التربية الإسلامية - الأخلاق المذمومة - الدرس (07-10) : التعاون على الإثم والعدوان
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2007-01-28
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أيها الإخوة الكرام ، في سلسلة دروس الأخلاق المذمومة التي بدأنها قبل حين انطلاقاً من قول سيدنا حذيفة رضي الله عنه حينما قال :
(( كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَيْرِ ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ أقع فيه ))
[ متفق عليه ]
من الأخلاق المذمومة : التعاون على الإثم والعدوان :
ولكن من خلال هذه السلسلة ليس من خلق مذموم أخطر على المؤمن من هذا الخلق ، موضوع هذا الدرس إنه التعاون على الإثم والعدوان ، قال تعالى :
﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾
[ سورة المائدة : 2]
1 – ما معنى الإثم ؟

فالإثم بالتعبير الاصطلاحي ما يجب التحرز منه شرعاً وطبعاً ، أما كلمة شرعاً وطبعاً فتعني أن هناك مطابقة تامة بين مفردات المنهج وخصائص النفس ، فكل شيء تتوق نفسك إليه أمرك الله به ، وكل شيء يزري بك نهاك الله عنه ، فما ينبغي أن تبتعد عنه شرعاً وطبعاً .
وقال بعضهم : الإثم والآثام هي الأفعال المبطئة للثواب التي تحمل صاحبها وصمة تجعله صغيراً عند الله وعند الناس .
والإثم هو الذنب الذي تستحق النفس العقوبة عليه ، ولا يصح أن يوصف به إلا المحرم ، وهذا التعريف أقسى التعريفات ، والإثم في هذا التعريف محرم .
2 – الفرق بين الإثم والذنب والوزر :
أما الفرق بين الإثم والذنب والوزر ، فإن الذنب هو مطلق الجرم عمداً كان أو سهواً ، فلمجرد أن تخرج عن منهج الله فهذا ذنب ، ويستحق صاحبه العقاب ، إلا أن الإثم ما كان عمداً ، قد يكون الذنب عفواً عن غير قصد ، إلا أن الإثم هو ذنب ارتكب عمداً .
أما الفرق بين الإثم والوزر فهما واحد ، وإن اختلفا في الوضع ، أي في أصل الاشتقاق ، فإن وضع الوزر للقوة ، لأنه من الإزار ، وهو ما يقوي الإنسان نفسه به ، ووضع الإثم للذة إنما خص به فعل الشر ، وفي الأعم الأغلب فعل بعض المعاصي مستلذ عند الإنسان ، الوزر فيه قوة ، والإثم فيه لذة ، وكلاهما ذنب .
3 – ما هو العدوان ؟

أيها الإخوة الكرام ، أما العدوان ، فهو الاعتداء في قول أو فعل أو حال ، عدوان قولي ، وعدوان فعلي ، وعدوان نفسي .
وقال بعضهم : العدوان تجاوز المقدار المأمور بالانتهاء إليه والوقوف عنده .
﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾
[ سورة الشورى :40]
أحياناً يكيل الإنسان الصاع صاعين ، هذا عدوان ، الأصل لك أن تأخذ حقك ، أما أن تأخذ الحق وزيادة فهذا عدوان .
معنى الآية :
معنى قول الله عز وجل :
﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾
[ سورة المائدة : 2]
قاعدة : إذا اجتمعا افترقا ، وإذا افترقا اجتمعا :
أن كلاً منهما الإثم والعدوان إذا أفرد فهذا موضوع لطيف له ما يشبهه في كتاب الله ، مثلاً : الفقراء والمساكين ، إذا قلت : الفقراء فيعني الفقراء والمساكين ، وإذا قلت : المساكين فيعني الفقراء والمساكين ، أما إذا قلت : الفقراء والمساكين الآن الفقير الذي لا يجد حاجته ، دخله أقلّ من حاجته ، لكنه ساكن في بيت ، ويرتدي ثياباً ، أما المسكين فهو العاجز عن أن يكسب المال ، معه عاهة ، فإذا اجتمعا تفرقا ، وإذا تفرقا اجتمعا ، والإثم والعدوان إذا اجتمعا تفرقا ، الإثم يغلب عليه المعصية التي فيها لذة ، والعدوان يغلب عليه الفعل الذي فيه تجاوز ، أما إذا قلت : الإثم فيشمل العدوان ، وإذا قلت : العدوان فيشمل الإثم .
قال القرطبي : " العدوان تجاوز الحد ، والظلم وضع الشيء في غير موضعه " ,
على كل الشاهد القرآني الوحيد :
﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾
[ سورة المائدة : 2]
لكن التفاصيل تأتي في السنة .
لا يجوز التعاون على الإثم والعدوان والظلم :
أيها الإخوة الكرام ، يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه النسائي :
(( اسمعوا ، هل سمعتم أنه سيكون بعدي أمراء ، فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم ، وأعانهم على ظلمهم فليس مني ، و لست منهم ، و ليس بوارد عليّ الحوض ، و من لم يدخل عليهم ، ولم يعنهم على ظلمهم ، و لم يصدقهم بكذبهم فهو مني و أنا منه ، و هو وارد عليّ الحوض ))
من أعان ظالماً و لو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوب على جبينه : آيس من رحمة الله .
1 – لا يجوز الإقرار على الذنب والمعصية :
لك صديق له منصب معين ، فدخلت عليه زائراً ، قال لك : فعلت كذا و كذا ، و العمل فيه ظلم ، فإذا جاريته ، و أمنت على كلامه بل ، و أثنيت عليه ، و قلت : هذا عين الحكمة هل تصدق أن الإثم الذي احتمله من هذا العدوان لك منه نصيب ، و لك منه وزر ، لذلك قالوا : من غاب عن معصية فأقر بها كان كمن شهدها ، ومن شهد معصية فأنكرها كان كمن غاب عنها .
لو أخذنا مثلاً فيه مبالغة : أنت بدمشق ، و إنسان ارتكب معصية كبيرة في كندا ، فأنت قلت في نفسك : و الله هذا ذكي ، لكنه ارتكب معصية ، أو عدوانا ، أو اختلس مالا، تزوير ، كذب ، قلت : و الله هو ذكي ، هل تصدق أن الإثم الذي سيتحمله تتحمله وأنت في الشام .
من أقر معصية غابت عنه كان كمن شهدها ، ومن شهد معصية فأنكرها كان كمن غاب عنها .
2 – لا تكن صاحبَ صاحبِ معصية :
هذا يذكرنا بأن الذنب شؤم على غير صاحبه ، على صاحبه من باب أولى قطعاً ، لكن الأثر الآن على صاحب صاحبِ الذنب ، الذنب شؤم على غير صاحبه ، أي على صاحب صاحبه .
وبالمناسبة ، هناك من يقول : لأن تكون صاحبَ صاحبِ مزرعة أفضل من أن تكون صاحب مزرعة ، ولأن تكون صاحبَ صاحبِ سيارة أفضل من أن تكون صاحب سيارة ، هنا إذا كنت صاحبَ صاحبِ مذنب فهناك مضاعفات .
3 – لا تعيِّر المذنب بذنبه :
أولاً : إن ذكرت هذا الذنب لكل من هبّ و دب فقد اغتبته ، وإن رضيته شاركته في الإثم ، وإن عيرته ابتليت به ، كم حالة ؟ إن ذكرته اغتبته ، إن أقررته عليه شاركته بالإثم ، إن عيرته به ابتليت به .
لك صديق ارتكب معصية معينة ، إذا قلت : دبّر أمْره فأنت شريكه في الإثم بكلمة ، و:
(( إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً ))
[ الترمذي]
4 – لا تتكبر على المذنب :
وإذا قلت : أين عقله ؟ شامتاً به ، معيراً له فربما أدبك الله بأن تبتلى بهذا الذنب نفسه ، و هذا شيء يقع كثيراً .
أنت تترفع بكبر فتقول : أين عقلك ؟ أما سيدنا يوسف فكان أديبا جداً :
﴿ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾
[ سورة يوسف ]
أي يا رب أنت حفظتني ، عفتي بفضلك ، أحياناً يكون الإنسان مستقيماً فعلاً ، لكن ينسى أن الله حفظه ، فيعتد باستقامته ، أنا عندي إرادة قوية ، أنا مربى من الصغر على طاعة الله ، هذا كبر ، سيدنا يوسف أكمل منك :
﴿ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾
[ سورة يوسف ]
إنّ أبعد إنسان في تصورك عن أن يعبد غير الله الأنبياء ، ماذا دعا سيدنا إبراهيم ؟
﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴾
[ سورة إبراهيم ]
هذه العبودية ، أن ترى أن الله هو الحافظ ، على كل إن ذكرته لمن هب ودب فقد اغتبته ، وإن عيرته ، وشمت به ابتليت به ، وإن أقررته فقد شاركته في الإثم .

لك صديقك ارتكب ذنبا ينبغي أن تقول : غفر الله له ، يا رب احفظني من هذا الذنب ، بينك وبين الله ، أعني على طاعتك ، يا الله لا تزغ قلبي بعد إذ هديتني ، فأنت حينما تدعو الله أن يعصمك ، وأن تدعو لأخيك بالتوبة فهذا الموقف الكامل .
قد يكون لك صديق بسلك معه قوة كبيرة جداً ، أحياناً بالجمارك يقول لك : أوقفته ودفعته مئتي ألف ، دفعهم وهو صاغر ، ماذا تقول له أنت : الله يعطيك العافية ، الله يعينك ، هناك إله سيحاسبك ، هذا عدوان طبعاً ، عود نفسك ألاّ تجامل أحداً بهذه الموضوعات ، لا تجامل الناس بأخطائهم ، إن جاملتهم بأخطائهم فأنت مخطئ .
والله لو أردت أن أدقق أكثر ، والله لو هززت برأسك لكنت مشاركاً له ، ما تكلمت ولا كلمة ، أليس معي حق ؟ تعمل له هكذا ، لا ليس معك حق .
مرة إنسان له منصب رفيع قال لي : والله أنا كنت في الحج يا أستاذ ، قلت له : مبارك ، قال لي : عندي ثلاثمئة موظفة ، قال : الكبار أخواتي ، وصافحتهم ، والصغار مثل بناتي ، ما قولك ؟ قلت له : غير صحيح ، هو فكره أن يأخذ مني فتوى ، الكبار أخواته والصغار بناته ، كلهم صافحهم بعد الحج .
خيرية الأمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
أنت لا تسكت ، لأن هذه الأمة خيريتها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فإذا تركت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقدت خيريتها ، قال تعالى :
﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾
[ سورة آل عمران : 110 ]
فإن لم نأمر بالمعروف ولم ننه عن المنكر ، بل إن أمرنا بالمنكر ونهينا عن المعروف ، بل إن أصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً فقدنا خيريتنا ، وأصبحنا أمة كأي أمة خلقها الله ، مالنا شأن عند الله إطلاقاً ، وهذا هو الواقع ، كن جريئاً ، هناك إنسان يقفز على المشكلات ، هناك إنسان يواجه المشكلة ، أمتنا متخلفة دينياً ، لا تقل : نحن أمة محمد ، هو سيد الخلق ، وحبيب الحق ، لكن نحن لسنا على سنته ، ولسنا على منهجه ، والدليل أننا نعذب كل يوم ، والله عز وجل يقول :
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
[ سورة الأنفال : 33 ]
يجب التمسكُ بالمضامين لا بالشكليات :
مستحيل وألف ألف مستحيل أن نعذب ومنهج النبي صلى الله عليه وسلم فينا ، في بيوتنا ، فلذلك البطولة لا أن تكون مع الإطار الإسلامي ، بل أن تكون مع المضمون الإسلامي ، البطولة أن يكون بيتك إسلامياً ، لا أن يكون كلامك إسلامياً ، أن يكون عملك إسلامياً ، الأطر سهلة جداً ، وأبعد الناس عن الدين بإمكانه أن يتمسك بالأطر الإسلامية ، يصلي ، يحج يأتي بعمرة ، لكن كسب ماله غير إسلامي ، إنفاق ماله غير إسلامي ، احتفالاته غير إسلامية ، سفره غير إسلامي ، خروج بناته غير إسلامي ، لا تكن متعلقاً بالأطر ، كن متعلقاً بالمضمون ، نحن تعلقنا بالأطر ، لو ذهبت إلى كل بلاد العالم الإسلامي فيها مساجد وصلوات ومؤتمرات ، ومكتبات ، وبرامج دينية ، لكن المسلمين غير مطبقين ، لذلك الله عز وجل لم يعبأ بكل هذه المظاهر فعطل وعوده نحوهم .
أنا أذكر قبل الحرب الأخيرة في العراق ما مِن مسجد ما صلى صلاة بالقنوت ، والله ما استجاب ، والآن أقول لكم : لو أقمنا صلاة الاستسقاء ولم تكن لنا توبة فلن ينزل مطر ، نحن إنتاجنا بفضل الله ستة ملايين طن من القمح ، فلذلك القضية ليست قضية شكليات عند الله ، بل قضية مضامين ، يجب أن نحتفل بالمضامين لا بالعناوين ، وقد قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه النسائي أيضاً :
النصحَ النُّصحَ :
(( إذا أراد الله بالأمير خيراً جعل له وزير صدق ، إن نسي ذكره ، وإن ذكر أعانه ، وإذا أراد الله به غير ذلك جعل له وزير سوء ، إن نسي لم يذكره ، وإن ذكر لم يعنه ))
[ النسائي ]

لذلك أخطر شيء من حولك هؤلاء ، يجب أن يكونوا نصحة ، وبطولتك أن تقرب من ينصحك ، وأن تبعد عنك من ينافقك ، قرب من ينصحك على مستوى أسرة ، على مستوى معمل ، على مستوى مدرسة ، على مستوى جامعة ، على مستوى مؤسسة ، الناصح قربه ، والمنافق أبعده .
(( إذا أراد الله بالأمير خيراً جعل له وزير صدق ، إن نسي ذكره ، وإن ذكر أعانه ، وإذا أراد الله به غير ذلك جعل له وزير سوء ، إن نسي لم يذكره ، وإن ذكر لم يعنه ))
[ النسائي ]
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن عجرة :
(( أعاذك الله من إمارة السفهاء ، قال : وما إمارة السفهاء ؟ قال : أمراء يكونون بعدي ، لا يهتدون بهديي ، ولا يستنون بسنتي ، فمن صدقهم بكذبهم ، وأعانهم على ظلمهم فأولئك ليسوا مني ، ولست منهم ، ولا يردون علي حوضي ، ومن لم يصدقهم بكذبهم ، ولم يعنهم على ظلمهم فأولئك مني ، وأنا منهم ، وسيردون علي حوضي ، يا كعب ، الصيام جنة ، والصدقة تطفئ الخطيئة ، والصلاة برهان ، يا كعب ، الناس غاديان ، فمبتاع نفسه فمعتقها ، وبائع نفسه فموبقها ))
[ ورد في الأثر]
أيها الإخوة الكرام ، لو أن شخصا الآن مقتنع أنه إنما جاء الغرب للعراق ليشيع فيه الحرية والديمقراطية ، مستحيل ، لأن الواقع عكس ذلك ، الواقع أن ثروات نهب ، الواقع إثارة فتن طائفية ، فلما يشيع الكذب ينشأ مجتمع على الكذب ، إذا تكلم إنسان كلمة غير صحيحة فأنت بأدب قل له : هذا الكلام غير صحيح ، فلما يجد الإنسان من ينتقضه ، ومن يصحح له يضبط نفسه .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه وأبي سعيد رضي الله عنهما أنهما قالا : قال عليه الصلاة والسلام :
(( لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار ))

الله قال :
﴿ فَعَقَرُوهَا ﴾
الذي عقرها واحد ، والآية :
﴿ فَعَقَرُوهَا ﴾
يعني قومه أقروا الذي عقرها ، والآن أحياناً تعتدي دولة فتجد في الانتخابات هذا المعتدي يدعم في ، أنا رأيي الشخصي أن كل من انتخب وزارة بدولة كبيرة ظالمة تعتدي على الشعوب الأخرى المنتخب يحمل الإثم نفسه ، لأنك أنت الذي انتخبته ، في الدول الديمقراطية الإثم ينال جميع المجتمع ، لأن في انتخابات حرة هؤلاء الذي انتخبوا سيحاسبون .
(( لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار ))
وفي حديث آخر رواه الحاكم عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال : قال عليه الصلاة والسلام :
(( من أعان على خصومة ))
[ الحاكم ]
إيّاكم والتناقض والكيلَ بمكيالين :

أيها الإخوة الكرام ، والله الذي لا إله إلا هو تسعون بالمئة من الناس إذا أخطأ الابن تكون الأم مع ابنها ضد زوجته ، وإذا أخطأت البنت يكون أبو البنت مع ابنته ضد صهره ، وإذا أخطأ ابن الشريك ، الشريك الأول مع ابنه ضد شريكه وهكذا ، انحياز أعمى ، ولا إنصاف ، ولا عدل ، نحن نظن أن العدل للقاضي ، أنت قاضٍ بين أولادك ، قاضٍ بين أصهارك ، قاضٍ بين ابنتك وزوجها ، أنت قاضٍ ، معظم الناس ينحازون إلى من يلوذ بهم ، هذا انحياز أعمى ، وهذا فيه ظلم .
(( لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار ))
(( من أعان على خصومة لم يزل في سخط الله حتى ينزع ))
[ ورد في الأثر]

أعلم إنسانا شابا غنيا يريد الزواج ، اختار فتاة بارعة الجمال ، لكن لها بيئة دينية ، وهو اعتبر أن جمالها يكفي ، وأن له طريقة معينة يجعلها تتخلى عن التقاليد البالية ، فلما تزوجها إذا هي مؤمنة صدقاً ، فرفضت الاختلاط ، وأن تذهب معه إلى الملاهي والفنادق ، وأن تجلس مع أصدقائه ، ومهرها غال جداً ، فدبرت أمه خطة كي تسامحه بمهرها ، أعطته تعليمات معينة ، يأتي الساعة الثانية ، يبالغ في إهانتها بألوان الإيذاء والظلم ، لم تحتمل ، بعد حين طلبت الخلع مع مسامحته بكل مهرها ، وهذا الذي حصل ، وتزوج امرأة أخرى شاردة عن الله مثله ، فصار يتندر الشاب كلما وقع في مشكلة ، يقول : نفذنا منها كما نفذنا من مهر فلانة ، وحسب نفسه بطلا ، وعنده سيارة ، وله بيت في المصيف ، وفي أحد أيام الصيف ـ انظر الترتيب الإلهي ـ وهو يقود السيارة وزوجته الجديدة إلى جانبه ، ووراءه أمه ، ووراء زوجته أبوه في المقعد الخلفي ، الأب وراء زوجته ، والأم وراء ابنها ، ووقع حادث مروع في الصحراء ، قتل الشاب وأمه فوراً ، كان الأب يستنكر عمل زوجته لظلم هذه الزوجة ، الله كبير ، ومثل هذه القصة آلاف القصص .
لا تعِن ظالماً ، لا تعِن ظالماً ، أحياناً الابن يكون ظالما ، والأم تدعم ابنها ضد زوجته ، بطولة الأم أن تكون مع الحق .
أيها الإخوة الكرام ، عدل ساعة يعدل أن تعبد الله ثمانين عاماً ، كلمة إنصاف ترقى بها إلى أعلى عليين ، ولو أنك تنصف خصم ابنك .
توجيهات نبوية في بيان خطورة التعاون على العدوان :
ويقول عليه الصلاة والسلام :
(( من خرج من الطاعة ، وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية ، ومن قاتل تحت راية عمية ـ يعني ليس فيها وضوح ، تقاتل مع جهة الهدف غير واضح إطلاقاً ، العمية المراد بها الأمر الأعمى الذي لا يستبين وجهه ـ يغضب لعصبة ، أو يدعو إلى عصبة ، أو ينصر عصبة فقتل فقتلته جاهلية ، ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ، ولا يتحاشى من مؤمنها ، ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه ))
[ورد في الأثر ]
هذا القتل العشوائي مخالف للمنهج ، تقتل بريئاً ، تقتل طفلاً ، تقتل امرأة ، بلا دقة ، بلا توجيه معين ، بلا حكم شرعي ، هذه مشكلة كبيرة جداً ، طبعاً بالمقابل :
(( من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً ))
[ مسلم عن جابر]
العصبية هنا أن تنحاز إلى قومك على حق أو على باطل ، أن تنحاز إلى ابنك ، أن تنحاز إلى ابنتها على حق أو على باطل ، أن تنحاز إلى شريكك على حق أو على باطل ، الانحياز الأعمى هو العصبية ، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول :
(( ليس منا من قاتل على عصبية ، أو قتل على عصبية ))
[ أحمد]
لابد من عاطفة عميقة :
هناك توجيه لطيف لبعض العلماء ، سعيد بن المسيب هذا تابعي قال : " لا تملئوا أعينكم من أعوان الظلمة إلا بإنكار من قلوبكم لئلا تحبط أعمالكم الصالحة " .

ترى إنساناً أعان ظالماً ، انظر سيارته فخمة ، بيته فخم ، لا ، لو دخلت إلى بيت تاجر مخدرات ، وكان بيته فخماً جداً هل تحترمه ؟ أعوذ بالله ، حتى يفرقوا بين العاطفة العميقة والسطحية ، الإنسان العميق المفكر يحتقر إنساناً غنياً جمع أمواله على أنقاض البشر ، تجار المخدرات جمعوا أموالهم على دمار الشباب .
يجب أن تملك عاطفة عميقة ، أنا رأيي لو كان له دخل فقير جداً ، ودخله هذا حلال مئة بالمئة ، ويعرف الله ، وملتزم ، ينبغي أن تحترمه ، وأن توقره ، وأن تحبه ، وأن تعرض عن هذا الذي امتلأ بيته بالتحف والأثاث والأناقة ، والجمال والولائم والفنادق والصالات ، هذا قد يكسب مالاً حراماً ، وذاك ماله حلال ، يجب أن تدعم الحق أن تدعم أهل الحق ، طبعاً يقاس على هذا إذا اشترى الرجل من رجل شيئاً وهو يعلم أنه سرقة فقد شاركه في السرقة ، حتى في القانون يحاسب كسارق .
وقال بعض السلف : " ما انتهك المرء من أخيه حرمة أعظم من أن يساعده على معصية ثم يهونها عليه " .
لا تساعد على معصية ، ولا تهون معصية على إنسان ، كن مع الحق ، ولا تخش في الله لومة لائم .
نتائج التعاون على الإثم والعدوان :
أيها الإخوة الكرام ، هذا الخلق الذميم خطير جداً ، هذا الخلق الذميم يكسبك آثام الآخرين ، تحمل أوزاراً كأوزارهم ، لأنك هززت رأسك ، أو أعطيته قلما ، حتى لو أعطيته قلما يوقع فلا تقبل ، لا أسمح لك أن توقع بقلمي قراراً ظالماً ، لذلك لما يكون في المجتمع أناس يقظون ونصحة وجريئون يتقدم المجتمع ، وطن نفسك ألاّ تجامل إنساناً على معصية ، ولا تعن على معصية ، ولا تعن على ظلم ، أما أخطر شيء فمن أعان ظالماً سلطه الله عليه ، وأكبر عقاب أنك إذا أعنت ظالماً كنت أول ضحية له ، من أعان ظالماً سلطه الله عليه .
والحمد لله رب العالمين