وضع داكن
28-03-2024
Logo
حديث + موضوع علمي - الدرس : 15 - الكلمة - كلمتك جزء من عملك.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

الكلام عمل :

 أيها الأخوة الكرام؛ لازلنا مع الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلَّم أنه قال:

(( إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لا يُلْقِي لَهَا بَالاً يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّه لا يُلْقِي لَهَا بالاً يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ ))

[البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه]

 أول شيءٍ في هذا الحديث أن كلامك من عملك، العمل حدث، شيء وَقَع، بناء هُدِم، قرية قُصِفَت، إنسان مات، هذا حدث، والنبي عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث الشريف عَدَّ الكلمة عملاً، فأقرب مثل لكم وإن كان ليس له علاقة بالدين: تقرير كاذب، هذه اللجنة المكلَّفة بمراقبة الأسلحة ذات الضرر الكبير الشامل، تقرير كاذب سبَّب موت مئات، وقصف، الكلمة أحياناً تسبِّب قتل إنسان، الكلمة الكاذبة تسبِّب دمار أسرة، الكلمة الكاذبة تسبِّب ضياع أولاد، الكلمة الكاذبة تسبِّب دخول إنسان السجن أحياناً، كلمة كاذبة، الكلمة الكاذبة تسبِّب طغيان إنسان قوي يزداد طغياناً، فأول نقطة في هذا الحديث الكلام عمل، والإنسان إذا عدَّ كلامه من عمله نجا.

(( إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ ...))

[البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه]

 طبعاً معنى كلمة ليست تعني كلمة واحدة، وإن كانت تشمل الكلمة الواحدة، نحن نقول: فلان يلقي كلمة، ويكون قد ألقاها في أربع ساعات، حوالي سبعين صفحة إن كثرت، ولكن اسمها كلمة، والكلمة الواحدة كلمة، أي أنها معنى متكامل.. إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ، كلمة طيِّبة تكون سبب هداية إنسان، كلمة طيّبة سبب ود إنسان، إنك لن تستطيع أن تدعو إلى الله عزَّ وجل إلا إذا فتحت القلب بكلامك، والقلب يُفْتَح بالإحسان، فالكلمة الطيِّبة سبب الهداية.

 

العاقل من يختار من الكلمات أحسنها :

 الله عزَّ وجل قال:

﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾

[ سورة الإسراء:53 ]

 أدق ما في هذه الآية أن هناك آلاف الكلمات الحَسَنَة يجب أن تختار أحسنها، يجب أن تختار من الكلمات الحسنة أحسنها..

﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾

[ سورة الإسراء:53 ]

 والكلام كما قلت لكم تأثيره عجيب، إما أن يكون تأثيره إيجابياً، سبب تأليف القلوب، سبب لمّ الشمل، سبب وحدة الصف، سبب الحب، سبب الإيمان، وإما أن يكون الكلام نفسه سبب الفُرقَة، وسبب الخصومة، وسبب العداوة، تجد أن بين إنسانين يوجد ود بالغ، يقول لك شخص: فلان يتكلَّم عليك في غيابك، سبحان الله بناء وهُدِم، يكون هنا ود وثقة متبادلة، ومحبَّة وتقدير وإعجاب، فيأتي شخص نمَّام قد يكون كاذباً، وقد يكون صادقاً، وقد يكون مدلِّساً، وقد يكون قالها في ساعة غضب، وقد يكون قالها لحكمة، من قال لك يا أخي؟ فلان طعن فيك، تكلَّم عليك، تشعر على الفور أن هذا البناء هُدِم، أمثلة لا تُعَد ولا تُحصى، أكثر الناس يقول لك: ماذا فعلنا؟ كلام بكلام، خربت الدنيا وأنت لا تشعر، سببت طلاق امرأة من زوجها، سببت نفور أخ من أخيه، سببت انهدام شركة، كلمة، شركة ضخمة تربح الملايين دخلت بين الشركاء كلمة جافية فُصِمَت هذه الشركة.

ارتباط انضباط اللسان بارتقاء الإيمان :

 أول شيء في هذا الحديث: كلامك من عملك، والتعليم العلمي كلامك من عملك لأنه سيؤدّي إلى عمل، كلامك سيُتَرْجَم إلى عمل، فقد سمعت قصَّة عن شخص تكلَّم عن امرأة، لم يتكلَّم ولا كلمة ولكن فقط هزَّ قميصه، طُلِّقَت هذه المرأة، يا ترى قالها مازحاً، قالها متأكِّداً، قالها عابثاً، لم يتكلَّم، هذا أقل من كلام، فقط هزَّ قميصه، انتهى، الذي نوى الزواج منها طلَّقها لأنه ظنَّ بها الظنون.
 فيا أيها الأخوة الكرام؛ البحار، البحر طاهرٌ ماؤه، حلالٌ ميتته، السمك، ومع ذلك تُصَب في البحار أحياناً مياه مالحة لمُدُن، أنا قرأت أن أكثر من مئة وخمسين كيلو متر تبقى هذه المياه واضحة في البحر، ومع كل هذه المياه المالحة - مياه المجاري - البحر طاهرٌ ماؤه، أما كلمة قصيرة..قالت السيِّدة عائشة عن أختها صفيَّة إنها قصيرة، فقال النبي:

(( يا عائِشَة لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ البَحْرِ لَمَزَجَتْه ))

[ رواه أبو داود والترمذي عن عائشة رضي اللّه عنها ]

 أحياناً الإنسان يسقط من نظر الله بسبب كلمة قالها، كلمة سخرية، كلمة تعريض ليس لها معنى، كلمة استهزاء، كلمة لا مبالاة، شخص سرق واشترى بيتاً وسيَّارة، أنت إذا قلت أمام الناس: دبَّر حاله، أنت ماذا فعلت؟ أنت مدحت السرقة، أثنيت عليه، عددته ذكيَّاً، فكلمة أنه دبَّر حاله، كان فهيماً مثلاً، شاطراً، هذه كلمة لم يحصل شيء، صار كل شيء، أنت هكذا رسَّخت الباطل، إن سمعها طفل، أحياناً شخص لا يصلي وهو شارب خمر، من باب المجاملات تقول: ما شاء الله إنه لبق جداً، فهيم، متفوِّق، وابنك الصغير جالس، ابنك رأى أنه إنسان عظيم، أنت تقولها بصراحة كاذباً، تقولها مجاملةً، تقولها مداهنةً، ولكن ابنك لم يفهمها مداهنة بل فهمها صحيحة، وعندما تُفَاجأ أن ابنك يشرب الخمر، إذاً الخمر ليس فيه شيء لأن أبي مدحه، توجد كلمات خطيرة جداً، كلمة مديح كاذب تزلزل ثقة الإنسان بالقِيَم..إن الله ليغضب إذا مُدح الفاسق.
أحياناً يقف مسكين أمام غني لئيم يتضعضع أمامه، قال: " من جلس إلى غنيٍّ فتضعضع له ذهب ثلثا دينه ".
 فأخطر ما في هذا الحديث أن كلامك من عملك لأنه سيُترجم إلى عمل، كلمة جافية، فكم من أسرةٍ أصبحت متعادية من كلمة، الإنسان يختلف مع الطرف الآخر، ممكن يختلف، ممكن يطلب حقَّه لكن من دون جرح، من دون كلمة لا تفهم أنت، أنت جاهل، قل له: هذه الفكرة غير صحيحة وهذا الدليل، هذه الفكرة نفسها أنت قلتها ولكن من غير جرح، حينما تجرح سببت عداوات كبيرة جداً، وأساساً عندما يتفتَّت المجتمع يكون السبب أن هناك كلمات غير منضبطة، الآن أينما ذهبت تجد أنه يوجد عداوات، أكثر الأسر متعادية، أكثر أبناء القُرى متخاصمون، أكثر الأحياء في المدينة تجد الطرفين متناحرين، حتى الأزواج تجد زوجة تكره زوجها لدرجة مذهلة، السبب؟ كلامه القاسي، يسبُّها أمام أولادها مثلاً، وهي أحياناً تتطاول عليه، تجد البيت وكأنه قطعة من الجحيم من عدم انضباط الكلام، كلمة تؤلِّف القلب، كلمة تعمل وداً، كلمة تعمل شراً، فالأمثلة لا تعد ولا تحصى.
 فمثلاً أنت زرت أختك ساكنة في بيت تقدر مساحته بسبعين متراً، لابأس، مبسوطة مع زوجها، أنت تقول لها: ما هذا البيت؟ كيف يسعكم؟ قلبت حياتها إلى جحيم، هي راضية بهذا البيت، سعيدة بزوجها، طبعاً أنت بيتك يقدر بمئتي وخمسين متراً، ولكن اسكت لأنها مبسوطة بهذا البيت، دائماً الشيطان يبخِّس، الشيطان يكرِّه الإنسان بحياته، إذا كنت تريد أن ترى شيطاناً يتكلَّم فانظر إلى إنسان فاسق، كيفما تكلَّم يؤذي، إما يسخر، إما يطعن، يطعن أو يَسْخَر، أو يقلِّل من شأن هذا، أو يشكِّك في النوايا، تجد أنه شيطان يتكلَّم، الشيطان همُّه الأول يشعِّب العداوة والبغضاء بين الناس ولاسيما بين الزوجين، هذه مهمَّته الأولى، الإنسان عندما ينخرب بيته الداخلي صار متفلِّتاً، إذا لم يكن في البيت مسروراً، إذا لم يكن هناك ود، لا يوجد توافق، تصبح علاقاته الخارجيَّة غير منضبطة، فالإنسان قبل أن يتكلَّم كلمة قاسية مع زوجته، والزوجة قبل أن تقول كلمة قاسية مع زوجها يجب أن تعد للألف، لأن الكلمة القاسية تنعكس على الأولاد خصومة، والطفل يتمزَّق، هذا أبوه وهذه أمُّه، دائماً يوجد خصومات، قبل أن تقول كلمة لشريكك، أنت لا تداوم، انظر إلى أخطائك، لا يوجد إنسان ليس له أخطاء، قبل أن تعيِّب امرأة لوجود عيب في خلقها، فهل أنت كامل؟ ألف عيب يوجد بشكلك، فالإنسان كلمَّا ارتقى إيمانه ينضبط لسانه، كلمَّا ارتقى إيمانه يقول لك: والله لي معه ثلاثين سنة ولم أسمع منه كلمة قاسية، لم أسمع كلمة نابية منه.

 

قضية الكلمة قضيّة مهمَّة جداً :

 أيها الأخوة الأكارم؛ قضية الكلمة قضيّة مهمَّة جداً " إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لا يُلْقِي لَهَا بَالا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَات " .
 والله أيها الأخوة؛ كم من إنسان اهتدى إلى الله بكلمة طيِّبة! بكلمة اعتذار أحياناً، بكلمة شكر، بكلمة عطف، بكلمة تَفَقُّد، إنسان لو فرضنا أن يده مربوطة، نقول له: خير إن شاء الله؟ معنى هذا أن هناك اهتماماً، وعطفاً، ويوجد بقلبك رحمة.
 فأيها الأخوة...قضية الكلام قضيَّة خطيرة:

(( لا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ وَلا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ))

[أحمد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ]

 لذلك مجتمع المؤمنين كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحُمَّى، هل تصدِّقون أن النبي عليه الصلاة والسلام توعَّد الذي يتكلَّم بالكلام السوء بالنار؟ قال:

((إِنَّ فُلانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا قَالَ:هِيَ فِي النَّارِ))

[أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

 تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، الآن تجد النساء الجاهلات، ولو أنها محجَّبة تعمل العرب عربين، دائماً تطعن، هناك الكثير من الأشخاص تزوَّجوا كتابيّة وأسلمت هذه الكتابية، لماذا أخذتها كتابيَّة؟ تظل هذه الحماية تبخِّس بهذه الزوجة حتى تعود نصرانيَّة، سلوك وحشي، إنسانة أسلمت اقبلوها، ضمُّوها، احتووها، أثنوا عليها، عاونوها، لا، كان من المفروض ألا يأخذ هذه، الآن هو أخذها وانتهى الأمر، المفروض أن تعاونوا هذا الابن، تنشأ مشكلات، جهل كلَّه جهل، أكثر المسلمين لا يقتلون، القتل جريمة، أكثرهم لا يشربون خمراً، أكثرهم لا يزنون، لكن ما الذي أهلكهم؟ لسانهم، ما الذي عملناه؟ يقول لك: كلام بكلام، هذا الكلام خرب الدنيا، هذا الكلام طلَّق المرأة، هذا الكلام سبَّب شِقاق الزوجين.
 والله مرَّة قرأت مقالة هذه الكلمة كاتبها الصحفي إن دخل النار ألف سنة فيها قليل، قال: أنت أخلاقي لأنَّك ضعيف، وأنت ضعيف لأنك أخلاقي، ماذا عمل؟ ألغى الأخلاق كلَّها، فالأخلاق سبب الضعف، أحياناً شخص في المسجد يقول لك: هذا لأنه فقير ليس عنده شيء يذهب إلى الجامع، ألا يوجد أناس معهم ملايين مملينة؟ والله سمعت عن إنسانة تعيش في قصر في سويسرا أقول لك: إن مساحته ألف متر وأكثر، وزوجها معه ألوف الملايين، لو طلبت منه مليوني دولار لا يسألها لِمَ؟ عرفت الله عزَّ وجل وتحجَّبت، وضحَّت بكل هذه الثروة، وبكل هذا البيت نظير طاعتها لله عزَّ وجل، يوجد أناس كثيرون بأعلى درجة من القوَّة، بأعلى درجة من الغنى، ليس كل إنسان في الجامع يكون فاشلاً في حياته يأتي إلى الجامع، هذا كلام شيطان، ناجح جداً في حياته، وفي أعلى درجة من القوَّة والمال وهو في المسجد، يأوي إليه، فهناك كلمات شيطانيَّة لا ترضي إلا الشيطان.

 

ضبط اللسان أكبر أساس للاستقامة :

 أيها الأخوة الأكارم؛ نحن في رمضان، وأكثر الدعاء في رمضان هو:" أعنا على الصيام والقيام وغضِّ البصر وحفظ اللسان " الإنسان يؤتى من لسانه ومن عينه أكثر شيء، عينه تنظر إلى النساء، ولسانه يخوض فيما لا يرضى الله عزَّ وجل، ضبط اللسان أكبر أساس للاستقامة، دققوا، أي أن الاستقامة إذا كانت مئة جزء، تسعين بالمئة من الاستقامة ضبط اللسان وشهوة الفرج والعين..أعنا على الصيام والقيام وغضَّ البصر وحفظ اللسان..
 كلمةً يقولها إنسان كاذباً عند سلطان جائر، هذه الكلمة يهوي بها في جهنَّم سبعين خريفاً، يقولها إنسان عند سلطان جائر، السلطان أخذ كلمته وبطش، كلمة تكلَّمها، لكن الكلمة خطيرة جداً.
 لذلك مرَّة أحد الصحابة، أحد الأشخاص طعن بصحابي أمام رسول الله لأنه تخلَّف عن الجهاد، فالنبي سأل عنه، فقال: أعجبه بيته وبستانه؟ أي أنه ليس قابضاً هذه الدعوة كلها..هذا ملخَّص كلامه، فالنبي تألَّم، وقف صحابي آخر وقال له: " والله يا رسول الله ما علمنا عنه إلا خيراً، وهناك أناسٌ تخلَّفوا عنك ما نحن بأشد حباً لك منه، ولو علموا أنك تلقى عدوَّاً ما تخلَّفوا عنك ". ما هذا الكلام الطيِّب؟!
 سيدنا العبَّاس سُئِل: " أيكما أكبر أنت أم رسول الله؟ " قال: " هو أكبر مني وأنا ولدت قبله " انظر إلى الأدب، سيدنا يوسف قال:

﴿ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ﴾

[ سورة يوسف: 100 ]

 الجُب كان أخطر من السجن، ولكن لو أنه ذكر الجب لذكَّرهم بجريمتهم، ألغى الجب وذكر السجن فقط..

﴿ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي﴾

[ سورة يوسف: 100 ]

 قال إنه هو وأخوته طرفان بريئان أما الشيطان فقد دخل بينهم، أما هم فكانوا ليسوا برآء، اسمع كلام الأنبياء تجد أنه كلام في أعلى درجة من التهذيب، في أعلى درجة من الرقَّة، في أعلى درجة من الضبط، هذا هو المؤمن، المؤمن بكلامه.

 

الغيبة تجعل المجتمع متفرِّقاً فهي أشدّ من الزنا :

 الغيبة أشدُّ من الزنا لأن الغيبة تجعل المجتمع متفرِّقاً، تشرخ الصفوف، كل الناس ضد بعضهم البعض، هذا ضد هذا، وهذا ضدَّ هذا، كلّه من الغيبة، مرَّة إنسان استلم منصباً فجاء وفد ليهنئه- تكلم عن الشخص القديم السابق- فقال له: اسكت فلان صديقي وأنا أحترمه جداً، مضى سنوات لم يعد أحد يجرؤ أن يقول كلمة غيبة أمامه، كان الشيخ بدر الدين رضي الله عنه إذا إنسان تكلَّم بحرف، يقول له: اسكت أظلم قلبنا يا ولدي، لا يجعل أحداً يتكلَّم على أحد أمامه، الإنسان عندما يشعر أنه غيبته محفوظة، يوجد إنسان ليس وفياً في غيبتك، بحضرتك يمدحك أما في غيبتك فيطعنك، والطعن يصل، والآن هذا الأسلوب دارج، عندما يلتقي معك يجعلك قطب الغوث، أما إذا أدرت ظهرك فليس كل هذا، مواقف مخزية، بالوجه نسترضيه، إما نتقي شرَّه وإما نستدر عطفه، يغيب نطعن فيه، في النهاية الطعن وصل له، ما عاد أحد له ثقة بأحد، كلّه كلام بكلام.
 النبي اللهمَّ صلّ عليه قال له رجل:" إني أحبُّه " قال له:" اذهب فقل له ذلك "..تحب إنساناً عبِّر عن محبَّتك له، له عمل طيِّب قدِّر له عمله، له شميلة طيِّبة اذكرها، النبي قال: " فيك يا فلان خصلتان يحبُّهما الله ورسوله " النبي سيِّد العظماء، إذا ذُكر النبي يعتِّم على كل من حوله ومع ذلك أبرز كل من حوله، هذه عظمة بالإنسان، الإنسان العبقري الكبير دائماً الأضواء على شخصه، وكل من حوله في التعتيم، هذا سلوك الإنسان العادي، فإذا كان الشخص متألِّقاً لا يسمح لأحد أن يظهر حوله أبداً، كلَّه يعتِّم عليه، النبي لم يكن هكذا، لا يوجد صحابي ما خصَّه بكلام طيِّب..
" تسابقت أنا وأبو بكر فكنَّا كهاتين " هكذا قال مرَّة.
 قال: " ما طلعت شمسٌ على رجلٍ بعد نبيٍّ أفضل من أبي بكر ". قال: " لو كان نبيٌّ بعدي لكان عمر ". قال: " ألا أستحي من عثمان إنَّ الملائكة تستحي من عثمان ".لا يوجد صحابي إلا وأثنى عليه." هذا سيف من سيوف الله ". سيدنا علي: " أنا مدينة العلم..وعليٌّ بابها " سيدنا أبو ذر الغفاري، سيدنا أبو عبيدة الجرَّاح " أمين هذه الأمَّة "، " حبر هذه الأمَّة "..هو من البطولة بشكل لا يتصوَّر ومع ذلك أبرز من حوله ولم يعتِّم، هذا الكلام الطيِّب.
 كلمة طيبة تنسيك تعبك كلَّه، كلمة استئناس، إن شاء الله هذا الكلام الطيِّب يشعر بسرور، أما التجاهل والطعن والاستعلاء فهذا كلَّه يجعل الشرخ في العلاقات.

كلمات تسبب دخول النار :

 هذا الحديث أخواننا مهم جداً:

(( إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لا يُلْقِي لَهَا بَالا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّه لا يُلْقِي لَهَا بالاً يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ ))

[البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه]

 توجد كلمات مألوفة، شخص يكون غنياً مثلاً تقول عنه: الله يطعم الحلاوة لمن ليس له أسنان، أنت الآن تطعن بحكمة الله، أنت الآن تردُّ اسماً من أسماء الله الحُسنى..الحكيم.. معنى هذا أن الله ليس بحكيم، أي أنه أعطى شخصاً لا يستحق وحرم شخصاً يستحق، هذا كلام كلَّه كفر.
 قال العلماء: " الكلمة الطيِّبة يُدفع بها عن مسلمٍ مظلمةٌ، أو يفرَّج بها عنه كربة، أو ينصر بها مظلوم ".
 وقال: " الكلمة عند ذي السلطان يرضيه فيما يُسخِط الله ". هذه الكلمة التي يهوي بها في جهنَّم، دققوا، قال: " من أعان ظالماً ولو بشطر كلمة - لو هززت رأسك، لو أعطاه قلماً ليوقِّع - من أعان ظالماً ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوباً على جبينه: آيسٌ من رحمة الله ". من أعان ظالماً سلَّطه الله عليه ".دقق من أعان ظالماً سيكون هو أول ضحايا هذا الظالم، لا تعن ظالماً ولا بكلمة، ولا بهزَّة رأس، لو قال له: ألا يجب أن أفعل هذا العمل؟ نعم سيدي اعمل له هكذا، ولكنه لم يفعل شيئاً، هذه كلمة، أقررته على ظلمه.
 أو التلطُّف بالسوء والفحش..كلمة مثيرة جنسياً يمكن أن تؤدي إلى الزنا، طبعاً، النبي اللهمَّ صلّ عليه قال لها:" يا بنيَّتي إنَّ هذه الثياب تصف حجم عظامك ". هذه الكلمة غير مثيرة إطلاقاً، العظم ينفِّر أما أي كلمة أخرى فتثير، إن هذه الثياب رقيقة تصف حجم عظامك، ما تكلَّم بكلمة إلا دقيقة، التعريض بالمسلم بكبيرة، أو بمجون، أو باستخفاف بحق النبوَّة، هذه كلُّها من الكلمات التي تسبِّب دخول النار.

 

ضرورة ضبط اللسان و تأليف القلوب :

 أيها الأخوة؛ هذا الحديث خطير جداً، كلامك من عملك، اضبط لسانك..

احفظ لسانك أيها الإنســـــــــــــان  لا يلدغنَّك إنـــــه ثعبــــــــــــانُ
كم في المقابر من قتيل لسانه  كانت تهاب لقاءه الشجعان
***

 فكلَّما ارتقى إيمانك ضبطت لسانك، إن ضبطت اللسان ألَّفت القلوب، فحتى المباح، أنت جالس مع أناس في سهرة تكلمت عن الدنيا، ليس كل واحد معه المال الذي معك، أنت سافرت وأكلت وشربت، أخي نحن قضينا شهر العسل في أوروبا، جالسة أخته وزوجها ليس معه هذا المبلغ، أخذها إلى الزبداني، تتألَّم، فأنت دائماً خفف من الحديث عن الدنيا لكيلا تسبب مشكلة.

 

تحميل النص

إخفاء الصور