وضع داكن
26-04-2024
Logo
حديث + موضوع علمي - الدرس : 24 - يجب قراءة التاريخ من خلال أبطاله.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

  الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً، و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

تعليم الناس الخير أعلى مرتبة عند الله عز وجل :

 أيها الأخوة المؤمنون؛ في التعليم الابتدائي وظيفة اسمها: الموجه التربوي، وقديماً اسمها: المفتش، هذا الإنسان يأتي إلى المدرسة ويحضر درساً معيناً، يوجد طريقتان لتقييم هذا المعلم، أن نسأله عن شهادته، وعن علامته في هذه الشهادة، وعن خبراته، وعن تحضيره، وعن دفاتره، ويوجد طريق آخر أكثر مصداقية أن تفحص طلابه فإذا كانوا متفوقين، سؤال بالرياضيات، سؤال باللغة العربية، الحقيقة الطلاب أكثر مصداقية بالتعبير عن نشاط المعلم من شهاداته.
 هذا المثل وسعه؛ أم مثقفة معها دكتوراه أولادها في الطرقات، إذاً غير مثقفة، إذا وجدت الأولاد تربيتهم عالية جداً، تحصيلهم العلمي عال، أخلاقهم عالية، الأولاد أكبر شهادة لأمهم، هذا مثل آخر، فالمرأة شهادتها أولادها، التربية الخلقية، والإيمانية، والعلمية، والجسمية، والعقلية، الآن وسع النبي عليه الصلاة والسلام هو رسول ونبي، و يوحى إليه، ومعصوم إلى آخره، لكن مصداقيته في الدعوة أصحابه، ربى أصحابه تربيةً جعل منهم أبطالاً، حتى أن المؤرخين يصفون عصر الصحابة بعصر الأبطال، رباهم تربيةً إن قرأت سيرتهم لا تصدق، أي أعلى درجة في الصدق، أعلى درجة في الوفاء، أعلى درجة بالشجاعة، أعلى درجة بالكرم، أعلى درجة بالحب، أعلى درجة بالتواضع، فأصحاب النبي عليه الصلاة والسلام وعليهم رضوان الله شهادات متألقة بتربية النبي، وقد ذكر النبي عن نفسه صلى الله عليه وسلم قال: " إنما بعثت معلماً، إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق "، وقال: " إن الملائكة في السماء والحيتان في البحر لتصلي على معلم الناس الخير ".
 أكاد أقول: إن أعلى مرتبة عند الله أن تعلم الناس الخير، لأن الله عز وجل يقول:

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[ سورة فصلت : 33]

 ومن أحسن قولاً، أي لن تجد في البشر من هو أفضل ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال: إنني من المسلمين، هذه البطولات التي ظهرت من أصحاب رسول الله، سيدنا الصديق عشية وفاة النبي عليه الصلاة والسلام قال لسيدنا عمر: يا عمر مد يدك لأبايعك، هذا تواضع، قال له عمر فيما أذكر: أي أرض تقلني، وأي سماء تظلني إذا كنت أميراً على أناس فيهم أبو بكر، أي هذا لا أحتمله، قال له: أنت أقوى مني يا عمر؟ أي أنت أفضل مني، قال عمر: قوتي إلى فضلك، أنا خادم لك.
 وسيدنا عمر قال: كنت خادم رسول الله، وسيفه المسلول، وجلواده - أي أعتني بخيله - توفي وهو عني راض، الحمد لله على هذا كثيراً وأنا به أسعد، ثم جاء أبو بكر فكنت خادمه وجلواده وسيفه المسلول وكان يغمدني إذا شاء، أنا بيده، وتوفي وهو عني راض، الحمد لله على هذا كثيراً وأنا به أسعد، ثم آلت الأمور إلي.
 مرة سيدنا عمر رجل أراد أن يتقرب منه بكلمة غير صحيحة، قال له: ما رأينا أفضل منك بعد رسول الله، فأحدّ فيهم النظر، وغضب غضباً شديداً، إلى أن قال أحدهم: لا والله لقد رأينا من هو خير منك، قال: من هو؟ قال: أبو بكر، فقال عمر رضي الله عنه: كنت أضلّ من بعيري وكان أبو بكر أطيب من ريح المسك، انظر إلى التعاون بينهما.
 قال له شخص أراد أن يوقع بين هذين العملاقين: أنت الخليفة أم هو؟ وسيدنا الصديق هو الخليفة، ولكن استشار سيدنا عمر في موضوع معين فرفض، فقال له سيدنا الصديق: هو إذا شاء، أي يوجد حبّ، وود، وتضحية، وتواضع، وإخلاص، وشجاعة، وبذل، وعطاء، هؤلاء جميعاً شهادات النبي عليه الصلاة والسلام.
 الآن أقيس على ذلك، أنا لا أعتقد إذا إنسان دعا إلى الله قيمته بشهاداته، قيمته بمن يدعوهم، يوجد انضباط، يوجد حب، يوجد تطبيق للسنة، يوجد تعاون بينهم، أما إن كان هناك خصومات، وعداوات، وحسد، وطعن، وكل واحد ضد الثاني، ومحاور، هكذا بعض الحلقات الدينية شبكة علاقات فاسدة، شبكة عداوات، شبكة أحقاد، شبكة طعن، و لكن على المؤمنين أن يكونوا كتلة واحدة، قلباً واحداً، متعاونين، لذلك فاقد الشيء لا يعطيه، وكل إنسان يبني بحسب بناء نفسه، هذه واحدة.

