وضع داكن
25-04-2024
Logo
حديث + موضوع علمي - الدرس : 12 - العلاقة بين العبادة الشعائرية والعبادة التعاملية.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً، و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

الإسلام منهج كامل :

 أيها الأخوة المؤمنون؛ لازلنا أيها الأخوة في صحيح البخاري، عن أنس رضي الله عنه قال:

(( إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أَعْمَالاً هِيَ أَدَقُّ فِي أَعْيُنِكُمْ مِنَ الشَّعَرِ إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّهَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُوبِقَاتِ، قَالَ أَبو عَبْد اللَّهِ: يَعْنِي بِذَلِكَ الْمُهْلِكَاتِ ))

[ أحمد عَنْ أَنَسٍ رَضِي اللَّه عَنْهم ]

 أعمال يعملها الناس بعد النبي عليه الصلاة والسلام هي في عرف أصحاب رسول الله من المهلكات، مشكلة المسلمين اليوم هي في قضيتين؛ قضية العبادات التعاملية والعبادات الشعائرية، فعند المسلمين الذي أدى العبادات الشعائرية هو مسلم وانتهى كل شيء، الإسلام كله خمسة بنود؛ صلى وصام وحج وزكى وانتهى كل شيء، مع أن الإسلام كرقم أطرحه قابل للزيادة قد يكون مئة ألف بند، منهج كامل في كسب المال، في إنفاق المال، في السفر، في الإقامة، في الأفراح، في الأتراح، في الزواج، في العمل، في التجارة، إذاً كل نشاط من نشاطات الإنسان فيه مئات الأحاديث والتوجيهات، فصار الإسلام منهجاً كاملاً، فأنت حينما تختصر الإسلام إلى خمس عبادات شعائرية وتهمل العبادة التعاملية ألغيت جوهر الإسلام، ألغيت هذه المنظومة من القيم، لذلك المسلمون يعدون ألفاً ومئتي مليون ليست كلمتهم هي العليا، وليس أمرهم بيدهم، ولم يستخلفوا، ولم يمكنوا، ولم يطمئنوا.

لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار :

 الشيء الثاني: هذه العبادات التعاملية فيه كبائر وصغائر، الكبائر القتل، الزنا، السرقة، الفرار من الزحف، ويوجد صغائر، المشكلة الثانية أن المسلمين حينما لم يعبؤوا بالصغائر هذه الصغائر اجتمعت فأهلكتهم، الإنسان إذا قال: أنا لا أزني، ولا أسرق، ولا أقتل، هذه الحالات في المجتمع الإسلامي نادرة جداً، القتل والزنا والسرقة شيء نادر جداً، الأكثرية هم تاركون للكبائر، أما الصغائر فهي محور هذا الدرس، هذه الصغائر إذا اجتمعت على الرجل تهلكه، لقول النبي عليه الصلاة والسلام:

(( لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار ))

[ أخرجه الحارث عن أبي هريرة وعبد الله بن عباس ]

 الإنسان يغلط وكل بني آدم خطاء حتى أكون واقعياً، لكن المؤمن لا يصر على صغيرة يتوب منها من فوره، العلماء قالوا: الأنبياء معصومون والأولياء محفوظون، ما معنى محفوظون؟ أي لا تضرهم معصية، بمعنى أنهم سريعو التوبة، سريعو التراجع، سريعو الاستغفار، إذاً أول نقطة يجب أن نفهم أن الإسلام ليس عبادات شعائرية، الإسلام منهج كامل، ولا تستطيع أن تقطف ثماره إلا أن تأخذ به من كل أطرافه.
 ضربت مثلاً في بعض البلاد أن إنساناً يشتري رفراف سيارة هذه ليست سيارة، أضاف دولاباً ما صاروا سيارة، اشترى مقعداً، السيارة التي تمشي يجب أن تكون كاملة من محرك إلى وقود إلى مكبح إلى أدوات تشغيل إلى بطارية إلى هيكل إلى فرش، يوجد أربعون أو خمسون شرطاً حتى هذه المركبة تسير، أما تكتفي بعجلة، بمقعد، فهذه ليست سيارة، فالدين منهج كامل، إذا أخذت شيئاً منه يوجد شيء سهل أعجبك أخذته، يوجد شيء صعب تركته هذا ليس ديناً، هذه قضية انتقاء، وأخطر شيء في الدين الانتقاء، أن تنتقي من الدين ما يعجبك، الدين لا يؤتي ثماره إلا إذا طبقته كله، منهج كامل، إذا طبقته كله في كسب المال، وفي إنفاق المال، وفي تربية الأولاد في البيت، وفي الاستمتاع في وقت الفراغ كيف تستمتع به، يوجد ملهيات تبعدك عن الله عز وجل، العبرة ألا نظن أن الدين شعائر، الدين تعاملات، سوف نسمي عبادة تعاملية وعبادة شعائرية، الدين مجموع هاتين العبادتين التعاملية والشعائرية، الآن التعاملية يوجد كبائر ويوجد صغائر، الدين منهج كامل لن تقطف ثماره إلا إذا تركت الكبائر والصغائر معاً، معنى هذا أن الإنسان قد يخطئ لكن لا يصر على خطأ هنا، كل بني خطاء وخير الخطائين التوابون، أما أن يصر على معصية يقيم عليها وهو يعلم أنها معصية فعندئذٍ تصبح هذه المعصية حجاباً بينه وبين الله، وإن كانت حجاباً أصبح في ظلام، في عمى، قال تعالى:

﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾

[ سورة الحج : 46]

(( إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أَعْمَالاً هِيَ أَدَقُّ فِي أَعْيُنِكُمْ مِنَ الشَّعَرِ إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّهَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُوبِقَاتِ))

[ أحمد عَنْ أَنَسٍ رَضِي اللَّه عَنْه ]

 فتساهل المسلمين في الصغائر هو الذي حجبهم عن الله عز وجل.

 

مداخل الشيطان على الإنسان :

 الشيطان كما قلت في دروس سابقة له أساليب، والشيطان كما يقول العلماء ذكي جداً، يبدأ مع المؤمن بالكفر، فإن وجد عقيدته متينة دخل عليه من باب الشرك، فإن وجد توحيده قوياً، دخل عليه من الابتداع، أي هذا الشيء لا يناسب العصر، قطع اليد لا يناسب العصر هكذا، هذه المعجزة غير مقبولة عقلاً نغفلها، المبتدع هو الذي يغير في عقيدة المسلمين أو في عباداتهم، هذه الصلوات غير معقولة، هذه الأذكار غير معقولة، فكل شيء يعدل في العقيدة والعبادة ابتداع، والمبتدع لا توبة له، لأن العاصي له توبة، يعلم أنه يعصي، أما المبتدع فيتوهم أنه على حق، لذلك لا يتوب، فإذا رأى تمسكه بالسنة قوياً دخل عليه من باب الكبائر، فإن رآه على علم بالموبقات دخل عليه من باب الصغائر، فإن رآه ورعاً دخل عليه من باب المبيحات، فإن رآه يقظاً بقي له سهم أخير دخل عليه من باب التحريش بين المؤمنين هذه مداخل الشيطان على الإنسان؛ كفر، شرك، ابتداع، كبائر، صغائر، مباحات، تحريش بين المؤمنين، ويوجد بعض الأحاديث:

((إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ ))

[ الترمذي عَنْ جَابِرٍ]

 وفي رواية أخرى: مما تحقرون من أعمالكم.
 أكثر بلاد المسلمين يوجد اختلاط، ومصافحة، وإطلاق بصر، وسهرات مختلطة، ونساء متفلتات، وضع طبيعي جداً البنت غير محجبة، والزوجة غير محجبة، والسهرة عائلية، يوم في فندق، ويوم في مطعم، والحمد لله نحن محافظون، ما معنى أنكم محافظون؟ أسرة محافظة لا يوجد عندها شيء حرام فقط محافظة، ما هذه المحافظة، لما المسلمون تركوا المنهج القويم وقعوا في الحجاب.

 

مقياس الإنسان اتصاله بالله عز وجل :

 أيها الأخوة الكرام؛ مقياسك اتصالك بالله إن وجدت هذه الجلسة جاء بعدها حجاب، وكلما كان الإنسان عنده حساسية بالغة، مرة قال لي أخ: يوجد موازين دقيقة، أي يوجد موازين دقيقة جداً لو وزنت في الميزان ورقة ثم كتبت عليها كلمة محمد تستطيع أن تزن الحبر الذي كتب فيه محمد، دقيقة لهذه الدرجة، ويوجد موازين لوزن الشاحنات الضخمة، أدق حساسية مئتا كيلو، مئتا كيلو العقرب لا يتغير به الميزان لأنه يزين عشرين طناً، كل إنسان يوجد عنده ميزان، كلما كان إيمانك قوياً يصبح ميزانك حساساً، أحياناً كلمة تحجبك عن الله عز وجل، قالت له: قصيرة، قال: " يا عائشة لقد قلت كلمةً لو وزنت بمياه البحر لأفسدته "، كلمة قصيرة، فما قولك فيما فوق القصيرة؟ سهرات بأكملها كلها غيبة، جلسات كلها مزاح منحرف، مزح مخجل، ووضع طبيعي جداً أن نقوم ونصلي العشاء بعد هذه السهرة، ماذا فعلنا؟ الحمد لله سررنا، عندما لا يكون هناك ضبط للسان لا يوجد ضبط للجوارح، لا يوجد ضبط للعلاقات، لا يوجد ضبط باللقاءات، طبعاً أنا لا أزني، أنا لا أسرق، ما هذا الكلام؟! هذا الكلام ليس لك، هذا الشيء لعوام الناس، أنت من رواد المساجد، من طلاب العلم، أنت ممن يبتغي الجنة، ممن يبحث عن قربه من الله عز وجل، طلبك محدود، إذا أنت طالب دكتوراه قلت: أنا أعرف الكتابة، الطفل في الصف الخامس يعرف الكتابة، أنت طالب رضا الله، طالب الجنة.

العبادة الشعائرية لا تصح إلا إذا صحت العبادة التعاملية :

 إذاً يجب أن نفرق تفرقةً دقيقةً جداً بين العبادة التعاملية والعبادة الشعائرية، وكلمة أدق لا تصح العبادة الشعائرية إلا إذا صحت العبادة التعاملية، طالبني بالدليل:

(( مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ))

[ البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

 إذا لم يكن هناك استقامة الصوم ليس له قيمة، قال تعالى:

﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾

[ سورة العنكبوت : 45]

 يجب أن تنهاك الصلاة عن الفحشاء والمنكر، وإلا لم تحقق المراد منها: من حج بمال حرام وقال: لبيك اللهم لبيك ناداه مناد في السماء أن لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك، إنفاق المال قال تعالى:

﴿ قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ ﴾

[ سورة التوبة : 53]

 تكلمت عن الزكاة، والحج، والصيام، والصلاة، فالعبادات الشعائرية لا تقبل، ولا يعبأ بها، وليس لها وزن عند الهج إلا بالعبادة التعاملية، ومرة ثانية وثالثة سأل النبي الكريم:

((هَلْ تَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ لا دِرْهَمَ لَهُ وَلا مَتَاعَ، قَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصِيَامٍ وَصَلاةٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ عِرْضَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، فَيُقْعَدُ فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ مِنَ الْخَطَايَا أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ()

[ مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة]

 هل هناك أوضح من هذا الحديث؟ أتى بصلاة وصيام وزكاة.

((قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فُلانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا؟ قَالَ: هِيَ فِي النَّارِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ فُلانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلاتِهَا وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالأثْوَارِ مِنَ الأقِطِ وَلا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا؟ قَالَ: هِيَ فِي الْجَنَّةِ))

[ أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَة ]

 هذا النموذج المشوه يأكل مالاً حراماً، ويكذب، ويقيم دعوى كيدية، ويصلي أول صف، هذه المشكلة الكبيرة، ما الذي صرف الناس عن الدين؟ هذه النماذج، ما الذي جعل الناس يبتعدون عن الدين؟ أن إنساناً له مظهر ديني، ولا يوجد صدق، ولا وفاء، مصلحته إلهه، أينما كانت مصلحته تراه يأخذ موقفاً، ضحى بموقفه، ضحى بدينه من أجل الدرهم والدينار.
 حدثني شخص قال لي: رجل من رواد المساجد ساكن في بيت ثمنه سبعة ملايين، اشتراه بسبعمئة ألف، صاحبته امرأة تعيش في تركيا، استطاع أن يلعب عليها ويوهمها، هل من المعقول أن تأخذ بيتاً ثمنه سبعة ملايين بسبعمئة ألف؟! ترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد الإسلام، القضية قضية منهج كامل يا أخوان، حتى لا نعتب على الله، يا رب هل معقول أن كل هؤلاء المسلمين ليس لهم قيمة عندك؟ أعداؤهم متحكمون بهم يعذبونهم، هؤلاء ليسوا مسلمين، حتى لا نعتب على الله عز وجل، حتى لا يختل توازننا ونقول: أين الله، دائماً الكافر قوي، تخطيطه هو الصحيح، الإنسان لا يعتب على الله عز وجل، انظر ماذا تفعل، انظر إلى علاقات الناس، أربعة آلاف دعوى كيدية في القصر العدلي بين الأب وابنه، بين الأخ وأخته، خلافات، أي إذا الأخوات وكلوا أخاهم أخذ المال كله، وله جامع يحضر به دروساً، كيف أخذت المال كله؟ أحياناً يأتيني هواتف والدنا توفى والدنا من خمس وعشرين سنة وإلى الآن أخونا لم يوزع التركة، لماذا لم توزعها؟ هم يستحون منه وهو مقيم على كل أملاك والده، وله دروس علم يحضرها، هذه هي المشكلة، والكثرة ليس لهم قيمة أبداً، قال تعالى:

﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً ﴾

[ سورة الكهف: 105]

 قال له: أتعرفه؟ قال: نعم، قال: هل حاككته بالدرهم والدينار؟ قال: لا، قال: هل جاورته؟ قال: لا، قال: هل سافرت معه؟ قال: لا، قال: أنت لا تعرفه.
 الإنسان يعرف بورعه بالدرهم والدينار، يعرف بأدبه، يعرف بأخلاقه، الآن الصلاة تصبح تاجاً، والصيام يصبح تاجاً، والحج يصبح تاجاً يتوج به استقامته، أما عبادات شعائرية من دون تعاملية فليس لها قيمة.

 

من يصطلح مع الله يشعر بالسكينة و يقطف ثمار الدين :

 الآن بالتعاملية ترك الكبائر لوحدها ليس له قيمة، ممكن مسبح مختلط تعمل فيه مولداً، مع هذه الفوضى جاء الناس خطبوا وأثنوا عليه أيضاً، ودخله من مسبح مختلط، تسبح المرأة شبه عارية مع الرجال هذه مهنته، هل هذا معقول؟ هذا وضع المسلمين، حتى لا تعتبوا على الله، صار هناك لقاء بين مفتي بوسني والهرسك، لقاء إذاعي فقال المفتي البوسني: أخواننا في المشرق لا يعتبون على الله من أجلنا، نحن لسنا مسلمين، نأكل الخنزير، ونشرب الخمر، ونأكل الربا، الآن أصبحنا مسلمين بعد هذه المحنة، فالإنسان لا يقول: أين الله؟ الله موجود، والله مع الحق، ومع المؤمن دائماً ينصره على قدر ما كان أعداؤه أقوياء ينصره.
 سمعت قصة من أخ أتمنى أن تكون دقيقة جداً، غواصة ذهبت إلى الباكستان إسرائيلية لماذا ذهبت إلى هناك؟ لأنه يوجد مفاعل نووي في الباكستان، تعطلت تعطلاً كاملاً، كل شيء فيه تعطل دون سبب، خرجوا منها وأتلفوا فيها كل شيء، إذا الله تدخل يلغي كل تقدم تكنولوجي، ولكن علام يتدخل؟ أو علام نستحق أن يتدخل من أجلنا؟ عندما تكون معه يلغي لك كل التطور، يلغيه نهائياً، الأمل كبير للنصر، ولكن يجب أن نكون صادقين معه، يجب أن نخلص، انظر إلى هذا الحديث:

(( إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أَعْمَالاً هِيَ أَدَقُّ فِي أَعْيُنِكُمْ مِنَ الشَّعَرِ إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّهَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُوبِقَاتِ))

[ أحمد عَنْ أَنَسٍ رَضِي اللَّهم عَنْه ]

 فكل واحد يا أيها الأخوان الكرام، ونحن في رمضان يراجع حساباته، ويدقق في دخله، في إنفاقه، يدقق في علاقاته، في بيته، في زوجته، في بناته، كلما طبق المنهج أكثر كان قريباً من الله أكثر، إذا اصطلح مع الله يشعر بالسكينة، يشعر أن الله يحبه، يشعر أن الله معه ينصره، الدين فيه ثمار يانعة، يوجد في الدين ثمار لا يعلمها إلا الله، ولكن كلها معطلة، هذه الثمار بقي منها كما أن رجلاً اشترى سيارة ولكن لم تسر، غسلها ونظفها لم تقدم له شيئاً، ولكن أصبحت عبئاً عليه، أما إذا سارت فيقطف ثمارها ويتعلق بها جداً، وإذا لم تسر يمل منها فيهملها، فإذا الدين لم يعطك ثماراً يانعة معنى هذا أنه يوجد مشكلة كبيرة جداً، إذا لم يعطك ثماراً تمل منه، ليس لك نفس أن تحضر درساً، إنسان شقي رغم معلوماته الدينية شقي، ولكن عندما يطبق يصبح سعيداً.

 

الدين عبادة شعائرية وتعاملية معاً :

 نحن الآن مشكلتنا في كلمتين؛ الدين عبادة شعائرية وتعاملية معاً، بل إن العبادة الشعائرية صلاة، صوم، حج، زكاة لا تصح إن لم تصح العبادة التعاملية، الآن أخذنا التعاملية يوجد صغائر ويوجد كبائر، الكبائر مفروغ منها، الصغائر هذه الموبقات، هذه محقرات الذنوب، ماذا فعلنا؟ ارتكبت غيبة ونميمة، وصافحت، وملأت عينك من امرأة لا تحل لك، وتقول: ماذا عملنا؟ تجد أشخاصاً عاديين يسهرون ويمتعون أعينهم ويقولون: أم فلان كانت جالسة معنا، كيف جلست مع أم فلان؟ هذه زوجة صديقك، ويقول: صار تجلّ، إذا كان هناك معصية لا يوجد تجلّ، بالعكس الشيطان يكون متجلياً عليك.
 أيها الأخوة؛ حتى نكسب وقتنا، ونصل إلى هدفنا، ونشعر بقيمة الدين، ونقطف ثماره، ونزداد تعلقاً به، والله ينصرنا، قال تعالى:

﴿ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾

[ سورة الروم : 5]

 النصر مفرح جداً، والهزائم مؤلمة جداً، قال تعالى:

﴿ وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً ﴾

[ سورة الفتح : 3]

 من دون شروط نصر عزيز، ولو نصر فردي إذا أنت اصطلحت مع الله لك معاملة خاصة تشعر أنك قبضت ثمن تدينك.

 

تحميل النص

إخفاء الصور