وضع داكن
29-03-2024
Logo
نظرات في آيات الله - الدرس : 28 - من سورة القصص - مقولة إبليس .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

الله عز وجل بيده الحفظ و النصر :

 أيها الأخوة الكرام؛ آية في سورة القصص هي السابعة والخمسون:

﴿ وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ﴾

[ سورة القصص: 57 ]

 وهذه مقولة إبليس إن أطعت الله تدمر، إن فعلت كذا تخسر مالك، إن عرفوا اتجاهك نحوك عن عملك، هذه مقولة إبليس:

﴿ وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ﴾

[ سورة القصص: 57 ]

 ردّ الله عليهم:

﴿ أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾

[ سورة القصص: 57 ]

 أي حينما كنتم تعبدون الوثن كانت الأرزاق تأتيكم من كل حدب وصوب، والإنسان أحياناً وهو في المعصية الله عز وجل يرزقه ويحفظه، فإذا تاب يدمره الله عز وجل، هذا منطق؟ هذه الآية واحدة لكن يقاس عليها عشرات بل مئات من الحالات، والله لحكمة بالغة أحياناً يبدو لك بادئ ذي بدء أن طاعة الله لها مضاعفات، قد تخسر، قد يوضع على إسمك إشارة، لكن العكس هو الصحيح، حينما كنت منحرفاً كان الله يحفظك.

(( عبدي لي عليك فريضة ولك عليَّ رزق، فإذا خالفتني في فريضتي لم أخالفك في رزقك...))

[ورد في الأثر]

 يروى أن سيدنا موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، كان يدعو دعاء الاستسقاء فأوحى الله إليه أن يا موسى فيكم عاص، لن أستجيب لكم، فقال موسى: من كان عاص لله فليغادرنا، وبعد حين الأمطار هطلت، واستجاب الله لهم الدعاء، فناجى سيدنا موسى ربه من العاصي؟ تروي الكتب أن يا موسى عجبت لك أستره وهو عاص وأفضحه وهو تائب؟ أي يحفظك وأنت عاص فإذا تبت يدمرك؟ هذه مقولة معظم الناس، إن لم نتعامل تعاملاً ربوياً نخسر، إن أظهرنا اتجاهنا نخسر، إن كنا صائمين نخسر:

﴿ وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ﴾

[ سورة القصص: 57 ]

 أين الله؟ هذا الذي تعبده ألا يحميك؟ الإله العظيم الذي بيده كل شيء أليس قادراً على أن يحفظك وينصرك؟

﴿ وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ﴾

[ سورة القصص: 57 ]

 ردّ الله عليهم:

﴿ أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾

[ سورة القصص: 57 ]

 لو أنك أعرضت عن الدين حفاظاً على مالك، أو على منصبك، أو على مكانتك، أو على من حولك، لو أنك أعرضت وكسبت الدنيا، ماذا بعد المال؟ ماذا بعد العز والسلطان؟ هل هناك إلا الموت؟ قال تعالى:

﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ ﴾

[ سورة القصص: 58 ]

الموت نهاية كل حيّ :

 الإنسان إذا أعرض عن الدين حفاظاً على الدنيا، أعرض عن رد أمر الله حفاظاً على مصالحه فيما يتوهم، ماذا بعد الغنى؟ الموت، ماذا بعد العلو في الأرض؟ الموت، الموت نهاية كل حي:

﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ ﴾

[ سورة القصص: 58 ]

 الإنسان إذا أعرض عن الدين حفاظاً على الدنيا، أعرض عن رد أمر الله حفاظاً على مصالحه فيما يتوهم، الله عليهم:

﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حََّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا ﴾

[ سورة القصص: 59 ]

 الله عز وجل من سنته في خلقه إنه لا يهلك إلا بعد أن ينذر، ويعذر، ويبين.

 

العاقل هو الذي يختار ما عند الله :

 أيها الأخوة، الدنيا بكل ما فيها من أموال، من نساء، من مراتب اجتماعية، من متع ومباهج، قال تعالى:

﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا ﴾

[ سورة القصص: 60 ]

 المتاع شيء طارئ يأتي ويذهب، تغر وتضر وتمر:

﴿ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾

[ سورة القصص: 60 ]

 العاقل هو الذي يختار ما عند الله، والمجنون هو الذي يختار الدنيا، لذلك النبي صلى الله عليه وسلم رأى مجنوناً فسأل أصحابه سؤال العارف: من هذا؟ قالوا: هذا مجنون، قال: لا، هذا مبتلى، المجنون من عصى الله.
كل إنسان يعصي الله مدموغ بالغباء.

 

كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب :

 ثم يقول الله عز وجل:

﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾

[ سورة القصص: 61 ]

 يوجد موازنة بين إنسان موعود بالجنة إلى الأبد وبين إنسان سيحاسب أشد الحساب.
 أيها الأخوة؛ آية دقيقة، ونحن دائماً نبين أن كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب، نحن حينما تخلفنا عن ديننا، ضغطنا الدين إلى خمس عبادات؛ نصلي ونصوم ونحج ونزكي وانتهى الأمر، مع أن كل أمر في كتاب الله يقتضي الوجوب، أنا أسأل: لماذا تصلي؟ يقال لي: لأن الصلاة فرض، الله فرضها علينا، الصيام فرض، الحج فرض، كيف عرفت أن الصلاة فرض؟ الله عز وجل قال: أقم الصلاة، فعل أمر، الحج فرض؟ نعم:

﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ﴾

[ سورة آل عمران: 97]

 ولله على الناس حج البيت، الصيام:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾

[ سورة البقرة : 183]

 الزكاة:

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾

[ سورة التوبة: 103 ]

 الله عز وجل قال:

﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ﴾

[ سورة القصص: 77 ]

 ابتغ فعل أمر، إذا استنبطت أن الصلاة فرض لأن الله قال:

﴿ وَأَقِمْ الصَّلَاةَ ﴾

[ سورة هود: 114]

 ابتغ فعل أمر، إذا استنبطت أن الصلاة فرض لأن الله عز وجل قال: أقم الصلاة، يجب أن تستنبط أيضاً أن هذا أمر يقتضي الوجوب، هل هناك شخص من الحاضرين ليس له اختصاص لغة؟ هندسة؟ تدريس؟ حرفة؟ لا يوجد إنسان بلا حرفة، الله عز وجل يأمرك أن تبتغي باختصاصك الدار الآخرة.

 

على الإنسان أن يوظف حظه من الدنيا بابتغاء الدار الآخرة :

 هل هناك إنسان ليس له حظ من الدنيا؟ هذا حظه القوة، هذا المال، هذا العلاقات الاجتماعية، هذا قوة الإقناع، أنت مأمور بنص القرآن الكريم أن توظف حظك من الدنيا بابتغاء الدار الآخرة:

﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ﴾

[ سورة القصص: 77 ]

 ممكن أن تقلب حرفتك إلى عمل صالح، ممكن أن تقلب بيتك إلى عبادة، تربية أولادك قربة إلى الله عز وجل، أنا ذكرت من يتصور الجنة؟ الجنة صعب وصفها، أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، هذه الجنة، الإنسان إذا دخل إلى فندق خمس نجوم، الليلة بعشرة آلاف، النفقات فوق طاقة الإنسان، إذا مطعم درجة أولى العشاء بثلاثين ألفاً، أنت مدعو إلى جنة، المتع إلى أبد الآبدين، هذه الجنة مفتاحها بيديك، أحد مفاتيحها قد لا تصدقون:" من جاءه بنت واحدة، وأحسن تربيتها، فأنا كفيله في الجنة" كل واحد عنده بنت أو اثنتان أو ثلاث، اعتنى، ربّى، علّم، أمر بالصلاة، حجّب، فقّه، حصنها عن كل منكر، إلى أن وفقه الله بتزويجها من شاب مؤمن، هذا العمل يكفي لدخول الجنة، هل هناك بيت لا يوجد فيه أب أو أم؟ بر الوالدين أحد القربات العظيمة الذي تؤهل دخول الجنة، تربية الأولاد، إتقان حرفتك ونصح المسلمين بها باب إلى الجنة، عملك، لا تكذب، اصدق، انصح المسلمين، وارحمهم، عملك صار عبادة، أبواب الجنة مفتحة على مصارعها، الله عز وجل قال:

﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾

[ سورة المائدة: 2 ]

 حدثني أخ من طلاب العلم الأفارقة، ذهب إلى بيروت حتى يتابع دراسته في الماجستير، يجب أن يلتقي مع أستاذه، سائق تكسي لما علم أنه طالب علم جاء من بلد بعيد ليطلب العلم أكرمه أشدّ الإكرام، أطعمه في شتورا، وأخذه إلى الجامعة، وانتظره أربع ساعات وأرجعه، وأخذ له هدايا، وأخذه إلى البيت، وما رضي أن يأخذ منه قرشاً واحداً، عنده هذه السيارة ولا يستطيع أن يقنعه بشيء، ولكن خدمه وانتظره، أبواب الجنة مفتحة، ممكن أن تخدم طالب علم، ممكن أن تعاونه، ممكن أن تطعمه طعاماً، ممكن أن تقدم له كساء، ممكن أن تعينه على أمره، ممكن أن تقرضه، بيتك فيه أعمال صالحة، في عملك يوجد أعمال صالحة، في الطريق تغض بصرك، إذا تكلمت تذكر الله عز وجل، إذا سكت تسبح الله عز وجل:

﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا ﴾

[ سورة القصص: 60 ]

شهادة الله لعباده أن القرآن الكريم كلامه :

 هناك شيء ثان أحب أن أقف عليه قليلاً، آخر آية إذا شخص طلب شاهداً وله قضية في المحكمة، وطالبه القاضي بشاهد، فجاء بشاهد، القاضي يقول له: احلف على المصحف ألا تقول إلا الحق، القاضي سيسمع شهادته، نعم شاهدته يفعل كذا وكذا، ولكن بربكم إذا قال الله عز وجل:

﴿ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا ﴾

[ سورة العنكبوت: 52]

 الله كيف يشهد ممكن تسمع الله عز وجل؟ مستحيل، لأن الله عز وجل يقول:

﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ﴾

[ سورة الأنعام: 103 ]

 كيف تسمع شهادة الله عز وجل؟ الشيء الدقيق أن الله إذا شهد شهادته خطيرة جداً، إذا قال الله عز وجل:

﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ﴾

[ سورة البقرة: 276 ]

 كيف يشهد لك أن هذا الكلام كلامه؟ عندما يمحق مال المرابي، محق مال المرابي شهادة أن هذا الكلام كلامه، أحياناً بشكل إيجابي حياة طيبة يحياها الشاب المؤمن، الحياة الطيبة شهادة الله لهذا الشاب أن هذه الآية كلامه، المعيشة الضنك التي يحياها المعرض، المعيشة الضنك شهادة الله لهذا الشاب المعرض أن هذا القرآن كلامه، معنى ذلك يوجد طريقان إلى أن يشهد الله لك، إذا شهد الله لك ولم تكن على منهج الله شهادته تعني وقوع وعيده، البطولة أن تؤمن بالقرآن من خلال إعجازه لا من خلال شهادة الله لك، الله عز وجل حينما يشهد يعاقب، يجب أن تؤمن بالكتاب من خلال إعجازه، لو آمنت من خلال إعجازه ثم اتبعت منهجه عندئذ تأتي الثمرات المؤيدة لما في الكتاب.
 أيها الأخوة، الآيات التي تليت كل آية تحتاج إلى لقاء، وإلى درس، لكن أحياناً سماع القرآن الكريم وحده يدخلك في عالم روحاني، القرآن الكريم وحده سمي: روح الروح، لأن جسمك يحتاج إلى طعام وشراب، وجسمك ما غذاؤه؟ القرآن الكريم شفاء له وروح له.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور