وضع داكن
26-04-2024
Logo
قراءات قرآنية - الدرس : 02 - من سورة البقرة - الأهلة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .

العمل الصالح أثمن شيء في الحياة الدنيا يصلح للعرض على الله :

 وبعد : لأن سرّ وجود الإنسان في الدنيا هو الإعداد للآخرة ، وإن أثمن شيء في الحياة الدنيا أن تعمل عملاً صالحاً يصلح للعرض على الله يوم القيامة ، والدليل أن الإنسان إذا جاءه الموت لا يندم إلا على عمل صالح لم يفعله ، وقوله تعالى :

﴿رَبِّ ارْجِعُونِ﴾

[سورة المؤمنون:99]

﴿لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً﴾

[سورة المؤمنون:100]

 ربنا في القرآن الكريم ، في أسلوب معجز وبليغ حببنا بالعمل الصالح .
 هناك آية في هذا الجزء من يذكر هذه الآية ؟ بأسلوب محبب وبليغ :

﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ﴾

[سورة المزمل:20]

 أيضاً :

﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً﴾

[سورة البقرة:245]

 أي الله جلّ جلاله جعل خدمتك لأخيك المؤمن قرضاً حسناً له سبحانه ؛ كلما تحولت ، وكلما تحركت ، وكلما طُلب منك شيء من إنسان ، كائناً من كان ، لا ينبغي أن تعرف من هو هذا الإنسان ، خلقه الله عز وجل ، لجأ إليك ، استغاث بك ، طلب منك ، استعان بك ، ينبغي أن تعلم أن هذا الإنسان مخلوق لله عز وجل ، وأنت إذا أحسنت إليه فقد أقرضت الله قرضاً حسناً ، وسيضاعفه لك أضعافاً كثيرة ؛ فالإنسان قبل أن يعتذر عن عمل صالح ، قبل أن يتردد ، قبل أن ينسحب ، قبل أن يهرب من عمل صالح ، ليذكر هذا المعنى ، هذا المعنى يدفع الإنسان لخدمة الخلق :

﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً﴾

[سورة البقرة:245]

 قد تقرض الله قرضاً حسناً لخدمة مخلوق غير الإنسان ، حيوان .
 هذه المرأة التي سقت الكلب ، الذي يأكل الثرى من العطش ، غفر الله لها ، لأنها أقرضت الله قرضاً حسناً .
 فهذا المعنى إذا كان ماثلاً في أذهان الأخوة المؤمنين ، ينطلقون إلى الأعمال الصالحة ، لأنها زادهم يوم القيامة ، والغنى والفقر بعد العرض على الله ، والغنى غنى العمل الصالح ، والفقر فقر العمل الصالح ، وهناك آية تؤكد ذلك بقصة ، لما سيدنا موسى سقى للمرأتين ، ابنتي سيدنا شعيب ، ماذا قال ؟ قال :

﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾

[سورة القصص:24]

 هذه واحدة .

 

حقوق و واجبات من يتعرف إلى الله عزّ وجل :

 هناك نقطة ثانية في هذا الجزء :

﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾

[سورة البقرة:241]

 على غير المتقين ليس حقاً ، معنى ذلك أن المؤمن حينما يتعرف إلى الله ، له معاملة خاصة ، ينشأ من هذه المعرفة واجبات ، وعليه حقوق ، أما الضائع ، الجاهل ، الفاسق، فهذا لا يحاسب على هذه الحقوق .
 دقة الآية أن :

﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ﴾

[سورة البقرة:241]

 ما قال : حقاً على الناس ، ما قال : حقاً على أزواجهن ، قال :

﴿حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾

[سورة البقرة:241]

 فالذي يبتغي وجه الله عز وجل ، والذي يتقي أن يغضبه ، والذي يتقي أن يعصيه ، هذا الإنسان يجب عليه واجبات ، وتترتب عليه حقوق ، حينما عرف الله ، وسلك منهج الله عز وجل ، ينشأ عن هذه المعرفة ، وعن هذا السلوك حقوق ، عليه أن يؤديها ، لذلك : امرأة طلقت زوجها ، فلما أراد أن يعطيها هذا المتاع ، رفضت ، قال :

((أنت ليس عليك متاع))

