وضع داكن
19-04-2024
Logo
الشمائل المحمدية - الدرس : 7 - جود النبي صلى الله عليه وسلم.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

جوده صلى الله عليه وسلم :

 أيها الأخوة الكرام؛ مع بداية الدرس السابع من دروس السيرة في رمضان، ومع شمائل النبي صلى الله عليه وسلم، واليوم باب في جوده صلى الله عليه وسلم:

((عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ، حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام يَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ ))

[ البخاري عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ]

 أي رمضان موسم الإنفاق:

((عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا رَضِي اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: مَا سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ قَطُّ فَقَالَ: لَا ))

[ البخاري عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ]

 من شدة جوده، وشدة حيائه ما سئل عن شيء قط فقال: لا، وبعض الذين مدحوه قالوا: لولا التشهد كانت لاؤه نعم، أي لا يخيب سائله أبداً.

((عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ أَنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ يَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ النَّاسُ مَقْفَلَهُ مِنْ حُنَيْنٍ فَعَلِقَهُ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ حَتَّى اضْطَرُّوهُ إِلَى سَمُرَةٍ فَخَطِفَتْ رِدَاءَهُ فَوَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَعْطُونِي رِدَائِي لَوْ كَانَ لِي عَدَدُ هَذِهِ الْعِضَاهِ نَعَمًا لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُونِي بَخِيلًا، وَلَا كَذُوبًا، وَلَا جَبَانًا ))

[ البخاري عَنِ الزُّهْرِيِّ]

صفات النبي صلى الله عليه وسلم :

(( عن إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ مِنْ وَلَدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ إِذَا وَصَفَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَمْ يَكُنْ بِالطَّوِيلِ الْمُمَّغِطِ، وَلَا بِالْقَصِيرِ الْمُتَرَدِّدِ، وَكَانَ رَبْعَةً مِنَ الْقَوْمِ، وَلَمْ يَكُنْ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ، وَلَا بِالسَّبِطِ، كَانَ جَعْدًا رَجِلًا، وَلَمْ يَكُنْ بِالْمُطَهَّمِ وَلَا بِالْمُكَلْثَمِ، وَكَانَ فِي الْوَجْهِ تَدْوِيرٌ أَبْيَضُ مُشْرَبٌ، أَدْعَجُ الْعَيْنَيْنِ، أَهْدَبُ الْأَشْفَارِ، جَلِيلُ الْمُشَاشِ وَالْكَتَدِ، أَجْرَدُ ذُو مَسْرُبَةٍ، شَثْنُ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، إِذَا مَشَى تَقَلَّعَ كَأَنَّمَا يَمْشِي فِي صَبَبٍ، وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ مَعًا بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، وَهُوَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ أَجْوَدُ النَّاسِ كَفَّا، وَأَشْرَحُهُمْ صَدْرًا، وَأَصْدَقُ النَّاسِ لَهْجَةً، وَأَلْيَنُهُمْ عَرِيكَةً، وَأَكْرَمُهُمْ عِشْرَةً، مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً هَابَهُ، وَمَنْ خَالَطَهُ مَعْرِفَةً أَحَبَّهُ، يَقُولُ نَاعِتُهُ لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَه))

[ الترمذي عن إِبْرَاهِيم بْنُ مُحَمَّدٍ]

 النقطة الدقيقة الآن أن النبي عليه الصلاة والسلام كان في أعلى درجة من الصفات التي يرتقي بها الإنسان، كان متكلماً أو بالتعبير الصحيح كان متحدثاً لبقاً، وكان خطيباً مفوهاً، وكان عالماً، وكان مجتهداً، وكان قاضياً، وكان قائداً سياسياً، وقائداً عسكرياً، وكان و كان...
إلا أن الله سبحانه وتعالى حينما أراد أن يمدحه أغفل كل هذه الصفات ومدحه بأخلاقه، لماذا؟ لأن الأخلاق أساسها كسبي، أما طلاقة اللسان وقوة الذاكرة وقوة المحاكمة فأساسها وهبي، فأنت إذا منحت ابنك سيارة، هل تستطيع أن تمدحه بين الناس بأن عنده سيارة؟ يقال: أنت أعطيته إياها، أما حينما تقول للناس: نال الدرجة الأولى في الامتحان، فهذا شيء كسبي، فالله عز وجل أعطاه صفات تتناسب مع مهمته الكبرى في النبوة، فهذه الصفات الفطنة، سنقرئك فلا تنسى، قوة الحافظة، قوة المحاكمة، هذه الصفات يحتاجها في أداء رسالته، أما الشيء الذي يمدح به ويرقى به على كل الخلق فأخلاقه، ما هي الأخلاق؟ الأخلاق عملية ضبط، في الإنسان نوازع ضابطها هو الأخلاق.
  ما الفرق بين إنسان أخلاقي وإنسان لا أخلاقي؟ اللا أخلاقي يغضب فيبطش، أما الأخلاقي يغضب فيحلم، اللاأخلاقي يأتيه المال فيمسكه بدافع طبعه، الأخلاقي يأتيه المال فينفقه.

 

التعريف الدقيق للأخلاق :

 الأخلاق في تعريفها الدقيق عملية ضبط نوازع فطرية، هذا الضبط كسبي، أساسه الاتصال بالله، أساسه مجاهدة النفس والهوى، وأنت حينما تريد أن تمدح إنساناً تمدحه بما هو كسبي لا بما هو وهبي، هل تستطيع أن تمدح إنساناً طويلاً؟ الطول ليس له اختيار فيه، منحه الله إياه، هل تستطيع أن تذم إنساناً قصيراً؟ لا تستطيع، ليس له علاقة بهذا الموضوع، هل تستطيع أن تمدح إنساناً وسيماً؟ الوسامة من الله، هل تستطيع أن تذم إنساناً ذميماً؟ لا، فهذه الصفات وهبية أما الصفات الكسبية فتقول: زوج أخلاقي، تقول: تاجر أمين، تقول: معلم مخلص، طبيب يخاف الله عز وجل، فالصفة الكسبية يمدح بها الإنسان، أما الصفة الوهبية فلا يمدح بها الإنسان، لذلك الله عز وجل أغفل كل الصفات التي تفوق بها النبي حينما مدحه، وذكر صفة واحدة، وقال تعالى:

﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾

[سورة القلم :4]

محبة الإنسان للكمال و النوال و الجمال :

 و:

((عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْإِسْلَامِ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ، قَالَ: فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَأَعْطَاهُ غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ أَسْلِمُوا فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءً لَا يَخْشَى الْفَاقَةَ ))

[مسلم عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِيهِ]

 تعليق على هذه القصة الإنسان يحب النوال، يحب الجمال، يحب الكمال، أحياناً الإنسان يستعين على هداية الناس بإكرامهم، الأب الذي له أولاد، أب تحت يده أيتام، إكرامهم قد يكون سبب هدايتهم، لأن الإنسان عبد الإحسان، يا داود ذكر عبادي بإحساني إليهم، فإن النفوس جبلت على حبّ من أحسن إليها؛ أي استعن على هداية الناس بالإحسان إليهم، النبي أعطاه غنماً بين جبلين، فقال: أسلموا فإن محمداً يعطي عطاء رجل لا يخاف فاقة.
 و:

(( عَنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ: أَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَإِنَّهُ لَأَبْغَضُ الْخَلْقِ إِلَيَّ فَمَا زَالَ يُعْطِينِي حَتَّى إِنَّهُ لَأَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَيَّ ))

[الترمذي عَنْ صفوان بن أمية]

 لذلك بعثت لمداراة الناس، والمداراة بذل الدنيا من أجل الدين، والمؤمن الصادق يبذل، يبذل من ماله، ومن وقته، ومن جهده، ومن عضلاته في سبيل تقريب الناس من الله، والبخيل مكروه ولو معه الحق، والذي معه الحق وبخيل مكروه.
 إن هذا الدين قد ارتضيته لنفسي ولا يصلحه إلا السخاء وحسن الخلق، فأكرموه بهما ما صحبتموه، لن تستطيع أن ترفع هذا الدين إلا بسخائك وحسن خلقك لأن الناس متعلقون بالنوال.

 

حاجة المتفوق إلى البذل :

 وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلاً جاء النبي صلى الله عليه وسلم فسأله أن يعطيه، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: ما عندي شيء ولكن ابتع علي.
 اشتر شيئاً وسجله عليّ ديناً، هذا شيء ما كلف به الإنسان أبداً، لا تملك شيئاً واحداً سألك تتدين وتعطيه.
 قال: فإذا جاءني شيء قضيته، فقال عمر: يا رسول الله ما كلفك الله ما لا تقدر عليه، فكره النبي صلى الله عليه وسلم قول عمر.
 هذا شيء يتكرر، أي أقرب الناس إليك يقول لك: الله لم يكلفك فوق طاقتك، تحمل نفسك فوق طاقتك، صح ولكن ما هي مرتبة السابقين؟ مرتبة المتفوقين؟ أي يتقطع ليصل الناس، يتعب ليريحهم، يشقى ليسعدهم، قال تعالى:

﴿ طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى﴾

[سورة طه :1-2]

 شقي لإسعادهم.
 فقال الرجل: يا رسول الله أنفق ولا تخش من ذي العرش إقلالا، فتبسم عليه الصلاة والسلام وعرف البشر في وجهه لقول الأنصاري هذا، ثم قال: بهذا أمرت، بهذا أمرت.
 أحياناً ترى شخصاً راكضاً من باب الشفقة، أو من باب أنت لست مثله، تنصحه لا تحتاج إلى هذا ارتاح؟ هذا الإنسان راحته بالعمل، وراحته بالعطاء، راحته بالإسراع إلى الله عز وجل، فكل إنسان له مع الله موقف، فالسابقون موقفهم العطاء، أحياناً كلمة تستخدم دائماً تسمى الاستراتيجية، المؤمن مركبة حياته على العطاء، يسعده العطاء، وهناك إنسان أساس حياته الأخذ، شخص قدم كتاباً عن أخلاق النبي قال له: " يا من جئت الحياة فأعطيت ولم تأخذ " ويوجد أقوياء أخذوا كل شيء ولم يعطوا شيئاً، هناك إنسان يأخذ كل شيء ليستمتع به، ويوجد إنسان يعطي كل شيء ليسعد من حوله، هذا كهذا؟ قال تعالى:

﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ ﴾

[سورة السجدة : 18]

 يوجد إنسان يعطي ولا يأخذ، وإنسان يأخذ ولا يعطي، والأكثرية تأخذ و تعطي، المؤمن يأخذ ويعطي، أما الأنبياء فما أخذوا شيئاً، حياتهم متقشفة، حياتهم خشنة، إن أراد أن يصلي قيام الليل غرفته لا تتسع لصلاته ونوم زوجته لا بد من أن تنزاح جانباً، بيته صغير، بيت لبن، متواضع صغير.
 ما ذاق من متع الحياة التي يذوقها الأغنياء، لا يوجد بيوت واسعة، ولا مركبة واطئة، ولا بساتين غنّاء، ولا أموال بين يديه، لا شيء، حياته كانت أخشن حياة، فلذلك التفوق يحتاج إلى بذل.

 

قبول النبي الكريم الهدية :

 كان عليه الصلاة والسلام يقبل الهدية، ولكن يثيب عليها، أي يراها ديناً عليه، هذا شيء من عظمته صلى الله عليه وسلم، خدمه سيدنا ربيعة وبعد سبعة أيام قال: يا ربيعة سلني حاجتك؟ أي إذا كان هناك إنسان في الأرض يجب أن تخدمه لفضله على الخلق فهو رسول الله، ومع ذلك رأى خدمته ديناً عليه، وقال له: سلني حاجتك؟

الإنفاق السريع من سياسته صلى الله عليه وسلم :

 و:

((عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ بْنَ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ حَدَّثَهُ قَالَ: اجْتَمَعَ رَبِيعَةُ بْنُ الْحَارِثِ وَالْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَا: وَاللَّهِ لَوْ بَعَثْنَا هَذَيْنِ الْغُلَامَيْنِ قَالَا لِي وَلِلْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَاهُ فَأَمَّرَهُمَا عَلَى هَذِهِ الصَّدَقَاتِ فَأَدَّيَا مَا يُؤَدِّي النَّاسُ وَأَصَابَا مِمَّا يُصِيبُ النَّاسُ قَالَ فَبَيْنَمَا هُمَا فِي ذَلِكَ جَاءَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَوَقَفَ عَلَيْهِمَا فَذَكَرَا لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: لَا تَفْعَلَا فَوَاللَّهِ مَا هُوَ بِفَاعِلٍ فَانْتَحَاهُ رَبِيعَةُ بْنُ الْحَارِثِ فَقَالَ وَاللَّهِ مَا تَصْنَعُ هَذَا إِلَّا نَفَاسَةً مِنْكَ عَلَيْنَا فَوَاللَّهِ لَقَدْ نِلْتَ صِهْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا نَفِسْنَاهُ عَلَيْكَ قَالَ عَلِيٌّ أَرْسِلُوهُمَا فَانْطَلَقَا وَاضْطَجَعَ عَلِيٌّ قَالَ: فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ سَبَقْنَاهُ إِلَى الْحُجْرَةِ فَقُمْنَا عِنْدَهَا حَتَّى جَاءَ فَأَخَذَ بِآذَانِنَا ثُمَّ قَالَ أَخْرِجَا مَا تُصَرِّرَانِ ثُمَّ دَخَلَ وَدَخَلْنَا عَلَيْهِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ قَالَ فَتَوَاكَلْنَا الْكَلَامَ ثُمَّ تَكَلَّمَ أَحَدُنَا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْتَ أَبَرُّ النَّاسِ وَأَوْصَلُ النَّاسِ وَقَدْ بَلَغْنَا النِّكَاحَ فَجِئْنَا لِتُؤَمِّرَنَا عَلَى بَعْضِ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ فَنُؤَدِّيَ إِلَيْكَ كَمَا يُؤَدِّي النَّاسُ وَنُصِيبَ كَمَا يُصِيبُونَ قَالَ: فَسَكَتَ طَوِيلًا حَتَّى أَرَدْنَا أَنْ نُكَلِّمَهُ قَالَ وَجَعَلَتْ زَيْنَبُ تُلْمِعُ عَلَيْنَا مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ أَنْ لَا تُكَلِّمَاهُ قَالَ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَنْبَغِي لِآلِ مُحَمَّدٍ إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ ادْعُوَا لِي مَحْمِيَةَ وَكَانَ عَلَى الْخُمُسِ وَنَوْفَلَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ فَجَاءَاهُ فَقَالَ لِمَحْمِيَةَ أَنْكِحْ هَذَا الْغُلَامَ ابْنَتَكَ لِلْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ فَأَنْكَحَهُ وَقَالَ لِنَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ أَنْكِحْ هَذَا الْغُلَامَ ابْنَتَكَ لِي فَأَنْكَحَنِي وَقَالَ لِمَحْمِيَةَ أَصْدِقْ عَنْهُمَا مِنَ الْخُمُسِ كَذَا وَكَذَا))

[ مسلم عَنِ الزُّهْرِيِّ]

 اقترحوا أن يذهب إلى النبي شخصان يسألانه أن يكل إليهما جمع الصدقات، ويؤديان إلى النبي هذه الصدقات، ويأخذان أجرهما، شابان أتوا يطلبان وظيفة حتى يتزوجا من دخلها، هذان الشابان من آل هاشم لا تجوز لهم الصدقة، فالنبي عليه الصلاة والسلام أعطاهم من الخمس وأنكحهما وجبر خاطرهما.
 وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أُحُدًا عِنْدِي ذَهَبًا لَأَحْبَبْتُ أَنْ لَا يَأْتِيَ عَلَيَّ ثَلَاثُ لَيَالٍ وَعِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ أَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنِّي لَيْسَ شَيْئًا أَرْصُدُهُ فِي دَيْنٍ عَلَيَّ))

 أي سياسته عليه الصلاة والسلام الإنفاق السريع.

(( عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ جَاءَتِ امْرَأَةٌ بِبُرْدَةٍ قَالَ أَتَدْرُونَ مَا الْبُرْدَةُ؟ فَقِيلَ لَهُ: نَعَمْ، هِيَ الشَّمْلَةُ مَنْسُوجٌ فِي حَاشِيَتِهَا، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي نَسَجْتُ هَذِهِ بِيَدِي أَكْسُوكَهَا فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْتَاجًا إِلَيْهَا فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَإِنَّهَا إِزَارُهُ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اكْسُنِيهَا فَقَالَ نَعَمْ فَجَلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَجْلِسِ ثُمَّ رَجَعَ فَطَوَاهَا ثُمَّ أَرْسَلَ بِهَا إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ الْقَوْمُ مَا أَحْسَنْتَ سَأَلْتَهَا إِيَّاهُ لَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ سَائِلًا فَقَالَ الرَّجُلُ وَاللَّهِ مَا سَأَلْتُهُ إِلَّا لِتَكُونَ كَفَنِي يَوْمَ أَمُوتُ قَالَ سَهْلٌ فَكَانَتْ كَفَنَهُ ))

[ البخاري عَنْ أَبِي حَازِمٍ]

 أي هي صنعتها وقدمتها للنبي هدية، هل سمعتم من أحد طلب منه ثوبه؟ هذه الجرأة سببها الرحمة. وإذا سأله الملكان من ربك؟ قال: الله ربي، من نبيك؟ هذا قميصه، أقوى شاهد، والله ما سألتها إلا لتكون كفني يوم أموت.

 

عطاء الصبر أعظم عطاء :

 و:

(( عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ إِنَّ نَاسًا مِنَ الْأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ، حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ فَقَالَ: مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ ))

[ البخاري عَنْ أَبِي سعيد الخدري]

 أعظم عطاء لا تأخذ مئة ألف وتكون صابراً لأن هذا العطاء يعقبه عطاء، عطاء الصبر فيه عفة، وفيه استغناء بالله، وفيه عزة، وعطاء الصبر يعقبه عطاء وعطاء.

 

من ازداد تواضعاً لله زاده الله غنى و إحساناً :

 بالمناسبة الإنسان أحياناً يشتهي الغنى على المؤمن لتواضعه وسخائه، مرة حدثتكم عن قصة أخ من أخواننا يعمل في جمعية خيرية، وكان ضمن مشروعه ينشئ مركز تدريب مهني للفتيات الفقيرات، ليجعلهن عاملات منتجات دافعات للزكاة، هذا المركز يحتاج إلى بيت، يوجد رجل محسن قدم بيتاً جيداً ثمنه تسعة ملايين، وأقيم له حفل تكريم، فكل الذين ألقوا كلمات أثنوا على هذا الرجل المحسن، أحد أخواننا ألقى كلمة نادرة قال للأخ المحسن: كان من الممكن أن تكون أحد المنتفعين من جمعيتنا، وأن تقف في طابور طويل لنأخذ الهوية، ونعطيك ثلاثمئة ليرة وتبصم ممكن، ولكن الله سبحانه وتعالى منّ عليك فجعلك تعطي، وكان من الممكن أن تأخذ.
 كل إنسان يعطي ممكن أن يأخذ، زارني شخص وقال لي: أنا عندي حوالي مئتي دونم في منطقة مغتصبة في الجولان، وأنا كل يوم أذبح خروفاً و مضافتي عامرة، وصف وصفاً طويلاً عن حالته المادية، وعن غناه، وعن مكانته ووجاهته، ثم سألني: هل من الممكن أن أعمل ناطور بناء بحوالي ألفين أو ثلاثة لأني الآن لا أملك ثمن طعام؟ الله عز وجل يمكن أن يجعل الإنسان يأخذ، الذين ينقبون في الحاويات بشر أليس كذلك؟ من شدة الجوع يبحث في الحاوية ليأكل فتات الناس، فالذي يعطي يجب أن يذوب لله شكراً، وكان من الممكن أن يأخذ.
 والفقير يكون ذكياً أحياناً، وليس كل ذكي يصبح غنياً، يوجد أذكياء جداً وفقراء، يوجد شخص يلعب الناس ولا يملك أن يأكل، هذا الكلام لفت نظر للذين يعطون ويقدمون ويبذلون، وأنت تعطي اشكر الله عز وجل أنه مكنك أن تعطي، وكان من الممكن أن تأخذ، يوجد أشخاص أذكياء وأقوياء الرزق تقدير من الله عز وجل وهذا شيء ملاحظ، شخص عنده حركة واسعة جداً، وذكاء بارع، لا يملك شيئاً، وشخص ببساطة معه أموال طائلة، فالذي يعطي يجب أن يرى فضل الله عز وجل عليه، لأنه يعطي لا أن يرى أنه يعطي، الله عز وجل مكنه أن يعطي، إذا أراد ربك إظهار فضله عليك خلق الفضل ونسبه إليك.
 بالمناسبة كلما ازددت تواضعاً لله عز وجل زادك الله غنىً، وزادك الله إحساناً، تقول السيدة عائشة تتحدث عن عبد الرحمن بن عوف تقول:" أخاف أن يدخل الجنة حبواً - لأنه غني - فقال سيدنا عبد الرحمن: والله لأدخلنها خبباً وما عليّ إن كنت أنفق مئة في الصباح فيؤتيني الله ألفاً في المساء؟ ".
الغني الشاكر ليس أقل من الفقير الصابر، بالعكس الغني الشاكر أعماله كبيرة، وقدرته على العمل الصالح كبيرة جداً، بحسب حجمه المالي، والمال نعمة من نعم الله عز وجل، والله سماه بالقرآن نعمة، والذي آتاه الله مالاً وينفق منه هذا لله عليه فضل كبير، والصابر له عند الله مكانة، أما الغنى مع التقوى فشيء جميل جداً.

ما أجمل الدين والدنيا إذا اجتمعا  وأقبح الكفر والإفلاس بالرجل
***

تحميل النص

إخفاء الصور