- أحاديث رمضان
- /
- ٠01رمضان 1415 هـ - قراءات قرآنية
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
سنن الله عز وجل في معاملة عباده :
أيها الأخوة ؛ من قوله تعالى :
﴿إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ﴾
يتضح أن من سنن الله عز وجل في معاملة عباده أنه إذا ساق لهم الشدة ، يرفعها عنهم قليلاً ، وهذا الرفع مؤقت ، فإن لم يرجعوا عادت الشدة القاصمة :
﴿إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ﴾
كقصة نموذجية لهذه الآية : رجل راكب سيارته ، هو مغتصب مالاً حراماً ، أصابته أزمة قلبية ، وهو يقود السيارة ، أُخذ إلى المستشفى للعناية المشددة ، لما أدرك الخطر طلب كاسيت مسجلة ، واعترف أن هذا المحل الفلاني لفلان ، وهذا المحل لأخوته ، خاف ، بعد يومين شعر أن هذه الأزمة قد ولت ، فطلب الكاسيت وكسره ، وعاد إلى ما كان عليه ، بعد ثمانية أشهر جاءت الأزمة القاصمة وانتهى ، هذه من سنن الله عز وجل ، تجد شدة ترتفع ، أي يعطى فرصة للتوبة .
أحياناً الإنسان أثناء الضغط ، لا يوجد عنده قدرة ليستوعب ، فربنا عز وجل يرفع الضغط عنه حتى يفكر تفكيراً سليماً ، ويعمل معادلات جديدة ، فإذا أصرّ :
﴿يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ﴾
فالملاحظ أن الشدة الشديدة ترتفع ، والشدة رفع ، الشدة إعطاء فرصة للإصلاح ، فإذا الإنسان لم يستفد منها ، تأتي الضربة القاصمة ، وهذا من سنن الله في عباده .
ضرورة معرفة الحقيقة في الوقت المناسب لتجنب الندم :
النقطة الثانية :
﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ﴾
الله عز وجل حينما يصف الكفار وصفاً جامعاً مانعاً :
﴿وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً﴾
كل الأساليب التي يستخدمونها أساليب ملتوية ، أساليب غير صحيحة ، وهمهم الوحيد الصد عن سبيل الله ، ذلك وصف جامع مانع ، هذا وصف ثان :
﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ﴾
أما كلمة لعب ، فمن خصائص اللعب أنه ليس له آثار مستقبلية ، إنسان لعب بالطاولة للساعة الواحدة ، وانتهت العملية ، يا ترى اللعب له أثر ؟ شاهد مباراة ، بعد أن شاهدها، فلان انتصر ، أنت ماذا جاءك ؟ لاحظ أن كل أنواع اللعب أولاً : ليس لها أثر لاحق إطلاقاً ، تنتهي مع انتهائه ، وهناك شيء آخر باللعب : حينما تنتقل منه تراه حقيراً وصغيراً ، وأكبر دليل عندما كان الطفل يُمسك علبة كبريت ، و يجعلها سيارة ، وكل ذهنه أن هذه سيارة ، ويعطيها أصواتاً معينة ، فإذا رآه والده فلا يتكلم شيئاً لأنه يعلم أن ابنه صغيراً ، أما حينما يكبر، ويرى كيف كان يمضي الأوقات في هذه اللعبة ، يحتقر نفسه أيضاً ، للعب ميزتان ، ليس له أثر مستقبلي أبداً .
الآن : الإنسان إن قرأ كتاباً صحياً ، هذا الكتاب خلّف قناعات عنده ، جعله يتحرك حركة صحيحة في طعامه وشرابه ، هذه القراءة لها أثر مستقبلي نافع ، فكل شيء ينتهي مع انتهائه ، لاحظ كل شيء ينتهي مع انتهائه ، ليس له أثر مستقبلي ، هذا لعب ، وكل شيء إذا خرجت منه ورأيته صغيراً ، أيضاً لعب . الله قال :
﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ﴾
أحياناً الإنسان ينتهي بالدنيا بأشياء ، هي عند الناس ذات قيمة ، لكن حينما يأتيه ملك الموت ، يراها محتقرة خفيفة .
فبقيت النقطة أن الإنسان بين أن يعرف الحقيقة بالوقت المناسب كي لا يندم ، وبين أن يعرفها بالوقت غير المناسب ، القضية قضية وقت ، ليست قضية أؤمن أو لا أؤمن ، قضية متى ينبغي أن أؤمن ؟ الله قال :
﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ﴾
أما الشك فتجد شخصاً لا يوجد عنده يقينيات بحياته أبداً ، هذه يقول لك : الله أعلم، لا أعرف ، فكلما عرضت عليه فكرة مدعمة بآية ، يقول لك : يجوز ، لا يوجد عنده موقف يقيني ، إذا كانت كل الأمور عنده معلقة ، كل الأمور قابلة للإيجاب والنفي ، ممكن وغير ممكن، يا ترى كيف يعيش ؟ يجب على الإنسان أن يكون عنده أشياء يقينية ، يتحرك على أساسها ، فتجد المسلم يقرأ القرآن ، يقول لك : لا ، هذا كلام الله عز وجل ، هو يمشي عكسه ، والله يعد من يعصيه بعذاب في الدنيا وفي الآخرة ، كيف يستطيع أن يتوازن ؟ كيف أنت تستقر نفسك مساء ؟ أن هناك نهياً إلهياً وتقترفه ! ووعيداً على هذا النهي ومرتاح ، معنى هذا أنت عملياً لست مصدقاً هذا الكلام ، أو لم تضعه موضع الجد ، أو لم تدخله في حساباتك الحقيقية ، يقول لك : أرجو الله أن يتوب علينا .
الإنسان فكر وسلوك :
النقطة الدقيقة أن الكافر يتمتع بصفتين ؛ بفكره يوجد شك ، وبحركته يوجد لعب ، والإنسان فكر وسلوك ؛ بفكره شك ، بحركته لعب :
﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ﴾
فالمؤمن عكسه ، عنده يقينيات ، يأخذ موقفاً حقيقياً من أية قضية دينية ، يعلم أن هناك يوماً آخر ، وحساباً شديداً ، الآن : كل حركة ؛ ببيعه ، بشرائه ، بسهرته ، بسفره ، بتربية أولاده ، بمظهر نسائه في الطريق ، بكسب ماله ، ما دام هناك آخرة ، ما دام هناك حساب دقيق، يُدخل الآخرة بالحسابات اليومية ، فلذلك : الكافر في شك يلعب ، فكره في شك ، حركته فيها لعب ، المؤمن فكره يقيني ، حركته هادفة ، يجوز أن يزور شخصاً ، بنية أن يصله ، والوصل من السنة ، يجوز أن يقدم هدية لشخص ، هذه الهدية بنية أن يستميل قلبه ، فلعله يصغي إليه ، يجوز أن يقدم هدية لابنه ، لأنه يريد أن ينشأ نشأة طيبة ، فكل حركات المؤمن حركات هادفة ، لا يوجد عنده لعب .
النقطة الثانية : الإنسان عندما يكون له دخل معين ، صغره بهذا الحجم ، وأنت حاجتك الأساسية بين مأوى و طعام و شراب و لباس و طبابة ، أي الحاجات الأساسية إلى هنا، هذا الفائض ، هذا ممكن أن تبني به مستقبلك الأخروي ، ممكن أن يكون سبب سعادتك الأبدية لو أنفقته في سبيل الله ، يأتي إنسان يكون دخله قليلاً ، يستهلكه كله في الدنيا ، قسم منه مشروع استخدامه ، والقسم الثاني غير مشروع ، فوت عليه فرحة كبيرة جداً للسعادة الأبدية بالدخل الزائد ، فلذلك : المؤمن هادف ؛ في إنفاقه هادف .
الكافر فكره فيه شك و حركته فيها لعب :
نقطتان دقيقتان :
﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ﴾
تفكيره كله مؤقت ، موقوف ، لا نعرف ، نرجو الله أن يتوب علينا ، يجوز وتكون هذه حرام ، و هو ليس متأكداً ، ولم يبحث ، ولم يتابع الأمر .
قال لك شخص : هذه حرام ، وهذه الآية ، لا يصدق ، ولا يوجد عنده رغبة ليبحث، ليتابع الأمر ، اسأل شخصاً ثانياً .
لماذا من أجل بيت ، تسأل عدة أشخاص ، وإن قال لك أحدهم : هكذا سعره ، تقول له: حتى أسأل إنساناً آخر ؟ لماذا من أجل شراء سيارة تأتي بخمسة أو ستة خبراء ؟ لماذا بأمور شراء السيارة تبقى مهتماً ؟ بأمور بيع البيت تبقى مهتماً ؟ لماذا لا تتابع الأمر بأمور دينك و تتابعه بغير الدين ؟
﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ﴾
الكافر فكره في شك ، حركته فيها لعب ، اللعب ينتهي مع انتهائه ، ليس له أي اثر، وأوضح مثل : اقرأ كتاباً معيناً ، يكون مفيداً ، والعب طاولة ، هذا اللعب ، بعدما انتهينا ، لا يوجد شيء ، ما استفدت أبداً ، أمضيت الوقت ، لكن بعدما انتهى اللعب ، انتهى كل شيء ، شاهد مباراة ، انتهى كل شيء ، أما قرأت كتاباً ، افرضه كتاباً صحياً ، أنت عندك عادات غذائية سيئة جداً ، هذه لها مضاعفات ، اقتنعت أن القلب كلما مرنته على الجهد ، يكون أعون له على أن يخدمك إلى أطول فترة ، فأنت هذا الكتاب قرأته ، عودك على المشي ، أو على الجري ، أو على عادات غذائية معينة ، هذا الكتاب قرأته في هذه الساعة ، لكن له أثراً لآخر عمرك ، هذا أبسط مثل ؛ ما معنى اللعب ؟ ما معنى الشيء الهادف ؟ فـ :
﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ﴾
الطموح من زهد في دنيا فانية وطمع في آخرة باقية :
الشيء الثاني : ربنا عز وجل - هذه كَمْ التكثيرية - قال :
﴿كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ ﴾
شخص يسكن ببيت أجرة ، ببلد نظام الآجار فيه أن مالك البيت بأي لحظة يجعلك خارج البيت ، من دون أي إنذار ، من دون أي سبب ، ولا يوجد هروب ، إذا أنت ساكن ببيت أجرة بهذا البلد ، الذي فيه هذا النظام ، أن المستأجر ليس له أي حق بالبقاء بعد رغبة المؤجر ، هل من الممكن أن تضع كل دخلك بتزيين هذا البيت ، وعندك بيت آخر ملكك لكنه مهدم ؟ دخلك الزائد تضعه بتزيين هذا البيت المؤقت ، الذي لا تملك منه شيئاً ، وأنت مهدد بأي لحظة أن يضعك مالكه بالطريق ، وتهمل بيتك الأساسي ؟ فلذلك :
﴿كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ﴾
يأتي الشخص كل دخله يضعه للدنيا ، لرفاهه في الدنيا ، يأتي ملك الموت ، يأخذ منه كل ما جمعه في كل حياته بثانية واحدة ، أبداً ، ثانية واحدة :
﴿كَمْ﴾
كم تكثيرية :
﴿كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ ﴾
يا ترى من هو الطموح ؟ الذي يسعى إلى مجد في الدنيا أم الذي يسعى إلى مجد في الآخرة ؟ الزاهد هو الطموح ، زهد في دنيا فانية ، وطمع في الباقية ، أما الأحمق فهو الذي طمع في الفانية ، وزهد بالباقية .
بكاء السماء و الأرض على المؤمن :
هناك نقطة مهمة جداً : النبي الكريم شاهد جنازة ، قال : " هذا مستريح ، قال : مستريح أو مستراح منه ، الآن الصحابة الكرام ما فهموا ، قالوا : ما مستريح وما مستراح منه؟ قال : أما العبد المؤمن إذا مات ، فاستراح من عناء الدنيا ، أما العبد الفاجر إذا مات فاستراح منه العباد" .
العباد كلهم يستريحون منه ، المؤمن يا ترى إذا أغمض عينه ، يا ترى هل يوجد أناس يبكون عليه بكاء حقيقياً ؟ إذا كان محسناً ، أولاده يتمنون حياته ، أما إذا كان بخيلاً ، فيتمنون موته ، إذا كان له أعمال طيبة ، له دعوة ، له خدمة ، فهو بقلوب الآخرين . انظر إلى هذه الإشارة :
﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ﴾
معنى هذا أن المؤمن تبكي عليه السماء والأرض ، كل مكان جلس فيه يبكي عليه، كل إنسان عامله يبكي عليه ، فالإنسان يجهد أن يكون له مكانة عند الله ، أساسها الإحسان للخلق ، بحيث أنه إذا غادر الدنيا تبكي عليه السماء والأرض ، والحقيقة هذا الشيء ، هذا رأس مال حقيقي ، الإنسان يكون موضع ثقة ، يكون محبوباً ، إما إذا كان الإنسان غير محبوب ، والله هذه مشكلة كبيرة .
أحياناً إذا مرض الإنسان ، وقال الطبيب : بسيطة ، الحمد لله ، يتألمون كثيراً ، ماذا يعني بسيطة !؟ هم لا يريدونها أن تكون بسيطة ، قال لهم : بسيطة ، عرضية ، لا يوجد خطر أبداً ، أي أعطاهم عكس رغبتهم ، أما إذا كان الإنسان محسناً ، وقال لهم الطبيب : بسيطة ، يرقصون من الفرح :
﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ﴾
بطولة الإنسان أن يسعى للمقام الأمين :
﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ﴾
ما علاقة المقام بالأمين ؟ أحياناً الإنسان في الدنيا يصل إلى مقام معين ، لكن هناك قلقاً دائماً ؛ يوجد له منافسون ، وحساد ، و وشاة ، و إنسان يقدم فيه كتاباً ، وآخر يلبسه التهمة باطلة ، وأناس ينافسونه على المنصب ، فمقام الدنيا مقام قلق ، ليس مقام الدنيا مقاماً أميناً ، هو مقام وقت ، معه متاعب ، تجد الشخص أربعة أخماس جهده و بذله لتثبيت مركزه ، ليس عنده وقت ليقوم بالمهمة ، لو فرضنا وضعوه مدير مستشفى ، يوجد أطباء ينافسونه ، مدير ثانوية ينافسونه كثيراً ، فأكثر جهد يبذله من أجل تثبيت وضعه ، لم يعد معه وقت لإصلاح الأمر للإدارة الحقيقية ، أما ربنا قال :
﴿فِي مَقَامٍ أَمِينٍ﴾
إذا وصل الإنسان للجنة ، هذا مقام أمين :
﴿وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ﴾
خروج منها لا يوجد ، هبوط لا يوجد ، هناك دعاء نبوي :
((اللهم إنا نعوذ بك من فجأة نقمتك ، وتحول عافيتك ، وجميع سخطك))
أحياناً تجد إنساناً فجأة أصيب بمرض عضال ، ثانية و هو يمشي وقع ، خثرة بالدماغ مثلاً ، يحتاج إلى معالجة فيزيائية ، ويظل الإنسان معطوباً ؛ فجأة نقمتك ، وتحول عافيتك ، وجميع سخطك ، أما بالآخرة فهناك مقام أمين ، فالبطولة أن تسعى لهذا المقام الأمين.
المؤمن هو من تطابقت عنده مقاييس الفوز الإلهي مع تصوره للفوز :
آخر آية :
﴿ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾
يجب أن يطابق تصورك للفوز الفوز الحقيقي الذي أشار الله إليه ، أنا أرى أن الفوز هو المال ، لم يتطابق فوزي مع فوز القرآن الكريم ، الله عنده الفوز هو الإيمان ، الفوز هو الاستقامة ، الفوز هو العمل الصالح ، هذه مقاييس القرآن للفوز ، فمن هو المؤمن ؟ الذي تطابقت عنده مقاييس الفوز الإلهي مع تصوره للفوز .
الآن إذا قلت لشخص إن فلاناً اشترى أرضاً ، تضاعف السعر مئة مرة ، يقول لك: أصبح فوق الريح ، هذا تعبير العوام : بيته بالجنة ، رأى القدر ؛ هذه كلها كلمات ليس لها معنى.
إن الدنيا عرض حاضر ، يأكل منها البر والفاجر ، والآخرة وعد صادق ، يحكم فيه ملك عادل . فيجب أن ترى الفوز العظيم الذي سماه الله فوزاً عظيماً ، يجب أن تتطابق رؤيتك مع مقياس الفوز في القرآن الكريم .
أنا مرة ضربت مثلاً : لو فرضنا طالبين على مقعد واحد ، صار الأول تاجراً كبيراً ، ودخله كان خيالياً ، والثاني دخله محدود جداً ، لا يكفي دخله نصف الشهر ، لكن الذي دخله محدود مؤمن ، وملتزم ، ووقاف عند كتاب الله ، وعلى شيء من المعرفة بالله ، وله أعمال صالحة طيبة ، والثاني متفلت من الدين ، إذا قال المؤمن : إن الله حرمني وأعطاه ، يكون عديم الإيمان ، ولا يعرف شيئاً إطلاقاً .
فأنا أرى أخواننا الكرام ألا تقل : الله أعطى فلاناً ، لا لم يعطه ، العطاء الحقيقي هو أن تتعرف إليه . انظر : الله أعطى الملك لمن لا يحب ، ولمن يحب ، أعطى الملك لسيدنا سليمان ، وأعطاه لفرعون ، أعطى المال هناك صحابة كرام كانوا أغنياء ، وأعطاه لقارون ، ما دام أعطاه لقارون ، لمن يحب ، ولمن لا يحب ، إذاً : ليس مقياساً .
هذه القصة أعطى الملك لمن يحب ، ولمن لا يحب ، ليست مقياساً ، لكن الذي يحبه ماذا أعطاه ؟ الحكمة ؛ العلم والحكمة :
﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً﴾
إذاً :
﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾
فالإنسان عليه أن يسعى إلى فوز متطابق مع مقياس القرآن الكريم .