 وتعني بهذا أنه ليس متقياً حتى يتوجب عليه هذا الحق .
 أعلى فهم على الإطلاق لكلام الله عز وجل هو فهم النبي عليه الصلاة والسلام ، فقد استنبط عليه الصلاة والسلام أحكام العدة : أن المرأة المتوفى عنها زوجها ، عليها أن تعتد ، وفي العدة عليها أن تسلك سلوكاً معيناً ، ربما لا يتناسب مع أنوثتها ، ولا مع كونها امرأة .
 النبي -عليه الصلاة والسلام- استنبط أحكام العدة من هذه الآية . قال :

﴿فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾

[سورة البقرة:234]

 معنى ذلك أن هذه المرأة قبل أن يبلغ الكتاب أجله ، إذا فعلت ما هو معروف عنها، وعن بني جنسها ، مؤاخذة في كتاب الله عز وجل ؛ لذلك : المعتدة لا تكلم أحداً ، ولا تخرج من البيت ، ولا ترتدي الفاقع من الثياب ، هذا من شأن الأنثى أن ترتدي ، أن تتزين ، أن تزور أهلها ، لكن المعتدة ، حداداً على أقدس عهد على الإطلاق ، قال : " الشيء المألوف عنها ، والمعروف عنها ينبغي أن تمتنع عنه حداداً على زوجها " .

 

أفعال الله تكوينية و أوامره تكليفية :

 أيها الأخوة ؛ هذه الآية الكريمة إذا الإنسان جعلها ماثلة أمام عينيه :

﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾

[سورة البقرة:216]

 الله عز وجل له أفعال تكوينية ، وله أوامر تكليفية ؛ كلفنا بالصلاة ، والصيام ، والحج ، والزكاة ، وكلفنا بالصدق ، والأمانة ، والورع ، والعدل ، إلى آخره . . . . . . لكن له أفعالاً ، وأفعاله نراها كل يوم ، نراها على شكل أمطار سخية ، أو على شكل قحط ، أو على شكل زلازل ، أو على شكل اضطرابات ، كل ما يجري في العالم هو أفعال الله عز وجل ، هذه أفعاله التكوينية ، أما أوامره التكليفية فمعروفة في الكتاب والسنة .
 سؤال ، السؤال أن الله سبحانه وتعالى في قصة سيدنا الخضر مع سيدنا موسى عليه السلام ، بيّن جانباً من أفعاله التكوينية ؛ هل من المعقول أن يعد خرق السفينة عملاً طيباً؟ لولا أنها خرقت لصودرت ، هل من المعقول أن تنشىء جداراً بلا ثمن ؟ بلا أجر؟ وأنت جائع تطلب الطعام فلا تُطعم ؟ تنشىء جداراً بلا مقابل ؟ عمل غير منطقي ، لذلك : لو بدا لك أن فعل الله ليس واضحاً ، يجب أن تقيس على قصة سيدنا الخضر ، كل أفعال الله عز وجل - والله سبحانه وتعالى يمتحن عباده بهذه الأفعال - تبدو لك غير منطقية ، قد يبدو لك أن الكافر يتمتع بكل ما في الدنيا من متع ، بينما المؤمن قد يكون محروماً أحياناً ، لذلك قال ابن عطاء السكندري: " ربما كان المنع عين العطاء ، ربما كان العطاء عين المنع ".

 

الضرورات تبيح المحظورات :

 لذلك : كل شيء إذا جاء الإنسان و لم يعرف حكمته فليقرأ هذه الآية :

﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾

[سورة البقرة:216]

﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾

[سورة البقرة:173]

 المشكلة عند عوام المسلمين أن هذه الآية توسعوا بها إلى درجة أن الحاجات الثانوية جعلوها من الضرورات ، وفعلوا من أجلها المحظورات ، لذلك من حين لآخر يجب أن نذكر الأخوة الكرام أن الضرورات التي تبيح المحظورات محصورة في التعريف التالي : حينما يغلب على ظنك أنك هالك جوعاً ، أو عرياً ، أو تشرداً ، أنت وأهلك ، يمكنك أن تفعل بعض المحظورات ، حينما يغلب على ظنك - وغلبة الظن تقترب من اليقين - أنك هالك ؛ أي ميت جوعاً ، وعطشاً ، وعرياً ، وتشرداً ، أنت وأهلك ، فهذه الضرورات التي تبيح المحظورات ، لأنه كلما واجهت إنسان بمخالفة كبيرة في كسب المال ، يقول لك : مضطر ، هذا الموضوع ليس له نهاية ؛ كل إنسان مضطر ليوسع بيته ، كل إنسان مضطر ليكون في بيته أثاث فخم ، كل إنسان مضطر ليزوج أولاده ، كل إنسان مضطر ليعيش حياة مرفهة ، استعمال كلمة مضطر استعمال مخادع ، وفيه مغالطة ، أما الضرورات التي تبيح المحظورات فأن يغلب على ظنك أنك هالك أنت وأهلك ، جوعاً ، وعطشاً ، وعرياً ، وتشرداً ، عندئذ حياتك أثمن عند الله من كل شيء ، عندئذ تفعل المحظورات ، والضرورة تقدر بقدرها ، دون أن تزيد عليها .

الاستقامة على أمر الله عز وجل :

 هناك نقطة دقيقة جداً :

﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾

[سورة البقرة:189]

 هناك نشاطات بالإسلام ممتعة ؛ طرح سؤال ، تلقي جواب ، أي الموازنة بين المذاهب ، نقل أخبار المسلمين ، طرح أسئلة عويصة ، حالات نادرة جداً لا تقع إطلاقاً ، تطرحها أمام العلماء ، والعلماء يحارون في الإجابة عنها ، يختلفون ؛ فلان قال كذا ، فلان قال كذا ، كل هذا النشاط ، النشاط العلمي المترف ، ليس هو البر ، البر أن تستقيم على أمر الله .
 أحياناً شيء ممتع جداً ، طرح سؤال محرج ، يا ترى : ماذا قال الإمام الشافعي ؟ الإمام أبو حنيفة ؟ الإمام مالك ؟ الإمام ابن حنبل ؟ ما رأي العلماء في هذا الموضوع ؟
 أي أنت لست جاداً بتطبيق شيء ، لكنك تريد أن تتسلى بطرح هذه الأسئلة . فربنا عز وجل يقول :

﴿وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى﴾

[سورة البقرة:189]

 ليس هذا هو البر؛ البر أن تعدل ، البر أن تستقيم ، البر أن تعمل صالحاً ، البر أن تتحرك إلى الله ، البر أن تعطي مما أعطاك الله ، البر أن تأمر بالمعروف ، أن تنهى عن المنكر ، أن تتحرك ، أن يكون لك عمل ، لا أن تبقى في حيز التساؤل ، والإجابة ، والموازنة ، وإلقاء الأسئلة والشبهات ، وامتحان العلماء ، وإجاباتهم ، هذا النشاط كله ليس عند الله براً ، نشاط مترف ، لذلك ليس البر :

﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا﴾

[سورة البقرة:189]

 أي هذا الدين له طرائق شرعها الله عز وجل ، أنت حينما تطبق منهج الله عز وجل الأمور تبدو لك رائعة جداً ، أولاً : تتصل بالله ، ثانياً : ترى نفسك قريباً من الحق ، ثالثاً: تشعر أن الأدلة معك قوية ، أما حينما تبتعد عن التطبيق ، وتبقى في حيز الفكر ، فالفكر ثقافة، فالإسلام ثقافة عند بعض الناس ، كما أن هناك مذاهب ثقافية أخرى ، فهذه نقطة يجب أن تكون بين أيدينا .

 

آيات في القرآن الكريم تُفهم على معنيين متعاكسين :

 مرت آية في الإنفاق تُفهم على معنيين متعاكسين من إعجاز القرآن الكريم ، أي الله عز وجل لما قال :

﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾

[سورة الرعد:11]

 أي تُفهم على أن الإنسان إذا كان ببحبوحة ، ولم يغير ، الله لا يغير ، وتُفهم على معنى آخر : الإنسان إذا كان في ضائقة ، الله لا يغير حتى يغير .
 مرت آية بالإنفاق لها معنيان متعاكسان في وقت واحد :

﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾

[سورة البقرة:195]

 إنكم تهلكون إن أنفقتم كل أموالكم ، وإنكم تهلكون إن لم تنفقوا ، إن لم تنفق فأنت هالك ، حرمت نفسك الخير ، وإن أنفقت كل ما في يدك ، فأنت هالك ، ربما تندم على ذلك .
 أي الله عز وجل لا يحبك أن تفور ثم تخمد ، يحبك أن تمشي بخطوات متأنية، متنامية ، الإنسان إذا أنفق من غير تعقل ، ثم يجد بين يديه شيئاً ، قد ينتكس . فالله عز وجل قال :

﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾

[سورة البقرة:195]

 وقال :

﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾

[سورة البقرة:194]

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور