَ نَعْلِهِ إِذَا انْقَطَعَ ))

[رواه الترمذي عن أنس]

 إن الله يحب من العبد أن يسأله ملح طعامه، إن الله يحب من العبد أن يسأله حاجته كلها .
فلو أنّ رجلاً مقيمًا في بلد غربي، وعلى مستوى رفيع جداً من المعرفة، ومعه ثلاثة بوردات، وفي أعلى درجة من التألق، ودخله كبير، وجسمه رياضي، والأول سبع سنوات في الجامعة، وله بيت فخم جداً، وفي أعلى درجة، نجاحاته متنوعة؛ في بيته، وزواجه، وتألقه، ومكانته، وعمله، أصيب فجأةً بشلل، والله حدثني فقال: أصابني ألم نفسيّ لا أعرفه منذ ولدت، فمصيري على الكرسي، والألم لا يحتمل، قال لي: أنا جالس في المستشفى- نصف جسمه مشلول، ولا يتكلم- نظرت إلى السماء، وكان القمر ساطعًا، ناجيت الله، قال لي بالضبط: ناجيته بكل خلية في جسمي، وبكل قطرة من دمي، وسألته أن يميتني، أو أن يشفيني، على أني عاهدته على أن أبذل كل ما في وسعي لخدمة خلقه، والرجل حيّ يرزق، ويقسم بالله العظيم، ومن حوله ذكروا لي ذلك، والقصة تواترت، وما مضت ساعة إلا وشفاه الله من هذا المرض، فوفَّى بما عاهد الله عليه، وفي مثل هذه القصة يمكن أن تتعطل القوانين إذا كنت مخلصًا في الدعاء، لأنه لا بد من كرامة للمؤمن، وإذا دعوت الله فأنت أقوى إنسان، فاسأله حاجتك كلها، واسأله شسع نعلك إذا انقطع، واسأله ملح طعامك، وألحّ عليه بالدعاء، وهكذا يحبك الله عز وجل:

﴿ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً ﴾

[ سورة الفرقان :77]

انعدام الوسيط بين الله و عباده :

 عندنا في القرآن الكريم اثنتا عشرة آية فيها سؤال مقرون بلفظ " قل "، قال تعالى:

﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴾

[سورة البقرة: 219]

 وقال تعالى:

﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾

[سورة البقرة: 215]

 وقال تعالى:

﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾

[سورة البقرة: 222]

 وقال تعالى:

﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾

[سورة البقرة: 189]

 إلى آخر الآيات، إلا آية واحدة ليس فيها لفظ " قل "، قال تعالى:

﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾

[سورة البقرة: 186]

 ليس فيها لفظ " قل "، فاستنبط العلماء أنه ليس بين الله وبين عباده وسيط، فلمجرد أن تقول: يا رب، يقول لك الله: لبيك يا عبدي، أنا أتمنى أن ينقلب هذا الدرس إلى واقع عملي، فاسأل الله، اسأله زوجة صالحة، وعملاً صالحًا كريمًا، اسأله رزقًا حلالاً، وصحة، وأن يعينك على طاعته، إياك نعبد وإياك نستعين، فما دام قد أمرك أن تستعين به على عبادته فمعنى هذا أن العبء ليس عليك، أنت عليك أن تطلب فقط، وهذا الإيمان يجب أن يفسّر إلى دعاء، قال بعض العلماء:

﴿ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ﴾

[سورة المعارج: 23]

أي يكثرون من الدعاء، واقرأ كتاب الأذكار للإمام النووي، فإذا دخل المرء البيت فهناك دعاء، وإذا خرج منه فهناك دعاء، أو دخل إلى عمله، أو مشى في السوق، أو خلع ثيابه، أو ارتدى ثيابًا جديدة، أو دخل دورة المياه، في كل حركة وسكنة دعاء، إذا استيقظ قال:

(( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي فِي جَسَدِي، وَرَدَّ عَلَيَّ رُوحِي، وَأَذِنَ لِي بِذِكْرِهِ ))

[رواه الترمذي عن أبي هريرة]

 إنه شيء عجيب:

(( الحمد لله الذي أذاقني لذته، وأبقى في منفعته، وأخرج عني أذاه ))

[البيهقي في شعب الإيمان عن عائشة]

 فأنت بالدعاء مع الله دائماً، لأنه أحد أنواع الصلوات، وأحد أنواع الاتصال بالله، فالصلوات قيام وركوع وسجود وتكبير وتسليم، أما أحد أنواع الاتصال بالله فهو الدعاء:

((الدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ ))

[رواه الترمذي عن أنس]

 أما أقوى من هذا الحديث فالدعاء هو العبادة:

(( الدعاء سلاح المؤمن))

[رواه الحاكم عن علي]

الدعاء المستجاب سببه الرزق الحلال :

 لولا أنك تدعو الله لما عبأ الله بك، والدعاء هو ثمرة الإيمان، والدعاء المستجاب سببه الرزق الحلال، عن ابن عباس قال: تليت هذه الآية عند النبي صلى الله عليه وسلم " يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالاً طيباً " فقام سعد بن أبي وقاص فقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة؟ فقال:

((يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة، والذي نفس محمد بيده إن الرجل ليقذف اللقمة الحرام في جوفه فما يتقبل منه أربعين يوماً، وأيما عبد نبت لحمه من السحت والربا فالنار أولى به ))

[أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس]

شروط الدعاء :

 و قال تعالى:

﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾

[ سورة البقرة : 186]

 وإذا دعوني حقيقةً فليستجيبوا لي، وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون، تؤمن وتستجيب، عندئذٍ تدعو فيجيبك، هذه واحدة، والعلماء استثنوا المضطر فقالوا: المضطر مستثنى من شروط الدعاء، وكذا المظلوم، فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون، فهذه شروط الدعاء؛ آمِن واستجب، ثم ادعُ، والمضطر بأي حال يستجيب الله له، لأن الله عز وجل يستجيب لا بحال الداعي بل برحمة المدعو، برحمة الله، والمظلوم يستجيب الله له لا بحال المظلوم، وقد يكون شاردًا عن الله، بل بعدل المدعو، فالله عز وجل يستجيب للمظلوم بعدله، ويستجيب للمضطر برحمته:

((فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ: اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ ))

[البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا]

 الآن قال تعالى:

﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾

[ سورة الأعراف : 55]

 بالتذلل. المطر منقطع، ندعو الله أن يسترنا، ومع الجفاف غلاء الأسعار، ومع الجفاف استيراد كل المواد الغذائية، وبأرقام خيالية؛ ألوف الملايين ثمن علف للحيوانات، وألوف الملايين ثمن قمح، فسنّ النبي لنا أن نخرج جميعاً، وأن نتذلل، وندعو الله بالسقيا، فإنّ الله عز وجل يريدنا أن نخضع له، وأن نرجوه، وأن نتمنى أن يرزقنا، فلذلك: "ادعو ربكم تضرعاً "، فليس مع الدعاء كبر، كلنا صغار بالدعاء، تضرعاً وخفية، ولا يوجد داعٍ للصوت العالي، والأنغام، والسجع، فإنّ الله عز وجل يريد قلباً منيباً، ونفساً طاهرةً، وإخلاصاً في القلب، أنا كنت أقول لإخواننا المعتمرين: إذا لم يكن عندك أدعية تحفظها عن غيب فلا تقرأ أدعية من كتاب، فإذا قرأت ذهبت بركة الدعاء، ادعُ من قلبك، وناجِ ربك حتى باللغة العامية، لأن الله سميع بصير:

﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً﴾

 من شروط الدعاء التضرع والصوت المنخفض:

﴿ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾

 فإن دعوته من دون تضرع اعتديت، وإن دعوته بصوت عريض اعتديت، وهذا هو العدوان، وإن اعتديت على إخوانك المؤمنين فالله عز وجل لا يستجيب لك، قل يا محمد للمعتدين أنا لا أحبهم، لذلك لا أستجيب لهم:

﴿ وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ﴾

[ سورة الأعراف : 56]

 إياك أن يغلب الطمع في دعائك، أو أن يغلب اليأس، فإنّ اليأس خطأ، والطمع خطأ، فكن بين اليأس وبين الخوف، خوفاً وطمعاً.

﴿ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ ﴾

[ سورة الأعراف : 29]

 أحياناً تضع ثقتك بغير الله، وتدعو الله، فهذا الدعاء من دون إخلاص، ثقتك بابن عمك له وظيفة عالية قال لك: أنا أحلّ مشكلتك، يا رب حل لي هذه المشكلة، ولكن ثقتك ليست بالله حقيقةً، فلا بد من الإخلاص، ومن الخوف، والطمع، ومن التضرع، والخفية، وإذا كنت مضطراً أو مظلوماً فأنت مستثنى، وشروط الدعاء أن تؤمن به، وأن تستجيب له، وأن يكون دخلك حلالاً،

((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ وَقَالَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ قَالَ وَذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ))

[الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

الله عز وجل يستجيب ويُسترضى :

 أيها الأخوة ؛ ربنا عز وجل يحب المُلِحِّين في الدعاء، والدليل قوله تعالى:

﴿وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ ﴾

[ سورة هود : 45]

 هذا إلحاح تفاصيل، " إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين "، إلحاح آخر، قال تعالى:

﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً ﴾

[ سورة مريم : 4]

 إنّ الله عز وجل يستجيب، والله عز وجل يُستَرضى، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:

(( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الصَّدَقَةَ لَتُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وَتَدْفَعُ عَنْ مِيتَةِ السُّوءِ ))

[ الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ]

((باكروا بالصَّدقة، فإن البلاء لا يتخطاها - وفي لفظٍ - فإن البلاء لا يتخطى الصدقة))

[رواه البيهقي في الشعب عن أنس]

الصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد الفقير، فالله عز وجل يستجيب ويُسترضى .

((عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ يُمْهِلُ حَتَّى إِذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الأَوَّلُ نَزَلَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ؟ هَلْ مِنْ تَائِبٍ؟ هَلْ مِنْ سَائِلٍ؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ؟ حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ ))

[ البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ]

 إنّ الله ينتظرنا.

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟ ))

[ البخاري عَنْ أَبِي هريرة ]

 وفي رواية:

(( فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ إِلَى الْفَجْرِ ))

[أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

أدعية الأنبياء :

 أيها الأخوة؛ هؤلاء الأنبياء العظام، في القرآن ورد خمسة وتسعون دعاء لهم، أول دعاء، قال تعالى:

﴿ قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ﴾

[ سورة طه : 25]

 طلاقة اللسان من نعم الله .

﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴾

[ سورة إبراهيم : 35]

 وأكبرُ نعمةٍ نعمةُ الأمن، قال تعالى:

﴿ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾

[ سورة قريش: 4]

﴿ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة الأنعام : 81]

﴿ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ﴾

[ سورة البقرة : 126]

 كان سيدنا عمر كلما التقى بأحد الولاة يسأله السؤال الأول: كيف الأسعار عندكم؟ رحمةً برعيته .
 إذا حجّ الإنسان بمال حرام يناديه منادٍ إذا قال: لبيك اللهم لبيك، يقال له: لا لبيك، ولا سعديك، وحجك مردود عليك، ربنا تقبل منا صلاتنا، وقيامنا، وصيامنا، وركوعنا، وسجودنا، وقيام ليلتنا هذه، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، "ربنا واجعلنا مسلمين لك "، أي نخضع لك، هناك من يستكبر عن عبادة الله، " ومن ذريتنا أمةً مسلمة لك "، لأنّ أسعد ما يراه أن يرى ذريته صالحة، قال تعالى:

﴿ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ﴾

[ سورة آل عمران : 38]

 دققوا، هذه أدعية الأنبياء القمم، قمم البشرية، فماذا سألوا؟

﴿ قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾

[ سورة الأعراف : 23]

﴿ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾

[ سورة الممتحنة : 4]

﴿ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾

[ سورة الأعراف: 151]

﴿ وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ ﴾

[ سورة الأعراف: 155]

﴿ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ﴾

[ سورة إبراهيم : 40]

﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَاراً﴾

[ سورة نوح : 28]

﴿ وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً ﴾

[ سورة الإسراء : 80]

﴿ وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً ﴾

[ سورة مريم : 5]

ولد يخلفني، هو مِن نعم الله عز وجل، حتى يستمر الإنسان .

﴿وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي ﴾

[ سورة طه : 29]

﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾

[ سورة الأنبياء : 83]

 سيدنا يونس لا توجد مصيبة في الأرض - فيما أعتقد وأعلم - تفوق مصيبةَ إنسانٍ يجد نفسه فجأةً في بطن حوت، وفي ظلمة البحر، وفي ظلمة الليل، هل ثمَّةَ أمل؟ الأمل منعدم، قال تعالى:

﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾

[ سورة الأنبياء : 87]

 إن أروع ما في الآية أن تعقيباً جاء بعدها قلَبَها إلى قانون، قال تعالى:

﴿ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة الأنبياء : 88]

 في أيِّ عصر، لا أعتقد في كل أخواننا الحاضرين أنّ إنسانًا عنده مشكلة كمشكلة سيدنا يونس؛ في ظلمة بطن الحوت، وفي ظلمة الليل البهيم، وفي ظلمة أعماق البحر، بعد هذا قال العلماء: الثناء دعاء، قال تعالى:

﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾

[ سورة الأنبياء : 87]

 فالثناء دعاء، قال تعالى:

﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾

[ سورة الأنبياء : 87]

﴿ وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبَارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ ﴾

[ سورة المؤمنون : 29]

﴿ رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾

[ سورة المؤمنون : 94]

 كن مع المؤمنين، ولا تكن مع الظالمين، قال تعالى:

﴿ وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ ﴾

[ سورة المؤمنون : 97]

﴿ رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ * وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ * وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ * وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ * وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾

[ سورة الشعراء : 83-89]

﴿ قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[ سورة الأحقاف : 15]

﴿ فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ ﴾

[ سورة القمر : 10]

 يا ربِّ فانتصر لدينك، سمعت عن طبيب جراح أعصاب مؤمن- ولا أزكي على الله أحدًا - لا يجري عملية قبل أن يسجد لله ركعتين، يقول: يا رب ألهمني الصواب، وهو من أنجح الأطباء، ويُقال: إن نور الدين الشهيد سجد فيما قرأت عنه قبل أن يحارب التتار، قال: يارب من هو الكلب نور الدين حتى تنصره، انصر دينك، إني مغلوب فانتصر .

﴿رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ﴾

[ سورة المائدة : 83]

 الذين شهدوا الحق،

﴿ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ﴾

 قال تعالى:

﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ﴾

[سورة آل عمران : 191-194]

الآية التالية هي أدق دعاء في القرآن الكريم :

 أما أدق دعاء فقد قال تعالى:

﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾

[ سورة الممتحنة : 129]

كيف؟ الكافر معتزٌّ بكفره، ومتمسك بكفره، ولا يعبأ بالمؤمنين، فإن رآك مؤمناً وتكذب فقد جعلته يزداد تمسكاً بكفره، وإن رأى مؤمناً مقصراً في عمله فقد جعله يتشبث بكفره، ويعتقد أنه على الحقّ، وأنت على باطل، فما الذي يعين الكافر على أن يبقى كافراً؟ أخطاء المؤمنين، أما إذا رأى مؤمناً متألقاً، منضبطاً أخلاقياً، صادقاً، وفياً، أميناً، مخلصاً، فيختل توازنه، فأنت بأخلاقك العالية تحدث اختلال توازن عند الكافر، وبتقصيرك تحدث عنده تشبثًا بالكفر، فكل إنسان له خلفية دينية، أو له مظهر ديني، أو له انتماء ديني، ويغلط مع أعداء الدين، فإنهم حينئذٍ يزدادون تشبثاً بكفرهم، مثلاً الجالية المسلمة في بلاد الغرب إذا وُجِد فيها أخطاء فاحشة، كانحراف أخلاقي، وسرقات فرضاً، وارتكاب أخطاء، فالغربيون يتشبثون بكفرهم، ويحتقرون دين هؤلاء الذين ينتمون إليه، فربَّنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا .

﴿ وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً ﴾

[ سورة الإسراء : 80]

 قد تدخل صادقاً ولا تخرج صادقاً، وهذه مشكلة كبيرة، قد يقول أحدكم: لمَ لم يقل الله عز وجل: ربِّ اجعلني صادقاً؟ لا يوجد تفصيل، فقد تنشئ مستشفى بدافع إنساني، ولكن بعد حين تأتي الأمراض لرواد هذه المستشفى؛ أمراض القلب تكاليفها باهظة، بل شيء فوق طاقة الإنسان، وإسعافٌ لربع ساعة يكلِّف خمسين ألفًا، إنها أرقام كلها فلكية وكلها خلبية، فقد تدخل مدخل صدق، ولا تخرج مخرج صدق، قد تدخل إلى جماعة مؤمنة بنية طيبة، ولكن هناك بعد أن تدخل قد يزيغ القلب، وقد تستغل انتماءك إلى هذه الجماعة فتحقق مكاسب دنيوية غير مشروعة، فقد دخلت صادقاً ولم تخرج صادقاً .

﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ﴾

[ سورة الفرقان : 74]

﴿ قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[ سورة الأحقاف : 15]

﴿ وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ * الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ﴾

[ سورة غافر : 6-7]

 ففي القرآن الكريم خمسة وتسعون دعاء للأنبياء.
 إن شاء الله نستمع الآن إلى قارئ قرآن من ماليزيا نال الدرجة الأولى في مسابقة القرآن الكريم، وهو طالب علم اسمه: وان فخر الرازي، فليتفضل . 

تحميل النص

إخفاء الصور