وضع داكن
25-04-2024
Logo
الشمائل المحمدية - الدرس : 3 - الرفق.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

رفق النبي عليه الصلاة و السلام :

 أيها الأخوة الكرام؛ مع بداية الدرس الثالث من دروس السيرة، ومع شمائل النبي صلى الله عليه وسلم، ومع رفقه في الأمور كلها، وكرمه، واعتذاره؛ الاعتذار خلق كان عليه الصلاة والسلام يبين ويوضح ويعتذر.
 كان عليه الصلاة والسلام قاعداً في المسجد ومعه أصحابه، هو سيد الخلق علماً وأدباً وخلقاً ورحمةً وفهماً و فطانةً، إذ جاء أعرابي فبال في المسجد، تصوروا ونحن جالسون يقوم واحد ويبول في المسجد، في الحرم فوق السجاد، إلى من بعث؟ ومع من تعامل وهو سيد الخلق؟ وكلما ابتعد المستوى بين المتكلم وبين المستمع صار هناك صعوبة كبيرة جداً.
 أحياناً إنسان مثقف ثقافة عالية أو أخلاقي يجلس مع مثيل له؛ الوقت لا يشعر به إطلاقاً، يمضي ساعات طويلة، أما عندما لا تجد بينك وبين الطرف الآخر أي قاسم مشترك فتحس أن الدقيقة سنة؛ كيف تحدثه؟ تروى قصة رمزية لعلها صحيحة أن أبا حنيفة النعمان رضي الله عنه كان بين إخوانه يجلس، ويدرس درس فقه، ويبدو أنه يوجد آلام في رجله، فمدّ رجله استحياءً وكأنه اعتذر لإخوانه؛ مع أن النبي صلى الله عليه وسلم ما رئي ماداً رجليه قط، المعذور وضع آخر، فدخل شخص طويل القامة، عريض المنكبين، عليه هيئة علم فاستحيا منه، ورفع رجله، وجلس هذا في مجلسه، والموضوع عن صلاة الفجر، حدثهم عن صلاة الفجر؛ والفجر الصادق والكاذب، وركعتي الفجر، وفضل ركعتي الفجر، فلما انتهى من الدرس رفع هذا الضيف يده مستأذناً بالكلام وقال له: كيف نصلي الصبح إذا طلعت الشمس قبل الفجر؟ فقال له: عندئذ يمد أبو حنيفة رجله، أنت يقظ وفطن تعيش مع إنسان كتلة غباء؛ كتلة فظاظة، هذا شيء لا يحتمل، لذلك أعظم تكريم لك أن يكون الذي حولك قريبين منك تقريباً.
 سمعت عن رجل عنده مكتبة ثمينة جداً، وهو حريص عليها حرصاً لا حدود له، وله صديق حميم رجاه رجاءً حاراً أن يعيره كتاب؛ اعتذر وقال له: الكتاب لا يعار؛ هذا الشخص صاحب المكتبة قبل أن يموت جمع أولاده وقال لهم: إياكم أن تعيروا أي كتاب من هذه المكتبة لأنها كلها كتب مستعارة، بعد أيام توفي هذا الشخص، هذا الصديق الذي أراد أن يستعير كتاباً أقسم بالله أنه رأى الكتاب في حاوية القمامة؛ فهناك إنسان الكتاب عنده قيّم جداً، والمكتبة ثمينة جداً، بعد أن يموت يوضع في مكان مهمل، أو يلقى في الحاوية؛ أي أعظم تكريم لك أن يكون الذي حولك من مستواك.
 انظر سيد الخلق وحبيب الحق إنسان يدخل في حضرته ويبول في المسجد.

((بَيْنَمَا نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَامَ يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَهْ مَهْ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تُزْرِمُوهُ دَعُوهُ، فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَالَ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلَا الْقَذَرِ إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالصَّلَاةِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَأَمَرَ رَجُلًا مِنَ الْقَوْمِ فَجَاءَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَشَنَّهُ عَلَيْهِ))

[ مسلم عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ]

 أخواننا الأطباء- أطباء الكليتين - يقولون: إذا الإنسان شرع في البول ثم أوقف البول يتضرر تضرراً بالغاً وكأنما النبي طبيب: "لا تزرموا عليه بوله".
 أرأيتم إلى هذا الرفق، وهذا الحلم في حضرته، ومع أصحابه إنسان يبول في المسجد؛ ثم أرأيتم إلى هذا المستوى الذي كان فيه العرب في الجاهلية.

((عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمِّيَاهُ مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ يُصَمِّتُونِي، فَقَالَ عُثْمَانُ: فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُسَكِّتُونِي لَكِنِّي سَكَتُّ قَالَ: فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِي وَأُمِّي مَا ضَرَبَنِي وَلَا كَهَرَنِي وَلَا سَبَّنِي ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَحِلُّ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ هَذَا إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا قَوْمٌ حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ، وَقَدْ جَاءَنَا اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ، وَمِنَّا رِجَالٌ يَأْتُونَ الْكُهَّانَ؟ قَالَ: فَلَا تَأْتِهِمْ، قَالَ: قُلْتُ: وَمِنَّا رِجَالٌ يَتَطَيَّرُونَ؟ قَالَ: ذَاكَ شَيْءٌ يَجِدُونَهُ فِي صُدُورِهِمْ فَلَا يَصُدُّهُمْ، قُلْتُ: وَمِنَّا رِجَالٌ يَخُطُّونَ؟ قَالَ: كَانَ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ يَخُطُّ فَمَنْ وَافَقَ خَطَّهُ فَذَاكَ، قَالَ: قُلْتُ: جَارِيَةٌ لِي كَانَتْ تَرْعَى غُنَيْمَاتٍ قِبَلَ أُحُدٍ وَالْجَوَّانِيَّةِ إِذِ اطَّلَعْتُ عَلَيْهَا اطِّلَاعَةً فَإِذَا الذِّئْبُ قَدْ ذَهَبَ بِشَاةٍ مِنْهَا وَأَنَا مِنْ بَنِي آدَمَ آسَفُ كَمَا يَأْسَفُونَ لَكِنِّي صَكَكْتُهَا صَكَّةً فَعَظُمَ ذَاكَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: أَفَلَا أُعْتِقُهَا؟ قَالَ: ائْتِنِي بِهَا؟ قَالَ: فَجِئْتُهُ بِهَا، فَقَالَ: أَيْنَ اللَّهُ؟ قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ، قَالَ: مَنْ أَنَا؟ قَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ ))

[ أبو داود عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ]

 صككتها أي ضربها ضرباً مبرحاً؛ هذا موقف النبي عليه الصلاة والسلام .

 

سلوك النبي صلى الله عليه وسلم في بيته :

 كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خلا بأهله؟ أي إذا دخل إلى بيته، الإنسان له مكانة، حدثني رجل قال لي: لنا معلم مكانته كبيرة جداً في الوظيفة، وله شخصية قوية جداً، ومئات الناس يهابون النظر إليه، ثم قال لي: مرة سهرنا في البيت عنده، فقالت له زوجته: قم ونم كفاك اليوم، انظر في البيت كيف وضعه الإنسان، قد يكون خارج البيت قوياً ولكن داخل البيت عكس ذلك.
 الآن النبي الكريم كيف كان في بيته؟ قالت: كان أبرّ الناس، وأكرم الناس، ضحاكاً، بساماً صلى الله عليه وسلم.
 هناك الكثير من الأشخاص يكون خارج البيت ذكياً وفطناً ويعتذر والابتسامة على وجهه دائماً وفي البيت يكون وحشاً؛ هذا تناقض مريع، لذلك:

((عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي، وَإِذَا مَاتَ صَاحِبُكُمْ فَدَعُوهُ))

[ ابن حبان عن عائشة]

 فإذا كان الإنسان خارج البيت لطيفاً وناعماً ينبغي أن يكون كذلك في البيت؛ حتى يكون هناك انسجام وإلا يكون هناك تناقض.
 يوجد مثل عامي - في الخارج شحرور وفي الداخل دبور- قالت: كان أبر الناس، وأكرم الناس، ضحّاكاً، وبسّاماً.

 

رفقه صلى الله عليه وسلم بالناس :

 جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم:

((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ، قَالَ: وَمَا أَهْلَكَكَ؟ قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ، قَالَ: هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُعْتِقَ رَقَبَةً؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: اجْلِسْ فَجَلَسَ فَأُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ وَالْعَرَقُ الْمِكْتَلُ الضَّخْمُ قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ، فَقَالَ: مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَحَدٌ أَفْقَرَ مِنَّا، قَالَ: فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، قَالَ: فَخُذْهُ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ، قَالَ: وَفِي الْبَاب عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا مِنْ جِمَاعٍ، وَأَمَّا مَنْ أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا مِنْ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ فَإِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ، وَشَبَّهُوا الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ بِالْجِمَاعِ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَإِسْحَقَ، و قَالَ بَعْضُهُمْ: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا ذُكِرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَفَّارَةُ فِي الْجِمَاعِ وَلَمْ تُذْكَرْ عَنْهُ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَقَالُوا: لَا يُشْبِهُ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ الْجِمَاعَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، و قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلرَّجُلِ الَّذِي أَفْطَرَ فَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ خُذْهُ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ، يَحْتَمِلُ هَذَا مَعَانِيَ، يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْكَفَّارَةُ عَلَى مَنْ قَدَرَ عَلَيْهَا وَهَذَا رَجُلٌ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْكَفَّارَةِ، فَلَمَّا أَعْطَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا وَمَلَكَهُ فَقَالَ الرَّجُلُ: مَا أَحَدٌ أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنَّا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خُذْهُ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ، لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إِنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ الْفَضْلِ عَنْ قُوتِهِ، وَاخْتَارَ الشَّافِعِيُّ لِمَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ هَذَا الْحَالِ أَنْ يَأْكُلَهُ وَتَكُونَ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ دَيْنًا فَمَتَى مَا مَلَكَ يَوْمًا مَا كَفَّرَ ))

[ الترمذي عن أبي هريرة]

 بعرق فيه تمر: العرق المكتل الضخم، كمية التمر الضخمة جداً، مشكلة كبيرة جداً أن تفطر وتأخذ شيئاً تأكله مع عيالك؛ فقال له: هذه لك وحدك انصرف.

((عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاكِعٌ فَرَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الصَّفِّ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ ))

[ أحمد عَنْ أَبِي بَكْرَةَ]

 يوجد صفان في المسجد فرضاً دخل شخص فرآهم راكعين؛ وعندما وقف الإمام اقترب هذا الشخص وصلى وأحدث تشويشاً؛ هناك قاعدة أساسية في القيادة: إذا كان عندك موظفون وارتكب أحدهم خطيئة، لو أنك حاسبته عليها بقسوة لنفر منك، لابد أن تذكر شيئاً من محاسنه، ومن إيجابياته، اذكرها أولاً ثم انتقده عليها؛ قال له: زادك الله حرصاً ولا تعد إليها مرة ثانية هذا من رفقه صلى الله عليه وسلم.

 

الصبر عند الصدمة الأولى :

 و:

((عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ فَقَالَ: اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي، قَالَتْ: إِلَيْكَ عَنِّي فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي وَلَمْ تَعْرِفْهُ، فَقِيلَ لَهَا: إِنَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَتْ بَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ فَقَالَتْ: لَمْ أَعْرِفْكَ، فَقَالَ: إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى ))

[ البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ]

 وهذه قضية مهمة جداً ؛ إذا شخص جاءته مصيبة لا سمح الله بعد حين سوف يصبر مقهوراً هذا الحاضر؛ ولكن البطولة أن تصبر عند الخبر الأول، هنا الإيمان، أحياناً إنسان يتلقى الخبر بضجيج، ويرفع صوته، ويسب، وبعد ذلك يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله.
 سقط في الامتحان؛ إذا الإنسان جاءته مصيبة وبعد حين صبر، هذا الصبر لا قيمة له، إنما الصبر عند الصدمة الأولى؛ إيمانك يظهر هنا مع تلقي الخبر وليس بعد حين.

 

تواضعه صلى الله عليه وسلم :

 و:

((عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ لَهُ فَانْطَلَقْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ وَقَدْ قَضَيْتُهَا فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ فَوَقَعَ فِي قَلْبِي مَا اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَعَلَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ عَلَيَّ أَنِّي أَبْطَأْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ فَوَقَعَ فِي قَلْبِي أَشَدُّ مِنَ الْمَرَّةِ الْأُولَى ثُمَّ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيَّ فَقَالَ: إِنَّمَا مَنَعَنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ أَنِّي كُنْتُ أُصَلِّي وَكَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ مُتَوَجِّهًا إِلَى غَيْرِ الْقِب))

[ البخاري عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا]

 انظر إلى هذا التواضع ؛ بين له، واعتذر له؛ ويوجد قاعدة: البيان يطرد الشيطان؛ بيّن اعتذر وضح؛ إنسان فرضاً طرق بابه طارق، وصار هناك وقت زمني كبير حتى استقبله، لعله في الحمام؛ لعله يصلي، يجب أن تعتذر له، مضى خمس دقائق وهو واقف على الباب، ومن ثم تفضل، قل له: أنا كنت أصلي حتى يقبلها منك، أما من غير مبرر ولأن البيان يطرد الشيطان.

((عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيِّ أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارًا وَحْشِيًّا وَهُوَ بِالْأَبْوَاءِ أَوْ بِوَدَّانَ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ فَلَمَّا رَأَى مَا فِي وَجْهِهِ قَالَ: إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلَّا أَنَّا حُرُمٌ ))

[البخاري عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيِّ]

 وهذا الحمار لا ينبغي أن نذبحه إلا لأننا حرم؛ دائماً يجب أن تبرر، وأن توضح، وأن تبين، وأن تقنع الطرف الآخر، أنه أنت ليس في قلبك شيء؛ أحياناً تنشأ مع الإنسان مشكلات من سكوته فقط، وتتفجر أحياناً من سكوته.

((كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ فَأَرْسَلَتْ أُخْرَى بِقَصْعَةٍ فِيهَا طَعَامٌ فَضَرَبَتْ يَدَ الرَّسُولِ فَسَقَطَتِ الْقَصْعَةُ فَانْكَسَرَتْ، فَأَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكِسْرَتَيْنِ فَضَمَّ إِحْدَاهُمَا إِلَى الْأُخْرَى فَجَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ وَيَقُولُ: غَارَتْ أُمُّكُمْ كُلُوا فَأَكَلُوا فَأَمْسَكَ حَتَّى جَاءَتْ بِقَصْعَتِهَا الَّتِي فِي بَيْتِهَا فَدَفَعَ الْقَصْعَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الرَّسُولِ وَتَرَكَ الْمَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْهَا ))

[النسائي عَنْ أنس]

 وفي رواية غضبت أمكم غضبت أمكم؛ حليم ودقيق؛ هناك شخص سبهللة، وشخص حليم، دفعها الثمن طالما كسرتها، أخذ صفحة جديدة من عندها وترك لها المكسورة.

 

أدبه صلى الله عليه وسلم :

 وعن جرير البجلي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بعض بيوته، فامتلأ البيت، ودخل جرير فقعد خارج البيت، فأبصره النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ ثوبه- اللهم صلِّ عليه - الخارجي فلفه ورمى به إليه، وقال له: اجلس على هذا، فأخذه جرير ووضعه على وجهه، وقبّله، وبكى، وقال: ما كنت لأجلس على ثوبك.
 من شدة أدبه ومن شدة امتنانه؛ دخل إنسان ليس له محل لا أحد ينتبه؛ ووقف و وقف، المؤمن يزيح لأخيه، ومن حق أخيك عليك أن تتزحزح له؛ النبي وجده واقفاً، والمكان ممتلئ، واستحيا بنفسه فخلع ثوبه ولفه ورماه إليه، وقال: اجلس عليه؛ هذا اهتمام؛ فقال: أكرمك الله كما أكرمتني ما كنت لأجلس على ثوبك.
 و:

((عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي لَأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى، قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَمِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ؟ قَالَ: أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً فَإِنَّكِ تَقُولِينَ: لَا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا كُنْتِ غَضْبَى قُلْتِ: لَا وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ، قَالَت:ْ قُلْتُ: أَجَلْ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَهْجُرُ إِلَّا اسْمَكَ))

[مسلم عن عائشة]

 إذا كانت غضبانة: لا ورب إبراهيم؛ راضية: لا ورب محمد.

 

تقليد النبي و اتباع سنته :

 أيها الأخوة؛ هذه بعض المواقف من رفق النبي صلى الله عليه وسلم، وتكريمه لأصحابه، واعتذاره، وبيانه؛ رفقه ورحمته وتقريبه وتكريمه لأصحابه وبيانه واعتذاره هذه بعض صفات النبي، وهذه ليست للإعلام ولكنها للتطبيق؛ ليست للإعلام والإعلام ليس له قيمة، والنبي له مرتبة عند الله ثابتة لا يرفعها عند الله مدحنا، ولا يخفضها ذمنا؛ هو فوق ذلك، هو غني عن مديحنا، ولكننا نحن مفتقرون إلى تقليده، واتباع سنته.
 والنبي قال: إنما الحلم بالتحلم، وإنما الكرم بالتكرم، والإنسان أول الأمر يقلده، ثم تصبح هذه الأخلاق جزءاً من حياته الأصيلة.

تحميل النص

إخفاء الصور