وضع داكن
19-04-2024
Logo
حديث + موضوع علمي - الدرس : 11 - الرحمة - الدم.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

  الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً، و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

رحمة الله عز وجل :

 أيها الأخوة المؤمنون؛

(( عَنْ عُمَرَ بنِ الْخَطَّابِ رَضِي اللَّهم عَنْهم، قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيٌ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ قَدْ تَحْلُبُ ثَدْيَهَا تَسْقِي إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتُرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ؟ قُلْنَا: لا وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَلا تَطْرَحَهُ، فَقَالَ: لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا))

[ مسلم عَنْ عُمَرَ بنِ الْخَطَّابِ رَضِي اللَّه عَنْهم ]

 هنا الشاهد: " أَتُرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّار؟ قُلْنَا: لا، وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى ألا تَطْرَحَهُ، فَقَالَ: لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا" يجب أن تعرف رحمة الله، أكبر شاهد على الرحمة الأم تجوع لتطعم ابنها، تسهر الليل كي ينام، تمرض كي يشفى، تؤثره في كل شيء بدافع من رحمة أودعها الله في قلبها، وقد قالوا: إن أرحم الخلق بالخلق الرسول صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك ورد في القرآن الكريم:

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾

[ سورة آل عمران : 159]

 الآية الثانية:

﴿ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً ﴾

[ سورة الكهف : 58]

 الرحمة كلها عند الله، وأرحم الخلق بالخلق النبي، هو أرحم من الأم بولدها، رحمته منكرة، جاءت:

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ ﴾

 تنكير تقليل، أي أقل أعظم الرحماء في قلبه رحمة واحدة، بينما ربنا جلّ جلاله عنده الرحمة كلها، هذا الموضوع دقيق، كل إنسان ليس في قلبه رحمة مقطوع عن الله ولو أدى كل العبادات، يوجد عبادات شكلية وحقيقية، الاتصال بالله الحقيقي يوجد رحمة لأنه من لا يَرحم لا يُرحم، وإن أردتم رحمتي فارحموا خلقي، أيمكن أن تعد الرحمة مؤشراً صادقاً على مقدار الإيمان الذي في قلبك؟ بل إن هناك من يقول: إن أهل الكتاب وصفوا بقوله تعالى:

﴿ ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾

[ سورة الحديد : 27]

 فإن لم تكن هذه الرأفة والرحمة، إن كانت القسوة والغلظة فهذا شيء آخر، معنى ذلك أنهم ليسوا أتباع المسيح.

 

الرحمة مؤشر الاتصال بالله :

 أيها الأخوة؛ الرحمة مؤشر الاتصال بالله، وأنت ترحم بقدر إيمانك، وكلما زادت رحمتك زاد إيمانك، وكلما زاد إيمانك زادت رحمتك، أما أن تذهب إلى قوم، وأن تسير إليهم مشياً على قدميك تقريباً ثمانية كيلو متر من مكة إلى الطائف، وتدعوهم إلى الهدى، وإلى سعادتهم في الدنيا والآخرة، فيقابلوا هذه الدعوة بالتكذيب والاستهزاء والإيذاء، فليبين الله لنا عظم رحمة النبي أرسل إليه جبريل، عارضاً عليه لو شئت لأطبقت عليهم الجبلين، فكان جواب النبي عليه الصلاة والسلام: " لا يا أخي اللهم اهد قومي إنهم لا يعلمون ".
 ما تخلى عنهم، ودعا لهم، واعتذر عنهم، لذلك في قلب النبي من الرحمة ما لا يوصف، وكل مؤمن إن كان صادقاً في إيمانه، وإن كان متصلاً بربه، وإن كان على شيء يرحم الخلق، فالذي لا يرحم مقطوع عن الله، قال تعالى:

﴿ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾

[ سورة الزمر : 22]

رحمة الآباء والأمهات رحمة فطرية وليست كسبية لاستمرار حياة البشر :

 الرحمة مقياس أيها الأخوة، مقياس دقيق، الإنسان لئلا يتوهم أنه مؤمن وهو غير كذلك، لئلا يقع في الوهم، الإنسان في عادته أن يتملق نفسه دائماً يضفي عليها صفات الكمال والإخلاص، ويتهم الآخرين بخلاف ذلك، فالمؤمن يتهم نفسه، ويحسن الظن بالآخرين دائماً، غير المؤمن يزكي نفسه، ويطعن بالآخرين، فمقياس الرحمة مقياس دقيق جداً، دخلنا في التفاصيل، الرحمة أحياناً تتناقض مع حالات الجسم.
 امرأة نامت الساعة الثانية بالليل، عقب يوم مديد من التعب الشديد، لو أنها نظفت البيت كله يوجد عندها عملية تجديد للبيت، وصلت إلى الفراش وهي منهكة القوى، بعد ربع ساعة بكى ابنها، جسمها يدعوها إلى أن تبقى نائمة أليس كذلك؟ ما الذي يجعلها تستيقظ وتعاكس رغبتها بالنوم؟ تطرح عنها اللحاف من أجل أن ترضع ابنها، لولا أن في قلبها شيئاً ثميناً جداً دفعها إلى هذا لما فعلت.
 أنت راقب إنسان أمامه ثلاثة أولاد يدخنون، أحدهم ابنه، والثاني ابن أخيه، والثالث صديق هذين، هذا الرجل ينشأ عنده انفعال شديد جداً تجاه ابنه وقد يضربه، الانفعال أقل أمام ابن أخيه، لا انفعال أمام الشخص الثالث، معنى هذا أن في قلب هذا الرجل تجاه ابنه - هذا الابن الذي يدخن بدافع الرحمة، والحرص على سلامته ومستقبله - الشيء الكثير، رحمته لابن أخيه أقل، فكان تعنيفه لابنه شديداً، ولابن أخيه قليلاً، أما الثالث فقال له: انصرف، ما كلمه ولا كلمة، فقضية الرحمة قضية ثابتة، إلا أننا الآن إذا دخلنا في بعض الفروع، رحمة الآباء والأمهات رحمة فطرية وليست كسبية، بدليل أن أي أم كافرة، ملحدة، فاسقة، منضبطة، محجبة، مؤمنة، مثقفة، غير مثقفة، مدنية، ريفية، أي أم على وجه الأرض تعطف على ابنها، إذاً هذه الرحمة أودعت في قلبها ابتداءً، هذه الرحمة هي رائعة جداً وضرورية جداً لاستمرار حياة البشر.
 أوضح مثل - وهي قصة رمزية لا تأخذوها على أنها واقعية ولكن على معناها الرمزي هكذا ورد في الكتب- أن أماً تخبز على تنور، وابنها وضعته على طرف التنور، فكلما وضعت رغيفاً في التنور ضمت ابنها وشمته وقبلته من شدة رحمتها به، سيدنا موسى تعجب من هذه الرحمة، فالله عز وجل أراه كيف لو أنه نزع الرحمة من قلب هذه الأم، نزع الرحمة من قلبها فلما بكى ألقته في التنور.
 لولا هذه الرحمة التي أودعها الله في قلوب الأمهات لما كنا في هذا المكان، ما استقامت الحياة، ولا استمرت الحياة، هذه الرحمة ضرورية جداً لاستمرار الحياة.
 هذا الأب شيء عجيب حاجاته من الدنيا محدودة، يزهد، ويتعب، ويسعى، ويكدح، من أجل أولاده، مصروفه قليل جداً يؤمنه بأي طريقة، لكن كل هذا التعب وهذا الجهد من أجل أولاده، الآن كل أب سوي وأقول سوياً لأنه يوجد آباء غير أسوياء، والأم السوية تقريباً همها الأول تأمين أولادها، إما بالزواج، وإما بالبيوت، وإما بالأعمال، بيت وعمل وزواج، إذا الأب زوج أولاده ولهم أعمال لا يوجد عنده مشكلة، شعر براحة، فهذه الرحمة الابتدائية التي أودعها الله في قلوب الآباء، هذه الرحمة لا يرقى بها كثيراً لأنها ليست من كسبه، أنت أعطيت سرعة ابتدائية ليس لك أن تفتخر بها، أما حينما ترحم الخلق فالنبي قال: " ولكنها رحمة عامة. "
 عندك ابن في المحل، وعندك صانع في سن واحدة، أنا كنت في محل تجاري ابنه يقف والصانع يقف، حمل الصانع أول توب وثاني توب ورابع توب، خمسة أتواب قال له: لا أستطيع أن أحمل، فقال له: أنت شاب، جاء ابنه وحمل توباً واحداً فقال له: انتبه يا بني على ظهرك، ما هذا التناقض؟ فرحمة الإنسان بأولاده رحمة ابتدائية، رحمة ليست كسبية، رحمة أودعها الله في قلبه كي تستمر الحياة، والحقيقة هذه الرحمة هي محبة الله للأطفال.

محبة الله للأطفال :

 محبة الله للأطفال ترجمت برحمة أودعها في قلوب الآباء والأمهات، وهذا معنى قوله تعالى:

﴿ أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ﴾

[ سورة طه : 39]

 إذا الله نزع الرحمة من قلوب الآباء والأمهات الأولاد انتهوا لأتفه سبب يقتلون، وقلت أنا: الأب السوي، الآن يوجد آباء، صدر قانون في أمريكا أن كل إنسان يخبر السلطات عن ابن يضرب في البيت له مئة دولار مكافأة، السبب أن الإنسان عندما ينحرف انحرافاً شديداً جداً ليس أباً سوياً، حدثني أخ طبيب في مستشفى بشيكاغو قال لي: بليلة واحدة جاءتنا خمس عشرة حالة ضرب بآلات حادة، أطفال رضع من قبل أمهاتهم وآبائهم، الإنسان إذا انقطع عن الله صار وحشاً، ضبط أب في أمريكا يحقن ابنه بفيروس الإيدز ليأخذ تعويضاً معيناً، وأم قال لها زوجها: نامي مع أولادكِ، فأخذت أولادها ووضعتهم في سيارة على شاطئ بحيرة مائل، وأطلقت السيارة مع أولادها فغرقوا وماتوا من أجل أن تنام معه في الليلة الثانية.
 تسمع قصصاً، البشر وحوش إذا قطعوا عن الله عز وجل، وما يجري في العالم اليوم من قسوة ومن ظلم، يقول عليه الصلاة والسلام:

(( تُمْلأُ الأَرْضُ ظُلْمًا وَجَوْرًا ثُمَّ يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ عِتْرَتِي يَمْلِكُ سَبْعًا أَوْ تِسْعًا فَيَمْلأُ الأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلاً ))

[ أحمد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ]

 الآن يوجد أشياء لا تحتمل، أي هناك من يتاجر بالرقيق الأبيض، هناك من يشتري الأطفال في بلاد آسيا ليبيعها في أماكن أخرى، هناك من يشتري طفلاً ليأخذ دمه ويبيعه في السوق السوداء، ما يجري في العالم لا يصدق، هذا خلاف الفطرة، خلاف الوضع السوي، الوضع السوي أي أب وأي أم يعطفان على أولادهما.

 

رقي الإنسان بالرحمة التي يرحم بها الآخرين :

 أما الرحمة التي ترقى بها فهي الرحمة التي ترحم بها الآخرين، هذه الرحمة رحمة المؤمن، المؤمن يرحم كل إنسان، لذلك عندما فتح الفرنجة القدس، سبعون ألف إنسان ذبح في ليلة واحدة، وعندما فتحها سيدنا صلاح الدين عاملهم معاملة حتى الآن يأتون من أقاصي الدنيا ويقفون أمام قبره ويحترمونه، عاملهم معاملةً إنسانية، المؤمن لا يستطيع أن يقسو، لا يوجد عنده إمكانية، لا يستطيع، ليست قضية انضباط، قضية رحمة، هذا الإنسان الذي أمامك إنسان ينتمي إلى جنس البشر، ما يجري الآن من مذابح في العالم شيء لا يحتمل، يقول لك: تطهير عرقي، ما فعل شيئاً، ومن علامات الساعة موت كعقاص الغنم لا يدري القاتل لما يقتل، ولا يدري المقتول لما قتل، على الهوية لأنه مسلم فقط، تقتل طفلاً غريباً ليس له ذنب أبداً، قال تعالى:

﴿ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ﴾

[ سورة التكوير : 8-9]

 القسوة من علامات قيام الساعة، قسوة ما بعدها قسوة، من علامات قيام الساعة أن يرفع الحياء من وجوه النساء، وقحة، تحد النظر إليك، وتدخن، وتسب الدين أيضاً، أليس كذلك؟ نزعت النخوة من رؤوس الرجال، زوجته بأبهى زينة يفتخر بها، يأمرها أن ترتدي ثياباً فاضحة، وأن تجلس مع أصدقائه، هذه من علامات قيام الساعة، والنبي الكريم يقول:
" الديوس لا يدخل الجنة، قيل: من الديوس يا رسول الله؟ قال: الذي لا يغار على عرضه، أو يرضى الفاحشة في أهله ".
 ومن علامات قيام الساعة أن ترفع الرحمة من قلوب الأمراء، لا يوجد رحمة، يوجد قسوة بالغة، فالمؤمن يتصف بالرحمة، رحمة عفوية، وليست مقصودة، يوجد رحمة استعراضية، أنت مثلاً بمكان عام، بمكان فيه وجهاء، ممكن أن تعطف على طفل صغير تقبله، هذه اسمها رحمة استعراضية، الرحمة الحقيقية أن يتفطر القلب عندما ترى مأساة أمامك، أن تبادر إلى رعاية هذا الإنسان.

 

من لا يَرحم لا يُرحم :

 أيها الأخوة؛ الإنسان حتى لا يجامل نفسه أنا أقول لكم هذه الكلمة دائماً: الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح، اعرف من أنت هل تشعر برحمة في قلبك؟ أحياناً تجد شخصاً يعمل عنده طفل يتيم، صاحب المحل ابنه في أرقى مدرسة، وعنده عشرة أساتذة خصوصي، وهدفه أن يجعله طبيباً، وهذا الطفل اليتيم يطلب منه أن يخرج قبل ساعة من الدوام ليلتحق بمدرسة مسائية، لا يسمح له، ويقول: إذا تعلم يذهب من عندي، ابنه يريده طبيباً، قال لي أحدهم: دفعت على ابني مليون ليرة دروساً خاصة، وما نجح بعد هذا، أما ابن الناس فيجب أن يبقى جاهلاً، حتى يستغله ويعطيه أقل دخل ممكن.
من لا يَرحم لا يُرحم، إذا أنت لا ترحم الناس، لا ترحم من حولك، لا قيمة لعباداتك كلها، قال تعالى:

﴿ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾

[ سورة الزمر : 22]

 إنسان تزوج امرأة ما فعلت معه شيئاً، أخذ منها بيتها وأخذ منها مالها ثم طلقها، فهذا الذي ينطوي على قلب قاس هذا مصيره إلى النار، مقياسك الدقيق الرحمة، ينبغي أن ترحم الخلق، إذا كنت ترحم هذا مؤشر طيب أن إيمانك قوي، من لا يَرحم لا يُرحم.
 بشكل مختصر الرحمة التي ترقى بها الرحمة العامة، أن ترحم إنساناً ليس بينك وبينه مصلحة، ولا نسب، ولا أخوة، ولا أي شيء، لأنه إنسان، وإن كنت أعمق من ذلك أن ترحم كل مخلوق ولو كان حيواناً، حتى رحمة الحيوان دليل إيمان، النبي صلى اله عليه وسلم رأى إنساناً يذبح شاةً أمام أختها فنهاه نهياً شديداً قال: أتريد أن تميتها مرتين هلا حجبتها عن أختها؟

(( إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَه))

[ مسلم عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ]

 هو نبي الرحمة، وهو عطاء الله للخلق، وهو النعمة التي أنعم الله بها علينا، فأنت بقدر ما ترحم الخلق أنت مؤمن، وبقدر ما تقسو عليهم، والله أرى أناساً يصلون في المساجد أما قلبهم كالصخر تماماً، قال لي أخ يعمل عند شخص: مصروفه في اليوم خمسة آلاف، وأنا أحضر له أغراضه، ويعطيني بالشهر ألفي ليرة، لا يوجد عمل ومستغله، هل من المعقول تكلفه بشراء حاجات كل يوم بخمسة آلاف وتعطيه بالشهر ألفين وأنت معك ملايين؟ لا يوجد رحمة، فإذا الإنسان لم يرحم من حوله، ما أعطاهم حاجاتهم، لا يكون في قلبه رحمة، فاليوم محور الدرس الرحمة، والشيء الذي يملأ قلبنا ثقة بالله عز وجل قال: " أتلقي هذه بولدها إلى النار؟ قالوا: معاذ الله، قال: والذي نفس محمد بيده لله أرحم بعبده من هذه بولدها ".
 لذلك الإنسان إذا قال: يا أرحم الراحمين ارحمنا، هذا دعاء رائع جداً تخاطب الله باسمه الأعظم الرحمن الرحيم، بسم الله الرحمن الرحيم.

***

الدم :

 يوجد موضوع علمي دقيق.
 أخواننا الكرام؛ القرآن الكريم كل كلمة منه تعني شيئاً كبيراً، قال تعالى:

﴿ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

[ سورة الأنعام : 145]

 الدم المحرم مقيد بصفة الدم المسفوح، شيء علمي، قال: لأن الدم الذي يجري في العروق طاهر، لماذا هو طاهر؟ لأنه يوجد قلب ورئتان، وكليتان، وتعرق، وطحال، وهذه كلها تصفي الدم، في الدم يوجد نسب من البولة أو حمض البول، حمض البول مادة شديدة السمية، بكل لتر من البول يوجد خمسين غراماً حمض بول، أما في الدم فواحد على عشرة من الغرام في اللتر، هذه النسبة فيها سمية شديدة جداً، الكلية تتولى طرح هذه الكمية من الدم، والغدد العرقية تتولى طرح ما تبقى منها عن طريق التعرق، وفي الدم أيضاً غاز فحم وهو غاز سام، مادام هناك قلب يضخ، ورئتان تصفي، وكليتان تصفي، وتعرق يصفي، وطحال يأخذ الكريات الميتة يقبرها فيه ويحللها، فالدم طاهر، أما إذا سفح صار أكبر مزرعة للجراثيم، لذلك حرمة الدم الذي لم يذبح على الطريقة الإسلامية تأتي من هنا، الذبيحة التي دمها فيها لماذا محرم أكلها؟ لأن فيها كل عوامل السمية، وعوامل الجراثيم، أما الشيء الذي يلفت النظر فهو أن قصور القلب يرفع نسب حمض البولة بالدم، فإذا ارتفعت هذه النسبة أدت إلى تخريب الخلايا، قصور القلب يرفع نسبة حمض البولة في الدم، الحديث الصحيح في البخاري:

(( فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ))

[مسلم عَنْ عَامِرٍ]

 بالمعنى المادي الدقيق إذا القلب قوي ماذا يفعل؟ يصفي حمض البولة من الدم عن طريق الضخ، وعن طريق الكليتين، وعن طريق الرئتين، وعن طريق التعرق، ويوجد علاقة بين الضغط والكليتين، فإذا ضعف الضغط تكاد الكليتان أن تقفا عن العمل، أي إن كان الضغط دون الستة الحد الأدنى ثلاث ساعات تتوقف الكلية عن العمل.
 أيها الأخوة الكرام؛ القرآن الكريم شيء يحير، لو لم يكن هناك مسفوح يوجد مشكلة، أو دماً مسفوحاً، الدم إن لم يكن مسفوحاً فهو طاهر، لأن يوجد أجهزة كثيرة تنقيه دائماً، واحد بالعشرة من الغرام باللتر يوجد بولة، هذه تتولى الكليتان طرحها، أما في البول فخمسون غراماً باللتر، لذلك الدم في الأوعية طاهر، أما إذا سفح صار نجساً، وصار مؤذياً جداً.

 

تحميل النص

إخفاء الصور