وضع داكن
28-03-2024
Logo
حديث + موضوع علمي - الدرس : 04 - تعلم القرآن - تأثير القرآن على النبات.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

أفضل الدرجات عند الله من تعلّمَ القرآن وعلّمَهُ :

 أيها الأخوة الكرام؛ سيدنا سعد بن أبي وقّاص يقول: ثلاثةٌ أنا فيهنَّ رجل، ويقصد رجل أنه بطل، وكلمة رجل في القرآن لا تعني أنهُ ذكر، تعني أنهُ بطل:

﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾

[سورة النور: 37]

 أي أبطال، سيدنا سعد يقول: " ثلاثةٌ أنا فيهنَّ رجل وفيما سِوى ذلك فأنا واحدٌ من الناس- من هذهِ الثلاثة - ما سمعتُ حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علمتُ أنهُ حقٌ من الله تعالى".
 الإنسان يسمع كلاماً كثيراً، أمّا لو مرض مرضاً خبيثاً وقال له الطبيب: هذا الدرج لا يُناسِبُكَ، الطبيب تكلّم خمس كلمات، لكن هذه الكلمات تعني بيع البيت، تعني جهوداً كبيرة جداً، البحث عن بيت، وبيع البيت، ونقل الأثاث، وإفراغ البيت، فأحياناً الكلمات خطيرة.. لاحظوا أحياناً الحلاق يقُص عشر قصّات في الهواء وواحدة على الشعر، هذا كُلّهُ فارغ، الإنسان يستمع أحياناً إلى مئة قصة كلها فارغة، لكن أحياناً يوجد كلام دقيق، فعندما يفهم الإنسان كلام الله على أنهُ كلام خطير، وكلام يعني الشيء الكثير، ويعني سعادة الإنسان، فقال: ثلاثةٌ أنا فيهنَّ رجل وفيما سِوى ذلك فأنا واحدٌ من الناس، ما سمعتُ حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علمتُ أنهُ حقٌ من الله تعالى.
 الحديث اليوم في صحيح البخاري عن سيدنا عثمان بن عفّان رضي الله عنه قال:

(( إِنَّ أَفْضَلَكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ ))

[البخاري عن سيدنا عثمان بن عفّان رضي الله عنه]

 إطلاقاً، هناك ملايين المراتب في الأرض:

﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴾

[سورة الأنعام: 132]

 كُل إنسان لَهُ عِندَ الله درجة إلا أنَّ أفضل هذهِ الدرجات بنصِّ هذا الحديث الصحيح " من تعلّمَ القرآن وعلّمَهُ "، لماذا ؟.
 الإنسان يتعلّم من تجاربُهُ، لكن قد تكون هذه التجارب غير كاملة، وقد تكون غير صادقة، وقد تكون دلالاتُها غير صحيحة، وقد تكون هذه التجارب لِخطورتِها لا تُبقي لمن اكتسبها ثانيةً واحدةً ينتفعُ بِها، لو شخص شاهد في الأرض ما يُشبه القُنبُلة، يا ترى قنبلة أم غير قنبلة؟ لو أنها قنبلة منزوعة الفتيل؟ غير منزوعة؟ أسئلة كثيرة، لو أرادَ أن يُجرّب فانفجرت، خلال عُشر الثانية عَلِمَ أنها قُنبلة ولكن لم تُبق لَهُ في حياتِهِ ثانية واحدة، ينتفع من هذهِ التجربة؟ وهناك معاص كثيرة جداً كالقنبُلة تُدمر الإنسان.. عَرَفَ الحقيقة..
 هناك رجل كانَ يُعلن عن الدُخان في أجهزة الإعلام الغربية، شاب ووسيم يرتدي ثياب رُعاة البقر، مات بمرض السرطان بالرئة، قالَ: كُنتُ أكذبُ عليكُم الدُخان قتلني، أُناسٌ كثيرون يُدخّنون، حينما يأتي الورم الخبيث في الرِئة، الآن عَرَفَ أنَّ الدُخان ضار لكن بعدَ فوات الأوان.

 

من اتبع تعليمات الخالق جنى أعظم الثِمار بأقل الأثمان :

 النُقطة الدقيقة في القرآن أنَّ هناك حقائق من عِندِ الخالق، فإذا أخذَ بِها الإنسان لا يدفع ثمنها باهظاً، الحقيقة أحياناً الإنسان يدفع ثمنها باهظاً، أمّا لو قرأ القرآن وأخذ تعليمات الصانع واتبعها يكون قد أخذ أكبر نفع بأقل كلفة، من دون قرآن تأخُذ أقل نفع بأكبر كُلفة، من أجل حقيقة الأسرة تدمرت، من أجل حقيقة في معاشرة الزوجة انتهى هذا البيت إلى الطلاق، لو طبّقَ القرآن ما وصلَ إلى هُنا، أردتُ من هذا أنَّ القرآن من عِند الخبير:

﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾

[سورة فاطر: 14]

 فأنت معك حقائق من عِندِ خالِق الكون قطعيةُ الثبوت، وقطعيةُ الصِحة، فإن أخذتَ بِها تجني أعظم الثِمار بأقل الأثمان، هذه أول نقطة في القرآن.
 أي أنتَ تملك آلة غالية جداً، ونفعها عظيم ومُعقّدة، من دون الكُتيّب الذي تُصدِرُهُ الشركة لتعليمات التشغيل والصيانة، لعلّكَ تُصيبُها بالخلل فتتعطّل، وتصليحهُا صعب جداً، لا يوجد قطع لها، فأنت تكون قد جمّدت آلة غالية جداً لأنكَ استخدمتها من دون تعليمات الصانع، والإنسان أعقد آلة على وجه الأرض، والقرآن الكريم تعليمات الصانع لهذهِ الآلة المُعقّدة، فانطلاقاً من حُبِكَ لِذاتِك، انطلاقاً من أنانيةٍ مُفرِطة ينبغي أن تتبِعَ تعليمات الصانع، هذهِ أول نُقطة، أي ليست كُلُ تجرِبة تُمارِسها تدفعُ ثمَنها قليلاً.

 

خِبرة الخالِقِ قديمة وليست حادثة :

 الآن العالم الغربي لعلَّهُ عَلِمَ بعدَ فوات الأوان أنَّ طريق الانحلال والإباحية طريق مُدمّر، لكن انتهى لا يستطيع أن يفعَلُ شيئاً، بعد أن أصبح خُمس سُكان الاتحاد السوفييتي " سابقاً " مُدمني خمر أُصدِرَ قرار بتحريم الخمر، قاموا بتحريمه قبل انهيار الاتحاد السوفييتي بسنتين، الخمرُ حُرِّمَ لكن بعد أن دُمِّرَ الشعبُ بأكملِهِ، صار كُل إنسان مُدمن خمر، فالقرآن ميزته أنه يُعطيك خِبرات الخالق، الله قال:

﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾

[سورة فاطر: 14]

 وخِبرة الخالِقِ قديمة وليست حادثة، وليست متنامية، وليست متكاملة، قديمة قِدَمَ وجودِهِ، فالإنسان ينطلِق من حُبِهِ لِذاتِهِ فيتّبعُ تعليمات الصانع.

﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً﴾

[سورة الكهف: 109]

 أنا أقول لكم إنَّ ليتر حبر واحد يكفي الإنسان من الابتدائي إلى الدكتوراه، لو كانت البِحار كُلّها مِداداً ما نفِذت كلماتُ الله، ولو أنَّ ما في الأرض من شجرٍ أقلام والبحرُ يمدّهُ من بعدهِ سبعةُ أبحرٍ ما نفذِت كلمات الله، هذهِ النُقطة الثانية.

 

فضلُ كلامِ اللهِ على كلامِ خلقِهِ كفضلِ اللهِ على خلقِهِ :

 النُقطة الثالثة: فضلُ كلامِ اللهِ على كلامِ خلقِهِ كفضلِ اللهِ على خلقِهِ، أي هل يُمكن أن يُوازن الخالق بالمخلوق؟ المجرّة تبعُدُ عنّا ثلاثمئة ألف بليون سنة ضوئية، خالِقُ هذهِ المجرّات وهذهِ الأكوان يُوازن مع إنسان يعطش ويجوع وينام ويُصاب بأمراض عُضالة؟.. لا،
 فضلُ كلامِ اللهِ على كلامِ خلقِهِ كفضلِ اللهِ على خلقِهِ، لو دخلت إلى أعظم مكتبة في العالم، لو قرأتَ كُلَّ الكُتُبِ مجتمعةً - وهذا مُستحيل - لأنَّ ما يُطبع في اليوم الواحد باللغة الإنكليزية لا تستطيع أن تقرأهُ في مئتي عام.. ما يُطبع في اليوم الواحد..، لو دخلت إلى أكبر مكتبة في العالم كُلُها في كفّة، وكتابُ اللهِ في كفّة، لأنَّ كُلَّ هذهِ الكُتُب من تأليف بشر، أمّا القرآن فمن عِندِ خالِق البشر، فلذلك قالوا: فضلُ كلامِ اللهِ على كلامِ خلقِهِ كفضلِ اللهِ على خلقِهِ.

القرآن والكون يتكاملان ولا يتعارضان :

 يوجد شيء ثان؛ العقل لا يكفي، والعين لا تكفي، لو إنسان يتمتّع بعينين حادتيّ البصر 12/10، آخر خط عندَ طبيب العيون لو عرفتَ اتجاهات الـ C درجتُكَ 12/10، قبل آخر خط 10/10، أمّا آخر واحد فتقول له: يمين، يسار، فوق، تحت، يقول لك 12/10، هذهِ العين الحادّة لا قيمةَ لها إطلاقاً من دون ضوء يتوسّط بينها وبين الشيء المنظور، كذلك العقل تماماً كالعين لا قيمة لهُ إطلاقاً من دونِ وحي يُرشِدُهُ، أوضح مثل لو دخلت إلى جامعة مبنية حديثاً ممكن بعقلك أن تستنبط مئة استنباط أنَّ المُهندس من أعلى مستوى، راعى فيها حاجات الطلاب، الحدائق، غُرف الطلاب، المدينة الجامعية، الملاعب، المسارح، قاعات المحاضرات،... إلخ، لكن مهما كُنتَ عاقلاً وذكياً هل تستطيع أن تستنبط من خلال الأقواس والحدائق والمخابر والمُدرّجات كم كُليّة في الجامعة؟ أسماء عُمداء الكُليّات؟ النظام الداخلي للنجاح؟ مستحيل..، لابُدَّ من كُتيّب، فأنتَ في العقل ممكن أن تستنبط كُل شيء عن الله، لكن لابُدَّ من أن يقول لكَ الله: هناكَ آخرة، هناك حِساب، هذهِ حلال، هذهِ حرام، فالكون والعقل لا يكفيّان لابُدَّ من قرآنٍ، فالقرآن كلامُه،ُ والكونُ خلقُهُ، والحوادِثُ أفعالُهُ، والمصدر واحد، وإذا إتّحدَ المصدر فلا تناقُضَ بينَ أفعالِهِ، فالقرآن كلامُهُ، والكونُ خلقُهُ، والحوادِثُ أفعالُهُ، فالقرآن:

﴿ أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقاً ﴾

[سورة نوح: 15]

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾

[سورة طه: 124]

 كلامُ خالِق الكون:

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

[سورة النحل: 97]

 فالقرآن والكون يتكاملان ولا يتعارضان.

 

فائدة القانون :

 النقطة الدقيقة: الآن نحنُ نبحث عن القوانين من أجلِ ماذا؟ من أجل أن نتنبأ، مرّة صحن المسجد تمَّ تبليطَهُ بأعلى أنواع البلاط - كله رخام - فوجدنا فيهِ خلل، سألنا أخاً مهندساً فقال: لم يعمل البلاط بِهِ فاصل تمدد فأثناء الحرّ الشديد البلاط تشوّه، فأعدنا إصلاحَهُ، معنى ذلك لو أننا عَقِلنا قانون التمدّد تماماً وأخذنا بِهِ لَما أصابَ الخلل هذا البِلاط.
 إذاً: القانون ما فائِدتَهُ؟ إنكَ بالقانون تتمكّن أن تتنبأ، الله يُعطي قوانين، إذا قال لك:

﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ﴾

[سورة البقرة: 276]

 لا أقول لكَ إنكَ تعلمُ الغيب.. مستحيل.. لكن كأنّكَ تعلمُ الغيب، تجد إنساناً مُرابياً غنياً وقوياً فجأةً يتدمّر مالهُ، أنت تعرِف هذا الشيء حيثُ أنَّ القرآن أعطاكَ القُدرة على التنبؤ، لأنَّ القرآن فيهِ قوانين:

﴿ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً ﴾

[سورة الأحزاب: 62]

 تجد شاباً مؤمناً فقيراً، لا يوجد معه شيء ليعتمد عليه، لا بيت، ولا دخل... لكن الله عزّ وجل قال:

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾

[ سورة النحل : 97 ]

 تتنبأ لهذا الشاب بمستقبل زاهر مع أنكَ لا تعلمُ الغيب، والإنسان الآخر المُنحرف تتنبأ له بدمار:

﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾

[سورة الجاثية: 21]

 فأنتَ بقوانين القرآن الكريم تمتلك القُدرة على التنبؤ، تُبشّر المستقيم وتُحذّر المُنحرف، في القرآن الكريم:

﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

[سورة البقرة: 216]

 هذهِ الآية أعطتكَ التريُّث، لو شيء مُزعج تقول: لعلّ هناك حِكمة.

 

من يقرأ القرآن فدِماغُهُ في نشاطٍ دائم :

 الذي يقرأ القرآن هو إنسان مُتميّز لأنَّ معه خِبرات خالِق الكون، والذي لا يقرأ القرآن ضحية نزوة طارئة، أو انفعال شديد، أو اضطراب، أو تناقض، هناك أُناسٌ كثيرون يقولون لك: هناكَ أشخاص كُفّار يزدادون قوةً ورِفعةً وشأناً، وهناك أُناس ضِعاف جداً مستقيمون مسحوقون.. ما تفسير ذلك؟ لو قرأَ القرآن لَعَرَفَ التفسير:

﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾

[سورة القصص: 5-6]

 الإنسان حينما يقرأ القرآن دِماغُهُ في نشاطٍ دائم، والعضو الذي يعمل لا يضمُر، لذلك قلّما تجدُ قارئَ قرآن أو حافِظَ قرآن يُصاب بالخرف.. مستحيل.. لأنَّ دماغُهُ دائماً في نشاط، هذهِ الحقيقة كُشِفت في فرنسا، وجدوا أنّهُ عندما يكون تقاعُد أستاذ الجامعة في عام الستين يكون في أوج عطائه، فالقانون يقول لَهُ: تقاعد، الآن عطاؤه، فاستثنوا الجامعات فقط من نظام التقاعُد، لأنَّ مُدرسيّ الجامعات يعملون بعقولهم، لذلك الآن في التسعين هناك أستاذ جامعة على رأس عمله، مادام يعمل بعقله فعقله لا يضمُر، ومن تعلّم القرآن - هكذا ورد في الأثر- متّعهُ الله بعقلِهِ حتى يموت، أغلب الظن ونرجو الله عزّ وجل ألا يصلَ قارئ القرآن إلى أرذل العُمر،.. هذهِ مستحيلة.. مستحيل قارئ قرآن أن يصل إلى أرذل العُمر، بالعكس يتمتّع بعقلِهِ حتى يموت، لأنهُ يعمل بعقلِهِ، الذي يُصلي والذي يقرأ القرآن دائماً في نشاط دائم : " َأفْضَلَكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ "، يوجد رِواية من الحديث " أو علّمَهُ " هذهِ أوسع، معنى هذا إذا تعلّمتهُ فقط فأنتَ خيرُ الناس، وإذا علَمتَهُ فأنتَ خيرُ الناس، لكن لن تستطيع أن تُعّلِمَهُ إلاّ إذا تعلّمتُهُ.

 

القرآن منهج الإنسان في الحياة من طبقه سعد في الدنيا و الآخرة :

 على كُل الكلام الدقيق: أيّةُ علاقةٍ بالقرآن تجويداً أو حِفظاً أو فهماً أو تدبُّراً أو تطبيقاً.. أيّ علاقة بالقرآن نافعة، وأكمل علاقة أن تتعلّمَهُ وأن تُعلِّمَهُ، أي حينما تُصدّق نبيّكَ الكريم بهذا الحديث تنطلق إلى تعلُّم القُرآن، الإمام الغزالي عاتَبَ نفسَهُ فقال: " يا نفسُ لو أنَّ أكلةً تُحبينَها كثيراً، لو أنَّ طبيباً حذّرَكِ من أكلةٍ تُحبينَها لاشكَّ أنكِ تمتنعين، يا نفسُ أيكونُ الطبيبُ أصدقَ عِندَكِ من الله ؟" أي إذا قال الطبيب: قُم ببيع البيت، وبيع البيت شيء شاق، والآن أصبح شبه مستحيل بيع البيت الآن، وشراء البيت أصعب، ونقل الأثاث... كلمة قالَها الطبيب فلا تُناقِشُهُ فيها أبداً، معقول أن تُصدّق الطبيب واللهُ عزّ وجل في قرآنِهِ والنبيُّ في سُنّتِهِ يقول لكَ آلاف الأوامر ولا تعبأ بِها‍‍‍‍!!؟ " أفْضَلَكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ " " لأنّهُ منهج الإنسان في الحياة، لو طبّقتَ القرآن سَعِدتَ في الدُنيا والآخِرة.
 سمعت عن سائق تكسي استوقفته امرأة، ظاهِرُها مُحافِظة - لا أقول مُحجّبة - ركبت معه فسألَها: إلى أين؟ فأجابت إلى أي مكان تُريد، فَهِمَ السائق واعتبرها مغنماً، فلمّا حققَ أُمنيتَهُ أعطتهُ ظرفين الأول فيهِ خمسة آلاف دولار، والثاني فيهِ رسالة تقول: مرحباً بِكَ في نادي الإيدز، دخَلَ في هذا النادي، والدولارات كانت مزيفة، أرادَ صرفِهم فوُضِعَ في السجن.. انظر..، لو كانَ يعرف الله لوَضَعَ قدمهُ في ظهرِها وركَلَها إلى خارج السيّارة لمّا قالت لَهُ هذا الكلام.
 فالقرآن يحرُسُكَ، الآن كم من مشكلة، وكم من دمار أسرة، وكم من إفلاس تاجر، وكم من انهيار شركة من معصية الله عزّ وجل؟ فأنتَّ عندما تتعلّم القرآن فقد ضَمِنتَ سعادة الدُنيا والآخرة، لذلك النبي قال: " خيركم من تعلّمَ القرآن وعلّمه " وأنتَ دائماً تُلاحظ أنهُ لا يوجد آلة تشتريها إلا ومعها تعليمات الصانع، فالإنسان كُلّما كانت ثقافتُهُ عالية، وإدراكُهُ عميق وناضج في الحياة فلا يستخدمها إلا ليقرأ التعليمات، لغتُهُ ضعيفة يقوم بترجمتها، فالآلة عندك أغلى عليك من نفسك!؟ الذي يملك كمبيوتر وتعطّل وجارُهُ خضري يُحبُهُ كثيراً، وطيب، وصالح، فهل يُعطيهِ إيّاه لكي يُصلحه!!؟.. مستحيل.. يبحث عن الخبير، عن المتخصص، عن الشركة، عن إنسان قام بالدراسة في المعمل نفسه، فأنتَ نفسُكَ أرخص من كمبيوتر؟ الشيء بالشيء يُذكر، هناك أخ حدثني أنهُ لا يُريد عبئاً، حيث أنَّ هناك بائع فول في الميدان يبيع فولاً جيّداً، يوم الجمعة يركب سيارته وينزل من المهاجرين إلى الميدان ليشتري كيلو فول، أمّا لصلاة الجمعة فيُدخل ليصلي بأقرب مسجد و يدخل مع الصلاة .. هل دينُكَ أرخص عليك من كيلو فول؟ من أجل كيلو فول قُمت بتشغيل السيارة في الشتاء ونزلت من المهاجرين إلى الميدان، من أجل خطبة جمعة الله قال:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾

[سورة الجمعة: 9]

 تنتقي جامعاً غير مُقتنع بخطيبِهِ، ولا بِصلاتِهِ، فالإنسان أحياناً يقول لك: أنا معي فتوى، فلان أفتاها لي، أنت تملك بيتاً ذهبت لتبيعُهُ وجدت الدلاّل فقال لك: السعر مليونان، فهل تقوم ببيعِهِ مباشرةً؟ تقوم بسؤال عشر جهات لبيعِهِ، من أجل الدُنيا تقوم بالتحقُق أمّا من أجل فتوى فتكتفي بأول من أفتى لك ذلك وقال لك: نعم حلال، فتقول: فلان قال ليك حلال، اسأل شخصاً و اثنين و ثلاثة، لو إنسان كان منطقياً وناقش نفُسهُ يجد نفسُهُ محقوقاً.

تأثير القرآن على النبات :

 أيها الأخوة؛ هذا الحديث من أعظم الأحاديث:

(( إِنَّ أَفْضَلَكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ ))

[البخاري عن سيدنا عثمان بن عفّان رضي الله عنه]

 بقي قضية واحدة، أنا قبل شهر على ما أعتقد ذكرت على المِنبر قِصة مُثيرة جداً: هناك عالِم من علماء النبات في إحدى الجامعات المحترمة في العالم العربي، باحث مُسلم وقوي في بحثِهِ، أجرى تجربة فريدة في حديقة كلية العلوم بالجامعة، قام بنصب أربعة بيوت بلاستيكية ووضع تُربة موحّدة، وزرع قمحاً من نوع موّحد، وقام بتسميد التُربة بسماد موّحد، وسقى القمح عدد السُقيات واحد، وبكميات واحدة، أي تقصّى المساواة بشكل أسطوري، وكلّف طالبة أن تقرأ على أول بيت سورة " يس " والإخلاص والمعوذتين والفاتحة وآية الكُرسي كل أسبوع مرتين، وكلّف طالبة ثانية بأن تأتي بنبات وتُمزّقُهُ أمام نبات البيت الثاني، تقوم بتمزيقِهِ وقصّهِ، وكلّف طالبة للبيت الثالث أن تُعذِّبَ النبات نفسَهُ عن طريق حرقه أو قصّه بالمقص أو تمزيقه، وجعلَ البيتَ الرابع بيتاً ضابطاً لا يوجد قرآن، ولا تعذيب، وبعدَ أربعة أشهُر النتيجة كانت مُذهِلة، وقام بعرضِها على مؤتمر علمي، تجربة محضة، فالبيت الأول الذي تُلِيَ عليه القرآن ازداد نمو السبلات 44%، وازداد إنتاجُهُ 64% عن البيت الأخير، البيت الضابط الذي يُمكن اعتباره مقياساً، وهو ليسَ فيهِ قرآن ولا تعذيب، البيتان الثاني والثالث قلَّ نمو النبات 33% وهَبَطَ الإنتاج إلى 80%، فإذا كان النبات الذي تُليَ عليه القرآن قد ازداد نموّه وازداد إنتاجُه فكيف بالإنسان:

﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾

[سورة الحشر: 21]

﴿ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ ﴾

[سورة الرحمن: 6]

﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً ﴾

[سورة الإسراء: 44]

 فالقرآن كلامُ الله، وربيعُ القلوب، وحبل الله المتين، وصِراطُهُ المستقيم، وهوَ المنهج، وهوَ الدستور، وهوَ تعليمات الصانع، ومن تعلّمَهُ وعلّمَهُ كانَ خيرَ الناس، والحديث يؤكدُ هذا، ومن أحسنُ قولاً ممن دعا إلى الله، قالوا: تعليم القرآن، قال تعالى:

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[سورة فُصّلِت: 33]

عظمة القرآن أنَّ اللهَ يُخاطِبُ عبادَهُ مباشرةً :

 أيها الأخوة؛ بقيت نقطة دقيقة في القرآن الكريم؛ القرآن الكريم إذا تعلّمتَهُ وعلّمتَهُ فقد جاهدتَ في اللهِ حقَّ الجِهاد، ومن ماتَ ولم يُجاهد ولم يُحدّث نفسَهُ بالجِهاد ماتَ على ثُلمّةٍ من النِفاق.
 هناك جِهاد النفس والهوى، هذا رقم واحد، وهناك الجهاد الدعوي، وهناك الجهاد القتالي، إذا الجِهاد القتالي غير متاح بقي الجهاد الدعوي، الجهاد الدعوي الله عزّ وجل وصفَهُ بأنّهُ الجهاد الكبير، والدليل:

﴿ فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً ﴾

[سورة الفرقان: 52]

 بالقرآن، فأنتَ حينما تتعلمُ القرآن وتُعلِمُهُ أنتَ خيرُ الناس بنصِّ هذا الحديث، وبنصِّ القرآن الكريم:

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[سورة فُصّلِت: 33]

 أن تُطبّق تعليمات الصانع، وأن تتعامل مع أرقى كتاب في الكون، وهذا هوَ القرآن الكريم، أنا استمعت إلى مُحاضرة في أمريكا عن رجل بلَغَ السبعين أستاذ الأديان في جامعة سان فرانسيسكو أسلم وحدّثني عن القرآن الكريم قال: إنَّ عظمة القرآن أنَّ اللهَ يُخاطِبُ عبادَهُ مباشرةً.
 أنتَ أمام كِتاب خالِق الكون يُخاطِبُكَ، من أرادَ أن يُحدِّثَ رَبّهُ فليقرأ القرآن، ومن أرادَ أن يُحدِثَهُ ربُّهُ فليقرأ القرآن، أي إن أردتَ أن يُحدّثَكَ اللهُ عزّ وجل فاقرأ القرآن، يُخاطِبُكَ الله: يا أيها الذين آمنوا، يا أيها الناس اعبدوا ربكم،..... وهكذا.
 أرجو الله سبحانه وتعالى أن يكونَ هذا الشهرُ شهرَ القرآن، وأن نقرأَهُ، وأن نقرأَهُ تجويداً، وأن نقرأَهُ وأن نفهَمَهُ، وأن نتَدَبّرَهُ وأن نُطَبِّقَهُ.

 

تحميل النص

إخفاء الصور