 

الابتعاد عن الخصومات بين الصحابة لأنّ لكل مسلم هدفاً محدداً :

 النقطة الثانية في الموضوع، طبعاً أنا ساقني إلى هذا الموضوع الآن هناك من يستقدم من التاريخ مشكلات يثيرها، نحن لنا هدف، والطريق إلى هذا الهدف واضح، لا يوجد حاجة أن نأتي من التاريخ بخصومة بين الصحابة، وتتفاقم هذه الخصومة، ونجعلها سبب العداوة بيننا، أصحاب رسول الله انتقلوا إلى جوار ربهم، ومديحنا لهم لا يرفعهم، وذمنا لهم لا يخفضهم عند الله، مرة قلت لكم: جاءني اتصال هاتفي من إنسان أنه هو ختم القرآن، لمن يهديه؟ هو محتار يهديه للنبي الكريم أم إلى أمته جمعاء أم إلى أمه وأبيه؟ قلت له: لا أحد يحتاجك، اقرأه وافهمه وطبقه، فقط أنا لا أنفي بأن تهديه لأحد ولكن لا يوجد أحاديث صحيحة وثابتة بوصول ثواب القراءة لمن تهديه إليه، على كلّ لا يوجد مانع إذا فعلت، وشيء ثابت لا يوجد، الدعاء يصل، والصدقة تصل، أما تلاوة القرآن فلا تصل أو تصل بحديث ضعيف، على كل أصحاب رسول الله هم شهادات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت شهادتك أولادك، شهادتك إخوانك، شهادتك من حولك، إذا قدرت أن تؤثر بهم، وأن تصبغهم بصبغة عالية، وأن تجعلهم يطبقون السنة متعاونين، فهذه بطولة في الإنسان.

 

القرآن الكريم حمّال أوجه و إعجازه مستمر :

 يوجد نقطة مهمة جداً أتمنى أن تكون واضحة لديكم، مرة شبهت الإسلام بهرم مقطع إلى أربعة أقسام، القسم العلوي هو القرآن فيه كليات، القسم الثاني هو السنة القولية، السنة القولية مبينة لكليات القرآن، لتبين للناس ما نزل إليهم، أي كل أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام هي بيان للقرآن الكريم، تفسير، يا أخي النبي ما فسر القرآن؟ نعم فسره، أين تفسيره؟ أحاديثه، كل أحاديثه تفسير للقرآن، لكن لو النبي قال هذه الآية تفسيرها هكذا انتهى القرآن، لا أحد يستطيع أن يقول كلمة فوق هذا الكلام، القرآن حمّال أوجه، القرآن إعجازه مستمر، فلذلك صلى الله عليه بيّن ووضح ولم يقل: إن هذا الكلام تفسير هذه الآية، القرآن معجزة مستمرة، ذكرت مرة لو أن النبي عليه الصلاة والسلام فسر الآيات الكونية صار هناك إشكال كبير، لو فسرها تفسيراً مبسطاً لأنكرنا عليه، وبين أيدينا معطيات علمية كبيرة جداً، لو فسرها تفسيراً موسعاً لأنكروا عليه، تركت الآيات الكونية كل عصر يكشف شيئاً من هذه الآيات، أنا آية والله خلال ثلاثين عاماً في حيرة منها، ولا أملك تفسيراً لها إلا تفسير واحد بحسب تصوري، قال تعالى:

﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ﴾

[ سورة الحج : 47]

 يا رب، كنت أقول: ما يفعله البشر جميعاً في ألف عام يفعله الله في يوم، ولكن يوجد اعتراض على هذا الكلام، إنما أمره كن فيكون، لا يوجد يوم ولا يوجد ثانية أساساً، ولا يوجد زمن بين أمره والتنفيذ، إلى أن اكتشف العلم أن ما يقطعه القمر في ألف عام من الكيلو مترات لو قسم على ثواني اليوم لكانت سرعة الضوء، ويقولون: إن أعظم كشف علمي في القرن العشرين سرعة الضوء، أي النظرية النسبية التي أعطت انحرافات خطيرة في العلم، صار الضوء هو السرعة المطلقة، وكل جسم سار مع الضوء أصبح ضوءاً، وأصبحت كتلته صفراً، وحجمه لانهائياً، وكل جسم سبق الضوء تراجع الضوء، قصر عن الضوء تراخى الزمن، أنا الذي لفت نظري وطبعاً يوجد حساب دقيق جداً من مركز الأرض إلى مركز القمر يوجد خط، هذا الخط هو نصف قطر الدائرة التي هي مسار القمر حول الأرض، نحن في الرياضيات نعرف المحيط من نصف القطر، عرفنا المحيط عرفنا كم كيلو متر يقطع القمر حول الأرض، ضربناه باثني عشر بسنة بألف بألف سنة واضح، قال تعالى:

﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ﴾

[ سورة الحج : 47]

 اليوم أربع وعشرون ساعة ضرب ستين بستين، لو قسمنا مسار القمر في ألف عام على ثواني اليوم سوف نفاجأ برقم دقيق جداً، مئتان وتسعة وتسعون ألف ومئتان وخمسة وأربعون ونصف، هذه سرعة الضوء بأكاديمية باريس مسجلة السرعة بالتمام والكمال، أي القرآن الكريم معجز.
 على كل أول قسم بالهرم القرآن، ثاني قسم السنة القولية، القسم الثالث السنة العملية أفعاله، ويوجد رأي دقيق جداً أن أفعاله أصدق بالتعبير عن فهمه لكتاب الله من بيانه، لأن البيان حمّال أوجه.
 إنسان قناعته بحجاب زوجته، قد يأتيك بآراء متعددة، أما قناعته الحقيقية زوجته كيف ثيابها، القسم الثالث السنة العملية، القسم الرابع أصحابه، لأن الله عز وجل اختاره واختار له أصحابه، وكل صحابي يمثل نموذجاً بشرياً.
 النبي قدوة لنا جميعاً، لكن يوجد شاب من أسرة غنية جداً عندما التزم تخلى عنه أهله، هذه تقع، عندك صحابي جليل يمثل هذا النموذج سيدنا مصعب، يوجد إنسان غني جداً لكنه سخي جداً، يوجد صحابي جليل يمثل هذا النوع سيدنا ابن عوف، سيدنا عثمان، يوجد شاب صغير شجاع جداً النبي عينه قائد جيش، أصحابه اختارهم الله له بحكمةٍ بالغة، كل صحابي يمثل نموذجاً بشرياً.

