وضع داكن
19-04-2024
Logo
قراءات قرآنية - الدرس : 08 - من سورة النساء - الهجرة .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .

من آثر دنياه على آخرته خسرهما معاً :

 أيها الأخوة الكرام ؛

﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً﴾

[سورة النساء :97]

 معنى هذه الآية : إنسان توفاه الله وهو ظالم لنفسه ، ارتكب الكثير من المعاصي، إذا سأله الله : لماذا ؟ يقول له : البيئة يا ربي ! والله كانت صعبة جداً ؛ فيها ضغط ، وإكراه على المعصية ، أي الجو كله موبوء ، لا أستطيع أن أفعل غير هذا . الله عز وجل يقول له :

﴿أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾

[ سورة النساء : 97]

 معنى هذا أيهما أغلى ؛ مكان إقامتك ، ومصالحك ، ومعملك ، وبيتك ، وسيارتك ، ومتجرك ، وأهلك ، أم دينك ؟ بالآية دينك ، ليس لك عذر عند الله عز وجل :

﴿أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾

[ سورة النساء : 97]

 أي إذا رجحت مصالحك المادية ، وبيئتك ، وعملك ، وتجارتك ، وأهلك ، رجحت هذه المصالح المادية على دينك ، المصير:

﴿ فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾

[ سورة النساء : 97]

 لكن إذا رجحت دينك ، وفررت به ، فاسمع الجواب :

﴿وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً﴾

[سورة النساء:100]

 وعد من الله ، لا يوجد إنسان يهاجر من أجل دينه إلا و سيجد سعة في الأرض .

 

أنواع الهجرة :

 يقولون : أعلى هجرة أولاً : الهجرة في طلب العلم . أرقى هجرة إنسان ترك بلده ، ترك وطنه ، ترك أهله ، ترك عمله ، ترك مكان استقراره ، وانتقل لبلد آخر.
 أرقى أنواع الهجرة هي الهجرة في طلب العلم ، ثم الهجرة فراراً بالدين ، أي هناك ظروف صعبة ، أخواننا الذين جاؤوا من الدول الإسلامية ، من القوقاز ، قديماً قبل مئة سنة تقريباً ، هؤلاء فروا بدينهم ، فروا بدينهم خوفاً على دينهم .
 ثم الهجرة في طلب الرزق ، إذا انعدم الرزق في بلدك ، عندك هجرة في طلب العلم، وهجرة فراراً بالدين ، وهجرة في طلب الرزق .
 و هناك هجرة معكوسة من أجل الشيطان ، يكون مستقراً في بلد ، تقام فيه شعائر الله ؛ فيه مساجد ، فيه مجالس علم ، فيه روحانيات ، أموره مضبوطة ، فيه بقية حياء ، بقية خجل ، بقية أدب ، بقية علاقات أسرية مضبوطة ، ينتقل من هذا البلد الذي تقام فيه شعائر الله عز وجل ، إلى بلد ترتكب فيه الفحشاء على قارعة الطريق .

أندم إنسان من حصّل مالاً كثيراً وضيّع شيئاً ثميناً :

 الله عز وجل ما قبل عذر إنسان ، استجاب لنداء البيئة ، وتحمل ضغط البيئة ، وتحمل قهر البيئة ، من أجل أن يبقى في بلده ، الله ما قبل هذا العذر ، وقال لك :

﴿وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً﴾

[سورة النساء:100]

 وكل إنسان ترك بلداً مسلماً ، مؤمناً ؛ فيه مساجد ، فيه دروس علم ، ومن أجل الدرهم والدينار ، أو من أجل الدولار رحل إلى بلد ، فضيع دينه ، وضيع أهله ، وضيع أولاده ، تأتيه متاعب ، وتأتيه آلام ، ويأتيه شعور بالندم ، حينما يرى ابنته تقترن بيهودي ، مثلاً : حينما يرى ابنته لها رفيق ، حينما يرى أسرته قد انحلت ، حصّل مالاً كثيراً ، وضيّع شيئاً ثميناً . قال :

﴿وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً﴾

[سورة النساء:100]

 والله التقيت من سنتين أو ثلاث إمام مسجد ، هو أساسه من تركيا ، قال لي : جئت مشياً على القدمين فراراً بديني ، من باب الموعظة قال لي : عندي خمسة وثلاثون بيتاً بالشام ، خمسة وثلاثون بيتاً ، الله رزقه ؛ أراض ، وبيوت ، قال لي : جئت إلى دمشق مشياً على قدمي، ما معي قرش واحد ، هذه تطبيق الآية :

﴿وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً﴾

[سورة النساء:100]

 أي كل العقبات تذلل له :

﴿ مُرَاغَماً ﴾

[سورة النساء:100]

 كل العقبات أمام الإنسان الغريب تذلل مكافأة له على الهجرة .

 

مراعاة كل إنسان الأولويات في حياته :

 إذاً أول آية : آية صلاة الجماعة في الحرب ، إذا كان الله عز وجل شرع صلاة الجماعة في الحرب ، وفي أثناء القتال ، وفي خط المواجهة الأول ، فهل لنا من عذر إذا تركنا الجماعة ، ونحن في السلم ؟
 أي هذا الذي ينزوي ، يعتزل الناس ، هذا يخالف نصوصاً قرآنية ثابتة .
 والشيء الثاني : الله ما قبل عذر الإنسان ، لأن بيئته سيئة ، ضغوط اجتماعية ، صعب على الإنسان أن يستقيم ، الجو العام فاسد ، ما قبل هذا العذر ، قال :

﴿أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ﴾

[سورة النساء:121]

 عندك أولويات ، الدين رقم واحد ، فإذا نجوت بالدين فهذا شي عظيم ، لهذا سيدنا عمر كان إذا أصابته مصيبة ، قال : الحمد لله ثلاثاً ؛ الحمد لله إذ لم تكن في ديني ، والحمد لله إذ لم تكن أكبر منها ، والحمد لله إذ ألهمت الصبر عليها " .

المبادئ فوق المكاسب :

 هناك نقطة ثالثة في الدرس :

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِناً﴾

[سورة النساء:94]

 أي في أثناء القتال ، إنسان قال لك : أنا أسلمت ، أشهد أن لا إله إلا الله ، لما أسلم ، صار أخوك ، لم تعد تستطع أن تأخذ أمواله - كانت أمواله غنائم لك - لكن إذا أسلم ، وأعلن الشهادة ، انتهى الأمر ، هناك نفوس مريضة ، لا يعد هذا إسلاماً ، من أجل أن يأخذ الغنائم لا يقبل إسلامه . قال :

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾

[سورة النساء:94]

 نعم :

﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا ﴾

[سورة النساء:94]

 يقول أحد الأمراء المؤمنين - أظنه عمر بن عبد العزيز- ، لما قال له أحد الولاة : إن هؤلاء الناس النصارى دخلوا في دين الله أفواجاً ، لذلك الواردات ضعفت ، كان عندنا جدية ، فلما أسلموا لم يعد هناك واردات ، قال له : أتمنى أن أكون وإياك راعيي غنم ، وأن يسلم الناس .
 هذا كلام سيدنا عمر ، ما قيمة هذا المال ؟ أتمنى أن أكون وإياك راعيي غنم ، وأن يسلم الناس جميعاً .
 فالمبادئ فوق المكاسب ، المسلم مبادئه فوق المكاسب ، وهناك إنسان آخر المكاسب عنده فوق المبادئ .
 أرجو الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لمتابعة هذه الصلوات ، وسماع كتاب الله يتلى في الصلاة .
 مرة ثانية أقول لكم : في كتاب الإحياء للإمام الغزالي ، في باب تلاوة القرآن ، الإمام الغزالي مع غيره من العلماء يؤكد أن أعلى درجة في قراءة القرآن أن تقرأه في صلاة واقفاً في مسجد .
 أرجو الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بهذا القرآن الكريم .

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور