وضع داكن
19-04-2024
Logo
تأملات قرآنية - الدرس : 32 - من سورة العنكبوت - الوازع الداخلي والرادع الخارجي.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

ضرب الأمثال في القرآن الكريم :

 أيها الأخوة الكرام؛ في القرآن الكريم ظاهرة أسلوبية اسمها ضرب الأمثال، وضرب الأمثال نوع من التشبيه الضمني، لو قلت:

من يهن يسهل الهوان عليه  ما لجرح بميت إيلام
* * *

 أن تجرح إنساناً ميتاً لا يتألم، والذي هانت نفسه بحكم الميت، فلو أهنته لا يتألم، قد يأتي معنى دقيق، وتأتي صورة مادية تؤكد هذا المعنى، هذا الأسلوب في القرآن الكريم كثير جداً، فالله سبحانه وتعالى يضرب الأمثال، مثلاً: محمد بشر وليس كالبشر، كيف؟ فهو جوهرة والناس كالحجر، إنسان من البشر وليس من البشر، المعنى دقيق، الجوهرة هي حجر أساسها، هي كالأحجار العادية؟ لا، يوجد جوهرة ثمنها يقدر بمئة وأربعين مليون دولار، حجمها كالبيضة، أكبر جوهرة بالعالم، وهناك أحجار في سهل حوران لا تعد ولا تحصى، محمد بشر وليس كالبشر.

وإذا أراد الله نشر فضيلة  طويت أتاح لها لسان حسود
* * *

 الفضل ينتشر بالحسد؟ نعم.

لولا اشتعال النار فيما جاورت  ما كان يعرف طيب عرف العود
* * *

 البخور إذا لم تحرقه لا تظهر رائحته، هذا باب طويل، هنا الإنسان يؤمن أن الله خلق الكون، لا يوجد شك إطلاقاً، بل إن تسعين بالمئة من سكان الأرض الآن يؤمنون أن الله خلق الكون، هذا الإيمان لا يقدم ولا يؤخر، العبرة أن تؤمن أنه فعال، عقيدة الغربيين أن الله خلاق وليس فعالاً، خلق وترك الأمر لأصحاب القوة، يقول الله عز وجل:

﴿ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ ﴾

[ سورة العنكبوت: 41]

 أحياناً الإنسان يعلق الأمل على إنسان، وقد يبدو له قوياً جداً، يعلق الأمل على إنسان ليأخذ منه مالاً وقد يبدو كريماً جداً، أحياناً يعلق الأمل على إنسان ليسعده، ويبدو له جميلاً جداً، حينما يضع ثقته بغير الله، أو حينما يعلق الأمل على غير الله وضعه كمن يتخذ بيت العنكبوت حصناً حصيناً،

﴿ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ ﴾

﴿ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة العنكبوت: 41]

 لكن لمعلوماتكم لو أننا سحبنا الفولاذ بقطر يساوي قطر خيط العنكبوت لكان خيط العنكبوت أمتن من الفولاذ، لو سحبنا الفولاذ وهو أمتن عنصر في الأرض متانةً، المتانة مقاومة قوى الشد، والقساوة مقاومة قوى الضغط، لو سحبنا الفولاذ بقطر يساوي قطر خيط العنكبوت لكان خيط العنكبوت أمتن من الفولاذ، ومع ذلك بأصبعك تستطيع أن تخرب هذا البيت، من دون جهد إطلاقاً، فأضعف بيتٍ بيت العنكبوت، فمن اتخذه حصناً، فأي حصن هذا الذي أخذ العنكبوت حصناً له؟ فكل إنسان يعتمد على غير الله لحكمة يريدها الله عز وجل دائماً يخيب ظنه، ورد في الأثر القدسي:

(( ما من مخلوق يعتصم بي من دون خلقي، أعرف ذلك من نيته فتكيده أهل السموات والأرض إلا جعلت له من بين ذلك مخرجاً، وما من مخلوق يعتصم بمخلوق دوني - أي اتخذ بيت العنكبوت حصناً له- أعرف ذلك من نيته إلا جعلت الأرض هوياً تحت قدميه، وقطعت أسباب السماء بين يديه))

[ابن عساكر عن كعب بن مالك ]

الدين إيمان و توحيد :

 أيها الأخوة؛ يتوهم الناس أن الدين أن تؤمن بالله خالقاً، هذا شيء فطري، وبديهي، لا يقدم ولا يؤخر، أنت حينما تؤمن أن الشمس ساطعة، هي ساطعة، ماذا فعلت؟ ما قدمت شيئاً، فإن أنكرت سطوعها لم يلتفت إليك أحد، أما حينما تؤمن أن الشمس ساطعة ووجودك بحاجة ماسة إلى أشعة الشمس فتتجه لتأخذ من أشعتها حماماً شمسياً عندئذٍ تكون هذه المقولة أو هذا الإيمان قد نفعك في الدنيا والآخرة.
 إذاً الإيمان توحيد، أن ترى أن الفعال هو الله، أن ترى أن الله بيده كل شيء، أحياناً الإنسان يؤمن بالله ويطيعه ويخشى غير الله، أقول له أحياناً: هذا الذي تعبده ألا يحميك؟ ألا تثق بقدرته؟ يقول لك:

﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ ﴾

[ سورة هود: 123]

 ألا يحميك؟ يؤمن بالله، ويخشى غير الله، وهناك من يجعل فتنة الناس أشدّ من عذاب الله، لا يبالي بجهنم، ليرفع عن نفسه تهمة معينة يرتكب المعاصي، ليرفع عن نفسه تهمة يرتكب معصية، وكأنه لا يخشى عذاب الله عز وجل، لكنه يخشى عذاب الناس، هذا شيء واضح جداً وموجود، يجعل من فتنة الناس أشد وقعاً على نفسه من عذاب الله، هذا هو الشرك أساساً،

﴿ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ ﴾

.

معالجة الله عز وجل لمن علق الأمل على غيره :

 الحقيقة ما سوى الله ضعيف لا يستطيع أن يقدم لك شيئاً، لكن هناك تدخلاً إلهياً رحيماً، أنت حينما تعلق الأمل على إنسان، لو أن هذا الإنسان كريم وقوي فيما يبدو لك، الله عز وجل يصرفه عن خدمتك، من أجل أن تبقى معه، لأن الله يغار، أن تعلق الأمل على غيره يغار أن تتجه إلى غيره، يغار أن تحب غيره، من حرص الله على عباده المؤمنين حينما يلتفت المؤمن إلى غير الله، أول شيء من المعالجة أن يخيب الله ظن هذا المشرك بهذا الذي أشرك به، يتنكر له، وتنكره له من أجل أن يعود إلى الله عز وجل.
 الحقيقة أن هذا الشيء يومي، كلما اتجهت إلى شيء، وضعت الثقة بشيء، اتكأت على شيء، أحببت شيء في غير طاعة الله عز وجل، هذا الشيء يتخلى عنك، قد لا يأتيك الشر إلا منه، قد لا يأتيك التنكر إلا منه، لذلك: من أعان ظالماً سلطه الله عليه، أول عقاب، أول تأديب أنك أعنت ظالماً فسلطه الله عليك، كنت أول ضحاياه.
 وهناك رأي ثان أن العلاقة بين العنكبوت، العلاقة الأسرية علاقة سيئة جداً، فالأم تأكل أولادها، والأب يأكل أمهم، وأسوأ علاقة أسرية بالحشرات هي علاقة العنكبوت فيما بينها، وأطيب علاقة هي علاقة النحل والنمل، تعاون من أعلى الدرجات، تعاون وتنسيق، بينما العنكبوت بيت مهدم من الداخل، فهناك ضعف مادي وضعف معنوي.

الوازع الداخلي و الرادع الخارجي :

 الآية الثانية:

﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾

[ سورة العنكبوت: 45]

 كلكم يعلم أن الإنسان ينضبط إما بوازع، وإما برادع، إذا كان هناك قوانين صارمة، ومحطات رادار على الطرق العامة، تكشف المخالف، فالإنسان ينضبط، لا ينضبط بوازع داخلي إنما ينضبط برادع خارجي، وإذا أردنا أن نجعل من حضارة الغرب نموذجاً، حضارة الغرب ضبط الأمور عندها مبني على الرادع الخارجي، أما حضارة الإسلام فضبط الأمور في الإسلام أساسه الوازع الداخلي.
 إنسان يحمل تاج كسرى، وسواري كسرى، وقميص كسرى، شيء لا يقدر بثمن، ثمنه مئات الملايين، يحمله ويأتي به إلى أمير المؤمنين عمر، ولا يفصح عن اسمه، وكان بإمكانه أن يبيعه في بلاد أخرى فيغتني إلى مئة عام، فقال سيدنا عمر: والله إن الذي أدى هذا لأمين، فقال له سيدنا علي: يا أمير المؤمنين عففت فعفوا، ولو وقعت لوقعوا.
 الإنسان حياته مبنية على الوازع الداخلي، قال لي شخص بورقة ولا أنساها عقب درس من دروس الأمانة، قال لي: أنا معي مبلغاً يقدر بعشرين مليون لورثة، لا يعلمون عن هذا المبلغ شيئاً، فضلاً عن أنهم لا يملكون وثيقة، أو سنداً، أو عقداً، فذهبت وسلمتهم إياه، بدافع الوازع الداخلي، المؤمن حياته مبنية على الوازع الداخلي.

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى ﴾

 من الداخل،

﴿ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾

  أما بالحضرة الحديثة فيوجد أجهزة، وحسابات، يأتي الموظف يسجل ساعة دخوله على جهاز آلي، يخرج يسجل على جهاز آلي، فكل حركات الإنسان وسكناته، دخل لصالة ليشتري، مراقبة الصالة تلفزيونياً، إذا أخذ حاجة وأراد ألا يدفع ثمنها عليها لصاقة، فإذا خرج من باب الصالة يصدر صوت إن لم يدفع ثمنها، تجد الناس منضبطين، لا لأنهم أخلاقيون أبداً، لأن هناك أجهزة راقية جداً تكشف كل أخطائهم، هذا النظام مبني على الرادع الخارجي، فلما قطعت الكهرباء في مدينة في أمريكا تمت في هذه الليلة مئتا ألف سرقة، حضارة الغرب أساسها الرادع الخارجي، وأساسها الإنسان يضع نظاماً، والإنسان الآخر الطرف الآخر قد يكون أذكى، فيضع إنسان جهازاً لكشف السرعات العالية عن طريق الرادار، يأتي إنسان يخترع جهازاً لكشف موقع كشف الرادار، فقبل أن يصل إليه يخفف السرعة، فالإنسان الأول يعمل جهازاً لكشف جهاز كشف الرادار، الأنظمة الوضعية سلسلة من الحروب العقلية بين الناس، أما إذا كان هذا النظام من عند خالق الكون فلا يستطيع أحد أن يتكلم بشيء.
 الآن كلكم صائمون والحمد لله، لو كان الصيام في شهر الصيف، في أيام الصيف الإنسان يشعر بالحاجة إلى الماء بشكل يفوق حدّ الخيال، لو كان الشيء يباع يقول لك: أشتري كأس الماء بمئة ألف ليرة، ودخل إلى الحمام، وهناك حنفية عداد، والماء بارد عذب فرات، ولا أحد يراه هل يستطيع مسلم أن يبتلع قطرة ماء واحدة؟ لا يستطيع، أرأيت إلى هذا النظام العظيم، إذا أنت رسخت الإيمان في قلوب الناس الحياة تنتظم، قلت مرة: سمان عنده تنكة من السمن البلدي، وقعت فيها فارة، من يستطيع أن يعلم أن فأرة قد سقطت فيها؟ لا أحد، لأنه مؤمن يبيعها إلى معامل الصابون، ولا يبيعها زيتاً يأكله للناس، أما إذا لم يكن فيه دين، أحياناً يغشون المواد الغذائية بشكل يؤدي إلى بعض السرطانات، من أجل أن يكون لون هذا المادة فاتحاً يضعون مواداً متعلقة بالدهان، تشتهي أنت هذه المادة لأن لونها جميل جداً.
 فإذا الإيمان فقد من مجتمع المجتمع انتهى، أعلى الأنظمة الصارمة لا تحاسب إلا على الظاهر، الحياة لا تنتظم إلا بالوازع الداخلي، لا تنتظم بالرادع الخارجي، أو الضبط الخارجي.
 مرة قال أحد وزراء التربية قديماً عندما كنا في الجامعة، قال: كل ما نملك من سلطة على المعلم أن نجعله يدخل الصف الساعة الثامنة، أما هو في الصف فيعلم أم لا يعلم، يضيع وقت الطلاب، لا يعطيهم حقائق، يحضر، لا يحضر، هذا لا نملكه، لا يملكه إلا هو، فإذا كان عنده وازع داخلي يعلم جيداً، طبق هذه على المدرسين، والأطباء، والمحامين، وكل المهن الراقية، هذه قاعدة.
 فحياة المسلمين أساس نجاحها الوازع الداخلي، والحياة المادية أساس إخفاقها الرادع الخارجي، لأن هذا الرادع الخارجي لا يصل إلى أعماق النفس، وهناك انحرافات، وهناك في الأنظمة الوضعية أشياء مضحكة، لأنه لا يوجد وازع داخلي يمكن أن يستغل القانون لصالح الناس.

أخطر وظيفة للصلاة أنها تنهى عن الفحشاء و المنكر :

 إذاً:

﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ ﴾

 أي أخطر وظيفة للصلاة أنها

﴿ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾

 تنهى الإنسان نهياً داخلياً، لذلك المؤمن أمين، تشعر أن من سابع المستحيلات أن المؤمن يأكل قرشاً حراماً، المال بين يديه، ولا يستطيع أن يأكل ليرة واحدة.
 سيدنا عمر بن عبد العزيز كان إذا أراد أن يحدث أهله يطفئ الشمعة التي هي من المال العام.
 سيدنا أبو حنيفة النعمان تحول عن ظل بيت مرهون عنده، البيت له ظل، واليوم شمس، وحر شديد، قال: هذا البيت مرهون عندي، وإني أكره أن أنتفع بظله.
 و ركعتان من ورع خير من ألف ركعة من مخلط.

الأمانة والصدق قوام الحياة الأخلاقية :

 فيا أيها الأخوة الكرام، ممكن أن يكون درسنا اليوم أعظم ما في الدين أنه ينشئ في داخل النفس البشرية وازعاً، يقول لك: وازع إلى الخير ووازع إلى الطاعة، المؤمن مؤتمن، المؤمن صادق، أبرز صفة، ماذا قال سيدنا جعفر؟

((كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه ))

[ابن خزيمة عن جعفر بن أبي طالب]

 الأمانة والصدق قوام الحياة الأخلاقية، وفي المجتمعات المادية لا أمانة ولا صدق، كذب وخيانة، لذلك ورد في بعض الأحاديث:

((يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب ))

[الإمام أحمد عن أبو أمامة الباهلي]

 أحياناً إنسان يدفع ثمن قسطرة خمسة و ثلاثين ألفاً، ويجب أن تكون القسطرة بجهاز جديد، إذا كان الجهاز مستعملاً، المريض مخدر، من يكتشف أن هذا جهاز القسطرة مستعمل للمرة العشرين؟ يدفع كل مريض ثمنه الذي يقدر بخمسة و ثلاثين ألفاً، من يعرف هذا الشيء إلا الله؟ إذا لم يكن هناك ضمير الحياة لا تستقيم، و هناك أخطاء لا يعلمها إلا الله أساسها ضعف الوازع الداخلي، وضعف الرادع الخارجي، أحياناً المجتمع يكون متخلفاً مرتين، متخلف عن وجود روادع خارجية صارمة، ومتخلف عن وجود نوازع داخلية نامية، لا هذه ولا تلك.
 إذا كنت تحتاج فرقاً صارخاً للمؤمن وغير المؤمن، المؤمن لا يمكن أن يعصي الله، ولا أن يأكل حق أحد، لأن عنده خوفاً من الله يكفي أن يحمله على طاعة الله.

