وضع داكن
24-04-2024
Logo
العقيدة الإسلامية - الدرس : 04 - تفاوت الحظوظ.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

تفاوت الحظوظ :

 أيها الأخوة الكرام؛ مع بداية الدرس الرابع من دروس العقيدة في رمضان.
 الله جلّ جلاله واجب الوجود وما سواه ممكن الوجود، ما معنى ممكن الوجود؟ أي ممكن أن يوجد ويمكن ألا يوجد، المعنى الثاني يمكن أن يكون على ما هو عليه أو على غير ما هو عليه، سنأخذ مما نحن عليه موضوع اسمه تفاوت الحظوظ.
 كان من الممكن أن يكون الناس جميعاً في شكل واحد، أكثر المعامل إنتاجها متطابق مئة بالمئة، معمل معلبات مئة مليون علبة كلها متشابهة.
 أولاً: كان من الممكن التطابق في الشكل ذكوراً وإناثاً، التطابق في المال، التطابق في الذكاء، هذه الحظوظ؛ حظ العمر وحظ الشكل وحظ الذكاء وحظ الغنى والصحة هذه متفاوتة، فكل شيء إن كان على خلاف ما هو عليه فهو نقص في حكمة الله ويقتضي اللوم، لأن الله سبحانه وتعالى كماله مطلق، الله سبحانه وتعالى يقول:

﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ﴾

[سورة الإسراء:21]

 أنا أضرب لكم أمثلة حادة، أستاذ في الجامعة نصابه ثلاث ساعات- طبعاً في بعض البلاد راتبه فلكي- ومعلم ابتدائي بقرية كاد يسحق من الفقر والقهر والجهد، الاثنان تابعان للتعليم، هذا أستاذ جامعة وهذا معلم ابتدائي، مثلاً في الطب هذا أكبر جراح في العالم، دخله اليومي بمئات الألوف، وهذا ممرض يومي في مستشفى معاشه لا يكفيه مدة يومين، كلاهما يعمل في حقل الطب، بائع متجول يلاحق من قبل الشرطة وأكبر مستورد كل صفقة أرباحها بخمسة ملايين أو ستة، كلاهما يعمل في حقل التجارة، جندي في خندق أيام الشتاء ورئيس الأركان المسافة كبيرة جداً، انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض، امرأة جميلة جداً وامرأة دميمة جداً، هذه يأتيها آلاف الخطاب وهذه لا يطرق بابها أحد.
 يوجد تفاوت في الجمال والمال، وتفاوت في الذكاء، وتفاوت في العمر، وتفاوت في الغنى، طفل يولد ابن ملك، الدنيا كلها له، وطفل لا يأكل قطعة لحم ولا بسنة ويعمل عملاً شاقاً، مرة طالب لم يؤد الوظيفة سألته فقال لي: إن والده متوفى، وعنده خمسة أخوة أيتام، يعمل بالفرن من الساعة الثالثة إلى الساعة الثالثة بعمل شاق حتى يؤمن لقمة أخوته ثم يأتي إلى البيت لينام ساعتين، ثم يأتي إلى المدرسة، أعطيته علامة تامة مع أنه لم يكتب الوظيفة، ثماني ساعات عمل في الفرن ثم التزامات مدرسية ليعين أخوته، يوجد تفاوت كبير في الخلق، لكن هذا لحكمة بالغة أرادها الله.
 هذه الدنيا ليست دار قرار هذه دار ابتلاء، ولأنها دار ابتلاء يوجد تفاوت كبير جداً، فأنت ممتحن فيما أعطيت وفيما لم تعط، أدق نقطة في هذا الدرس أنت ممتحن فيما أعطيت وفيما لم تعط .
 إنسان جعله الله غنياً، هذا امتحانه في الغنى، وإنسان فقير مع أنه ذكي دخله محدود.

ولو كانت الأرزاق تجري مع الحجى  هلكن إذاً من جهلهن البهائم
***

 لو كانت الأرزاق تتناسب مع العقول، أحياناً ترى شخصاً شعلة ذكاء لا يترك حيلة ليكسب المال و لا يستطيع ذلك، وإنساناً على بساطته يكسب المال الوفير، شخص دخل إلى الدير ليعمل خادماً، رئيس الدير وجده لا يقرأ ولا يكتب فطرده، فعندما طرده هام على وجهه بحث عن عمل في شارع يفتقد إلى هذا العمل، فتاجر وربح وكبرت ثروته، حتى صار من أغنى الأغنياء، مرة كان يجلس مع مدير بنك قال له: وقع لي هنا؟ فقال له: أنا لا أوقع أنا أبصم، قال له: عظيم كل هذه الثروة وأنت لا تقرأ ولا تكتب فكيف إذا كنت تقرأ وتكتب؟ فقال له: كنت خادماً في الكنيسة.
 فالرزق ليس له علاقة بالذكاء، يوجد تفاوت في الرزق، وتفاوت بالجمال، وتفاوت بالمال، شخص شعلة ذكاء وشخص من الغباء بشكل لا يحتمل، يا ربي ما هذا التفاوت أعطيت الدنيا بتفاوت كبير؟! هذا عين الحكمة، لأن الابتلاء يقتضي التفاوت، فأنت ممتحن بالغنى إذا كنت غنياً، وممتحن بالفقر إذا كنت فقيراً، ممتحن بالقوة، يوجد شخص يقدر أن يفعل ما يشاء دون أن يحاسب، وشخص يخاف من ظله، بالقوة يوجد تفاوت، وهناك إنسان يستطيع أن يتعشى بخمسين ألفاً، هناك مطاعم في الشام العشاء العادي بثلاثين أو أربعين ألفاً، ويوجد أسرة تأكل طول الشهر بألفين، خمسة أفراد ثلاث وجبات ثلاثون يوماً بألفين، يوجد تفاوت، والدليل:

﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ﴾

[سورة الإسراء :21]

 أول نقطة بالدرس تفاوت الحظوظ تفاوت ابتلاء، اختلاف الحظوظ في الدنيا اختلاف ابتلاء، الحظوظ موزعة في الدنيا توزيعاً مختلفاً لحكمة بالغة أرادها الله، لكن لحكمة عامة، وحكمة خاصة، الحكمة العامة الابتلاء يقتضي الاختلاف، الحكمة الخاصة ليس في إمكانك أبدع مما أعطاك، يجب أن تعتقد اعتقادا جازماً أن هذا الذي أوتيته هو عين الحكمة، وعين العدل، وعين الرحمة، ولو كان خلاف ذلك لكان الله ملوماً، هذه واحدة.

 

توزيع الحظوظ في الدنيا توزيع ابتلاء و في الآخرة توزيع جزاء :

 إلا أن الفكرة المتممة وسوف توزع هذه الحظوظ في الآخرة توزيع جزاء، وزعت في الدنيا توزيع ابتلاء وسوف توزع في الآخرة توزيع جزاء. أضرب لكم مثلاً من كل هذه الأمثلة، رجلان في عمر واحد، عاشا ستين عاماً، واحد كان دخله محدوداً جداً، لا يتيح له أن يأكل إلا أخشن الطعام، ولا أن يسكن إلا في أضيق البيوت، ولا أن يتحرك، وإنسان أوتي ألف مليون، أي إذا سافر يقول لك: ثمانية ملايين، عمل عرساً لابنه فكانت كلفته خمسين مليوناً، وعاش كلاهما ستين عاماً، الأول ممتحن امتحان الفقر، والثاني ممتحن امتحان الغنى، الاحتمالات قد ينجح الغني في امتحان الغنى، فإذا في الدنيا غني وفي الآخرة سعيد، ممكن جداً وهذا هو المتوقع، وقد يمتحن الفقير امتحان الفقر وقد ينجح، فإذا جاء الموت صار في جنة عرضها السموات والأرض، لهم ما يشاؤون فيها، وقد يرسب الغني في امتحان الغنى فيتكبر، ويستعلي، ويحرص على المال، ويمنعه من الفقراء، قد يمتحن الغني بامتحان الغنى فيرسب، وقد يمتحن بامتحان الغنى فينجح، والفقير قد يرسب بامتحان الفقر، فقير في الدنيا، وشقي في الآخرة، وهناك عبارة فقراء اليهود: لا دين ولا دنيا.
 وهناك حالة فيها مفارقة؛ الغني رسب في امتحان الغنى، والفقير نجح، عاشا عمراً واحداً، فيجدون أن هذه السنوات تمضي كلمح البصر، فإذا الفقير أمام أبد، والأبد شيء صعب أن نستوعبه، أي مئة مليار، ألف مليون صفر أمام الأبد، أدق من ذلك واحد في الأرض وأصفار إلى الشمس، كل مليمتر صفر، طول هذا الرقم مئة وستة وخمسون مليون كيلومتر، وكل مليمتر صفر، هذا الرقم بالنسبة إلى الأبد صفر، وأي رقم إذا نسب إلى اللانهاية قيمته صفر، والغني الذي رسب في امتحان الغنى، والفقير الذي نجح في امتحان الفقر، يوم القيامة صار الفقير في جنة عرضها السموات والأرض، وذاك يعاني من آلام النار، وعذاب النار، إذاً هذه الدنيا دار ابتلاء لا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً، فيأخذ ليعطي، ويبتلي ليجزي.
 قال: أكبر غني في العالم كان في بريطانيا واسمه ريتشارد، و هو شخص يهودي، صندوقه الحديدي بيت وكله سبائك ذهبية، كان يقرض الحكومة البريطانية، مرة دخل إلى صندوقه الحديدي الذي هو كالبيت والمفتاح ليس في جيبه، وأغلق الباب، صاح لا يوجد أمل، إلى أن مات، قبل أن يموت جرح إصبعه وكتب على الجدار: أغنى إنسان في العالم يموت جوعاً.
 هناك مفارقات حادة قد تجد أشقى الناس الذين أوتوا الدنيا ولم يؤتوا معها الإيمان، فالمال صار سبب جريمة، أحياناً ابنه يقتله، والمال سبب قتله، ويكون المال شقاء، والقوة شقاء، والوسامة شقاء، امرأة على جانب من الجمال ليس فيها دين تخون زوجها يقتلها، فيكون جمالها سبب قتلها، وقد يكون إنسان ماله سبب قتله، وقد يكون إنسان قوته سبب قتله، قال الله تعالى:

﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾

[سورة فاطر:2]

 رحمته شيء وحظوظ الدنيا شيء آخر، قد يرحمك ولك من الدنيا حظوظ متواضعة، وقد يشقيك ولك من الدنيا حظوظ كبيرة، فاطلب رحمة الله، اللهم رحمتك أرجو، النبي طلب رحمة الله ما طلب المال، قد يكون الدخل المعتدل هو الرحمة، وقد تكون الكفاية هي الرحمة، وقد يكون أن يكون لك وضع متوسط هو الرحمة، اللهم من أحبني فاجعل رزقه كفافاً، كلما يقول لي شخص: مستورة، أقول له: أصابتك دعوة النبي، معنى ذلك أنك محب لرسول الله.
 الحديث: " اللهم ما رزقتني مما أحب- شخص يحب أن يكون صاحب مال كثير، والله جعله صاحب مال- اللهم ما رزقتني مما أحب فجعله عوناً لي فيما تحب" أي يا رب إذا آتيتني حظاً من حظوظ الدنيا فاجعله خالصاً لوجهك، اجعلني أوظفه في الحق، قال تعالى:

﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾

[سورة القصص :77]

 فيما آتاك الله، أتاك طلاقة لسان، آتاك ذكاء، آتاك قوة عضلية، آتاك حجماً مالياً كبيراً، آتاك علماً:

﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ﴾

 أي حظوظ الدنيا في التصميم الإلهي من أجل أن توظفها في الحق: " ما رزقتني مما أحب فاجعله عوناً لي فيما تحب، وما زويت عني ما أحب- كان يتمنى زوجة غير هذه الزوجة، هذا نصيبه- وما زويت عني ما أحب فاجعله فراغاً لي فيما تحب" أرأيتم إلى هذا الدعاء البالغ؟ ما رزقتني فيما أحب فاجعله عوناً لي فيما تحب، وما زويت عني ما أحب فاجعله فراغاً لي فيما تحب.

 

الدرجة في الدنيا لا تعني شيئاً لأنها مؤقتة :

 الشيء الثاني؛

﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ﴾

[سورة الإسراء:21]

 أنا ذكرت خمس حالات حادة جداً؛ بين ممرض وجراح، بين مجند ورئيس أركان، بين بائع متجول وأكبر مستورد، بين معلم في قرية وبين أستاذ جامعة، هذه حالات حادة جداً، وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاً، إلا أن الدرجة في الحياة الدنيا لا تعني شيئاً، وقد تعني عكس ما تتصور، الدرجة في الدنيا لا تعني شيئاً لأنها مؤقتة، وقد تعني عكس ما يتوهمه الناس:

(( رب أشعث أغبر ذي طمرين تنبو عنه أعين الناس لو أقسم على الله لأبره ))

[ أخرجه الحاكم عن أبي هريرة ]

 دخل على النبي رجل فهش له وبش، وقال له: أهلاً بمن أخبرني به جبريل، استغرب، فقير، مغمور، مهمل، قال له: أومثلي؟ قال: نعم يا أخي، خامل في الأرض علم في السماء، قد تكون قلامة ظفر شاب تائب لله، مخلص، وقد يكون فقيراً جداً، وقد يكون مغموراً جداً أفضل عند الله من مليون رجل من نجوم الدنيا.
 الآن يوجد مصطلح جديد بالاقتصاد، يوجد شخص متألق في الزراعة، بالتجارة، بالصناعة، بحقول الحياة، يوجد أشخاص متألقون جداً اسمهم الآن: نجوم المجتمع، قد تكون قلامة ظفر شاب تائب أفضل عند الله من مليون نجم من نجوم المجتمع، لأنه لا نقيم يوم القيامة وزناً لهم، صغار عند الله.

 

الابتلاء هو الحكمة من تفاوت الحظوظ في الدنيا :

 الفكرة الأساسية: تفاوت الحظوظ في الدنيا لحكمة بالغة بالغة، لحكمة متعلقة بالابتلاء، إنا كنا مبتلين، تصور النساء تطابقن في الجمال مئة بالمئة التغى الجمال، التغى الامتحان، الشخص كيف يمتحن؟ يخطب فتاتين؛ الأولى جميلة جداً ولا يوجد بها دين إطلاقاً، والثانية متوسطة الجمال لكن دينها قوي، يأتي الشاب يقول لك: أنا أريد صاحبة الدين، فعليك بذات الدين، ضحى بشيء ولو كانت الاثنتان في نفس المستوى لم يضح بشيء، وليس له جنة، الجنة تحتاج إلى ابتلاء، إلى ثمن، إذا لم تضح بشيء، الجنة ثمنها التضحية، يجب أن تضحي، أنت في وظيفة الثمن محدود، ويوجد وظيفة دخلها غير محدود، وتستطيع أن تسكن في أفخر حيّ، وتشتري أكبر بيت، لكن الدخل غير مشروع، تمتحن وتبقى على الدخل المحدود، وذاك الدخل الكبير تركله بقدمك، وتقول: معاذ الله إني أخاف الله رب العالمين، لو أنه لا يوجد تفاوت لا يوجد ابتلاء، والحياة كما قال سيدنا علي: " الغنى والفقر بعد العرض على الله " قبل العرض على الله لا يسمى الغني غنياً، ولا الفقير فقيراً، ونحن في دار ابتلاء، من أدعية النبي صلى الله عليه وسلم:" اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم أقرر أعيننا من رضوانك ".
 إنسان اشترى أرضاً بثلاثين ألفاً، يقول لك: لا أبيعها بثلاثين مليوناً، ظهر أمامها شارع، والأرض ارتفع ثمنها، وهذه في النهاية مطعم، أو بناء فخم، تراه نائماً وهو مرتاح، أي عينه قريرة بهذه الأرض، إنسان عنده وكالة حصرية، أرباحه بالمئات والألوف، مطلوبة هذه المادة، وهو وكيل حصري، ومعه رأسمال، دخله في اليوم مليون ليرة، ينام مرتاحاً، ارتفع ثمن اللحم، لا يتأثر بأي شيء يرتفع ثمنه لأن عنده أضعافاً مضاعفة عن مصروفه، وهو قرير العين بهذا الدخل، أما المؤمن فقرير العين بطاعته لله، قرير العين بمعرفته لله، قرير العين بأن الله عز وجل أجرى على يده الخير، وسمح له أن يدعو إليه، سمح له أن يفعل خيراً، سمح له أن يجري الخير على يديه، فأنت انظر ما الذي تقر به عينك الدنيا أم الآخرة؟ المؤمنون تقر أعينهم بالآخرة والدنيا والحمد لله، لا تطلب الدنيا إلا ما يبلغ المقيل.
 سيدنا أبو عبيدة بن الجراح قائد الجيوش الإسلامية دخل رجل على غرفته في الشام، غرفة صغيرة عليها جلد غزال يجلس عليه، وسيف معلق على الحائط، وقدر ماء مغطى برغيف خبز، هذه دنياه كلها، قال له: ما هذا يا أبا عبيدة؟ قال: هو للدنيا وعلى الدنيا كثير ألا يبلغنا المقيل؟ فيا أيها الأخوة تفاوت الحظوظ في الدنيا له حكمة بالغة، وتفاوت الحظوظ تفاوت ابتلاء، والحظوظ موزعة في الدنيا توزيع ابتلاء، وسوف توزع في الآخرة توزيع جزاء.

العاقل من يجمع بين معرفة الله في الدنيا وبين طاعته وبين الدخل الحلال :

 أنا أقول لكم: هنيئاً لمن أوتي حظاً في الدنيا فوظفه في الحق، ما الذي يحصل معه؟ تتصل عنده نعم الدنيا بنعم الآخرة، والويل لمن ابتلي بنقص الحظوظ فعصى الله وكفر، فصارت دنياه شقاءً، وآخرته شقاءً، والحالة الثالثة - إنسان كسب الآخرة وضاعت منه الدنيا، وإنسان كسب الدنيا وضاعت منه الآخرة- أكمل شيء أن تجمع بين معرفة الله في الدنيا وبين طاعته وبين الدخل الحلال، فالإنسان لا يتألم، يتألم إذا فاتته طاعة، ويتألم إذا ارتكب معصية، ويتألم إذا خرج عن منهج الله، أما الذي أتاه الله من مال، من عمر، من شكل، من قوة، من زوجة، من أولاد، والأولاد حظوظ، هناك أولاد نجباء، الأولي وانتهى بشهادة عليا، ومركز مرموق، يقول: ابني فلان، و آخر ابنه عبء كبير جداً عليه، يقول لك: إذا مات ابني سوف أعمل مولداً، قالها لي أب، على قدر معصيته لوالده، ابن كله خيرات، وابن كله شقاء.
 أنا مرة شاهدت أباً له ابن، فقلت له: هذا ابنك يساوي ألف مليون، لو معك ألف مليون دولار الابن أغلى منه لأنه امتداد لك في الآخرة، أنت لو مت هو استمرار لك، لأن كل أعماله الصالحة بصحيفتك، فرق كبير بين ابن صالح وابن طالح، يوجد زوجة جهنم لا تريح زوجها، ويوجد زوجة في خدمة زوجها، والمرأة جنة أو نار، ولا يوجد حل وسط، فهذه حظوظ متفاوتة تفاوت ابتلاء، ونحن مبتلون، وسوف توزع توزيع جزاء.

تحميل النص

إخفاء الصور