وضع داكن
19-04-2024
Logo
العقيدة الإسلامية - الدرس : 01 - مقدمة عن شهر رمضان.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

حاجة كل إنسان إلى منهج يسير عليه :

 أيها الأخوة الكرام؛ مع بداية الدرس الأول من دروس رمضان أضع بين أيديكم هذه الأحاديث الشريفة.
 الأول: " صعد النبي المنبر فقال: آمين، ثم صعد الدرجة الثانية فقال: آمين، ثم صعد الدرجة الثالثة فقال: آمين، فلما سأله أصحابه الكرام: يا رسول الله علام أمنت؟ قال: جاءني جبريل فقال لي: رغم أنف عبد أدرك رمضان فلم يغفر له إن لم يغفر له فمتى ؟".
 إذاً هذا الشهر الفضيل فرصة ثمينة جداً، وقد لا تعود، من يدري ومن يملك أن يعيش رمضان الثاني؟ هذه فرصة للصلح مع الله؛ هذه فرصة للتوبة؛ هذه فرصة للمغفرة؛ هذه فرصة أن تفتح مع الله صفحةً جديدة، وأن يعفى عن الماضي بأكمله.
 فمن صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ومن قام رمضان - التراويح - إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
 طبعاً في هذا المسجد الكريم على مدار السنة يوجد عندنا رواد عددهم محدود؛ أما في رمضان فيمتلئ المسجد، معنى ذلك أن هناك ضيوفاً كراماً؛ يوجد تعبير: أهل البيت وتعبير: ضيوف كرام؛ هؤلاء الضيوف الكرام يحتاجون إلى دورة مكثفة، فإن شاء الله تكون دروس الفجر ودروس العشاء بعد التراويح دورات مكثفة، ومسارات التدريس على الشكل التالي: هذا الدرس مقدمة، الإسلام فيه أصول وفيه فروع؛ العقيدة من الأصول، والأحكام الفقهية من الفروع؛ والأصول خطيرة جداً، والفروع خطيرة لكنها أقل خطورة، أضرب لكم بعض الأمثلة؛ إنسان عنده ميزان، قد يخطئ بالوزن، والخطأ بالوزن لا يتكرر، وقد يكون الخطأ في الميزان، والخطأ في الميزان لا يصحح؛ فهيكل الميزان من العقيدة، أما أن تقرأ وزناً خطأً أو سهواً فهذا الخطأ لا يتكرر، أما الخطأ في الميزان فلا يصحح، لذلك أخطر شيء في حياة المسلم ألا يملك ميزاناً صحيحاً، لماذا؟ أصحاب النبي عليهم رضوان الله كانوا مع النبي، وكل ما قاله حق، فهو لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى؛ لكن نحن جئنا بعد ألف وخمسمئة عام، وهناك في الإسلام مقولات لا تعد ولا تحصى، لا يحصيها حاص، وهذه المقولات بعضها صحيح، وبعضها مغلوط، وبعضها مبالغ فيه، وبعضها مزور، وبعضها مفترى، وبعضها بعيد عن الصواب؛ أخطر شيء نحن بحاجة له ميزان نكشف الخطأ من الصواب.
 لو أدخلناك إلى غرفة فيها مئة قطعة من الذهب عيار أربعة وعشرين، وقلنا لك: انتق عشراً منها؛ قضية سهلة، تأخذ عشرة لا على التعيين، أما إذا أدخلناك إلى غرفة فيها مليون قطعة صفراء، بعضها من المعدن الخسيس الذي لا قيمة له إطلاقاً، وبعضها من النحاس الملمع، وبعضها من النحاس الملبس بالذهب، وبعضها من الذهب عيار أحد عشر، وبعضها من الذهب عيار ستة عشر، وثمانية عشر، وواحد وعشرين، وأربعة وعشرين، فبطولتك أن تملك جهازاً يكشف القطع الذهبية ذات العيار الأربع والعشرين وأن تأخذها.
 فنحن الآن في أمس الحاجة إلى ما يسمى بمنهج التلقي، أنا ماذا آخذ وماذا أدع؟ كيف أقبل هذه المقولة؟ وكيف أرفض هذه المقولة؟ هل عندي مقياس وميزان؟ هذا المقياس والميزان هو ما يسمى بعلم العقيدة.
 يوجد عندنا بحث العقيدة من أصول الدين، وهو من أخطر الأبحاث، ويوجد تفسير آيات كتاب الله، وتفسير حديث رسول الله، وعندنا أحكام فقهية اجتهد العلماء الكبار في استنباطها من الأصول الكلية، وعندنا شيء من التطبيقات العملية وهي السيرة، وعندنا موضوعات علمية، فالذي ارتأيته وأرجو الله أن أكون على صواب أن يكون الدرس فيه ومضة من كليات العقيدة، حتى يأخذ فكرة الأخ الكريم ماذا تعني العقيدة وما خطورة العقيدة؟ وفي درس آخر تفسير آية؛ وفي درس ثالث تفسير حديث، ودرس رابع يبحث موضوع فقهي تشتد الحاجة إليه؛ ودرس فيه ومضة من ومضات السيرة؛ ودرس يتحدث عن موضوع علمي.
 نحن صباحاً مثلاً عقيدة، وبعد العشاء تفسير، صباح اليوم التالي حديث، مساء اليوم التالي فقه، وصباح اليوم الثالث سيرة، ومساء اليوم الثالث موضوع علمي، نكون قد أخذنا مسارات الدين كلها، وكل واحد يستطيع أن يرى مع أي مسار تفاعل تفاعلاً كبيراً؛ أي مسار هو بحاجة ماسة إليه، فيتابع البحث.

العقيدة أخطر شيء في حياة كل مسلم :

 طبعاً في المحلات التجارية كما تعلمون صاحب المحل عنده مئات البضائع ومئات الألوف من الأنواع التفصيلية، ماذا يضع في الواجهة؟ يضع نماذج متميزة، فإذا صح التمثيل هذه الدروس دروس رمضان، لأن القصد منها أن هذا الأخ الضيف يلتزم، وأن هذا الذي فعله في رمضان؛ نجاح رمضان عنده أن يستمر به؛ طبعاً يوجد مواسم، رمضان موسم عبادة، لكن موسم عبادة حملك أن تقفز إلى الله قفزة، فنجاح هذه القفزة باستمرارها على مدار السنة، أما عدم النجاح في رمضان فأن تعود بعد رمضان كما كنت قبل رمضان، قال تعالى:

﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾

[سورة النحل :92]

 تفوق في رمضان، صلى الفجر في جماعة في رمضان، وبعد رمضان عاد إلى صلاته في البيت؛ غض بصره في رمضان وعاد إلى إطلاق البصر؛ امتنع عن الملهيات في رمضان ثم عاودها بعد رمضان؛ يقفز ويرجع، يقفز ويرجع، نقول لها: مكانك تحمدي أو تستريحي، وفي الرياضة تعبير: مكانك راوح.
 المسلمون من عوائدهم ومن تقاليدهم يفعلون بعض الأفعال في رمضان ويدعونها بعد رمضان، فهذا ليس من الصيام في شيء، والصيام يعني أن تقفز وأن تستمر، فلعل الله سبحانه وتعالى يوفقنا جميعاً في أن نقنع بالالتزام الكامل في رمضان وبعد رمضان.
 أي صباح يوم العيد لا تفطر إلا أفواهنا؛ أما غض البصر، وضبط اللسان، إقامة الإسلام في البيت، والبعد عن كل ما يسيء إلى علاقة المسلم بالله عز وجل فهذا هو المطلوب.
 أخطر شيء في الإسلام أنه يوجد عقيدة، وفروع وأصول؛ الأصول خطيرة جداً، فكما أن الطيار حينما يلقي و يخطئ في زاوية إلقاء القنبلة درجة في الجو تصبح في الأرض مئة كيلومتر؛ تصبح خمسة كيلومتر؛ الخطأ الطفيف في العقيدة يقابله خطأ كبير في التطبيق؛ والإنسان حركته اليومية انعكاس لتصوراته؛ فإن صحت عقيدة الإنسان صحت حركته في الحياة.
 هذه الدروس في رمضان متكاملة إن شاء الله، هذا الذي رأيته مناسباً لكم، ومضة من ومضات العقيدة؛ تفسير آية، وتفسير حديث صحيح من الصحاح؛ قضية فقهية تشتد الحاجة إليها ثم قضية في السيرة تعطينا تأكيداً على أن الإسلام طبق ونجح، وقطف المسلمون أينع الثمار، وقضية تعرف بالله عز وجل من خلال موضوع علمي.

تحديد كل إنسان المسار الذي هو بحاجة له :

 عندنا ستة مسارات؛ هذه الستة نبدأ بالأول والثاني والثالث والرابع ومن ثم نعود إلى المسار الأول، وعندنا عشرة دروس في كل مسار في رمضان؛ فالإنسان يجب أن يختار أي المسارات هو في أشدّ الحاجة إليها.
 المسار الثاني تفسير القرآن الكريم، طبعاً هذا كتابنا المقرر، وهو الكتاب الأول في حياة الإنسان، ولا شيء يعلو على فهم هذا القرآن الكريم.
 والمسار الثالث فهم السنة النبوية، قال النبي عليه الصلاة والسلام:

(( تركت فيكم شيئين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدهما؛ كتاب الله وسنتي ))

[ الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة ]

 والمسار الرابع الحكم الفقهي، لأنك أنت بالكون تعرفه، وبالشرع تعبده، فإذا عرفته وأحببته وأردت أن تطيعه كيف تطيعه؟ لابد من معرفة حكمه، والإنسان أحياناً كثيرة يجهل الحكم الفقهي فيقع في شرّ عمله، فمن أجل أن تأخذ زخماً؛ قوة معنوية عالية؛ يوضع بين أيديكم نماذج من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام؛ كيف عاملوا النبي؛ كيف فعلوا؛ كيف استقاموا؛ كيف حملوا أنفسهم على المجاهدة، وآخر شيء حتى ترقى معرفتنا بالله درجة درجة لابد من أن نوائم بين العلم والدين؛ العلم يعني القوانين المستنبطة من خلقه؛ هذا خلقه، والقرآن كلامه، والكون خلقه، والحوادث أفعاله؛ وليس هناك أي تناقض بين خلقه وبين فعله وبين قوله بل إن الحق كما تعلمون دائرة تتقاطع بها أربعة خطوط؛ خط النقل الصحيح وخط العقل الصريح وخط الواقع الموضوعي وخط الفطرة السليمة، وأخطر ما في الإنسان عقيدته.

ضرورة تعرف كل إنسان على الحقيقة الكبرى في الحياة :

 الآن بقي دقائق؛ نحن درسنا ربع ساعة إن شاء الله حتى لا أثقل عليكم؛ الإنسان إذا أكل وشرب وتنفس ونام وعمل وأنجب واستمتع؛ هذه كل الخصائص قواسم مشتركة بينه وبين الحيوان؛ هناك وجود إنساني ووجود حيواني؛ أكلنا هذا تابع للوجود الحيواني؛ وشربنا؛ لو أكلنا أطيب الطعام، لو تنوعت المائدة بمئات الأطباق وجود حيواني؛ شربنا، لو انتقينا أنقى شراب وجود حيواني؛ لو تنفسنا وجود حيواني؛ أوينا إلى الفراش وجود حيواني؛ تزوجنا أنجبنا وجود حيواني؛ عملنا وجود حيواني.
 حياة الإنسان تتراوح بين الأكل والشرب والتنفس والنوم والإنجاب والعمل والمتعة هذا كله وجود حيواني؛ أما الإنسان فهو إنسان بوجوده الإدراكي، والله عز وجل أودع فيه قوة إدراكية، هذه القوة الإدراكية بها تصبح إنساناً، فكل إنسان عزف عن العلم، ولم يطلب العلم، ولم يبحث عن الحقيقة الكبرى في الحياة، كل إنسان قبل أن يعيش كدهماء الناس و سوقتهم، هذا إنسان ألغى وجوده الإنساني وبقي على وجوده الحيواني، قال الله عز وجل:

﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾

[سورة الأعراف : 179]

 هل يوجد من هو أضلّ من الأنعام؟ الدابة لا تفهم شيئاً إلا أن تأكل وتشرب؛ كيف يكون الإنسان أضلّ من الأنعام؟ الحيوانات غير مكلفة، فإذا أمضت وقتها بالطعام والشراب والعمل وماتت ليس عليها مسؤولية إطلاقاً، لا حساب، ولا عذاب، ولا تكليف، ولا ثواب، ولا عقاب؛ إذاً الإنسان الذي كلف حمل الأمانة، وتوانى في حملها، وألغى العلم من حياته، أنت متى تشعر أنك إنسان؟ حينما تطلب العلم؛ حينما تسأل لماذا أنا موجود على سطح الأرض؟ ولماذا خلقني الله عز وجل؟ ما هو الشيء المجدي في الحياة؟ أن أجمع أكبر ثروة من المال؟ أن أتنافس على جمع حطام الدنيا أم أن أتعرف إلى الله؟ هذا سؤال كبير؛ ما الذي يعنيني في الحياة؟ ما الذي يجعلني متفوقاً في الحياة حجمي المالي أم حجمي العلمي؟ لأن الحجم العلمي يترجم إلى عمل، والعمل ثمن الجنة، لذلك قال تعالى:

﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً *الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ﴾

[سورة الكهف:103-104]

 والدليل أن الإنسان عندما يأتيه ملك الموت لا يندم إلا على شيء واحد قال تعالى:

﴿ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴾

[سورة الفجر: 24]

﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾

[سورة المؤمنون : 99-100]

 كان أحد الصالحين قد اشترى قبراً وكان يضطجع فيه كل خميس مرة ويتلو قوله تعالى:

﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾

[سورة المؤمنون : 99-100]

 آخر شيء الله عز وجل قال:

﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً ﴾

[سورة الفرقان : 63]

 مع أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يمشي سريعاً، وكان إذا مشى كأنه ينحط من صبب، وكانت السيدة عائشة تقول:" رحم الله عمراً ما رأيت أزهد منه، كان إذا مشى أسرع " والآية: يمشون على الأرض هوناً؛ العلماء فسروا هذه الآية بأن يمشون على الأرض هوناً بمعنى أنهم لا يسمحون لحياتهم الدنيا، ولا لمشاغلهم، ولا لأعمالهم، ولا لتجارتهم أن تستهلكهم، إنسان من الصباح وحتى المساء في عمله، جمع أموالاً طائلة، جاءه ملك الموت فجأةً فخسر كل شيء في ثانية واحدة.
 والمشكلة أن الذي يحصّله الإنسان في كل عمره المديد يخسره في ثانية واحدة حينما يتوقف قلبه؛ انتهى كل شيء؛ من باب الطرفة حتى السن الذهبي الذي في فمه يسحب، ويقال: الحي أولى من الميت، لا يترك لك شيئاً، فهذا الذي يعمل عملاً متواصلاً دون أن يفكر لماذا هو في الدنيا؟ ما سرّ وجوده؟ ما غاية وجوده؟ ما تعرف إلى ربه، ولا إلى منهج ربه، ولا عمل صالحاً، ولا عمل عملاً يقربه من الله عز وجل.

رمضان شهر صلح مع الله :

 أرجو الله سبحانه وتعالى أن تكون هذه الدروس فيها نفع كبير لنا جميعاً، وأن تكون هذه الدروس بشكل أو آخر دورة مكثفة، فيها ستة مسارات، وكل إنسان يسأل نفسه سؤالاً دقيقاً: أي المسارات هو في أمس الحاجة إليها؟ عندئذ يتلافى التقصير بعد رمضان.
 إذا كان مسار العقيدة ضعيفاً جداً عنده فليكثر من معرفة دقائق العقيدة بعد رمضان، وإذا كان مسار التفسير ضعيفاً عنده يتابع التفسير بعد رمضان، وإذا كان مسار الحديث ضعيفاً عنده يعتني بصحة الحديث، وفهم الحديث، وإذا كانت همته ضعيفة يعتني بالسيرة كي تقوى همته، وإذا كان إيمانه بالله ضعيفاً لا يحمله على طاعته يتعرف إلى الله من خلال خلقه، ومن خلال آياته الكونية، فلذلك على الإنسان أن يجعل من هذا الشهر شهر صلح مع الله، فهو فرصة لا تعوض، ولا تتكرر أحياناً، كل واحد يصوم رمضان وليس عنده يقين أن يعيش إلى رمضان الثاني،
 فكم من صحيح مات من غير علة وكم من سقيم عاش حيناً من الدهر، فهذه فرصة لأنه لا ينطق عن الهوى؛ أحياناً يكون الشخص له دعوى بقصر العدل، بعد أن يوكل محامياً يكتشف أن هناك اجتهاداً بمحكمة النقض لصالحه فيرتاح، ما الذي أراحه؟ عبارة عن خمس كلمات في المجلة القضائية أو مجلة قصر العدل، وأنت عندما تجد آية تغطيك قال تعالى:

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾

[سورة النور: 55]

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

[سورة النحل :97]

 هذه الآيات المطمئنة والمبشرة هي القول الثابت الذي يريحك.
  أرجو الله سبحانه وتعالى أن نتابع طلب العلم إلى آخر رمضان، لأن الله سبحانه وتعالى يحب من الأعمال أدومها وإن قل؛ هكذا قال عليه الصلاة والسلام.

تحميل النص

إخفاء الصور