الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
تمهيد :
أيها الإخوة المؤمنون ؛ انطلاقاً من أن الدين هو الحياة القويمة ، قبل أيام أحد أصدقائي قال لي : إن مقابلةً تمَّت في بعض المحطات الفضائية ، تتعلَّق بالغذاء الذي يأكله الناس في شتّى بقاع الأرض ، وكيف أن هناك خللاً خطيراً في هذا الغذاء ، انطلاقاً من أهمية التوعية الصحية ، أردت أن أجعل هذا الدرس في موضوعاتٍ هي في رأيي ليست بعيدةً عن الدين ، ولكن في رأي مستمعٍ آخر قد يتوهم ألاّ علاقة لها بالدين ، فأنا أؤمن أن الدين هو الحياة ، وأن المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف .
أصل المرض :
أبدأ هذا الدرس بقوله تعالى :
﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾
فلم يقل : وإذا أمرضني ، وَإِذَا مَرِضْتُ ، فالقرآن الكريم يشير إلى أن أصل المرض من صنع الإنسان ..﴿ مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ ﴾
إتقانٌ ما بعده إتقان ، ودقةٌ ما بعدها دقّة ، وإحكامٌ ما بعده إحكام.﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾
استنبط علماء التفسير ، وهذا كلام رب العالمين ، أن أصل المرض بسببٍ آو بآخر يعود إلى الإنسان ، لأنه خالف منهج الله ، في الأمور التي تتعلَّق بصحته .النقطة الأولى : السببية .
أن الله عز وجل شاءت حكمته أن يجعل لكل شيءٍ سبباً ، وأن هذا الكون مبنيٌ على نظام السببية ، وأنّه مِن لوازم عبوديَّتك لله عز وجل أن تتأدَّب مع قوانينه التي تحكم جسمك ، كلُّ هذا مستنبط من قوله تعالى :
﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾
النقطة الثانية : الجهل .
يجب أن تعلم علم اليقين أن أكبر عدوٍ لك على الإطلاق ليس الذي يتربَّص بك ، وليس الذي يُخَطِّط ليهجم عليك ، إن أعدى أعدائك هو الجهل ، لأن الجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به .
أخ طبيب ، جزاه الله خيراً ، استشارني في أن يتخصص بالأمراض النسائية ، قال لي : مع علمي أن هناك مطبَّات في هذا الاختصاص ، ولكن الذي يؤلمني أشد الألم أن تجد المرأة المسلمة في وقتٍ مبكِّر تتراجع صحتها ، لجهلٍ فاضح في نظامها الغذائي ، وفي حركتها ، وفي أدائها أعمالها اليومية .
فمثلاً ، مرضٌ خطير يصيب النساء بعد الأربعينات ، بعد الخمسينات وهو مرض " ترقق العظام " ، هذا المرض من أخطر الأمراض ، لأدنى تعثر ينكسر عظم الفخذ ، أو عنق الفخذ ، أو عظم الحوض ، عظم هش رقيق ، هشاشةٌ ورِقَّة ، والوقاية الناجعة لهذا المرض هي المَشيُ ، وتناول المواد الكلسية ، وفي مقدمتها الحليب ، فالمرأة ينبغي أن تكون واعيةً إلى أن هيكلها العظمي قوام جسمها ، وأن هذا الهيكل العظمي يحتاج إلى تدريب .
ذكر لي أخ جراحُ عظام في أمريكا ، فقال : أجريت عملية تبديل مفصل للاعب كرة سلة ، وأردف قائلا : في حياتي كلها ما شاهدت عظمًا كالفولاذ صلابة وقوةً إلا هذه المرة ، فانتبهت أنا إلى أن الحركة تقوي العظم ، وعدم الحركة تصيب العظم بالهشاشة أولاً ، وبالترقق ثانياً.
وقد يقول قائل : ما علاقة هذا الدرس بالدين ، الدين هو الحياة ، والمؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله تعالى مِن المؤمن الضعيف ، قال أحدهم : أذهب إلى بلاد الغرب فأرى النساء في السبعينات وفي الثمانينات بصحةٍ جيدةٍ ، ونساؤنا في الخمسينات ، في صحةٍ سيئةٍ ، السبب الجهل ، والجهل أعدى أعداء الإنسان .
أيها الإخوة ؛ النقطة الأولى في المجتمع الإسلامي أوهام كثيرة :
مثل : أنْ كُلْهَا وسَمِّ الله ، ولا يضر مع اسمه شيء ، هذا جهلٌ فاضحٌ بالدين .
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكَّلُ أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكَّلُ قَالَ :
(( اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ ))
لا يتناقض التوكل مع الأخذ بالأسباب إطلاقاً ، بل كنت أقول دائماً : ينبغي أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، والغرب أخذ بالأسباب ، وجعلها كل شيء ، ونسي الله عز وجل ، فوقع في الشرك ، والشرق لم يأخذ بها جهلاً أو تجاهلاً فعصى ، وكأن طريق الإيمان طريقٌ على طرفيه واديان سحيقان ، الوادي الأول وادُ الشرك ، والوادي الثاني وادُ المعصية ، فمن أخذ بالأسباب واعتمد عليها وقع في الشرك ، ومن لم يأخذ بها وقع في وادي المعصية .النظام الغذائي:
أيها الإخوة ؛ مِن لوازم عبوديتك لله عز وجل أن تتأدَّب مع قوانينه التي تحكم جسمك ، حدثني أخ قال :
احذروا السموم الثلاثة الدقيق الأبيض والملح الأبيض والسكر الأبيض
النعمة الأولى : الهداية .
أول نعمةٍ على الإطلاق أن تكون مهتدياً إلى الله ، حتى إن بعض العلماء قال : تمام النعمة الهدى .
النعمة الثانية: الصحة .
النعمة التي تليها مباشرةً نعمة الصحة ، فما قيمة المال ؟ وما قيمة العز والسلطان ؟ ما قيمة الحاجات المتوافرة حولك إن لم تكن صحيحاً ؟ فلذلك صحة المؤمن ليست مِلْكَه ، صحته مِلْك أسرته ، وصحته ملك المسلمين ، فعنايته بصحته نوعٌ مِن العبادة .
أقول مرةً ثالثة : الإسلام هو الحياة .
أيها الإخوة ؛ أنت في الدنيا مِن أجل أن تصل إلى الجنة ، ثمن الجنة العمل الصالح ، العمل يحتاج إلى قوة ، يحتاج إلى صحة ، يحتاج إلى نشاط ، فالإنسان حين يفقد صحته ، أصبح أعضاءً وأشلاءً ، ويصبح عالةً على الناس ، وعبئاً عليهم ، فحينما تعتني بصحتك ، وتتأدب مع القوانين التي تحكم جسمك هذا من الدين ، وكل إنسان لا يعبأ بهذه القوانين هو يُصَغِّر منهج الله عز وجل ، وعاقبته عندئذ وخيمة .
هناك شيء يلفت النظر ، وقد حدثني بعض الإخوة الأكارم أن أمراض السرطانات ، الأورام الخبيثة ، نسبها مرتفعة إلى درجة مخيفة ، إلى تسعة أمثال ، في هذه السنوات العشر ، نسب الإصابة بهذه الأورام ارتفعت إلى تسعة أمثال ، وهذا يدل على خلل في حياتنا ، إذًا عندنا أشياء غير طبيعية ، هناك مَن يعزو هذا إلى الطعام المُعَلَّب ، ونحن بفضل الله عز وجل لا تزال بيوتنا تأكل الطعام الطازج ، بل إن أحد الأصدقاء ، جزاه الله خيراً ، قال لي : أجريت دراسة دقيقة في العالم الغربي عن غذاء الشعوب ، كان غذاء شعوب حوض المتوسط مِن أفضل أغذية الشعوب في العالم والأسباب :
1- الاعتماد على البروتين النباتي :
أن هذا الغذاء يعتمد على البروتين النباتي ، أي الحمص والفول .
2-الاعتماد على السيلولوز :
ويعتمد على السيلولوز ، نحن نأكل البرتقالة بكاملها ، والتفاحة بكاملها ، وليس لدينا إمكانية نشرب كأسًا من العصير ثمنها سبعون ليرة ، هذا فوق طاقة الأسرة المتوسطة ، نحضر كيلوين من البرتقال لنأكلها ، فحينما تأكل الفاكهة كما خلقها الله عز وجل ، وحينما تأكل الخضر والفواكه كما خلقها الله عز وجل ، معنى ذلك أن الأمعاء تمتلئ بالسيلولوز ، وامتلاء الأمعاء بالسيلولوز يقلِّل إبقاء الطعام في الأمعاء إلى أقل وقتٍ ممكن ، وهذا السيلولوز يمتص الكولسترول الزائد ، فالمعنى أن تأكل الطعام كما خلقه الله عز وجل فهذا صحة .
طبعاً هناك ملاحظات كثيرة ، ولكن غذاء شعوب حوض المتوسط يُعَدُّ من أفضل أغذية شعوب العالم ، لأنه يعتمد على البروتين النباتي ، ولأسباب اقتصادية ، بسبب فقر هذه الشعوب أحياناً يعتمد على أكل السيلولوز مباشرةً ، كالخضار والفواكه .
3-الاعتماد على زيت الزيتون :
والشيء الثالث : تعتمد هذه الشعوب على زيت الزيتون ، وزيت الزيتون ربنا جل جلاله وصف هذه الشجرة بأنها مباركة :
﴿ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ ﴾
وإلى عهدٍ قريب كان هناك مَن يتوهم أن زيت الزيتون مؤذٍ ، لكن الحقيقة أنني قرأت مقالةً علميةً حول زيت الزيتون : وإذا به يخفض الضغط ، ويخفض الكولسترول ، ويقي الشرايين مِن التصلُّب ، فهذا الزيت كما قال عليه الصلاة والسلام :(( كلُوا الزَّيْتَ وادَّهنُوا به ، فإنه من شجرة مُباركة ))
بالمناسبة أيها الإخوة ؛ ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام في شؤون الصحة لا علاقة له إطلاقاً بثقافته ، ولا بثقافة عصره ، إنه وحيٌ مِن الله عز وجل ، إنه مِن خالق الإنسان ، مِن الخبير ، فكلما قرأت حديثاً فيه توجيهات صحية ، يجب أن تعتقد اعتقاداً جازماً أن هذا ليس من ثقافة عصر النبي ، ولا من ثقافته الشخصية ..﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾
فقد أرشدنا إلى أكل حبة البركة " الحبة السوداء " ، وسمعت أن مؤتمراً عقد في مصر لدراسة هذه الحبة ، فإن فيها الشفاء كما قال عليه الصلاة والسلام ، وبعد دراسات طويلة وجدوا أن هذه الحبة تقوِّي جهاز المناعة .العلم والدين :
الغدة الصعترية " التيموس " :
وأنا أريد أن أبين لكم أن ليس كل شيء توصل الطبُّ إليه هو الصحيح ، أنا في آخر زيارة زرت فيها أمريكا ، أحد إخواننا الأطباء يتخصص بالغدد الصماء ، حدثني عن هذه الغدة الصعترية " التيموس " ، هذه الغدة تنمو مع الولادة ، وبعد سنتين تضمر ، هناك أطباء كبار ، وأساتذة في الجامعات قالوا : هذه الغدة لا وظيفة لها ، فإذا هي أخطر غدة في الإنسان .
الغدة الصعترية تدرب الكريات البيضاء للدفاع عن جسم الإنسان
الخرف المناعي سببه مهاجمة الكريات البيضاء للخلايا السليمة
عملية الذبح :
وقد كنت ذكرت لكم سابقاً أن النبي الكريم مِن توجيهاته في ذبح الذبيحة أن تقطع مِن أوداجها فقط ، لا في عصره ، ولا في كل المراكز العلميّة في عصره ، لا في بلاد الهند ، ولا في بلاد الصين ، ولا في بلاد الرومان ، مركز علمي يمكن أن يفسِّر توجيه النبي ، اقطع رأس الخروف مِن أوداجه ، وأبقِ الرأس متصلاً بالجسم ، وإلى فترة بسيطة جداً اكتشف أن القلب فيه ثلاث مراكز كهربائية لتنبيهه ؛ المركز الأول هو الأصل ، فإذا تعطل واحد فالثاني احتياط ، وإذا تعطل الثاني فهناك مركز ثالث احتياط ، وأحياناً يزرعون بطارية في القلب ، لأن هذه المراكز قد تعطلت ، وعندنا شيء اسمه نظم القلب ، نظم القلب تتولاه هذه المراكز الكهربائية ، ولأن القلب خطير جداً فليس مِن المعقول أن يعتمد على الشبكة العامة
الحكمة من ابقاء رأس الذبيحة متصل لزيادة عدد ضربات القلب وبالتالي اخراج الدم كله
﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾
إذًا لا بد من التسليم .الشدة النفسية :
أيها الإخوة ؛ الإنسان حينما تصيبه شدة نفسية ، هذه الشدة النفسية تضعف جهاز المناعة ، لذلك هناك أورام خبيثة سببها أحياناً الخوف ، ما الذي يقيك مِن الشدة النفسية ؟ التوحيد ..
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ﴾
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
فالتوحيد مريح ، إخواننا الكرام التوحيد وحده صحة ، حدثني أخ قال لي : الإنسان المستقيم الذي له اتصال بالله ، تجد جهاز مناعته قويًا ، يتغلب على أمراض بأعلى مستوى ، يأتي إنسان آخر صحته في الأصل أفضل ، لكن جهاز مناعته ضعيف مِن الشدة النفسية ، أي من الشِرْك ، فالله عز وجل قال :﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا ﴾
﴿ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ ﴾
قال علماء التفسير : تمام النعمة الهدى .التوافق بين العلم والدين :
الآن ، أنا حسب معلوماتي المتواضعة في الأمور العلمية أعرف أنه كلما تقدم العلم اقترب مِن الدين ، حدثني طبيب أسنان فقال لي : كانت عمليات زرع الأسنان ، الزرعة أسطوانية ، لكنهم وجدوا جذر السن موشوري ، فجعلوها موشورية ، كان الطبيب مكلّفًا أن يجعل الزرعة متعامدة مع سطح الفك ، وجدوا أن الجذر مائل ، والمائل أقوى ، فصار عليك أن تزرع زرعًا مائلاً ، فكلما تقدم العلم اقترب مِن التصميم الإلهي ، لأن الله عز وجل خبرته قديمة .
ذات مرة زرت معمل سيارات بأمريكا ، فالذي أطلعني على أطراف المعمل أردت أن أداعبه ، قلت له : هل تعرف سيارة موديل ألف وتسعمائة وعشرة ؟ قال لي : طبعاً ، قلت له: صِفها لي ؟ كان يشعل الفانوس بالكبريت ، وكان يشغلها بالمناويل ، وآلة التنبيه مثل آلة بائعي زيت الكاز ، والعجلات بدون هواء ، صب ، وحركة واحدة ، فلو وازنت بين سيارة موديل 1910 وسيارة ستمائة مرسيدس إنتاج عام تسعة وتسعين ، وجدت فرقا كبيراً بينهما ، فبمَ تفسر ذلك ؟ إنّ الإنسان خبرته حادثة تنمو ، أما ربنا عز وجل عندما خلق الإنسان هل جعل إنسان موديل1910 وموديل 1999 ، هذه النقطة مهمة ، خبرة الله قديمة ، طرأ تعديل في موديل تسعين ، هناك مثلاً " إس دي " ، أما الإنسان هو نفس الإنسان ، أنا حتى أرفض أن يقول الطبيب : هذه الزائدة الدودية ، بل عليه أن يسميها ذائدة ، أي مدافعة ، في خط الدفاع ، خطأ أن تقول : زائدة ، قل ذائدة ، زائدة اسم فاعل مِن زاد ، بينما ذاد بمعنى دافع .
فلذلك أيها الإخوة الشدة النفسية وراء معظم الأمراض ، والمؤمن موحِّد ، أمره بيد الله ، والله عز وجل يراه ، ويسمع صوته ، وهو راضٍ عن الله ، والله راضٍ عنه ، فعند المؤمن من السعادة والله أيها الإخوة لو وزعت على أهل بلد لكفتهم ، عنده طمأنينة والدليل :
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾
الشفاء الذاتي :
قرأت مرة موضوعًا في مجلة محترمة ، تلخِّص هذه المجلة كتابًا عنوانه :
الشفاء الذاتي .
جاء فيها : إن الشفاء الذاتي في العصور السابقة ربط بأوهام ، وبآراء الكهان ، وببعض التفسيرات الدينية الساذجة ، فالأطباء أعرضوا عن هذا الموضوع كلياً ، ولكنه واقع ، أحياناً مرض عُضال نتيجته الموت الزؤام المُحَقَّق ، فإذا به يتراجع ذاتياً ، أنا أعرف صديقًا أصيب بسرطان الرئة ، أعرفه معرفة جيدة ، والخزعات أكَّدت ذلك ، والفحص السريري أكد ذلك ، والأطباء كبار ومخلصون وأصحاب خبرات عالية كلهم أجمعوا على أن المرض مميت ، وأخذت خزعة إلى بريطانيا ، والعملية احتمال نجاحها بالمئة ثلاثون ، وتكلفتها ثمن بيته ، وهو صديق قريب مني ، هذه قصة من ستة عشر عامًا تقريباً ، ثم تراجع المرض ذاتياً ، والآن هو حيٌ يرزق بأعلى درجة من الصحة .
فأنا ذكرت هذه القصة على موضوع الشفاء الذاتي ، ففي ثنيات هذا الكتاب المترجم والملخص في مجلة تصدر شهرياً في الكويت ، مجلة العربي ، جاء فيها : أكثر الأجهزة بالجسم البشري لها مركز إدارة بالجسم ، فجهاز الدوران مركزه القلب ، جهاز الأعصاب مركزه الدماغ ، جهاز الإفراز مركزه الكليتان ، إلا جهاز المناعة مركزه خارج الجسم ، كأنه بيد الله عز وجل ، قال : وتتحكم فيه الحالة النفسية للمريض .
والآن هذه حقيقة هي أن بعض المؤمنين إذا مرضوا فلحكمة بالغة ، آلامهم أقل بكثير مِن آلاف الشاردين ، ذلك أن طريق الآلام يبدأ مِن المحيط عبر أعصاب الحس ، إلى النُخاع الشوكي ، فالبصلة السيسائية في المخيخ ، فالمخ ، إلى قشرة الدماغ ، هذا اسمه طريق الآلام ، وعلى هذا الطريق بوابات ـ دققوا الآن ـ إذا أغلقت منعت مرور الألم ، قال : هذه البوابات تتحكم بها الحالة النفسية للمريض .
وحدثني طبيب ، يمكن أنْ يكون معنا الآن ، وجزاه الله خيرًا ، قال : كنت في مستشفى ، دخل مريض مصاب بورم خبيث في الأمعاء ، وقال : عجيب أمره ، وجه مشرق ، كلما دخل إنسان يعوده يقول : اشهدْ أنني راضٍ عن الله ، يا رب لك الحمد ، مستبشر ، قال لي : والآلام لا تحتمل ولكنه لا يصيح أبداً ، وكلما زاره عائدٌ يقول له : اشهد أني راضٍ عن الله ، وعندما يقرع الجرس ، يتدافع الممرضون والممرضات لخدمته ، الأطباء يزورنه كل ربع ساعة ، تجد غرفته ملتقى ، مع روحانية ، وسرور ، الأطباء مع الممرضين والممرضات تجذبهم هذه الغرفة ، وينجذبون لها ، ويعرضون خدماتهم عليه ، يدخلون عليه من حين لآخر ، وهو يقول لهم : الحمد لله ، يا ربِ لك الحمد .
قال لي : لكن الله أراد أن يعلمنا درسًا لا ينسى ، ثم توفي هذا المريض ، وقد توفي على أطيب حال ، وهو راضٍ عن الله ، وقد ذكر عن رجل كان يطوف البيت الحرام وهو يقول :
يا رب هل أنت راضٍ عني ؟ وكان راءه الإمام الشافعي ، قال له :
يا هذا ، هل أنت راضٍ عن الله ، حتى يرضى عنك ؟
قال له : يا سبحان الله مَن أنت يرحمك الله ؟
قال له : أنا محمد بن إدريس الشافعي .
قال له : كيف أرضى عنه وأنا أتمنى رضاه ؟!
قال له : إذا كان سرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله .
فهذا المريض راضٍ عن الله ، واللهِ أعرف أخًا ، رحمه الله ، تقول زوجته : سنتين وهو مصاب بسرطان الأمعاء ، اشتهت مرة أن تسمع شكواه ، بل كان يقول : يا رب لك الحمد ، وأنا أعتقد أن آلامه خفيفة .
قال الطبيب : مات هذا المريض ، دخل مريض آخر مصاب بالمرض نفسه ، وبالغرفة نفسها ، ما ترك دينًا لم يسبه ، وما ترك نبيًّا إلاّ وسبّه ، روائح كريهة في غرفته ، نعوذ بالله ، يقرع الجرس ولا أحد يلبيه ، كأن هذه الغرفة جهنم ، الناس يتحاشونها ، هذا الدرس البليغ أن المرض واحد ، فالمؤمن عنده بوابات ألم ، يغلقها الله له إذا أراد أن يكرمه .
المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف:
فيا أيها الإخوة ؛ أنا أريد أن أقول كلامًا : المؤمن القوي خير وأحب إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف ، ماذا يمنع ؟ يقول لي واحد : العمر ثابت ، أقول له : صحيح ذلك ، لك عند الله سبعة وستين سنة تقضيها واقفا على قدميك ، أو طريح الفراش عليلاً ، لكن إذا لم يعتن الواحد بصحته يقضيها فإنه يقضيها طريحاً ، وإذا اعتنى بصحته يمضي هذه الأعوام في عمل صالح ، أنت في الدنيا من أجل عمل صالح ، فإذا كنت تمشي على قدميك ، والأجهزة سليمة ، فأنت في غنى كبير ، كان عليه الصلاة والسلام إذا استيقظ من منامه يقول :
(( الحمد لله الذي عافاني في جسدي وَرَدَّ عَلَيَّ رَوحي ـ أي سمح لي أن أعيش يومًا جديدًا ـ وأذِنَ لي بذِكرِه ))
(( الحمد لله الذي أذاقني لذته ـ لذَّة ماذا ؟ الطعام ، هناك شخص يعطونه سيروم ، وآخر يطعمونه أكلة طيبة ، كلاهما غذاء ، ولكن هذه غير هذه ـ وأبقى فَّي قوته ، وأذهب عني أذاه ))
فكل واحد منا أيها الإخوة إذا كانت أجهزته سليمة ، وكانت كليتاه سليمتين فليحمد الله ، قال لي شخص مصاب بفشل كلوي ، ذهب لغسل كليتيه ، فقالت له الممرضة بقسوة بالغة : لا تشرب ماء هذه المرة ، فالآلة معطلة ، وأنت تقول : احضروا لي كأًس من الماء ، وتتبعها بالثانية ، والثالثة ، وأنت مرتاح ، فالماء عذب فرات ، فأنت حينما تشرب كأس ماء فهذه نعمة لا يعرفها إلا مَن عنده فشل كلوي ، كلما شرب صار بحاجة لغسل كليتيه .﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ ﴾
أكثر أنواع الزيوت المهدرجة ممنوع بيعها في بلد المنشأ ، زيوت رخيصة ، فالآن الصناعة الغذائية متقدمة ، فمن الممكن من الفضلات ، مِن فضلات العظام ، من الغضاريف ، من قوائم الحيوانات ، من شيء لا يمكن أن يؤْكل ، يضعونه في مراجل ، وبعد الغلي ، والمجانسة ، وتحديد قوامه ، والتنكيه والتعطير ، تنتج مادة جيدة .احذروا المواد الغذائية المستوردة فقد تكون سم لكم
الخلاصة :
بعد ذلك ، هذه الندوة هاجمت الأغذية المعلبة هجومًا شديدًا ، يضعون بالأغذية المعلبة مواد بنزوات الصوديوم الحافظة ، مسموح بالألف واحد ، أحياناً يضعون واحدة بالألف ، ضماناً لحفظها ، وكلها مواد مسرطنة ، فلابد أن تفهم لماذا الأورام الخبيثة متضاعفة تسعة أضعاف منذ عشر سنوات ؟ لأن عندنا أخطاء بالغذاء ، فهل كأس من اللبن يساوي كأسَ مياه غازية ؟ والغازية كلها مواد كيماوية ، عندنا شراب ليمون ، وبرتقال ، وعلب أناناس ليس فيها مادة طبيعية إطلاقاً ، ليس فيها جنس المادة الطبيعية ، فكلها مواد كيماوية ، وجسمك أيها الأخ نباتي ، ليس كيماويًا ، فإذا أكثرتَ من المواد الكيماوية حدثت لك مشكلة كبيرة .
يجب أن نقف ، نتأمَّل ، ماذا نأكل ؟ وأولادك أمانة بعنقك ، أعيد وأكرر : الجاهل يفعل بنفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به ، ابدأ برغيف الخبز ، وانظر إلى هذا الذي تشربه ، يا ترى حليب طازج ؟ هذا الجبن الذي تأكله ، يا ترى جبن صحيح أم به مواد لا تعلم ما ما هي ؟ بالمناسبة الصناعات الغذائية بالعالم متقدمة بشكل مذهل ، وتعطي نكهات عالية ، وقد سمعت أن الندوة ذكرت: أن جلد الدجاج مع أصداف الدجاج شيء لا يؤكل إطلاقاً ، فهي مع رؤوس الدجاج ، كله يطحن ويعالج ، ويأتي إلينا كأكل يقبل عليه الشباب بشكل مذهل ، فهم يبيعون لنا فضلاتهم ، يبيعون لنا مواد عندهم ساقطة لا قيمة لها ، بالمناسبة ، نحن نشتري أحياناً تورب للنباتات ، هذا التورب هو قمامة الغرب ، طبعاً مخمرة ، ومعالجة ، ونشتريها بثمن أغلى من القمح .
ذلك ذكرت أن هذا الدجاج ، هذا ليس دجاجًا ، بل دجاج معالج بالأنابيب ، ليس له قوائم ، ولا رؤوس ، ولا أطراف ، فقط لحم ، بالاسم دجاج وهو ليس دجاج ، أو يعطونه مواد هورمونية من أجل تسريع النمو ، وهذه المواد تتراكم بأجسامنا ، ألا أقول لك : قشة قصمت ظهر البعير ، من الممكن أن تكون مادة قليلة بالجسم ، ولكن مع تناول الطعام بشكل مستمر تتراكم هذه المواد ، حتى تبلغ درجة مهلكة .
وبعد ؛ أتمنى على الله عز وجل أن يكون هذا الدرس مسموعا لديكم ، فكله إيضاحات وتوجيهات ، فدقق أيها الأخر ، قد يكون الطعام رخيصًا ، وبسيطًا ، ومن إنتاج بلدنا أفضل ألف مرة من طعام أجنبي غالٍ لذيذ الطعم ، ذات مرة جاءنا نوع من السكاكر أقبل الناس عليه إقبالاً منقطع النظير ، لي قريب زوجته فرنسية ، ذهبت لفرنسا حللت هذه السكاكر ، فظهر أن فيها مادة معينة على الإدمان ، فالمعمل حتى يبيع باستمرار ، وضع مواد بالسكاكر تعين على الإدمان ، أحياناً الطفل يكاد يسرق من جيب أبيه لكي يشتري قطعة من الحلويات الأجنبية ، فما السر ؟ السر أن فيها مادة تعين على الإدمان ، وقد باعت إسرائيل تهريبًا للدول المجاورة " مسكة " ، في جامعة بإسيوط جرت ثلاث عشرة حالة زنا بليلة واحدة ، هذه المسكة تثير الجنس بشكل ليس معقولاً إطلاقاُ ، وكذلك وصلت حلويات مهربة من إسرائيل تصيب الإنسان بالعُقم أيضاً ، فقبل ما تفك الغلاف وتأكل ، تعرَّف إلى هذا الشيء مَن أنتجه ؟ وهل خضع للمراقبة ؟ يا ترى صحي ؟ يا ترى أهو مشروع ، مقبول ، مفيد ؟ وأنا أنصح فأقول : " عودوا إلى الطبيعة " .
فكر بالأكل المفيد لك ولأولادك