وضع داكن
18-04-2024
Logo
تأملات قرآنية - الدرس : 20 - من سورة النحل - المستقبل واقعٌ لا محالة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

الذكي و الموفق هو من يعيش المستقبل ويتوافق معه :

 أيها الأخوة الكرام؛ الآية الأولى في سورة النحل:

﴿ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ﴾

[سورة النحل: 1 ]

﴿ أَتَى ﴾

 فعل ماض،

﴿ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ﴾

 فعل مضارع،

﴿ تَسْتَعْجِلُوهُ ﴾

 أي تطلبون سرعة مجيئه، أما

﴿ أَتَى ﴾

 فمعناه قد جاء وانتهى الأمر، ما معنى هذه الآية؟ معنى هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى في آياتٍ كثيرة يعبر عن المستقبل بالفعل الماضي، من أجل أن نشعر أن هذا المستقبل قد وقع، وانتهى الأمر، لأن وعد الله عز وجل واقعٌ لا محالة.

﴿ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ ﴾

[سورة المائدة: 116 ]

 هذا القول لم يقله بعد سيدنا عيسى، سيقوله يوم القيامة، أما حينما جاء هذا الفعل المستقبلي بصيغة الماضي معنى ذلك أن هذا الفعل في حكم الواقع.
 الآن الإنسان يتحرك، يوجد نقطة ثابتة، هناك حالات بالهندسة إذا كانت النقطتان متحركتين لن يلتقيا، ولاسيما إذا كانتا بسرعةٍ ثابتة، نقطة ماشية على المئة، ولاحقتها على المئة لن يلتقيا، إذا الأولى ماشية على التسعين والثانية على المئة يلتقيان بعد أمدٍ طويل، أما تصور النقطة الأولى ثابتة، والثانية متحركة، معنى هذا أن اللقاء قريب، نقطة ثابتة والثانية متحركة.
 إنسان ركب سيارة باتجاه حلب، حلب ثابتة، هو ماش، ما دام يمشي سيصل قريباً، فنحن نقاط متحركة كلنا إلى هدفٍ ثابت.

﴿ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾

[سورة يس : 38]

 فالآن المستقبل في حكم الواقع، والعاقل، الذكي، الموفق هو الذي يعيش المستقبل ويتوافق معه منذ الآن، والأقل ذكاء يعيش حاضره، والغبي يعيش ماضيه، يتغنى بماضيه وواقعه سيئ جداً، فربنا عز وجل عبر عن هذه المعاني أن المستقبل آتٍ لا محالة، والمستقبل سريع المجيء، والمستقبل في حكم أنه قد أتى:

﴿ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ﴾

[سورة النحل: 1 ]

أي لم يأتِ بعد، لذلك قال سيدنا علي: " كل متوقعٍ آت، وكل آتٍ قريب " وهذا الشيء نحسه جميعاً في حياتنا الدنيا، بدأ رمضان، أول يوم صلينا فيه، أمامنا ثلاثين يوماً، ما شعرنا به أصبحنا في اليوم الثاني عشر، ولن يمضي وقتٌ طويل حتى ينتهي رمضان، ويأتي العيد ثم يأتي عيد الأضحى، ثم يأتي الشتاء، والربيع، وتمضي هذه السنوات سنة إثر سنة، وكأنها حلم، يوم القيامة يُسأل الإنسان كم لبثت في الدنيا؟ يقول:

﴿ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ﴾

[سورة الكهف: 19 ]

 وفي آية:

﴿ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ﴾

[سورة الأحقاف: 35 ]

 والحكمة أن الدنيا ساعة، اجعلها طاعة، الزمن يمضي سريعاً، وكل واحد منا له عمر ليسأل نفسه كيف مضى هذا العمر؟ والله كالحلم، كان بالخامسة عشرة، الآن بالسبعين، بالستين، بالخمسين، بالأربعين، وهكذا الماضي على طوله مضى، فالمتبقي في الأعم الأغلب أقل مما مضى، كيف مضى الذي مضى؟

اختلاف إستراتيجية المؤمن عن غير المؤمن :

 إذاً هذه الآيات في القرآن الكريم التي تتحدث عن المستقبل بمعنى أن المستقبل واقعٌ لا محالة، بل في حكم الواقع، وكأنه وقع، الآن المؤمن في أي أجواءٍ يعيش؟ يعيش في المستقبل، المستقبل فيه موت، فيه قبر، فيه جنة، برمج حياته، دخله، إنفاقه، بيته، زوجته، أولاده، كلامه، نطقه، حركته اليومية برمجها بحيث أنه يسعد بها في المستقبل، فتجد له يسمونها بالتعبير الحديث إستراتيجية، للمؤمن إستراتيجية غير الناس، الناس يستهلكون حظوظهم من الدنيا، هو يستثمرها، الناس يستهلكونها، يأكل، ينام، يعمل نزهة، يلبس، يعزم، لكن ليس له هدف، يستهلك حظوظه، المؤمن أتاه الله حظوظاً، هو يوظفها في الحق لا يستهلكها، يوظف الوقت في ذكر الله، يوظف القوة في طاعة الله، يوظف المال في خدمة الفقراء والمساكين، يوظف طلاقة لسانه في الدعوة إلى الله، يوظف علمه في البحث عن أدلةٍ تقوي الإيمان، المؤمن يستثمر حظوظه في الدنيا، وكأنها رأس ماله، والكافر يستهلكها.
 تماماً لو أعطينا إلى إنسانين كل واحد مليون ليرة، الأول أنفقها، سافر، نزل بفنادق، اشترى ملابس، أكل، عزم، ضيّف، خلال شهر أو شهرين أو ثلاثة انتهت، استهلكها، و الثاني بحث عن أعلى شركة استثمارية، دفعها إليها، وصار يستجر أرباحاً، هو يعيش من ريع هذا المبلغ، لا يعيش من أصله، يعيش من ريعه.

الإنسان بضعة أيام كلما انقضى يومٌ انقضى بضعٌ منه :

 الآن نحن كلنا رأس مالنا، الوقت هو ظرف العمل، كل واحد منا له عند الله وقت، البارحة سمعت من أخ كريم مطلع على أحدث بحوث الهندسة الوراثية، العلماء في الغرب اكتشفوا أن من المورثات مورثاً فيه عمر الإنسان الدقيق، لكن لن يستطيعوا أن يفتحوه ليعرفوا كم هو عمره، لكن تحدد مورث من بين الألف مورث التي اكتشفت حتى الآن، أحد هذه المورثات تحدد عمره، الله عز وجل ذكر هذا في كتابه الإنسان له أجل لا يتقدم ولا يتأخر، فنحن آجالنا ليست مفتوحة، مغلقة، كل واحد منا له أجل مغلق، والله أعلم، الإنسان مثلاً ستون، اثنان وخمسون، ثلاث وخمسون، سبعون، خمس وأربعون، تسع وأربعون، متى يموت؟ يوجد مليون سبب للموت، فنحن رأس مالنا الزمن، الوقت، النقطة الدقيقة إما أن نستهلكه وإما أن نستثمره، المؤمن بأعلى درجات العقل، والتوفيق يستثمره، وغير المؤمن يستهلكه، فإذا الإنسان صرف من رأس ماله انتهى، هذا إذا كان أنفقه في المباحات، وكلامي دقيق جداً، إذا أنفقه في المباحات، أي لم يعمل المعاصي، إلا أنه استهلك حظوظه من الدنيا، استهلك ماله بالطعام، والشراب، واللباس، استهلك وقته بالراحة، والمزح البريء، والكلام العادي، استهلك صحته في كسب المال فقط.
 فيا أيها الأخوة الكرام؛ الوقت يمضي سريعاً، الإنسان بضعة أيام، كلما انقضى يومٌ انقضى بضعٌ منه، وما من يوم ينشق فجره إلا وينادي يا بن آدم، أنا خلقٌ جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة.
 هذا المعنى النبي الكريم أشار إليه، كان عليه الصلاة والسلام ما إن يفتح عينيه، أو ما أن يفتح عينيه مستيقظاً، حتى كان يدعو ويقول:

(( الحمد لله الذي ردَّ عليَّ روحي ))

 أي سمح لي أن أعيش يوماً جديداً، لأن الإنسان في النوم يتوفاه الله، النوم وفاة مؤقتة، والموت نوم دائم.

﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ﴾

[سورة الزمر: 42 ]

 كل واحد منا إذا أوى إلى الفراش يموت، لكن يموت ثم يبعث، والنبي عليه الصلاة والسلام علمنا هذا الدعاء:

(( اللهم إنْ أَمْسكْتَ نَفْسي فارْحَمْها ))

[متفق عليه عن أبي هريرة ]

 إذا نمت ولم أفق ارحمها:

(( وإنْ أرْسَلتَها فَاحْفَظْها ))

[متفق عليه عن أبي هريرة ]

 فالإنسان عندما يستيقظ معنى ذلك أن الله سمح له أن يعيش يوماً جديداً، أول دعاء للنبي اللهم صلي عليه:

(( الحمد لله الذي ردَّ عليَّ روحي ))

 لكن استيقظ، مشى، الحمد لله، الأجهزة كلها تعمل، الجاهزية عالية، السمع والبصر والحركة، قال:

((الحمد لله الذي عافاني في جسدي، وَرَدَّ عَلَيَّ رَوحي، وأذِنَ لي بذِكرِه ))

[متفق عليه عن أبي هريرة ]

 يوجد أناس ينامون للساعة الثالثة، يسهرون بنواد ليلية، والآن نائمون، نحن الله عز وجل سمح لنا أن نستيقظ، سمح لنا أن نذكره، سمح لنا أن نصلي، هذا فضل من الله عز وجل، إذا الإنسان الله نوره، وعرفه، وأعانه على طاعته، فهذا دعاء النبي:

(( الحمد لله الذي عافاني في جسدي، وَرَدَّ عَلَيَّ رَوحي، وأذِنَ لي بذِكرِه ))

[متفق عليه عن أبي هريرة]

المؤمن يعيش المستقبل :

 الإسلام قوي، والله غني عن أي مخلوق، أما إذا الله عز وجل أسمعك الحق، وأعانك على طاعته، وأذن لك أن تدعو إليه، فهذا شرفٌ كبير لا يناله كل إنسان، إذاً المؤمن يعيش المستقبل، لا يوجد مانع أن يتصور الإنسان حاله توفاه الله، يهيئ عملاً صالحاً، يهيئ عملاً يلقى الله.
 سمعت عن شخص، أنا والله لا أعرفه، ولا رأيته، لكن له أعمال طيبة جداً جداً، كان إذا دخل شخص لمكتبه، طلب مساعدة لجمعية للفقراء، من عادته يقول له: افتح صندوق الحديد، وخذ كم تشاء، ولا تعلمني كم أخذت، عمل مسجداً، له قصة غريبة، أن هذا الإنسان أصيب بمرض خبيث في الدم، وما كان معروفاً بالضبط نوع المرض، المستشفى اتصلت بالبيت من أجل أن تُعلم أهل البيت بنوع مرض مريضهم، لحكمةٍ أرادها الله، رفع السماعة هو - السماعة الثانية - فكان إبلاغ المستشفى أن الورم خبيث، ولن يعيش أكثر من ثلاثة أيام بالضبط- والقصة واقعة في دمشق، والشخص أعرف اسمه، أعرف صديقه- هذا الإنسان الذي لا يصدق تلقى النبأ ببساطة، وخبر أحد أصدقائه المقربين إليه، قال له: أنا انتهيت، هو له تجارة، قال له: هذه الصفقة سألغيها، وهذه الصفقة دفع ثمنها، أنت استلمها، وبعها، وأدِ ثمنها لأولادي، أول يوم حلّ كل مشاكله المالية، وثاني يوم استقبل كل أقربائه، وودعهم، وثالث يوم له شيخ في الشام، جاء شيخه، وبعض إخوانه، وقرؤوا له القرآن، وقام بنفسه اغتسل، والساعة الواحدة ظهراً فاضت روحه إلى السماء، الذي يلفت النظر أنه بأعصاب غير معقولة جداً تلقى هذا النبأ، لأن عمله طيب، كل إنسان عمله طيب يعد الموت تحفةً له، ويعده عرساً له.
 وما من صحابي على الإطلاق إلا كان في أسعد لحظات حياته حينما يلقى الله عز وجل، كل هذا التعب لهذه الساعة، طالب بذهنه أن يكون الأول على القطر حينما يقرع جرس الامتحان يفرح، لأنه مستعد استعداداً مذهلاً للامتحان، لم يترك كتاباً لم يدرسه، لا يوجد مسألة لم يحلها، عامل دروس خاصة، حافظ، ملخص، دفاتر كاملة، أي شوقه الكبير أن يصب كل علمه على هذه الورقة، فهذا الطالب فرحه بالامتحان، بمجيئه، غير الطالب الكسول الذي سوف يخزى في هذا اليوم، هناك فرق كبير جداً.

الموت نهاية كل إنسان والعاقل من يستغل كل ثانية من حياته :

 أيها الأخوة؛ من علامة التوفيق أن تعيش المستقبل، والحدث الواقع في المستقبل الذي لم ينج منه أحد هو الموت، وبين أن يكون أكبر مصيبةً، وبين أن يكون عرساً لك لا يوجد حل وسط، هذا الحدث الذي لا بد منه إما أن يكون أكبر مناسبة للسعادة، لأنه كالغائب ردَّ إلى أهله.
 تصور إنساناً - مثل افتراضي - فقير جداً، ذهب ليدرس في بلد غربي باختصاص نادر، لو عاد إلى بلده سيكون أغنى الأغنياء، فاشتغل بمطاعم، اشتغل حارساً، اشتغل بأعمال صعبة حتى قدر أن يؤمن مصروفه، ويدرس، وكان موعوداً في بلده إذا نال الشهادة العليا له عمل كبير جداً ، ودخل كبير، نال الشهادة، وصدقها، وقطع بطاقة طائرة، ووضع رجله على سلم الطائرة، ينتابه شعور بالسعادة لا يوصف أن كل هذا التعب انتهى.
 قال النبي عليه الصلاة والسلام عندما رأى جنازة:

((مستريح، أو مُسْتَراح منه، فقالوا: يا رسول الله ما المستريحُ وما المستَراح منه؟ فقال: العبد المؤمنُ يستريح من نَصَب الدنيا ))

[متفق عليه عن أبي قتادة]

 سمعت عن إنسان في بلد مسلم، كان بالسجن، كان بوضع صعب جداً، ويقوم بعمل مذكرة دفاع عن نفسه، فيقول صديقه: إنه يكتب، وتعبان، ومجهود بالكتابة غفل واستفاق، فمسك الأوراق، ومزقها كلها، لأنه رأى رسول الله في المنام وكأنه بشره أنك سوف تأتي إلينا عن قريب، فألغى المذكرة، وألغى الدفاع، وقضى يومين أو ثلاثة بسعادة لا توصف، فالإنسان عندما يكون له مقام عند الله:

﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ* فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ﴾

[سورة القمر:54-55]

 ابتغوا الرفعة عند الله، والجنة ثمنها في الدنيا مبذول، بيدكم جميعاً، بطاعة الله بخدمة عباده، بمحبته، بذكره، بالدعوة إليه، قال تعالى:

﴿ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ ﴾

[سورة النحل: 1 ]

 اعتبر المستقبل انتهى، أنت عندما تعيش المستقبل تتوافق معه في الحاضر، برمج حياتك، بيتك، نظام حياتك، مهنتك، كسبك للمال، أولادك، برمج حياتك على أساس أنك تعد للآخرة.

﴿ وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا ﴾

[سورة الإسراء: 19 ]

 انظر الآية:

﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ﴾

[سورة القصص: 77 ]

 أتاك علماً، أتاك قوة، أتاك صحة، أتاك مالاً، أتاك ذكاء، أتاك قوة حجة:

﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ﴾

[سورة القصص: 77 ]

 إياك أن تستهلك، وظف، الأذكياء بالاقتصاد يعيشون من ريع أموالهم، لا من رأس أموالهم، والإنسان الغبي يعيش من رأس ماله، يستهلك رأس ماله، رأس مالنا الوقت، هذا ينبغي أن يستهلك، أي كلمة لا وقت لدي لا تقل هذا إطلاقاً، لا شيء يعلو على معرفة الله، لا شيء يعلو على خدمة عباده، لا شيء يعلو على نشر الحق، هذا أكبر شيء أنت خُلقت من أجله.

الوراثة من آيات الله الدالة على عظمته :

 ثم قال تعالى:

﴿ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ﴾

[ سورة النحل : 4]

 الآن شغل العلماء الشاغل الهندسة الوراثية، أن الحوين المنوي هو خلية واحدة، والخلية لها غشاء، ولها هيولى، ولها نوية، على النويّة خمسة آلاف مليون معلومة مبرمجة، الآن اكتشف ألف معلومة، اكتشف ألف فقط، كلما اكتشفوا معلومة يجدون العجب العجاب، الآن من خلال الهندسة الوراثية بدؤوا يفسرون حالات الإنسان العجيبة، أن شاباً شرايينه بالثمانين، و إنساناً بالثمانين شرايينه كأنها شرايين شباب، وإنساناً بالأربعين شرايينه تالفة، يوجد بهندسته الوراثية شيء بتقدير الله عز وجل:

﴿ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ﴾

[ سورة النحل : 4]

 أي معقول حوين من خمسمئة مليون حوين يدخل إلى البويضة، ويكون فيه برمجة لخمسة آلاف مليون معلومة وأمر بوقت معين، ثم يخرج هذا الطفل إلى الدنيا بخلق مبدع، هذه من آيات الله الدالة على عظمته، طبعاً شيء ذكرته سابقاً:

﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة النحل : 8]

 لو أن هذا القرآن من عند رسول الله، من عند محمدٍ عليه الصلاة والسلام، بعهده كان يوجد خيل، وبغال، وحمير، وجمال، إلى آخره، لكن لم يكن هناك سيارات، ولا طائرات، ولا بواخر عملاقة، ما كان ذكر هذا الشيء، أما لأنه كلام الله عز وجل فقد قال:

﴿ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة النحل : 8]

 فأنت حينما تقرأ القرآن الكريم تشعر أن هذا كلام الخالق، الذي يعلم ما سيكون، ما سيكون مغطى بهذه الآية.

الدين خير مطلق :

 آخر آية:

﴿ وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ ﴾

[ سورة النحل : 30]

 الذي أنزله القرآن الكريم، والذي فصله النبي الكريم- السنة- هذا الدين بمجمله الله عز وجل طواه في كلمة واحدة:

﴿ قَالُوا خَيْراً ﴾

[ سورة النحل : 30]

 خير مطلق، هذا الدين، قرآنه، وسنته، وأوامره، وعقائده، وتكاليفه، وآدابه كله خير.

﴿ قَالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ ﴾

[ سورة النحل : 30]

القلب السليم من العيوب و الأدران عاقبته الجنة :

 كذلك الله عز وجل ما خلقنا ليعذبنا، وفي الدنيا لك حسنة، والآخرة فيها حسنة:

﴿ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ* جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ ﴾

[ سورة النحل : 30-31]

 الجنة شيء ثان، هنا لك ما سعيت:

﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ﴾

[سورة النجم:39]

 لا يوجد شيء بلا ثمن، من أجل أن تركب مركبة، تجهد في تجميع ثمنها، أما بالآخرة:

﴿ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ ﴾

[ سورة النحل : 31]

 فنظام الجنة أساسه اطلب تعطى وللأبد، لا يوجد موت، ولا مرض، ولا كبر، ولا خطوط على الوجه، شباب دائم، لا يوجد برد، ولا زمهرير، ولا قلق، ولا همّ، ولا خصومات، ولا عداوات، ولا أمراض، أبداً:

﴿ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ* جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾

[ سورة النحل : 30-32]

 لذلك:

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾

[ سورة الشعراء:88-89]

 رأس مالك قلبٌ سليم، سلم من العيوب، من الدنايا، من الأدران، من الأحقاد:

﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾

[ سورة النحل : 33]

 الطرف الآخر:

﴿ فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾

[ سورة النحل : 34]

 هذا الدرس ملخصه أن نعيش المستقبل، وأهم حدثٍ في المستقبل مغادرة الدنيا، وهذا الحدث الذي هو عند الناس أكبر مصيبة، ينقلب عند المؤمن إلى عرس، وإلى يوم عيدٍ وفرح.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور