وضع داكن
29-03-2024
Logo
الفقه الإسلامي - الدرس : 5 - زكاة الذهب والفضة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

زكاة الذهب و الفضة :

 أيها الأخوة الكرام... مع الدرس الخامس من دروس الفقه في رمضان، ولا زلنا في موضوع الزكاة.
 أولاً.. تجب الزكاة في الذهب والفضة، قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ﴾

[سورة التوبة:34- 35 ]

 إذاً الزكاة واجبة في الذهب، والفضة، سواء أكانت سبائك، أم نقوداً، أم تبراً، أي نوع من أنواع الذهب، والفضة، تجب فيه الزكاة.
 تقريباً للاختصار، الذي يملك من الذهب بقدر ما يساوي خمسة وأربعين ألفاً، هذا هو نصاب الذهب، تجب فيه الزكاة، والذي يملك من الفضة، بقدر ما يساوي سبعة آلاف، تجب فيه الزكاة، والعلماء يرجحون، ويستحسنون، أن يحسب النصاب لا على أساس الذهب، بل على أساس الفضة، لصالح الفقراء، إذاً الذي يملك سبعة آلاف ليرة، زيادة عن حاجاته الأساسية، وكان هذا المبلغ فارغاً من الدَّين، والحاجات الأساسية، وحال عليه الحول، تجب فيه الزكاة، أي صارت الفضة، والذهب، والنقد، كل هذا يعني شيئاً واحداً، الذهب، والفضة، نقدان أساسيان، والورق سند على النقد أساسه، العملة الورقية أساسها إيصال لذهبٍ مودعٍ عند ولي أمر المسلمين، فهذا الإيصال هو العملة الورقية.
 نريد الشيء الثمين والمختصر، سبعة آلاف نصاب الفضة، خمسة وأربعون ألفاً نصاب الذهب، من ملك من الذهب، والفضة، أو من الورق النقدي، ما يساوي سبعة آلاف يفضَّل أن يدفع عنها الزكاة، وإن أراد للخمسة والأربعين ألفاً.

 

زكاة الدَّين :

 أخواننا الكرام؛ زكاة الدين... له أربع حالات، لك دينٌ مع الناس، هذا الدين إذا كان معترفاً به، ثابتاً، لا يوجد منازعة، والمدين يبذله عن طيب نفسٍ، إذا كان صاحب الدين معترفاً به، وباذلاً له، ففي زكاة الدين أربع حالات.
 الحالة الأولى: على صاحب الدين أن يؤدي زكاة الدين، ولو لم يقبضه، هذه الحالة تصدق على إنسان ميسور، معه ملايين، ومدين مئة ألف إلى إنسان، وهذا الشخص أمين، وصادق، ومعترف به، وسيدفع هذا المبلغ بعد عدة أشهر، هذا الإنسان تنطبق عليه الحالة الأولى، نقول له: أدِّ زكاة الدين.
 الحالة الثانية: ليس معه غير الدين، معه مئة ألف، دينَهم، نقول له: حينما تقبض الدين تؤدي زكاة السنوات السابقة، أو لك أن تؤدي زكاة السنة الأخيرة، على اختلاف المذاهب، حينما تقبض الدين، تسترجعه، تؤدي زكاة ماله على السنوات السابقة، أو على السنة الأخيرة.
 الرأي الثالث: أنَّ هذا الدين أقرضه ولم ينتفع به، إذاً لا زكاة عليه.
 الرأي الرابع: أنه يدفع زكاة سنةٍ واحدة.
 ألخص لكم هذه الآراء، دين ثابت، معترف به، مضمون صاحبه، مضمون أن يدفع، أنت ميسور، تؤدي زكاة المال كل عام، غير ميسور، حينما تقبضه، إما أن تؤدي عن السنوات الأخرى السابقة، أو عن السنة الأخيرة.. ويوجد رأي ثالث: أنك معفى من الدين لأنك بذلته، وانتفع به الآخرون.

زكاة السندات و حلي النساء :

 الآن السندات.. السندات ديون ثابتة، موقعة، ومصدقة، ولك أن تضعها في التنفيذ، فأوراق السندات هي ديون ثابتة يجب أن يؤدى عنها الدين.
 حليُّ النساء، هناك قضيةٌ خلافية، بعض الفقهاء اعتمدوا على بعض الأحاديث، في أن على المرأة أن تزكي عن حليها، وبعضهم عدوا زكاة الحلي معفى من الزكاة.. والرأي الوسط بينهما أنَّ المرأة الموسرة يجب أن تدفع زكاة حليها، وأن المرأة الفقيرة التي لا تستطيع أن تدفع زكاة الحلي إلا إذا باعتها، تبيع بعضها كي تدفع الزكاة، هذه معفاةٌ من دفع الزكاة عن الحلي، إلا أنه أي حلي تجب فيه الزكاة؟ الحلي الذي تلبسه المرأة عادةً في مستوى مثيلاتها، امرأة زوجها طبيب، أو مهندس مثلاً، مدرس، موظف لها مستوى، امرأة زوجها تاجر لها مستوى، الشيء المعد للاستهلاك، للتزين فقط، ولو أنها موضوعة في الخزانة، لكن هذا الحلي مستهلك معدٌ للتزين.
 صداق المرأة، بعضهم قالوا: المرأة معفاةٌ من دفع زكاة صداقها ما لم تقبضه، وعند السادة المالكية تجب في الصداق الزكاة، شأنه شأن الدين.
 الدار اشتريتها لتسكنها، معفاة من الزكاة، الدار، والأرض، والدكان، الثوابت والعقارات، اشتريتها كي تستعملها، اشتريت بيتاً للسكن، اشتريت لابنك بيتاً للسكن، معفىً من الزكاة، اشتريت دكاناً كي تعمل بها معفاة من الزكاة، اشتريت أرضاً لتزرعها، معفاة من الزكاة، اشتريت بيتاً كي تؤجِّره، فالزكاة على الأجرة، إذا تراكمت الأجرة، و فاضت عن حاجاتك الأساسية، وكانت فارغة من الدين، وحال عليها الحول، تجب في الأجرة الزكاة، أما الذي يشتري بيتاً ليبيعه.. لكن انتهت أعتقد الآن يتمنى أن تعطوه نصف ثمنه، أو ثلثي ثمنه.. اشتريت بيتاً كي تبيعه، وتربح به، هذا البيت أصبح عروضاً تجارة، تجب الزكاة على قيمته بأكملها، لكن على قيمته اليوم، لعلك اشتريته بعشرة ملايين، وثمنه الآن خمسة ملايين، أي على خمسة ملايين، فالعقارات تجب فيها الزكاة إذا كانت معدة للتجارة، أرض، دكان، بيت، والعقارات تجب في أجرتها الزكاة، إذا كانت معدةً للإيجار، وإن كانت معدة للاستهلاك فلا زكاة عليها، وهذا من تخفيف الشرع، الزكاة على المال النامي، المال النامي الذي يزيد ثمنه.

 

الحكمة من فرض الزكاة على الأموال :

 إلا أن للعلماء رأياً رائعاً؛ لماذا فرض الشرع على المال غير النامي كالأوراق- الأوراق النقدية، أو الذهب، والفضة، هذا مال غير نام، هذه قيم- قيم السلع؟ قال: هذا فرضت عليه الزكاة، لئلا يخزَّن، لئلا يكنز، فإما أن تستثمره، فتنفع الناس به، أو تأكله الزكاة، أي أنَّ حكمة الشارع العظيمة من فرض الزكاة على الأموال، الذهب، والفضة، والورق، هذه الأموال هي قيم، وليست مالاً ينتفع به مباشرةً، يجب أن تفرق، البيت يسكن، ينتفع به مباشرةً، الدكان تستعمل، الأرض تزرع، هذه الفاكهة تؤكل، هذه الثياب تلبس، أما الخمسون ألفاً فلا يمكن أن تنتفع بها مباشرةً، لا يمكن أن تأكلها مثلاً، ولا أن تركبها، لأنها ليست سيارة، خمسون ألفاً، فهذا المال ليس نامياً، ومع ذلك الشارع الحكيم فرض عليه الزكاة، من أجل ألا تخزنه، وألا تكنزه، وأن تستثمره، فإن استثمرته نفعت به المسلمين.
 ذكرت مرة أن الإنسان إذا أسس مشروعاً دون أن يشعر، يهيئ فرص عمل لآلاف الناس، قد يكون عنده موظفان فقط، لكن هذا المشروع يحتاج إلى وسائل نقل، يحتاج إلى مطبوعات، يحتاج إلى مستودعات، يحتاج إلى محاسبين، يحتاج إلى أجهزة، يحتاج إلى أبنية، دون أن تشعر، ساهمت بتخفيف أزمة البطالة في المجتمع.

زكاة عروض التجارة :

 أما زكاة عروض التجارة فعن ابن عمر عن أبيه قال: " كنت أبيع الأدمة، والجعاب، - الأدم الجلود، والجعاب الجفان، أي الأوعية - فمرَّ بي عمر بن الخطاب، فقال رضي الله عنه: أدِّ صدقة مالك. فقلت: يا أمير المؤمنين، إنما هي جعاب و أدم. قال: قومِّه، ثم أخرج صدقته".
 عروض التجارة كل المواد الأولية في المعامل، وكل البضائع عند التجار، هي عروض تجارة، ينبغي أن تقوَّم، وأن تؤدى زكاتها، تقوّم، ويمضي عليها الحول، وتؤدى زكاتها.
 تاجر العمار، عروضه هي بيوته، تاجر الأراضي عروضه أراضيه، تاجر المحلات التجارية، عروضه محلاته، معمل أدوية، عروضه المواد الأولية، والأدوية المصنعة، كلُّ البضائع بشكلها الأولي، أو بشكلها المصنع، هذه عروض التجارة، تجب فيها الزكاة.
 عروض التجارة متى تجب فيها الزكاة؟ قال: في حالتين، أن يملكها المسلم فعلاً، وأن ينوي بها عند التملك التجارة، تملكتها، ونويت بها التجارة، إذاً تجب فيها زكاة العروض.

 

بعض الأحكام المختصرة في موضوع الزكاة :

 إذاً.. تحدثنا عن زكاة عروض التجارة، التاجر المؤمن، المسلم، المطبق، يجري جرداً دقيقاً.. لماذا الجرد؟ الجرد قال الله تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ ﴾

[سورة المعارج:24]

 و في آية أخرى:

﴿ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴾

[سورة الذاريات:19 ]

 هذه الصدقة، أما الزكاة فلا بدَّ من الجرد، كي يكون المبلغ دقيقاً، لو أن شخصاً قال: أنا لا أجرد، أنا أقدر تقديراً هكذا. نقول له: إذا قدرت أنت تقديراً أكثر من الواقع، كم إنسان لو سمحت له أن يقدر تقديراً عشوائياً يقدر أكثر من الواقع؟ مقابل هذا الإنسان مئة إنسان يقدرون أقل من الواقع، فلا بدَّ من جردٍ دقيقٍ في زكاة العروض، تجري جرداً دقيقاً، تضيف إليه الأموال الجاهزة في الصندوق، تضيف إليه السندات، والمستحقات، تحسم منه الديون، هذا المبلغ بأكمله عليه زكاة العروض، بمقدار اثنين ونصف بالمئة، جرد البضاعة، زائد السندات، والاستحقاقات، ناقص الديون التي عليك، الرقم النهائي ضرب اثنين ونصف بالمئة.
 في أمور العقارات، للاستهلاك معفاة، للتأجير على أجرتها، للتجارة على قيمتها، أرض، بيت، دكان.
 في شأن صداق المرأة.. المرأة الموسرة عند الإمام مالك عليها أن تدفع زكاة مهرها التي لم تقبضه، لأنه دين.
 وعند السادة الأحناف، لا تدفع زكاته إلا إذا قبضته.
 والحلي المرأة الموسرة، عليها أن تدفع زكاة حليها، أما المرأة الفقيرة التي لا تستطيع أن تدفع زكاة حليها إلا إذا باعت بعض هذه الحلي، فهذه المرأة نقول لها: الحلي معفاة من الزكاة.
 الدَّين، أربع حالات.. ندفع زكاة الدين الثابت المعترف به المبذول، ندفع الزكاة ولو كان مع المدين، أما إذا كنت لا تملك سيولة - إذا صح هذا التعبير- فحينما تقبضه إما أن تدفع زكاته عن سنةٍ واحدة، أو عن السنوات السابقة، والرأي الرابع، زكاة الدَّين، لا زكاة على الدَّين، لأنك قدمت هذا المبلغ بلا فائدة لإنسان، فخدمته به، وحرمت من ريعه، هذا هو التوجيه الرابع.
 وزكاة الذهب، والفضة، والأوراق النقدية، تبدأ من سبعة آلاف، وقد تبدأ من خمسة وأربعين ألفاً.. والأولى أن تحسب الزكاة على زكاة الفضة، لصالح الفقراء.
 هذه بعض الأحكام المختصرة في موضوع الزكاة، ويبقى في درسٍ قادمٍ إن شاء الله زكاة الزروع والثمار.

 

زكاة الزروع و الثمار :

 بشكل مختصر كل ما أنتجته الأرض، إن كان بعلاً، تجب فيه زكاة العشر، وإن كان مروياً، فيه نفقات فنصف العشر، هنا ليس هناك علاقة بالحول، عند:

﴿ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾

[سورة الأنعام: 141 ]

 هذه زكاة الزرع، والثمار.
 طبعاً هذه في دروس أخرى فصلناها كثيراً، وأعدناها كثيراً، أعطيكم الملخص، طبعاً تجب الزكاة في القمح، والشعير، والزبيب، والتمر، هذه كانت على عهد النبي، العلماء قالوا: تجب في علتها لا في عينها، فالأرز لا تقبل فيه الزكاة؟ فهو محصول أساسي، والعدس، والحمص، أما التمر، والتفاح، مضمن المزرعة بثلاثة ملايين، والفواكه، فكلُّ ما أنتجته الأرض، إن كان بعلاً زكاته العشر، وإن كان مروياً، أي يوجد فيه محرك، فيه ثمن ماء، ثمن أدوات، ثمن مبيدات، ثمن أسمدة، فزكاته نصف العشر، والعسل يلحق بزكاة الزروع، أيضاً خلايا النحل الطبيعية في الأشجار، العشر، إذا وجدت خلايا خشبية وهناك مصاريف فنصف العشر.
 قال لي شخص: هل يوجد على العسل زكاة؟ قلت له: طبعاً، قال: وإذا لم ندفعه؟ قلت له: القرَّاد جاهز، الله مهيء حشرة تقضي على كل خلايا النحل.

 

الزكاة تطهير و تزكية :

 أيها الأخوة الكرام؛ حصنوا أموالكم بالزكاة.. ما تلف مالٌ في برٍ أو بحرٍ إلا بحبس الزكاة.
 ومن أدى زكاة ماله أذهب الله عن ماله الشر، والزكاة كما قلت في درسٍ سابق تطهر، وتزكي.. تطهر بمعنى تطهر الغني من الشح، والفقير من الحقد، والمال من تعلق حق الغير به.
 توجد بعض الملاحظات.. إخراج الطيب في الزكاة، أي أعط الشيء الطيب، الشيء الذي ترتاح نفسك له، ولا زلنا في موضوع الزكاة، تجب في الإبل، والبقر، والغنم، والماعز، وفي كل الحيوانات التي يستفاد منها.
 إن شاء الله في الدرس الأخير نتحدث عن موانع الزكاة بشكل مفصل، والحمد لله رب العالمين.
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلّى الله على سيدنا محمد النبي الأمّي، وعلى آله وصحبه وسلَّم.

تحميل النص

إخفاء الصور