وضع داكن
29-03-2024
Logo
أدعية مأثورة - الدرس : 16 - اللهم اغفر لي جدي وهزلي وخطأي وعمدي ……
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

العبرة أن يأخذ الإنسان بالأسباب وكأنها كل شيء ثم يتوكل على الله وكأنها ليست بشيء:

 أيها الأخوة الكرام: لا زلنا مع الدعاء، ومع الدعاء وهموم الدنيا ومتاعبها وابتلاءاتها، فالنبي عليه الصلاة والسلام كان يدعو ويقول:

((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَمِلْتُ وَمِنْ شَرِّ مَا لَمْ أَعْمَلْ ))

[صحيح مسلم عَنْ فَرْوَةَ بْنِ نَوْفَلٍ الْأَشْجَعِيِّ]

 ويقول:

(( ولا ينفعُ ذَا الجَدِّ منك الجَدُّ ))

[ أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي عن أبي سعيد الخدري ]

 مهما كنت متفوقاً وذكياً ومحتاطاً إذا أراد الله أن يؤدب عبداً من عبيده، يؤدبه على ما هو عليه من ذكاء وتفوق، فقد يؤدب الإنسان بطريقة عجيبة، ذنب في الظاهر لم يفعله، يأتيه بلاء، لكن قد يأتيه هذا البلاء على ذنب آخر فعله خفية، فالله عز وجل إذا أراد بقوم سوء فلا مرد له، فلو كنت محتاطاً وهذا من اختصاصك، ولو كنت متفوقاً، مهما كنت إن كان العلاج ضرورياً لابد من أن تنزل مصيبة ولو كنت في الظاهر بريئاً من هذا الذنب الذي أخذت به، قد تفعل الذنب وقد لا تفعله لكن التأديب حاصل في كل الأحوال، لذلك هناك دعاء آخر: " اللهم إني أعوذ بك مما أهتم له وما لا أهتم له "
 قد تأتي مصيبة لسبب تافه جداً، هذا يؤكد أن الإنسان حينما يأخذ بالأسباب ويعتمد عليها فقد أشرك، لذلك مما يلفت النظر أن بعض الذين اختصوا في مرض معين وقد أخذوا كل الاحتياط ألا يصابوا بهذا المرض يؤدبون عن طريق هذا المرض بالذات، هذا شيء من غرائب الصدف! هذا من اختصاصه، فالذي يختص بالأمراض الهضمية قد يصاب بقرحة، العبرة أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، وأن تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، من السهل جداً الموقف المتطرف، ومن السهل جداً الأخذ بالأسباب وأن تتوكل على الله، لكن البطولة أن تأخذ بالأسباب وأن تتوكل على الله، فالعادة أن الإنسان إذا أخذ بالأسباب يطمئن وينسى أن الله هو الحافظ، يعتمد على أخذه بالأسباب، اعتمد على الأسباب ولم يعتمد على الله، والعادة أيضاً أنك إذا توكلت على الله من دون أن تأخذ بالأسباب تتوهم أن الهدف قد حصل، لا، الموقف الدقيق أن الإنسان يمشي على طريق عن يمينه واد سحيق وعن يساره واد سحيق، الوادي الذي عن يمينه هو وادي الشرك، والوادي الذي عن يساره هو وادي المعصية، فإن أخذ بالأسباب واعتمد عليها وقع في الشرك، وإن لم يأخذ بها وقع في المعصية، الموقف الكامل أن يأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، وأن يتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، وما من درس يحتاجه المسلمون في هذا اليوم كهذا الدرس.
 مثلاً: عندك سفر طويل تراجع مركبتك مراجعة كاملة، بعد ذلك تقول: يا رب أنت وحدك الحافظ، وهذا نوع من التوحيد عال جداً، كل شيء على ما يرام، لكن الله هو الحافظ، على الرغم من أخذ الإنسان بالأسباب قد تقطعه هذه المركبة، فإذا لم يأخذ الأسباب وقع في المعصية، إن أخذ بها واعتمد عليها وقع في الشرك، فأنت بين مذلة الوقوع بالشرك وبين مذلة الوقوع بالمعصية، هذا الذي ذكرته يفهم من قول النبي في دعائه:

((وَمِنْ شَرِّ مَا لَمْ أَعْمَلْ ))

معاهدة النفس على عدم متابعة الخطيئة و الجهل :

 دعاء آخر:

((النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ: رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي كُلِّهِ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطَايَايَ وَعَمْدِي وَجَهْلِي وَهَزْلِي وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ))

[صحيح البخاري عَنِ ابْنِ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِيهِ]

 كنت أقول دائماً: ليس العار أن تخطئ، العار أن تبقى مخطئاً، وليس العار أن تجهل، العار أن تبقى جاهلاً، فإذا عاهدت نفسك ألا تتابع الخطيئة وألا تتابع الجهل فقد نجوت، ليس العار أن تخطئ.

(( كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ ))

[سنن الترمذي عَنْ أَنَسٍ]

 وليس العار أن تجهل، قال تعالى:

﴿ وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى ﴾

[سورة الضحى]

 الضلال هنا بمعنى الغفلة عن حقائق الكون، الله عز وجل أرسل النبي بالهدى، بعد أن كان غافلاً عن حقائق الكون، كلنا لا نعلم، الله وحده يعلم، كلنا خطاؤون، الله وحده التواب: " كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ "

 

استقامة الإنسان فضل من الله عز وجل :

 الإنسان إن لم يعلمه الله عز وجل فهو جاهل، والحديث القدسي الصحيح:

((يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ.... ))

[صحيح مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ]

 حتى المستقيم إذا اعتدّ باستقامته، واعتد بقوة إرادته، وظنها من وعيه الجيد، ومن أصالته، ومن حسن تربيته يخطئ، استقامتك فضل من الله عز وجل، وهذا يؤكده قول سيدنا يوسف عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام:

﴿ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾

[سورة يوسف]

 فأنت مطيع لله بمعونة الله، ولا تغفل عن أنك في الفاتحة تخاطب الله في كل صلاة عدة مرات، تقول له:

﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾

[ سورة الفاتحة]

 لا حول عن معصيتك إلا بك، ولا قوة على طاعتك إلا بك.

 

الدعابة و المرح من صفات المؤمن :

 ثم من أدعية النبي عليه الصلاة والسلام:

((اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطَايَايَ وَعَمْدِي وَجَهْلِي وَهَزْلِي وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي.....))

[صحيح البخاري عَنِ ابْنِ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِيهِ]

 أحياناً دعابة بريئة تسبب هلاك إنسان، كلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً.

((عَنْ أَبِي حُذَيْفَةَ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ حَكَيْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا فَقَالَ مَا يَسُرُّنِي أَنِّي حَكَيْتُ رَجُلًا وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا قَالَتْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ صَفِيَّةَ امْرَأَةٌ وَقَالَتْ بِيَدِهَا هَكَذَا كَأَنَّهَا تَعْنِي قَصِيرَةً فَقَالَ لَقَدْ مَزَجْتِ بِكَلِمَةٍ لَوْ مَزَجْتِ بِهَا مَاءَ الْبَحْرِ لَمُزِجَ ))

[سنن الترمذي عَنْ أَبِي حُذَيْفَةَ]

 قالت عن أختها قصيرة! فالجد والهزل، والخطأ والعمد كل ذلك عندي، فالإنسان يجب أن ينتبه أنه محاسب، أحياناً تمزح مع إنسان مزحة تسبب له أزمة قلبية، تظن أنك تمزح، هو صدق هذا المزاح وجاءه الهم وانعكس أزمة قلبية، فأنت محاسب لو أنه فقد حياته وعنده أولاد من أجل أن تمزح معه أن البضاعة صودرت، من أجل أن ترى ردّ فعله، من أجل أن تضحك الناس عليه هو صدق الذي قلت له وجاءته الأزمة، فكان عليه الصلاة والسلام يمزح ولا يمزح إلا حقاً، كان مرحاً، والدعابة من صفات المؤمن، يوجد جو كهنوتي مقيت، ليس هذا من أخلاق المؤمن.
 كان عليه الصلاة والسلام بسّاماً ضحّاكاً، كان يداعب أصحابه ويمازحهم مزاحاً لا يحتمل خبراً سيئاً ولا تجريحاً ولا تقريعاً.

 

الإنسان كلما كرم عند الله أدبه الله دون أن يفضحه أمام أحد :

 و:

((عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِي اللَّهم عَنْهم أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي؟ قَالَ: قُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي إِنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ))

[ صحيح البخاري عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ]

 ماذا تفهمون من كلمة مغفرة، اغفر لي من عندك؟ الحقيقة قد تأتي المغفرة من عند خلقك! إنسان يقع في قبضة ظالم، الظالم ينكّل به، يجعل عبرة لمن يعتبر، يفتضح أمره، يغدو عبرة وتنتشر قصته في الملأ، على أثر ذلك يتوب، فالله غفر له لكن عن طريق خلقه! شوّهت سمعته وأصبح صغيراً في نظر الخلق، لكن النبي عليه الصلاة والسلام يطمح أن تكون المغفرة من عند الله، بشارة بينك وبينه، والإنسان كلما كرم عند الله أدبه فيما بينه وبين عبده، قد يشعره بألم في جسمه بينه وبين عبده، قد يحجبه، فيتحرق هذا العبد على أن تعود له الصلة بالله كما كانت، فكلما كنت مكرماً عند الله كان التأديب بينك وبينه، كيف أن الأب العاقل والحكيم الذي إذا أراد تأديب ابنه يؤدبه فيما بينه وبين ابنه دون أن يعلم أخوته هذا التأديب؟ فأسأل الله عز وجل إن كنا محتاجين هذا التأديب أن يكون بيننا وبين الله، لا أن نكون لقمة أو مضغة في أفواه الناس.
 لذلك من بعض الأدعية: "اللهم إني أعوذ بك أن أكون عبرة لأحد من خلقك، اللهم إني أعوذ بك من أن أقول قولاً فيه رضاك ألتمس به أحد سواك، اللهم إني أعوذ بك أن أتزين للناس بشيء يشينني عندك، اللهم إني أعوذ بك أن يكون أحد أسعد مما علمتني مني".
 أنا أركز على هذه الكلمة:" فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ" أي يا رب بيني وبينك، يا رب استرني ولا تفضحني، ولا تجعلني مضغة في الأفواه، يا رب لا تجعلني عبرة للناس، اغفر لي بيني وبينك:
 فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي إِنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ))

 

دعاء آخر:

((عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلِ: اللَّهُمَّ اهْدِنِي وَسَدِّدْنِي، وَاذْكُرْ بِالْهُدَى هِدَايَتَكَ الطَّرِيقَ وَالسَّدَادِ سَدَادَ السَّهْمِ، و حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ إِدْرِيسَ أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالسَّدَادَ ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِهِ ))

[صحيح مسلم عَنْ عَلِيٍّ]

 أي أنت فهم وحركة، اعتقاد وسلوك، تصور وتنفيذ، هناك شيء عقلي تصوري إدراكي اعتقادي، وشيء حركي، فهذا الدعاء جامع مانع،" اهْدِنِي وَسَدِّدْنِي" اجعل عملي مسدداً وعقيدتي سليمة، اهدني إلى الحق، وسدد خطاي، وألهمني رشدي وصوابي، لأن الذي يعتمد على قدراته الذاتية يقع في شر عمله، الذي يعتمد على ذكائه يقع في شر ذكائه.

 

تعوذ النبي الكريم من العجز و الكسل و الهرم :

 ثم من أدعية النبي عليه الصلاة والسلام:

(( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ ))

[صحيح البخاري عن أنس بن مالك]

 وكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو وَيَقُولُ:

((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ.))

[صحيح البخاري عن أبي هريرة]

 العجز أن تقف أمام قدرك عاجزاً، خاملاً، يائساً، خنوعاً، مستسلماً، لا تقوى على تخطي العقبات التي وضعت أمامك، فالإنسان الذي يستسلم لسلبيات الحياة، ويخنع، وييئس، ويخضع، وينبطح، ويرضى، إنسان مقهور، هذا من مصائب الدنيا، هذا هو العجز، والكسل تضعف إرادته، والطريق واضح أمامه عن أن يتجاوز هذه العقبات."وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ".
 سبحان الله! هناك أدعية النبي دائماً يجمع بين الجبن والبخل، والمؤمن شجاع كريم، والمنافق جبان بخيل، فالنبي عـليه الصلاة والسلام اسـتعاذ "وَالْعـَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ......"
 والهرم يتقدم به العمر فيضيع، أحياناً يعيد القصة عدة مرات، أو يصبح ذا نفسية صعبة جداً، يتدخل في كل شيء، يصبح عبئاً على من حوله، ينفرون منه، أعرف أشخاصاً تقدمت بهم السن لكن صغر عقلهم، وأصبحوا ثرثارين ويتدخلون في كل شيء، كرهه أولاده، ابتعدوا عنه وبقي وحده في الغرفة، لأن أعصابه متعبة وكلامه قاس وملاحظاته قاسية، وهناك إنسان كلما ازداد في العمر ازداد حكمة وتعقلاً ومحبة للآخرين، في عمر معين يهان فيه الإنسان، وقد يتمنى أقرب الناس موته، وقد يطول العمر إلى درجة يصبح عبئاً على الأحياء.

 

الموت في بعض الأوقات رحمة بالإنسان :

 أيها الأخوة: يكون الموت في بعض الأوقات رحمة، ذات مرة كنت أستمع لخطبة أحد خطباء بلد إسلامي، كان يقول في نهاية الخطبة: "اللهم من أراد إطفاء النور في هذا الحي، ومن أراد بي شراً فأصبه بعمى في عينيه، وسرطان في دمه، وشلل في رجليه، حتى يتمنى الموت فلا يجده".
 قد يغدو الموت أكبر رحمة، يموت فيستره الله، حدثني أخ قال لي: والله إن أمي نجعلها على سرير، ونربط يديها من أعلى، ورجليها من أسفل! قلت: لمَ؟ قال: لأنه إن كانت يداها طليقتين أكلت غائطها وخلعت كل ثيابها، فلابد من أن نقيدها! بقيت على هذه الحالة خمس عشرة سنة !
 أحياناً الحي يصبح ثقيلاً لدرجة أنه لا يحتمل، هذه فتنة المحيا والممات، فتنة الممات لا يموت حتى يأخذ كل ما عند أهله من المال، يوجد أمراض عضالة تباع كل ثرواته لمعالجته ثم يموت، ما ترك لأولاده شيئاً:

((.....وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ ))

[صحيح البخاري عن أنس بن مالك]

﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ﴾

[سورة الأنعام]

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور