مقدمة :
الأستاذ بلال :
السلام عليكم، عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: " من أعطى لله ومنع لله وأحب لله وأبغض لله فقد استكمل الإيمان".
ويقول الفضيل: الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل، فليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، موضوعنا اليوم عن عمل قلبي هو الأهم إنه الإيمان، فتعالوا نتابع..
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله مقلب القلوب والأبصار، والصلاة والسلام على النبي المختار، وعلى آله وصحبه الأبرار الأطهار,
أخوتي أخواتي أينما كنتم بتحية الإسلام أحييكم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، في مستهل حلقة جديدة من برنامجنا:" درر" اسمحوا لي في بدايتها أن أرحب باسمكم جميعاً بفضيلة أستاذنا الدكتور محمد راتب النابلسي، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الدكتور راتب :
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبارك الله بكم.
الأستاذ بلال :
أستاذنا الكريم نبدأ اليوم بأول أعمال القلوب، وأهم أعمال القلوب، والعمل الذي تنبني عليه الأعمال إنه الإيمان، الإيمان سيدي كما تعلمنا منكم هو اعتقاد بالجنان، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان، بدايته من القلب، الإيمان هو اعتقاد بالجنان، والجنان هو القلب، كيف نفسر الإيمان في ضوء أنه عمل من أعمال القلوب، هل الإيمان في القلب؟
العقل جزء من كيان الإنسان :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
الحقيقة الإنسان أمام ظواهر، أمامه في رأسه عقل، هذا العقل يدرك من خلال النظر، أو السمع، أو الاستنباط، وهناك وسائل كثيرة جداً، فحينما يدرك بعض الحقائق ويطبقها ويتفاعل معها يأتي هنا دور العقل، ذاق القلب مشاعر المحسن، ذاق مشاعر القرب من الله، فانقلبت هذه المعلومات النظرية التي وصل إليها بعقله أو بدماغه إلى حالات قلبية، هو الحقيقة الفكر وصل إليها، والقلب تمتع بها، هناك جانب إدراكي وجانب نفسي، فإذا جمعنا الجانب الإدراكي إلى الجانب النفسي صار عندنا عقل، والتطبيق كلما طبق هذه المعلومات يزداد عقلنا بصوابها عقلاً بأهميتها، والإيمان يتصاعد دائماً، بينما المعلومات الحسية حدية لا تزيد ولا تنقص، فالإيمان يزيد وينقص، والحقيقة الدقيقة أن الإيمان يزيد بالتطبيق، كيف ينقص؟ هو الإيمان كفكر حدي، هذه الغرفة مضاءة، فالفكر حدي، أما العقل فله علاقة بالتطبيق، وقطف الثمار، العقل متفاوت، فالإنسان عندما يزداد إيماناً يزداد قناعة من خلال التجارب، من خلال التوفيقات الإلهية، من خلال تحقيق وعود الله عز وجل، يزداد يقيناً بهذه الحقائق، أنا أكاد أعبر عن هذه الفكرة أنا أقول: كل قطرة في دمي، وكل خلية في جسمي تؤمن بهذه الحقيقة، هذا هو العقل، جزء من كيانك.
الأستاذ بلال :
يبدأ الإدراك من مظاهر.
آيات الله قنوات سالكة لمعرفته :
الدكتور راتب :﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآَيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾
الله له آيات، والآيات أنواع ثلاثة، آيات كونية خلقه، آيات تكوينية أفعاله، آيات قرآنية كلامه، إلا أن الآيات الكونية موقف المؤمن منها التفكر، قال تعالى:﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
الشاهد ويتفكرون، يتفكرون هذا الفعل فعل مضارع للاستمرار، أما التكوينية فأفعاله، قال تعالى:﴿ قُل سيروا فِي الأَرضِ ثُمَّ انظُروا كَيفَ كانَ عاقِبَةُ المُكَذِّبينَ ﴾
والآية الثانية:﴿ فَسيروا فِي الأَرضِ فَانظُروا كَيفَ كانَ عاقِبَةُ المُكَذِّبينَ ﴾
ثم للترتيب على التراخي، الفاء تفيد الترتيب على التعقيب، الله له آيات تكوينية أفعاله، أفعاله ينظر إليها، وخلقه يتفكر به، أما كلامه فيؤول، القرآن يحتاج إلى تأويل أو تدبر، التدبر قمة فهم القرآن، والتفكر قمة فهم الخلق، والثانية آياته التكوينية، النظر، أنا بين التفكر والنظر والتدبر، أكون قد غطيت الآيات الكونية والتكوينية والقرآنية، هذه القنوات السالكة لمعرفة الله، وأصل الدين معرفة الله عز وجل.الإنسان إن لم يعرف الله فالقرآن كتاب كأي كتاب :
الدكتور راتب :
نعم، الإيمان آمنت بموجب القرآن، آمنت بخالق السموات والأرض، آمنت بالرب العظيم، آمنت بالمسير، والقرآن دعمه، أما إذا الإنسان ما عرف الله فالقرآن كتاب قد يكون كأي كتاب.
الأستاذ بلال :
قال تعالى:
﴿ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ﴾
بارك الله بكم إذاً أستاذنا الكريم أعود إلى فكرة ذكرتموها لكن أريد تفصيلها، الإيمان سيدي كما قلتم يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.الإيمان تصديق و إقبال :
الدكتور راتب :العلاقة بين الأمن و الإيمان :
الدكتور راتب :﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾
بالمناسبة هناك سلامة وهناك أمن، إذا مضى عام بأكمله ولم يصب الإنسان بشيء، مرّ العام بسلام، السلام عدم حدوث مصيبة، الأمن عدم التوقع، لذلك قالوا: أنت من خوف الفقر في فقر، وأنت من خوف المرض في مرض، الآن هناك أمراض قلب سببها الخوف من أمراض القلب، أنت من خوف الفقر في فقر، وأنت من خوف المرض في مرض، وتوقع المصيبة مصيبة أكبر منها، لذلك أنا لا أصدق أن هناك عطاء للمؤمن يفوق الآية الكريمة:﴿ أُولئِكَ لَهُمُ الأَمنُ ﴾
وقال تعالى:﴿ إِيّاكَ نَعبُدُ ﴾
لو بدلنا نعبد إياك، لا تمنع أن نعبد غيرك، أما لو قلنا: أولئك الأمن لهم، أي لهم ولغيرهم، قال تعالى:﴿ أُولئِكَ لَهُمُ الأَمنُ ﴾
لما قدمنا وأخرنا صار هناك حصر وقصر.﴿ أُولئِكَ لَهُمُ الأَمنُ ﴾
جزاكم الله خيراً، الآن سيدي هناك الإيمان وهناك الإسلام وفي قوله تعالى:﴿ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا ﴾
ما الفرق بين الإسلام والإيمان؟الفرق بين الإيمان و الإسلام :
الدكتور راتب :﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾
بل أراد أن تكون علاقة الحب هي العلاقة الوحيدة بيننا وبينه، قال تعالى:﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾
إذا الإله اختار هذه العلاقة الراقية أنت أحياناً تخضع لمن لا تحب، لكن الذي تحبه كلام ابن القيم: من أعجب العجب أن تعرفه ثم لا تحبه، ومن أعجب العجب أيضاً أن تحبه ثم لا تطيعه.أطع أمرنا نرفع لأجلك حجبنــــــــــا فإنا منحنا بالرضا من أحبنــــــــــــــــــا
ولذ بحمانا واحتمِ بجنــابنـــــــــــــــــــا لنحميك مما فيه أشرار خلقنـــــــــــــــا
***
علاقة الإيمان بالعمل :
الدكتور راتب :
أنت هل ممكن أن تقول لإنسان: على كتفك عقرب، ويبقى هذا الإنسان هادئاً جداً؟ ويقول لك: أنا شاكر لك على هذه النصيحة، لم يسمع أو لم يفهم ما قلت له، لمجرد أن يعرف الإنسان الحقيقة من لوازم المعرفة الصحيحة أن يخضع لها بدافع من حرصه على سلامته، أو طمعه بعطاء ربه، الحقيقة المعرفة مرحلة قبل التطبيق، إذا لم يكن هناك تطبيق يكون هناك شك بالمرحلة السابقة، أحياناً يخضع قهراً، أو تقليداً، أحياناً الابن يصلي وليس قانعاً بالصلاة، لم يتلقّ علماً دقيقاً بالصلاة، الأب أجبره، إذا أجبره ما هذه التي أرادها الله، أراد أن تأتيه بأعماق قلبه.
الأستاذ بلال :
لأننا اليوم سيدي كثيراً ما نسمع امرأة مثلاً لا تلتزم بمنهج الله في الحجاب مثلاً، وهناك كثير من الأمور لكن كمثال، فإذا قلت لها: أين الحجاب مثلاً؟ تقول لك: أنا إيماني في قلبي، أنا فقط مؤمنة بالقلب.
الدكتور راتب :
هذه أكبر مغالطة في الحياة، فإذا أنت شاهدت إنساناً يقبل على خطر مميت، وقال لك: أنا لا أخاف، أنا إيماني في قلبي، هذا الكلام ليس له معنى إطلاقاً، الإنسان يحب ذاته، الآن في الأرض سبعة مليارات ومئتا مليون، لا يوجد واحد على الإطلاق بكل الأديان والملل والنحل إلا وهو حريص على سلامته، وعلى سعادته، وعلى استمراره، فإذا اعترف أو اكتشف أن سلامته الحقيقية بطاعة ربه، وسعادته الحقيقية بالعمل الصالح، واستمراره الحقيقي بالدار الآخرة، كل إنسان يحب ذاته، المشكلة البشر على اختلاف مللهم، ونحلهم، وانتماءاتهم، وأعراقهم، وأنسابهم، وطوائفهم، لهم بنية واحدة، فالخطأ ينجم من عدم القناعة، فلو تمت قناعتك تمت استقامتك.
الأستاذ بلال :
أستاذنا الكريم أنتقل في موضوع الإيمان إلى قضية مهمة ومصطلح نبوي نسمعه مصطلح حلاوة الإيمان، ما حلاوة الإيمان؟
حلاوة الإيمان و حقائق الإيمان :
الدكتور راتب :(( ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا..))
الدكتور راتب :((...أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا.. ))
عند التعارض، عندما تتعارض مصلحتك مع نص قرآني تهمل هذا النص، ما ذقت حلاوة الإيمان.خاتمة و توديع :
الأستاذ بلال :
جزاكم الله خيراً، وأحسن إليكم، كنا نريد أن نتابع الحديث لكن ضاق الوقت عنه:
(( ..وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ..))
وقد تحدثنا عن الحب في الله:(( .. وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ ))
جزاكم الله خيراً، وأحسن إليكم.