 

توجيهات النبي للتعامل مع أصحابه :

 الآن الدرس اليوم هناك توجيهات للنبي صلى الله عليه وسلم للتعامل مع أصحابه، قال: " دعوا لي أصحابي "، لا تفكر بأخطائهم، هم قمة في الكمال، إذا اختلفوا عن اجتهاد منهم، والمجتهد له أجر إذا أخطأ، وله أجران إذا أصاب، وأنا ليس لي علاقة فيما بينهم، أنت تصور أربعة أطباء جراحي قلب، يوجد إنسان في المستشفى حاجب لا يقرأ ولا يكتب، يريد أن يميز فيما بينهم، لا يستطيع أن يميز بينهم، أحدهم درس في أمريكا، وهذا في بريطانيا، وهذا في فرنسا، ولهم اجتهادات في جراحة القلب، لا يميزهم إلا جراح في مستواهم، لا يقيّمهم ممرض أو حاجب في المستشفى، يقول لك: هذا أفهم طبيب في المستشفى، أنت ما دخلك بهذا؟ أنت لا تعرف في هذا الموضع، لا تستطيع أن تقيّم الصحابة الكرام وأنت ليس بهذا المستوى، لذلك قال: " دعوا لي أصحابي ":

(( لا تَسُبُّوا أَصْحَابِي لا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ ولا نَصِيفَهُ ))

[ ابن ماجة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]

 سيدنا عثمان عين أقرباءه، سيدنا علي أخطأ، سيدنا عثمان أخطأ، أضاع خاتم رسول الله، هذا كلام لا يقال إطلاقاً، هؤلاء أعلام، هؤلاء باعوا أنفسهم، هؤلاء قال تعالى في حقهم:

﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ﴾

[ سورة الفتح : 18]

 اسمعوا هذه الكلمة ولكن بدقة، إذا كان الله في عليائه بالنص الثابت قطعاً، وبالدلالة القطعية، إذا الله في عليائه رضي عنهم وفيهم أبو بكر وعمر وعثمان والسيدة عائشة فمن أنت حتى لا ترضى عنهم؟ هذه نقطة مهمة جداً.
 الحديث الثاني:

(( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي، اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي، لا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا بَعْدِي، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ، وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي، وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَمَنْ آذَى اللَّهَ فَيُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ ))

[ الترمذي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيِّ]

سأقول لكم كلمة دقيقة: حتى في التعامل اليومي من لوازم محبتك لإنسان أن تحب أولاده، هنا يقال: إن محبة الآباء تنتقل إلى الأبناء، إنسان تحبه حباً شديداً جداً، والله من لوازم هذا الحب أن تحب أولاده، وأن تحب من حوله، هل من المعقول أن نحب النبي الكريم ولا نحب من حوله؟ إذاً من أحبهم فبحبي أحبهم، هذا كلام دقيق.
حديث ثالث:

(( إذا ذكر أصحابي فأمسكوا ))

[ البيهقي عن عبد الله]

 العبد الفقير كنت أدرس عن سيدنا علي بجامع العثمان، وصلنا إلى معركة صفين، قلنا: يا أخواننا ما قولكم أن نستبدل هذه المعركة المزعجة بأقوال سيدنا علي، وبلا هذا الموضوع، والموضوع انتهى، لعل الله يرحمهم جميعاً، وكان هناك قبول حسن، وقضينا سبعة دروس لا في معركة صفين، ولا في موقعة الجمل، ولا في الفتنة بين الصحابة، بل أمضيناها في أقوال سيدنا علي، لأن النبي قال:

(( إذا ذكر أصحابي فأمسكوا ))

[ البيهقي عن عبد الله]

 أي اسكت، بالمناسبة يوجد أخ كريم دخله محدود جداً، عنده اثنا عشر ولداً، وعنده توجيه لطيف، كلما أكلنا طعام هذا اسمه - كُل واشكر- أي مجدرة كُلْ واشكر، برغل كُلْ واشكر، مرة الطعام لم يحبه الأولاد فتضايقوا وبدؤوا يتكلمون فقال لهم: كُل واسكت، فنحن إذا ذكر أصحابي فأمسكوا، لا تخض، لأننا مثلما قلنا: ممرض أو حاجب في مستشفى يريد أن يقيّم جراح قلب أنت لست هنا.
 الحديث الرابع:

(( عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ خَطَبَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِينَا مِثْلَ مُقَامِي فِيكُمْ فَقَالَ: احْفَظُونِي فِي أَصْحَابِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ حَتَّى يَشْهَدَ الرَّجُلُ وَمَا يُسْتَشْهَدُ وَيَحْلِفَ وَمَا يُسْتَحْلَفُ ))

[ أحمد عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ]

 شهد النبي عليه الصلاة والسلام بعصره بالخيرية، ولمن بعده بالخيرية، ولمن بعد بعد بالخيرية، أي الصحابة والتابعون وتابعو التابعين وقال:

((خَيْرُكُمْ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، قَالَ عِمْرَانُ: لا أَدْرِي أَذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدُ قَرْنَيْنِ أَوْ ثَلاثَةً، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ بَعْدَكُمْ قَوْمًا يَخُونُونَ وَلا يُؤْتَمَنُونَ، وَيَشْهَدُونَ وَلا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَنْذِرُونَ وَلا يَفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ ))

[ مسلم عن عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ]

 نحن يوجد عندنا ثلاثة قرون شهد النبي لها بالخيرية، الشيء الثاني: إن الله اختارني واختار لي أصحابي، فجعل لي منهم وزراء وأصهاراً وأنصاراً.
 والحديث الأخير:

(( لا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلا نَصِيفَهُ ))

[ البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ]

 هذا التوجيه النبوي، ونحن إذا ذكر أصحاب النبي فأمسكوا، وأنا والله في كل حياتي بالدعوة أمتنع عن الخوض في خلاف بين الصحابة، ولا أقبل، ولي كلمة ثابتة أن أصحاب النبي كل منهم احتل مكانة عند الله بحسب إخلاصه، وصدقه، وعمله، وتضحيته، هذا المكان ثابت عند الله لا يتزعزع، لا يرفعه مدح، ولا يخفضه ذم، كثير من الكلمات يقولها العوام: لا هي طاهرة ولا دعاؤها مستجابة، نحن لا نتدخل بهذا الموضوع أبداً.

 

قراءة التاريخ بعقلية أبطاله :

 الشيء الثاني الإنسان يستطيع أن يكشف الإيجابيات بكل شيء يقرؤه، سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام كان مع الحواريين، شاهدوا شاة ميتة ولا يوجد شيء أبشع في الدنيا من جيفة، منظر ورائحة، فقال أحدهم: ما أنتن ريحها، فقال سيدنا عيسى: بل ما أشد بياض أسنانها، يوجد شخص أساسه قناص، وقد يكون جامع قمامة، هذا اختصاصه، أين يجد خطأ يلقطه ويجمعه، أين يجد غلطة وقد لا يكون لها أصل، أريد أن أقول لكم نقطة مهمة جداً تغيب عن معظم أذهان الناس: يوجد في الإسلام شيء اسمه: دس، يوجد أناس أسلموا ظاهراً وهم ألد أعداء المسلمين باطناً، هؤلاء يسمون في التاريخ الشعوبيين، يقولون: دسوا تحت وسادة الإمام أحمد بن حنبل عقائد زائغة هي الكفر بعينها، دسوها تحت الوسادة ليشوهوا سمعته بعد موته، الشيخ محي الدين تقييم الأشخاص من شأن الله هذا كلام دقيق، أما في كتبه الكفر، يوجد كلام هو الكفر بعينه، يوجد رسالة وقعت عليها أن أحد العلماء الأجلاء الإمام الشعراني ذهب إلى مكة المكرمة والتقى بأحد علمائها الكبار، وشكا إليه ما وجد في كتب الشيخ محي الدين من زندقة وكفر، قال: دخل إلى غرفته ورجع ومعه نسخة من الفتوحات بخط يد الشيخ محي الدين، قال: لم أجد فيها شيئاً مما أنكرته عليه.
 معنى هذا أنها مدسوسة، قال الشعراني: دسوا عليّ أنا كتاباً ما ألفته، ويوجد بحث عن الدس، منشور في مجلة مشهورة جداً، تصدرها وزارة الثقافة والإرشاد القومي، بحث قيم، إذا قرأت هذا البحث تخرج بنتيجة أن كل شيء يحتاج إلى مراجعة، أحد المؤرخين حدثني أنه أجرى دراسة مطولة حول الراهب بحيرة، كانت النتيجة الراهب بحيرة وقصته لا أصل لها أن النبي جلس معه ربع ساعة علمه، وكل الرسالة منه، كلام غير معقول إطلاقاً، هذه رواية تالفة لا أصل لها إطلاقاً، فالتاريخ يحتاج إلى إعادة نظر، ما أتيح للتاريخ الإسلامي رجال كعلماء الحديث نقحوه، يوجد عندنا في التاريخ شيء مقبول، وشيء غير مقبول.
 بعض الأمثلة التي تحضرني الآن أن سيدنا عمر هناك أحقاد قديمة بينه وبين سيدنا خالد، فلما تسلم الحكم عزله، هذا منطق العصر الحالي ليس منطق الصحابة، قال له: لم عزلتني يا أمير المؤمنين؟ قال له: والله إني لأحبك، قال له: لم عزلتني؟ قال له: والله إني لأحبك، قال له لم عزلتني؟ قال له: والله ما عزلتك يا بن الوليد إلا مخافة أن يفتتن الناس بك لكثرة ما أبليت في سبيل الله، لأن الناس ربطوا النصر بخالد وصار إشراك، فأزاح سيدنا خالد وأبقى التوحيد قائماً، مادمتم مع الله أنتم منتصرون، فالناصر هو الله وليس خالد، خالد اسمه عبد الناصر وليس ناصراً، فلذلك أيها الأخوة؛ التاريخ يجب أن يقرأ بعقلية أبطال ذلك التاريخ، و
نحن عندما نشوه التاريخ نقع في إشكال كبير جداً.

الابتعاد عن المشكلات في التاريخ لأنها تحتاج إلى إعادة نظر :

 آخر ملاحظة أقولها لكم: أشهر تاريخ تاريخ الطبري، ارجعوا إلى مقدمته تصعقون، يقول لك المؤلف الطبري: أنا جمعت لك كل الروايات حتى الكاذبة منها وأنت محص، هذه المقدمة يجب أن تكون مكتوبة في كل صفحة، يقول لك إنسان: هذه جاءت بالطبري، ومن قال لك إن الطبري كلامه صحيح؟ نحن درسنا في الجامعة المصادر التاريخية والجيولوجية، هذه مادة، من آثار هذه الدراسة ما كل شيء في التاريخ صحيح، يوجد شيء لا يقبل، أنت هل تتصور شاباً في عصر الفتن والتفلت أحياناً يمتنع أن يدخل إلى مصعد مع فتاة متفلتة، ينتظر، لا يصعد معها، هل من المعقول أن النبي يمشي في الطريق ويجد باباً مفتوحاً ينظر فيجد امرأة شبه عارية تغتسل تقع في نفسه، سبحان الله على هذا الجمال، ويأمر زوجها أن يطلقها، وخذها أنت إذا أحببتها، هل هذه أخلاق أنبياء؟ يترفع عنها مؤمن، الآن في عصر الفتن يترفع عنها وليس نبياً، هذه رواية تالفة لا أصل لها، يوجد دس كثير، يوجد أحاديث ضعيفة وأحاديث موضوعة، يوجد قصص لا أصل لها تالفة، نحن نحتاج إلى فلتر لتنقية هذه المعتقدات، الصحابة كمل، يوجد قول عليه إشكال أذكره للاستئناس:" أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم " فأنا ذكرت هذا الموضوع لأنني حينما أرى إنساناً همه الوحيد أن يستقدم من التاريخ مشكلة، تكون مشكلة بيننا الآن هذا عمل غير أخلاقي، وعمل غير حكيم، وعمل غير مجدّ، وعمل تخريبي، وليس عملاً إصلاحياً، نحن هدفنا واضح، والطريق إليه واضح، والتاريخ كله مغطى بآية واحدة:

﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

[ سورة البقرة : 134]

 أستاذ سأل طالباً في الابتدائي: من قتل عثمان؟ فقال له: ليس أنا يا أستاذ، لا تسألون عما كانوا يعملون.

 

تحميل النص

إخفاء الصور