- أحاديث رمضان
- /
- ٠02رمضان 1416 هـ - نظرات في آيات الله
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
توهم أي شيء خاطئ يبعد الإنسان عن العمل الصالح :
أيها الأخوة الكرام؛ كلمة حَسِبَ في اللغة معناها ظن، وبعض الظن خطأ، وكلمة حَسُب افتخر بحسبه، وكلمة حَسَبَ بمعنى عدّ، سأضرب مثلاً تمهيداً لبعض الآيات، لو أن إنساناً حَسِبَ أن تناول الملح كثيراً يخفض ضغطه، هذا وهم، له مضاعفات كثيرة، لأن الملح يرفع الضغط، وإذا ارتفع الضغط هناك أخطاء تنتظر الإنسان، منها خثرة في الدماغ، منها فقد البصر، منها ضعف في القلب، إذا ظنّ أن كثرة شرب الماء ترهق الكليتين، والعكس هو الصح، هذا الظن أو هذا التوهم له مضاعفات خطيرة، إذا ظنّ أن عدم الحركة تريح القلب، بالعكس قلة الحركة تضعف القلب، هناك ظنون كثيرة، إذا ظنّ أنه كلما انخفض الضغط فإذا بلغ الضغط أقل من ست درجات لثلاث ساعات تتعطل الكليتان عن العمل، ويصاب الإنسان بفشل كلوي، على مستوى صحة الإنسان هناك أوهام لو طبقها الإنسان لفقد صحته، ربما فقد حياته، فالطبيب الرحيم إذا استمع من إنسان مثل هذه الأوهام، يقول له: يا أخي لا تحسب أن كثرة الملح تخفض الضغط إنها ترفعه، لا تحسب إن قلة الحركة تريح القلب إنها تضعفه، لا تحسب أن كثرة شرب الماء تعطل الكليتين إنها تصونها، بدأ الطبيب يؤكد مفهومات علمية عكس هذه الأوهام، بكتاب الله عز وجل أكثر من ستين أو سبعين آية كلها توجه الخطاب إلى إنسان توهم شيئاً خطأً عن الله، الله عز وجل يقول:
﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴾
أي جنة الله التي وعد فيها المؤمنين عرضها السموات والأرض إلى أبد الآبدين، هل يعقل أن يكون ثمنها ركيعات جوفاء نركعها؟ ودريهمات قليلة ندفعها وانتهى الأمر؟ قال: لا، إن ظننتم ذلك فأنتم واهنون، وهذا الوهم له مضاعفات خطيرة، هذا الوهم يقعدكم عن العمل الصالح، هذا الوهم يقعدكم عن طلب العلم، يقعدكم عن العمل للآخرة، تخسرون أنفسكم وأهليكم والآخرة:
﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ ﴾
أي عندما يأتي المال وفيراً الإنسان يرتقي في مراتب الحياة سريعاً، حينما يلتف الناس حوله على باطل يشعر بالقوة والمنعة، قال: هذا الإمداد المعنوي والمادي والسلطوي إن صح التعبير:
﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا ﴾
الارتقاء في مراتب الدنيا علامة رضا الله توهم خطير :
إذاً هناك وهم عند بعض الناس أن علامة رضا الله عز وجل كثرة المال والأولاد والقوة وارتقاء مراتب الدنيا، هذا وهم خطير، إذا توهم الإنسان ذلك وهو في أوج نجاحه وقوته يستغني عن ربه فيهلك، ويهلك من حوله:
﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ ﴾
يقول لك خبئ قرشك لا تفرط به سيلزمك، الناس لهم الله، هذا كلام بعض الناس:
﴿ أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾
يقول الله عز وجل:
﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ ﴾
إمساك اليد عين الشر، وعين الهلاك، لولا أن هناك أناساً يحسبون ذلك، ويعتقدون ذلك، ويبنون على اعتقادهم هذا سلوكاً مدمراً لما ذكرهم الله عز وجل، وهم يبنى عليه سلوك خطير:
﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ ﴾
إذا الإنسان وصل إلى ما وصل إليه، وعلى زعمه أنه مستغن عن الله عز وجل، وأن قدرة الله لا تطوله، وأنه فعل ما أراد، وخطط، ونجح، قال: هذا ليس سبقاً، إنه في قبضة الله، وإن الذي فعله في علم الله، وفي مشيئة الله، وخطته تستوعبها خطة الله:
﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ ﴾
لا بد من الامتحان:
﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ﴾
أحياناً يقول لك: أين الله؟ الله موجود، وهؤلاء الذين يفعلون في علم الله، وسوف يحاسبهم حساباً عسيراً:
﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾
يقول أحدهم: متى نصر الله؟ دائماً النصر غير موجود، قال تعالى:
﴿ فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾
الله عز وجل في كتابه الكريم ما نهى عباده أن يحسبوا كذا وكذا إلا لأن هذا الظن وذلك الوهم خطير جداً، إنما أهلكه، شخص معه ارتفاع ضغط يكثر من الملح؟ لا، يرتفع أكثر، وأكبر مصيبة أن يكون الإنسان ضالاً في الحياة وهو يحسب أنه مهتد، وهو يحسب أنه يحسن صنعاً، يعمل مشروعاً مبنياً على المعصية، مبنياً على الفجور، ويعد نفسه نجح والله وفقه؟ مشروع كله أساسه معصية، قال الله عز وجل:
﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ﴾
أحياناً يقول لك شخص: والله شيء يحير لماذا الله خلقني لا أعرف؟ لا أحد مرتاح إطلاقاً كأنه خلقنا ليعذبنا، قال تعالى:
﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾
﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ﴾
الاعتقاد الخاطئ حول العقيدة و الدين يدمر الإنسان :
أيها الأخوة الكرام؛ ممكن تعتقد اعتقاد خطأ ولا يهم، إذاً أنت تظن أن بيننا وبين الشمس مليون كيلو متر، أو مئة مليون كيلو متر، الحقيقة مئة وستة وخمسون كيلو متر، ما صار شيئاً، هذا الخطأ لا يقدم ولا يؤخر، لكن الله عز وجل لا يذكر من أخطاء العقيدة إلا ما كان مهلكاً، تصور الإنسان عن الأرض قد يكون بعيداً جداً، في بعض البلاد يقول لك: الأرض منبسطة، إن قال منبسطة هي كرة، وإن قال كرة هي كرة، لا كلمة كرة جعلتها كرة، ولا كلمة منبسطة جعلتها منبسطة، هناك أشياء كثيرة لو اعتقدتها خطأً لا قيمة لهذا الاعتقاد الخاطئ، ولكن عندما تعتقد في أمور العقيدة والدين في علاقتك بالله اعتقاداً خطاً فهذا الاعتقاد يدمر الإنسان.
﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴾
تتوقع إنساناً يدّعي الإيمان الله لا يمتحنه؟ ولا يحجمه؟ ولا يكشف عن حقيقته للناس؟ مستحيل:
﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴾
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا﴾
له إرادة مستقلة عن الله عز وجل؟ فعل شيئاً ما أراده الله عز وجل وكان حراً فيما يفعل؟ إذا الإنسان ناجى إنساناً سراً فيما لا يرضي الله وهو يتوهم أن الله لا يسمعه:
﴿ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ﴾
أحياناً الإنسان لجهل فيه يظن أن الإنسان حينما يعصي الله في أمور التعاملات المادية يكون في حرز حريز، أي ممكن أن يعصي الله في استثمار المال، يقول لك: هكذا أضمن، الله عز وجل سيدمر من أطاعه ويحفظ من عصاه؟
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا ﴾
خطأ فادح، وهم قاتل أن تظن أن المستقيم على أمر الله الذي يخافه ويرجو رحمته ويستقيم على أمره سيعامل كما يعامل الفاسق، لا:
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا ﴾
﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ﴾
﴿ أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ ﴾
﴿ أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ ﴾
﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ ﴾
﴿ يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ ﴾
﴿ أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ*بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ ﴾
لو أن العظام أصبحت رميماً وفتتها بيديك سوف يحاسب الإنسان على أعماله في الدنيا، والمؤمن أحياناً يتوهم أن الكفار مجتمعون، قال تعالى:
﴿ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ﴾
هناك بغضاء وعداوات بينهم، لا يجمع إلا الإيمان، الكفر لا يجمع، لكن تجمعهم مصلحة طارئة، فإذا انتهت المصلحة تفرقوا:
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ ﴾
في القلب مرض هذا المرض لا بد أن يخرج، يوجد أشياء علمية:
﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴾
إذا كان بالثانية ثلاثون كيلو متراً، كم في الدقيقة؟ ألف وثمانمئة كيلو متر في الدقيقة، بالساعة؟ أي الأرض تدور بالساعة بما يفوق سرعة الصوت، بسرعة خيالية تدور حول الشمس:
﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴾
لولا أن هذه العقائد مدمرة مهلكة لما لفت الله نظرنا إليها.
المؤمن الصادق يستقي عقيدته من كتاب الله وحديث رسوله :
كلما قرأت ولا تحسبن، ولا يحسبن، أحسب الناس، أي حسب ومشتقاتها، لها دور في العقيدة خطير، كلما اعتقدت عقيدة ضالة لا سمح الله، وانطلقت من هذه العقيدة بسلوك مدمر، اقرأ كتاب الله، وصحح عقيدتك، وهذا كلام الله عز وجل لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وكلام الله عز وجل قطعي الدلالة والثبوت كلام الله عز وجل، هو الشفاء، المؤمن الصادق يستقي عقيدته من كتاب الله، لأنه المصدر الأول للدين، ثم من حديث النبي عليه الصلاة والسلام الصحيح، فأي عقيدة زائغة، أي وهم، أي تصور قارنه مع كتاب الله، هناك كلمات العوام تتناقض مع العقيدة، فلذلك الله عز وجل في أكثر من ثمان وستين آية صحح عقيدتنا، وبين لنا الطريق، وما هي الحقيقة.
الاستماع للدرس
تحميل النص
إخفاء الصور