الكون معجزة و هو من آيات الله الدالة على عظمته :

 الآية الثالثة:

﴿ وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ ﴾

[ سورة العنكبوت: 50]

 آية دقيقة جداً، الكون كله آيات، الكون كله بوضعه الراهن من دون معجزات، من دون خرق للعادات، من دون خرق للنواميس، هو بحد ذاته معجزة، إنسان يتابع حركة سيارة، أينما ذهبت ينطبع خيالها على الشبكية، اسأل علماء الفيزياء هذه قضية في منتهى التعقيد، أن عدسة لها محرق، وهناك شيء متحرك، الشيء الذي تعلمناه في الدراسات العلمية أن هذه العدسة محرقها ثابت، والجسم الذي أمامها إذا لم يكن في مكان معين لا ينطبع خياله على الشبكية.
 كرة تتحرك ارتفاعاً وانخفاضاً، يميناً ويساراً، وشكل الكرة واضح عند المشاهدين، كيف يتم ذلك؟ هناك عملية اسمها المطابقة، والمطابقة من أعقد عمليات العين، عدسة مرنة عليها عضلات تزيد من احتدابها بالمكرونات، وتقلل من احتدابها مكرونات، كأن هناك جهة ثالثة تزيد من بعد الكرة عن العدسة، وتضغط على الجسم بحيث يبقى الخيال على الشبكية، هذه عملية لا يستطيع أن يعملها أكبر عالم فيزياء، كل واحد منا يرى الشيء بوضعه الصحيح بالرؤية الدقيقة من دون جهد منه، تريد آيات؟ هذه آية.
 الماء تبرده ينكمش شأنه شأن أي عنصر في الأرض، عند الدرجة زائد أربع يزداد حجمه، القضية من التعقيد من الصعب أن تفهمها، شرحت لك، لولا هذه الظاهرة ما كان هناك حياة على وجه الأرض، هذه آية.
 بماء العين يوجد مادة مضادة للتجمد، لو سكن الإنسان بالقطب، الحرارة سبعون تحت الصفر، عينه محمية من التجمد،

﴿ وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ ﴾

  المطر آية، الشمس آية، القمر آية، الليل آية، النهار آية، الأطيار آية، طير يغادر يمشي سبعة عشر ألف كيلو متر، على أي شيء يهتدي؟ تجد طائرة، وأجهزة، ومحطات بث أرضية، وخرائط، وقد تضل الطريق، الطائر لا يوجد عنده أي جهاز، يطير من جنوب إفريقيا إلى الشام، إلى بيته، إلى وكره، إلى عشه، لو انحرف درجة يأتي بمصر، درجة واحدة، إذا بدأ انحرافه من جنوب إفريقيا، درجة واحدة يأتي بمصر، درجة واحدة يأتي بالعراق، هذه آيات.

﴿ وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ ﴾

 الآيات موجودة، وما علينا إلا أن نفكر فيها، القصد من ذلك لا تطلب خرق العادات، العادات وحدها معجزة، لا تطلب شيئاً استثنائياً، الكون بوضعه الطبيعي معجزة، حسبكم الكون معجزة.

تطابق كلام الله عز وجل مع أفعاله :

 أما قوله تعالى:

﴿ فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ﴾

[ سورة يونس: 29]

 فيجب أن تؤمن أن كل أفعال الله عز وجل تؤيد كلامه، تتطابق مع كلامه، فالقرآن لا تزيده الأيام إلا رسوخاً، لأن كل أفعال الله تؤيد ما جاء في كتاب الله، وهذه الأفعال التي هي من فعل الله شهادة الله لعباده، أتريد أن يشهد الله لك أن هذا القرآن كلامه؟ كل وعد تحقيقه شهادة، كل وعيد تحقيقه شهادة، كل شيء قاله الله عز وجل تراه في عالم الواقع مطابقاً لما في القرآن، هذا التطابق هو شهادة الله على أن هذا القرآن كلامه.
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارضَ عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصبحه وسلم .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور